الأحد، 27 فبراير 2022

الجزء الثالث قصة كوسوفا مقال للدكتور راغب السرجاني، يبين فيه أهداف التدخل الأوربي

 

الجزء الثالث

قصة كوسوفا مقال للدكتور راغب السرجاني، يبين فيه أهداف التدخل العسكري الأمريكي الأوربي في كوسوفو، فما هي؟ ولماذا قررت أمريكا وأوروبا أن يكون استقلال كوسوفا تحت رعايتهما؟

قصة كوسوفا 3-4

 

 

 

 

 

ذكرنا في المقال السابق أن التدخل العسكري الأمريكي الأوربي في كوسوفا كان لمنع قيام دولة مسلمة حرة في أوربا على غرار ما نفَّذته الولايات المتحدة في البوسنة، بالإضافة إلى ذلك كان إضعاف الحليف الرئيسي لروسيا في منطقة البلقان، والقضاء على آخر رمز لقوة الروس في أوربا من الأهداف الرئيسية أيضًا؛ إذ إن هذه الضربات لم تكن بالقوة التي تقضي على الصرب، وإنما وضعت قدمًا لأمريكا وحلف شمال الأطلنطي في كوسوفا؛ لكي تتحكم منه في دفَّة الأمور، وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999م إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفو في 9 من يونيو 1999م، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفا لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني، وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة[1].كان الحال ينذر بتفجر الأوضاع مرة أخرى، وهذا ما حدث؛ إذ حدثت صدامات عنيفة بين الألبان والصرب في كوسوفا عام 2003م.وبناءً على ذلك قامت الولايات المتحدة ومجلس الأمن برعاية مفاوضات الوضع النهائي في كوسوفو التي بدأت في 2005م، ولكن تلك المفاوضات لم تصل إلى شيء؛ لأن صربيا عرضت الحكم الذاتي الموسع لإقليم كوسوفا في حين أصرَّ الألبان على الاستقلال التام.وبدأت المفاوضات الأخيرة جولة بعد جولة دون نتيجة، وأصبح الخلاف روسيًّا غربيًّا، غطاءً للنزاع الصربي الكوسوفاوي. في 17 من نوفمبر 2007م جرت الانتخابات العامة في كوسوفا على مستوى الرئاسة والبرلمان؛ وفاز بالرئاسة فلاديمير سيديو، وفاز بالأغلبية البرلمانية الحزب الديمقراطي لكوسوفا برئاسة هاشم تقي، ويبلغ تقي من العمر 39 سنة، وقد شهد في حياته الكثير من التقلبات، فهو ينحدر من عائلة شديدة التمسك بقوميتها الألبانية، ومن منطقة درينيتشا الوعرة جغرافيًّا، وحاصل على دبلوم في الفلسفة والتاريخ من جامعة بريشتينا. ومنذ عام 1993م، لجأ تقي إلى سويسرا كالكثيرين من أبناء بلده، لكن لم يطِـب به المقام، فعاد إلى كوسوفو لتعبِـئة الشباب وتدريبهم على حمل السلاح، فكانوا نواة لما أصبح يُـسمَّى بعد ذلك بجيش تحرير كوسوفو (UCK)، ومنذ ذلك الحين دخلت كوسوفو مرحلة تاريخية جديدة، وأصبح هاشم تقي المطلوب الأوَّل للسلطات الصربية. وبعد التدخل الدولي في كوسوفو وانطلاق المفاوضات حول الوضع القانوني للمنطقة، اختِـير هاشم تقي لقيادة الوفد الألباني لمفاوضات رامبووي، وكان عندئذٍ وزيرًا أولاً بالحكومة الانتقالية بكوسوفو.

 

 

 

 

 

هاشم تقي

 

ويقول تقي المعروف بدهائِـه السياسي: "حتى لو بقينا نتفاوض مائة عام، لن نتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الصربية"، وقد كشف تقي خلال السنوات الأخيرة على قُـدرة فائقة من التعامل مع المتغيِّـرات، وتحوّل بسرعة من زعيم للمقاومين إلى رجل دولة، هدفه تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في منطقة 60% من سكانها عاطلين عن العمل.

