الأحد، 27 فبراير 2022

كتاب:البدء والتاريخ -ابن المطهر الجزء الثاني

 

الكتاب:البدء والتاريخ -ابن المطهر الجزء الثاني
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com

   ومن مكتبة مشكاة بالرابط التالي

https://www.almeshkat.net/book/1141

 === فلما دخلت الإبل القصر خرج الرجال بأيديهم السيوف فهبت الزباء إلى نفق لها تحت الأرض كانت أعدته للحوادث فوجدت عمرو بن عدي قد كمن على فوهة السرب فأيقنت بالهلاك فمصت خاتمها وكان مسموما وقالت منيتي بيدي فذهبت مثلا وفيه يقول الدريدي
فاستنزل الزباء قسرا وهي من ... عقاب لوح الجو أعلى منتمى
فلم يزل الملك في بني عمر بن عدي حتى كان زمن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الأثيم فجاء الحارث بن عمرو بن حجر الكندي آكل المرار ودخل في دين المزدكية فولاه قباذ الحيرة فجاء حتى قتل المنذر بن ماء السماء وبعث ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فلما ملك أنوشروان رد ملك العرب إلى المنذر بن امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك امرئ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك ابنه النعمان بن امرئ القيس وهذا هو النعمان الأكبر الذي بنى الخورنق والسدير في عهد بهرام جور وكان خاصته فساح في الأرض ذكرو أنه أشرف من الخورنق في زمن الربيع فنظر نحو المشرق حتى رجع نظره حسيرا عن أقاصي بلوغ خيله ونعمه فقال لمن هذا فقالوا لك أبيت اللعن ثم نظر نحو المغرب إلى بياض أنهار جارية وجنان زاكية فقال لمن هذه فقالوا لك أبيت اللعن فقال فهل أوتي أحد مثل هذا فقام رجل من الرابضة والرابضة بقية من أهل العلم لا تخلو الأرض منهم فقال أبيت اللعن إنما أعجبت بفان لا يبقى وزائل لا يدوم قال فكيف المخرج فقال العمل بطاعة الرب والتخلي عن الدنيا قال فإذا فعلت ذاك فمه قال ملك دائم لا يزول ومقام ليس بعده شخوص وحياة لا تموت قال فإذا كان وقت السحر فأقرع على بابي فأتاه الرجل للوقت فإذا هو قد صب على نفسه استياحا فساح معه حتى لحقا بالله ويذكره عدي بن زيد في قصيدة طويلة
وتأمل رب الخورنق إذ أش رف يوما وللهدى تفكير
سره ما رأى وكثرة ما يم لك والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه فقال وما ... غبطة حي إلى الممات يصير
واخو الحضر إذ بناه واذ دج لة تجبي إليه الخابور
شاده مرمرا وجلله كل سا فللطير في ذراه وكور
لم تهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر وان أم أين قبله شابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال روم لم يبق منهم مذكور
أيها الشامت المعير بالده ر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأ يام بل أنت جاهل مغرور
أم رأيت المنون أبقين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
ثم بعد الفلاح والخير والإ مة وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق ج ف وألوت بها الصبا والدبور
ثم ملك المنذر بن النعمان وأمه يقال لها ماء السماء لحسنها وجمالها ويقال لمزيقيا أيضا ماء السماء لأنه إذا كان قحط اجتنى فأقام ماله مقام القطر ويقال هذا أبو عامر ولاه أنوشروان بعدما كان أبوه قباذ الملك ولي الحارث بن عمر بن حجر المعصوب وهذه قصة الملك المعصوب في زمن قباذ ذكروا أنه لما ولاه قباذ العرب كلها استعمل ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فكان يأخذ من كل واحد منهم في كل عام جزة من الصوف وجراب أقط ونحيا من سمن فلما ضعف أمر قباذ وخلعته المزدكية منعوه إتاوتهم فقتل أربعين من سرواتهم بالعصى فسموا عبيد العصا ثم وثبوا عليه فقتلوه وكان قد طرد ابنه امرئ القيس لقوله الشعر فلما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنصره على بني أسد فهويته ابنة قيصر وكان رجلا طوالا جميلا ويقال أنه خالف إليها فصرفه قيصر ووعده أن يتبعه الجيوش فلما كان بأنقرة منزل الشام بعث إليه بثياب مسمومة فلما لبسها تساقط لحمه فأيقن بالهلاك وقال رب قصيدة مثعنجرة وخطبة مسحنفرة تبقى غدا بأنقرة ثم أنشأ يقول
أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
أجارتنا إنا مقيمان هاهنا ... وأني مقيم ما أقام عسيب
وأنشد قصيدته السينية التي يقول فيها
فلم أنها نفس تموت سوية ... ولكنها نفس تساقط انفسا