 

ومع حلول 10/12/2007م موعد تقديم تقرير عن إخفاق المفاوضات إلى الأمم المتحدة مجدَّدًا، بات الاحتمال كبيرًا أن يتم إعلان استقلال كوسوفا من جانب واحد، مع وعود - غير مضمونة - أن يجد اعترافًا غربيًّا، مقابل الرفض الصربي والروسي.

 

وبالفعل أوصى التقرير الذي أعدَّه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى إقليم كوسوفو، باستقلال منظم للإقليم عن صربيا يدعمه لفترة أولية وجود دولي مدني وعسكري؛ ففي تقرير موجَّه إلى مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)، قال المبعوث الأممي الخاص مارتي أهتيساري: "الاستقلال هو الخيار العملي الوحيد من أجل أن تكون كوسوفو مستقرة سياسيًّا، وتتوفر لها مقومات الاستمرار اقتصاديًّا". وأضاف - حسب الرغبة الأمريكية بالكامل -: "استقلال كوسوفو عن صربيا يجب أن يكون منظمًا، ويدعمه لفترة أولية وجود دولي مدني وعسكري".

 

وأوصت الخطة الأممية بأن يُمنَح الإقليم حق الالتحاق بالمنظمات الدولية، ويكون له رموز السيادة من جيش ودستور وعلم ونشيد، لكن مع حكم ذاتي موسع للأقلية الصربية المقدرة بنحو 100 ألف.

 

وقد وضع الاتحاد الأوربي الخطة قيد التنفيذ بأقصى سرعة، ووصل الاتفاق بين مندوبي الاتحاد الأوربي في بروكسل على صياغة قرار إرسال بعثة خبراء (1800) أوروبيين إلى كوسوفا، للمساعدة في تكوين الأجهزة الإدارية والقضائية والأمنية خلال الفترة التالية للاستقلال، وهو قرار اتُّخِذ بالإجماع مع امتناع المندوب القبرصي عن التصويت، وكانت قبرص آخر الدول المعارضة على هذا الصعيد.

 

 

 

لقد قررت أمريكا والاتحاد الأوربي أن يكون استقلال كوسوفا تحت رعايتها، وليس استقلالاً كاملاً يحكم فيه المسلمون الكوسوفيون أنفسهم.

 

وبالفعل أعلن هاشم تقي استقلال كوسوفا عن صربيا في 17 من فبراير 2008م. في هذه الأثناء بدأت الحكومة الصربية استعداداتها الرسمية لفرض حصار على كوسوفا على غرار حصار غزة، يشمل مثلاً قطع الكهرباء وإغلاق الحدود، وإن كان من المستحيل أن يصل إلى مستوى ما يعانيه قطاع غزة؛ نتيجة استمرار الوجود الغربي في كوسوفا.

 

وقد قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بالاعتراف باستقلال كوسوفا مباشرة، وحتى الآن اعترفت ما يزيد على 30 دولة باستقلال كوسوفا، غالبيتها من أعضاء الاتحاد الأوربي، ورفضت الاعتراف روسيا وصربيا بالطبع، ومعهما عدد من دول أوربا الشرقية، كبلغاريا وقبرص واليونان كذلك.

 

 

احتفالات واسعة بالاستقلال

 

وفي مفاجأةٍ غريبة لم تعترف باستقلال كوسوفا أية دولة عربية، فيما اعترفت بها خمس دول فقط من 57 دولة أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي أفغانستان والسنغال وألبانيا وماليزيا، بينما كانت تركيا من أسرع الدول في الاعتراف بها.

 

لقد رفض العديد من الدول العربية والإسلامية الكبرى الاعتراف باستقلال كوسوفا؛ فمصر عبَّرت عن رفضها، وأنها كانت ترى حصول كوسوفا على حكم ذاتي فقط، وإندونيسيا رفضت الاعتراف كذلك.

 

يحدث ذلك بينما يرنو مسلمو كوسوفا إلى العالم الإسلامي والعربي بنظرة أمل في الاعتراف والتعاون، فهم يريدون أن تبادر الدول الإسلامية للاعتراف بدولتهم، وقد طالب رئيس الأئمة بالمشيخة الإسلامية بكوسوفو صبري بايجوري العالم الإسلامي بالاعتراف العاجل والسريع بدولتهم الناشئة التي تتمتع بأغلبية مسلمة تصل نسبتها إلى 96% من تعداد السكان البالغ نحو مليونين ونصف المليون نسمة، وقال: "نحن في حاجة عاجلة إلى الدعم السياسي أولاً للحفاظ على الاستقلال وتثبيت الدولة، ثم الدعم الاقتصادي ثانيًا للنهوض بهذه الدولة في كافة المجالات".

 

فما السبب يا تُرى في رفض الدول الإسلامية الاعتراف باستقلال كوسوفا؟

 

ولماذا رفضت الاعتراف أيضًا بلغاريا وقبرص واليونان؟

 

ولماذا كانت تركيا من أولى الدول التي سارعت للاعتراف بالاستقلال؟

 

الإجابة على هذه الأسئلة ستكون إن شاء الله محور حديثنا في المقال القادم. نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.

================

الجزء الثاني: قصة كوسوفا المؤلف د. راغب السرجان؟؟ كيف بدأت المذابح الصربية في هذا العام عقابًا للمسلمين على قيامهم بثورة شعبية للمطالبة بالاستقلال.

 

تحدثنا في المقال السابق عن تاريخ كوسوفا حتى عام 1981م، وكيف بدأت المذابح الصربية في هذا العام عقابًا للمسلمين على قيامهم بثورة شعبية للمطالبة بالاستقلال.

https://www.almeshkat.net/book/9878

 قال الكاتب

ومع كل هذا القمع الشديد استمر المسلمون في المطالبة بحقوقهم إلى بداية انهيار الشيوعية، التي آذنت بتفكك (الاتحاد اليوغسلافي)، وراحت كل جمهورية من جمهورياته تأخذ طريقها نحو الاستقلال التام عن (يوغسلافيا) الفيدرالية، فتوقع المسلمون أنَّ أفول الظلام الماركسي، وظهور نظام جديد في أوروبا الشرقية سوف يسمح بالحريات لشعوب المنطقة، ويعطيها الحق في تقرير مصيرها.

 

وقد امتدَّ هذا حتى شمل جمهوريات (يوغسلافيا)؛ فأعلنت (البوسنة) استقلالها بعد (سلوفينينا) و(كرواتيا) وهنا قامت قيامة أعداء الله، فأعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين، وصرَّحوا على الملأ بأنهم لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية في أوروبا ثم حدث بعد ذلك ما حدث من الجرائم الوحشية والمذابح الجماعية التي ارتكبت في حق الشعب البوسني المسلم، والتي شهدها العالم بأسره، ولم يحرِّك لها ساكناً!!

 

لقد كان ما جرى في البوسنة من مذابح دموية، واغتصابات بالجملة، وجرائم لم تعرف لها البشرية نظيرًا أو حتى شبيهًا مقدمة لما يجري تخطيطه لإقليم كوسوفا المسلم؛ فلقد بدأت الحكومة الصربية مرحلة جديدة من الاعتقالات والتعذيب، والاضطهاد فاقت سابقتها، وفي هذا الصدد ارتكب (الصرب) جرائم كبيرة ضد هذا الشعب المسلم، في ظل صمت مطبق من العالم الإسلامي!!

 

وظل (الصرب) يمارسون إجراءاتهم القمعية ضد المسلمين في (كوسوفا) طوال الفترة الماضية، ولم يكن أمام الشعب المسلم خيار إلا المقاومة والانتفاضة أمام التجاوزات والتضييق، وسياسة الإفقار والتجهيل الممارسة ضده من طرف (الصرب) المهيمنين على مقاليد البلاد.

 

 

 

لقد بدأت الجرائم الصربية بالتصفيات الجسدية، وتدمير المساجد، والمنازل، واغتصاب المسلمات، وأخذت هذه الجرائم تتوالى على المسلمين؛ فتم إبعاد اللغة الألبانية عن كل تعامل رسمي، ومُنِعَتْ منعاً باتًّا في المدارس والجامعات، وطُرِدَ كل ألباني مسلم من وظيفته العمومية والمراكز الحساسة كالأمن والجيش، وقُتِلَ أكثر من (100) جندي مسلم خلال خدمتهم العسكرية في الجيش اليوغسلافي الصربي، وجرح أكثر من (600) آخرين في حالات اعتداءاتٍ متكررة استهدفت طرد المسلمين من الجيش لمنع المقاومة المسلحة ضد (الصرب).

 

ومن هنا عمد مسلمو كوسوفا لأسلوب آخر، هو النَّيْل من المستوطنين الصرب، الذين جِيءَ بهم من (كرواتيا) و(البوسنة) و(صربيا) و(الجبل الأسود)، لتحقيق توازن ديمغرافي مع الألبان في (كوسوفا)؛ ففي عام 1988م تظاهر نحو (6 آلاف) من المستوطنين الصرب ضد ما وصفوه بالمضايقات الألبانية. ولم يتأخر ردُّ ديكتاتور (صربيا) الجديد آنذاك المجرم العتيد (سلوبودان ميلوسيفيتش)، فأعلن في سنة (1989م) إلغاء الحكم الذاتي لـ(كوسوفا)، مُظهرًا وجهًا قوميًّا عنصريًّا سافرًا، ومُعلنًا حمايته للصرب.

 

وقد كان خطاب (ميلوسيفيتش) نقطة تحول، ليس على مستوى الأوضاع في (كوسوفا) فحسب، بل على مستوى (يوغوسلافيا) السابقة برمتها، وكان قرار إلغاء الحكم الذاتي في (كوسوفا) بمثابة إلغاء لـ(يوغوسلافيا) السابقة، وإعادة ترسيم الخريطة الجغرافية للبلقان بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار (الاتحاد السوفيتي)، وظهور ما سُمِّيَ في ذلك الوقت بالنظام العالمي الجديد.

 

بعد ذلك تطورت الأوضاع وظهرت حركات تطالب بالاستقلال التام عن (يوغوسلافيا)، في كُلٍّ من (كرواتيا) و(سلوفينيا) و(مقدونيا) و(البوسنة) و(كوسوفا)، وجرت مصادمات جديدة بين الصرب والألبان في سنة (1990م) وأعلنت (كرواتيا) و(سلوفينيا) الاستقلال عن يوغوسلافيا، وطالبت ألبانيا باستقلال كوسوفا.

 

 

 

ولكن الإجرام الصربي بلغ أشده سنة (1990م) عندما قامت السلطات الصربية بوضع السُّمِّ القاتل في خزانات مياه المدارس بمدن (كوسوفا)، فتسمَّم منها أكثر من سبعة آلاف طفلٍ من أطفال المسلمين، وكانت الحادثة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الحقد الصليبي الصربي ضد أطفال المسلمين.

 

روجوفا

 

وفي الوقت نفسه أغلقت القوات الصربية جميع المدارس الابتدائية والثانوية الألبانية، وأتبعتها بجامعة (بريشتينا) الألبانية، وقامت بطرد جميع طلابها، كما أغلقت المكتبات المركزية في جميع مناطق (كوسوفا)، وصادرت الكتب العلمية النادرة، ونقلتها بواسطة الشاحنات العسكرية إلى مصانع الورق، لإعادة تصنيعها ورقًا عاديًّا!!

 

وسط كل هذا برز اسم الزعيم الكوسوفي إبراهيم روجوفا رئيسًا لاتحاد الكتاب الألبان عندما أعلن (ميلوسيفيتش) إلغاء الحكم الذاتي في (كوسوفا)، وفي (1990م) طالب روجوفا بإعادة الحكم الذاتي لـ(كوسوفا)، وأعلن عن تشكيل حزب الرابطة الديمقراطية.

 

قام الشعب الكوسوفي المسلم بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991م؛ حيث صوَّت لصالح الاستقلال 99% ممن شارك به، وبناء على الاستفتاء انتُخِبَ روجوفا في (1992م) من قِبَلِ شعبه رئيسًا لجمهورية (كوسوفا) التي لم تعترف بها (بلغراد)، وتصاعد الغليان في (كوسوفا) باعتقال عشرات الألبان.

 

كان روجوفا يعتمد أسلوب الكفاح السلمي في مواجهة الصرب، ولكن هذا الأسلوب أثبت فشله في إنقاذ ألبان كوسوفا، أو حمايتهم؛ مما حدا بالشعب المسلم في (كوسوفا) بالاتجاه إلى العمل المسلح للدفاع عن هويتهم، فتم إنشاء جيش تحرير (كوسوفا)، وهو جيش عسكري يجمع الوطنيين القوميين من أبناء الإقليم، وهو ليس وحده الذي يعمل في ساحة المقاومة، بل هناك حركة الجهاد الإسلامي، وهي حركة إسلامية نشطة أسسها مجموعة من الشباب المسلم الذي تخرج في الجامعات الإسلامية، وشارك بعضهم في الجهاد المسلح ضد (الصرب) في (البوسنة)، وقد قاموا - إلى جانب القيام بأعباء المقاومة المسلحة - بنشاط دعوي وتربوي وتعليمي واسع للحفاظ على هوية الشعب المسلم، وإعداد الشباب المسلم إعدادًا متكاملاً للمشاركة في مقاومة العدوان الصربي الصليبي على بلادهم، وهذه المجموعة المجاهدة انطلقت في جهادها ودعوتها وتعليمها من منهج السُّنَّة الصافي، وواجهت تعتيمًا إعلاميًّا متعمَّدًا؛ لكي لا ينجذب الشباب الكوسوفي إليهم.

 

علي عزت بيجوفيتش

 

في هذا الوقت تم التوصل إلى (اتفاقية دايتون) بين المسلمين في البوسنة والهرسك، وأعدائهم الصرب والكروات في قاعدة دايتون العسكرية بولاية (أوهايو) الأمريكية في (21 من نوفمبر 1995م)، وتوقيعها بضمانات دولية في (14 ديسمبر) من نفس العام في (باريس)؛ مما شجَّع الألبان على المطالبة بالاستقلال.

 

ولكن صربيا عارضت هذه الاتفاقية؛ لأنها لا ترغب في استقلال كوسوفو الذي يقضي على حلم التوسع الصربي؛ ما دفع بحركة الجهاد الإسلامي الكوسوفية، وجيش تحرير كوسوفو إلى شنِّ حرب عصابات ضد الجيش وقوات الشرطة الصربية المتواجدة في كوسوفو عام 1998/ 1999م، وهو ما ردت عليه صربيا بحملات إبادة شديدة في المناطق التي تنطلق منها الحركتان، ومن ثَمَّ وجدت أمريكا وأوربا الفصة سانحةً للتدخل عسكريًّا ضد صربيا بزعم القضاء على هذه الحملات بعد أن فشلت جهود التفاوض السلمى التى كان آخرها مفاوضات "رامبوييه" مطلع عام 1999م نتيجة لتعنت الجانب الصربي في مقابل قبول ألبان كوسوفو

 

أفراد من جيش تحرير كوسوفا

 

للشروط الدولية لحل هذا النزاع، ولكن الهدف الحقيقي للتدخل الأمريكي الأوربي كان التدخل في البلقان لمنع قيام دولة مسلمة حرة في أوربا على غرار ما نفذته الولايات المتحدة في البوسنة، بالإضافة إلى ذلك كان إضعاف

 

الحليف الرئيسي لروسيا في منطقة البلقان، والقضاء على آخر رمز لقوة الروس في أوربا من الأهداف الرئيسية أيضًا؛ إذ إن هذه الضربات لم تكن بالقوة التي تقضي على الصرب، وإنما وضعت قدمًا لأمريكا وحلف شمال الأطلنطي في كوسوفا؛ لكي تتحكم منه دفة الأمور.

 

وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999 إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفو في 9 يونيو 1999م، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفا لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة[1].

==================

.كتاب الجزء الأول قصة كوسوفا بقلم الدكتور راغب السرجاني، 1.


 الجزء الأول قصة كوسوفا بقلم الدكتور راغب السرجاني، يعرض فيه تاريخ كوسوفو وموقعهم الجغرافي وأصول الكوسوفيين الألبان ومذابح المسلمين الجماعية على أيدي الصرب

قصة كوسوفا 1-4 

أثار إقليم كوسوفا المسلم اهتمام العالم عامَّةً، والإسلامي منه خاصة مرات عديدة في القرون الأخيرة، وكان من أهمها بالنسبة للأجيال الحاضرة ما حدث فيه من مجازر للمسلمين على أيدي الصرب الأرثوذكس في التسعينيات، ثم ما تابعناه ونتابعه هذه الأيام من إعلان الإقليم لاستقلاله تحت مظلَّة حلف الأطلنطي وحمايته.

 

وإقليم كوسوفا من البلاد الإسلامية التي عانت من تجاهل المسلمين أو جهلهم لسنين طويلة؛ بحيث لم يكن كثير من المسلمين يعرفون أن هذا الإقليم إسلامي، أو به مسلمون أصلاً، إلا بعد أن جرت فيه المذابح الصليبية ضد المسلمين في التسعينيات من القرن العشرين، مثله في ذلك مثل دولة الشيشان والبوسنة والهرسك. 

خريطة كوسوفا 

وقد أجرينا استبيانًا على موقعنا طوال الأسبوع الماضي حول متابعة قضية كوسوفا، فبلغت أصوات من يتابعون القضية بقوة 12%، ونسبة من يتابعونها قليلاً 52%، أمَّا نسبة من لا يعلمون عنها شيئًا فهي 36%.

 

يحدث ذلك بينما كوسوفا دولة إسلامية غالبية سكانها مسلمون، وتاريخها مع الإسلام طويل يمتد قرونًا.

 

تقع كوسوفا في منطقة البلقان في جنوب شرقي قارة أوربا، وهي محاصرة من الشمال والشمال الشرقي "بصربيا"، ويحدُّها من الجنوب مقدونيا وألبانيا، ومن الغرب الجبل الأسود، وتبلغ مساحتها 10.887 كيلومتراً مربعًا، ويبلغ عدد سكان كوسوفا ثلاثة ملايين نسمة.

 

دخل الإسلام إلى كوسوفا في عام 1389م، إبَّان المواجهة الحاسمة بين العثمانيين بقيادة السلطان مراد الأول والصرب بقيادة (لازار)، في المعركة التي اشتُهِرت باسم "قوصوه" أو "كوسوفا" وقد هُزِم الصرب في تلك المعركة، وقُتِلَ فيها ملكهم (لازار) بعد هزيمة جيشه، كما استُشهِد السلطان مراد وهو يتفقد نتائج المعركة، ويتفحَّص الجثث؛ إذ قام إليه جندي صربي تظاهر بأنه مقتول، وطعنه بخنجرٍ؛ فأرداه قتيلاً.

 

وتتمتع كوسوفا بتركيب عِرْقي متنوِّع يضمُّ 90% من الألبـــان، و4% من الصرب، و3% من الأتراك، و2% من البوشناق، و1% قوميات أخرى، وتبـلغ نسبة المسلمين بين هذه الأعراق حوالي 95%.

 

وتعود أصول الكوسوفيين (الألبان) إلى القبائل الإيليرية ذات الجنس الآري، وقد سُمُّوا بأكثر من اسم منها الألبان والأرناؤوط وإشكيبتا، واتفق المؤرخون على أنها أول من نزل شبه جزيرة البلقان - في عصر ما قبل التاريخ - على شواطئ البحر الأدرياتيكي الشمالية والشرقية قبل قدوم اليونان، وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ثم توسعت وانتشرت القبائل الإيليرية في أنحاء البلقان.

 

اجتمعت تلك القبائل بعد ذلك، وانتخبت رئيسًا لها، ثم أنشأ الإيليريون دولة لهم قبل الميلاد بثلاثة قرون (وجمهورية كوسوفا اليوم تقع في الموقع الذي كان يسكن فيه أجدادهم الداردانيون، والقبائل الإيليرية الأخرى)، وكانت دولتهم تسمى دارداني، وقد ضعفت دولتهم بمرور الزمن؛ فاحتلَّها الرومان، وبقيت تحت احتلالهم إلى أن زالت إمبراطوريتهم، وانقسمت إلى شرقية وغربية، وصارت بلاد الألبان تحت حكم الإمبراطورية الشرقية؛ حتى فتح المسلمون بلادهم ونعمت قرونًا تحت حكمهم.

 

اتَّفق المؤرِّخون على أن الإسلام دخل إلى البلقان قبل الفتح العثماني، وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة، إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق ومحدود. أمَّا انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيئ العثمانيين؛ حيث دخل الشعب الألباني في الإسلام أفواجًا، وحَسُنَ إسلام الألبان، واندمجوا في الدولة العثمانية؛ حتى برز منهم قوَّادٌ عِظام مثل بالابان باشا (من قواد فتح القسطنطينية)، وعدد من كبار الكُتَّاب والشعراء كانوا يؤلِّفون بلغات خمس، هي: الألبانية والبوسنية والعربية والتركية والفارسية، مثل محمد عاكف أرسوي رحمه الله.

 

وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد معركة (قوصوه)؛ فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفا وصربيا للحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد؛ فإنها فُتِحَت في عهد السلطان سليمان القانوني؛ وذلك في 26 من شهر رمضان المبارك سنة 938 هـ/1521م.

 

كانت ولاية كوسوفا أكبر الولايات العثمانية في روملي (أوروبا)، وكانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن، ثم مدينة بريشتينا، ثم مدينة أسكوب (أسكوبيه) عاصمة مقدونيا اليوم، وما زال عدد الألبان فيها إلى يومنا هذا أكبر من عددهم في تيرانا عاصمة ألبانيا.

 

منذ هزيمة الصرب على أيدي المسلمين في (قوصوه) عملوا على إنهاء الوجود الإسلامي في البلقان؛ ومن أجل ذلك قادوا تحالفًا مع بلغاريا والجبل الأسود وإليونان بهدف طرد الدولة العثمانية من البلقان، ثم الانفراد بالمسلمين هناك.

 

واشتدت المؤامرات على الدولة العثمانية من الخارج خاصةً في عصور ضعفها، وتمكنت صربيا من قيادة التمرد ضد الدولة في الداخل - في منطقة البلقان – حتى استطاعت أخيرًا أن تستقل عن الدولة العثمانية.

 

ثم وقع الألبان في أكبر خطأ في تاريخهم؛ إذ أعلنوا استقلالهم عن الدولة العثمانية أثناء الحرب البلقانية العثمانية سنة 1912م، ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة تصفية الحساب مع الدولة العثمانية؛ حيث أعلن "الصليبيون" في البلقان حربهم ضد الإسلام والشعوب المسلمة هناك؛ ففي مؤتمر عقدته الدول الغربية المنتصرة في لندن عام 1912م، تم توزيع أجزاء من أراضي بلاد الألبان على المنتصرين، وبعد أن كانت مساحة ألبانيا حوالي 70 ألف كيلومتر مربع؛ فإنها بعد اقتسام الغنيمة تقلَّصت إلى حوالي 29 ألف كيلو متر مربع فقط.

 

المجازر الوحشية في كوسوفا

المجازر الوحشية في كوسوفا

 

كانت كوسوفا من نصيب المملكة الصربية آنذاك، ومن يومها بدأت المذابح الجماعية للمسلمين في البلقان عموماً، وفي البوسنة وكوسوفا خصوصاً، وتقول إحدى الإحصائيات بأن عدد قتلى المسلمين في كوسوفا وحدها قريب من ربع مليون نسمة، هذا غير المهاجرين من ديارهم فراراً بدينهم وهم عشرات الألوف.

 

ثم بدأت مؤامرة جديدة بين تركيا العلمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وحكومة يوغسلافيا؛ وذلك بإفراغ البلاد من المسلمين، من خلال تهجير أعداد كبيرة منهم.

 

وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية في عام 1938، تقضي بتهجير 400 ألف عائلة ألبانية مسلمة إلى تركيا.

 

وخلال الحرب العالمية الثانية ظلَّ قادة ما يسمى بحركة التحرير الشعبية ليوغسلافيا (وهي حركة قومية ماركسية) يتوددون إلى الشعب الألباني المسلم في كوسوفا لإقناعه بأن من حقهم الاستقلال عن المملكة الصربية، وأنهم في حال تسلُّمهم مقاليد الحكم في البلاد سيعيدون هذا الحق المغتصب للمسلمين في كوسوفا.

 

ولكن بعد أن اعتلى الماركسيون الشيوعيون الحكم في البلاد تناسى الشيوعيون وعودهم، وتذكروا فقط عداءهم للإسلام، وحقدهم على المسلمين؛ فقاموا بحملة إبادة واسعة للشعوب الإسلامية المنكوبة التي سيطروا عليها، وأرسلوا وحدات من الجيش لاحتلال كوسوفا الأمر الذي فوجئ به الألبان، وظلُّوا يقاومون الجيش طيلة ثلاثة أشهر - من شهر ديسمبر 1944م إلى فبراير 1945 م – حتى سقط في هذه المعارك قرابة 50 ألف شهيد من الشعب الألباني المسلم.

 

وفي عام 1945م قرَّرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقسيم الأراضي الألبانية المحتلة بين ثلاث جمهوريات، هي: صربيا، ومقدونيا، والجبل الأسود؛ ومن ثَمَّ فقد أُلحِقَ إقليم كوسوفا بصربيا، وسُلِّمَت بعض الأراضي الألبانية ومَن عليها من سكان ألبانيين إلى جمهوريتي مقدونيا والجبل الأسود، الأمر الذي شتَّت العديد من أفراد الأسرة الواحدة بين هذه الدول.

 

وقد نصَّ الدستور اليوغسلافي الذي صدر سنة 1946م، على (تبعية كوسوفا لصربيا) كإقليم يتمتع بحكم ذاتي؛ مما مثَّل انتهاكًا كبيرًا لحقوق أهل الإقليم، وفوق ذلك فقد ظلَّ هذا الحُكم الذاتي يتقلَّص تدريجيًّا إلى أن أُلغِي بالكامل في دستور سنة 1963م.

 

ولكن بصدور دستور سنة 1974م تم تثبيت الحكم الذاتي وتوسيع نطاقه؛ إذ أصبحت كوسوفا بموجبه وحدة فيدرالية واحدة متساوية مع بقية الوحدات الفيدرالية الأخرى في البلاد، وهو ما انطبق على البوسنة أيضاً، الأمر الذي رفضه المسلمون فقاموا سنة 1981م بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها، يطالبون فيها باستقلال كوسوفا عن صربيا نهائيًّا، ومنحها حكمًا ذاتيًّا في إطار يوغسلافيا الفيدرالية؛ الشيء الذي جعل السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع انتفاضة الشعب المسلم؛ حيث نزل الجيش المدجَّج بأفتك أنواع الدبابات، والأسلحة الحديثة التي راحت تحصد المسلمين هنا وهناك.

 

وقد قُدِّرَ عدد قتلى المسلمين في اليوم الأول فقط من هذا الاجتياح بحوالي 300 قتيل، هذا فضلاً عن هدم البيوت، وتدمير المنشات الخدمية، وانتهاك حرمة المساجد والمدارس الدينية، وهتك أعراض الحرائر من أخواتنا المسلمات؛ مما أجَّج الثورة والغضب في نفوس المسلمين، وصاروا يتوقون بشدة إلى إعلان الاستقلال، وهذا ما فعلوه منذ أيام قلائل.

 

أمَّا عن الواقع الحالي في الإقليم، وكيف اتخذ المسلمون قرار الاستقلال؛ فهذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله.

=============

اندكس م توحيد

الرابط