ومات وكان امرئ القيس عند خروجه إلى قيصر أودع السموءل ابن عادياء اليهودي شكة مائة رجل فلما مات امرئ القيس جاء الحارث بن جبلة الغساني ملك الشام يطلبها منه فأبى السموءل أن يعطيه شيئا دون أمر وليه وتحصن منه فأخذوا أبنا له فقتلوه وهو ينظر إليه من القصر ولم يغدر بمال امرئ القيس فذكره الأعشى في قصيدته
كن كالسموءل إذ سار الهمام له ... بجحفل كسواد الليل جرار
فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر فما منهما حظ بمختار
فشك غير قليل ثم قال له ... اذبح هديك إني مانع جاري
ثم ملك عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحارث بن عمرو الكندي ويقال له عمرو بن هند يضرط الحجارة لشدة وطأته وإلحاحه في المضايقة ويقال له أيضا المحرق لأنه أحرق قوما، وهذه قصة عمرو بن هند ذكروا أن ناسا من بني دلم أصابوا ابنا لعمرو خطاء فآلى ليحرقن منهم مائة فأحرق منهم ثمانية وتسعين رجلا ولم يصب منهم غيرهم ثم أكملهم بامرأة نهشلية ورجل من البراجم ولذلك قيل في المثل إن الشقى وافد البراجم وقد ذكره الدريدي في قصيدته يصف ملوكا فقال فلان ثم فلان ثم ابن هند باشرت نيرانه يوم أوارة تميما بالصلا وعمرو هذا قتل طرفة وأفلت المتلمس فقال
أودى الذي علق الصحيفة منها ... ونجا حذار حياته المتلمس
ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن امرئ القيس أبو قابوس صاحب النابغة وهو الذي قتل عبيد بن الأبرص الشاعر وعدي ابن زيد العبادي فقتله كسرى ابرويز، وهذه قصة النعمان بن المنذر أبي قابوس ذكروا أنه كان له يومان يوم بؤس لا يرى فيه أحدا إلا قتله ويوم نعمى لا يرى فيه أحدا إلا وصله فأتاه عبيد بن الأبرص في بؤسه وهو لا يعلم به وقد امتدحه بقصيدة فلما أخبر بسوء اختياره في لقائه ذلك اليوم أرتج عليه الكلام ثم لما قدم للقتل قيل أنشد قصيدتك قال حال الجريض دون القريض فذهبت مثلا فضربت عنقه وأما عدي بن زيد وكان ترجمان كسرى ابرويز وكاتبه بالعربية وهو الذي سعى في أمر النعمان ووصف لأبرويز منه جلادة وغناء حتى ولاه العرب فكره النعمان أن يكون لأحد عليه منة له أو صنيعة عنده فحبسه وجعل يقول الشعر في حبسه ويعظه ويستعطفه وكان أحد الحكماء من قراء الكتب فلم ينفعه شيء من ذلك وقتله أخريا فاحتال ابنه زيد بن عدي بن زيد حتى توصل إلى ابرويز أخذ مقام أبيه في الترجمة والكتابة وكان ابرويز شغفا بالنساء وقرأت في تأريخ اليمن أنه كانت عنده يوم قتل اثني عشر ألف امرأة وجارية فذكر زيد بن عدي نساء آل المنذر بالجمال والكمال فكتب إليه ابرويز بأن يبعث إليه من جوارى العرب ويقال بل خطب إليه بعض نسائه فلما قرأ النعمان الكتاب قال وما يصنع الملك بعربان البوادي بادية العراقيب أين هو عن مها السواد أن للملك فيهن لمندوحة وأجاب عن الكتاب فحرف زيد بن عدي الكلام عن وجهه العرب يسمون النساء المها والبقر الظباء والنعاج وقال يقول النعمان أن في بقر السواد لمندوحة فغضب ابرويز وبعث في طلب النعمان فهرب النعمان فاستودع شكته وعياله هاني بن مسعود وبعث ابرويز جيشا يحمل تلك الشكة فأبى هاني أن يسلمها إليهم وقاتلهم وهزمهم وهذه الوقعة تسمى يوم ذي قار ثم رجع النعمان إلى ابرويز فلقيه زيد بن عدي فقال له أنت فعلت هذا يا زييدا والله لئن بقيت لأسقينك بكأس أبيك فقال أنج نعيم ولقد وضعت لك آخية لا يقطعها المهر الآرن ثم أمر ابرويز بالنعمان فطرح تحت أرجل الفيلة بعد ما حبس زمانا وفيه يقول الشاعر
بين فيول الهند تخبطته ... مختبطا تدمى نواحيه
وفيه يقول الأعشى
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ... نحور فيول بعد بيت مسردق
وقد ذكر هذه القصة في موضع آخر ثم خرج الملك عن آل المنذر وولي ابرويز اياس بن قبيصة الطائي وشهرام الفارسي ومات اياس بعين التمر وفيه يقول زيد الخيل
فإن يك رب القوم خلى مكانه ... فكل نعيم لا محالة زائل

ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر فأجلاهم العلاء بن الحضرمي عن البحرين في عهد رسول الله صلعم واستمر بهم الانتقاض للإسلام إلى أن فتح السواد سعد بن أبي وقاص زمن عمر بن الخطاب رضهما وجفنه هو عمرو بن عامر مزيقياء وولد جفنة آل العنقاء وآل محرق فهم آل غسان بالعراق والشام فأوهم الحارث بن عمرو الغساني ويقال له الحارث الأكبر ثم ملك الحارث بن أبي شمر وهو الحارث الأعرج وأمه مارية ذات القرطين وسار إليه المنذر بن ماء السماء في مائة ألف فوجه إليهم لبيد بن ربيعة الشاعر وهو غلام فأظهر أنه بعثه للصلح فأحاطوا بهم وهمم غارون غافلون فأصابوا منهم وهزموهم وأسروا منهم خلقا كثيرا فأتابوا بهم فسأله النابغة الذبياني أن يطلق عنهم ففعل وأتاه يمدح علقمة بن عبدة في اطلاقه عن الأسارى
إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... وحق لشاس من نداك ذنوب
فقال الحارث نعم واذنبه ثم ملك الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر وفيهم يقول النابغة الذبياني
هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث الأ عرج والأصغر خير الأنام
وكان آخر ملوكهم جبلة بن الأيهم أسلم في عهد عمر بن الخطاب رضه ودخل الروم وانقضى ملكهم وأول من دخل الشام سليح وهم من غسان ويقال من قضاعة فدانت بالنصرانية وملك عليها ملك الروم رجلا يقال له النعمان بن عمرو بن مالك ثم ملك بعده ابنه مالك بن النعمان ثم ابنه عمرو بن مالك ولما خرج عمرو بن عامر مزيقياء من اليمن تفرق وله في البلاد فصار إلى جفنة ملوك الشام هذا ما حفظ من تواريخ ملوك هذه الأقاليم ولا بد أن للهند والروم انتساقا وتأريخا وكذلك الصين لكن لم نر العلماء تكلفوا ذلك ولا ذكروه في كتبهم فقد تصعب جميع أيام ملك وبلد واحد وشخص واحد ويفوت الضبط وقوع الاختلاف فيها فيما يحفظ ويحكى فكيف أيام ملوك الأرض ومن يحصيها إلا الله عز وجل ولعمري أن فيما ذكرنا موعظة وعبرة وتأديبا وتنبيها ويزعم قوم من المنجمين أن الملك ثابت في بيت رجل واحد بإقليم الصين مذ كذا وكذا ألف ألف سنة فمن يتحقق ذلك مع ما يرى من سرعة الانتقال في إقليمنا وتشوش أحوال مالكيها والله أعلم وقد ذكر شيء من تواريخ ملوك الروم واليونانيين مجردا من الأخبار والقصص وما أرى فيه كثير فائدة وقد حفظ من أيام دارا الأكبر وهو أول من وظف من ملوك فارس القديمة على الروم وأخذها من فليقوس أبي الاسكندر وكان يلي اليونانيين وملك الاسكندر بعد أبيه الروم وخرج فاستولى على الأرض وقتل دارا الأصغر وغصب بين ملوك المشرق ثم ملك بعده خليقته بطليموس الأديب وبطليموس بلغة يونان الملك ثم ملك بعده بطليموس لغوس محب الأخ وهو الذي غزا بني إسرائيل بأرض فلسطين فسباهم ثم أطلق عنهم وردهم إلى بيت المقدس ثم ملك بعده بطليموس الصانع ثم بطليموس محب الأب ثم بطليموس الظاهر وهو صاحب علم النجوم ثم بطليموس المخلص ثم ثم ثم عشرة أنفس كلهم ملوك وكلهم بطليموس وتسعة رجال وعاشرهم امرأة فهولاء الكفار كانوا ملوك اليونانين ملوك الروم

وأما ملوك الروم قال العرب تسميهم القياصرة والهراقل فأول من تحرك منهم بعد الاسكندر في زمان الأشغانيين قسطنطين المظفر وكان هم بغزو فارس كما فعل الاسكندر فجمع ثلاثون وأربع مائة ألف من مقاتل من جنود ملوك الطوائف وغزوا الروم فاثخنوا فيهم ووظفوا عليهم الفدية فذاك حملهم إلى بناء قسطنطينية وإنما نسب إلى قسطنطين لأنه بناها وكان ملك قبله وبعد الاسكندر عدة ملوك فلم يتعرض الفارس منهم غير اسيانس الذي غزا بني إسرائيل بعد ارميا النبي فقتلهم وسباهم ومنهم افطنجس وكان أنجس منه وأنحس وهو الذي بنى إنطاكية ويقال أن أول من ملك الروم بعد الاسكندر بلافس ثم سليفيس ثم افطنجس ثم ظهر عيسى عم بأرض الشام والملك هرادس ولا أدري من كان يملك الروم يومئذ ثم ملك طباريس بعد ما رفع عيسى عم ونصب الأوثان ودعا الخلق إلى عبادتها وكان ينزل الرومية ثم ملك بعده فيلوذيس فقتل النصارى وقتل شمعون الصفا صخرة الإيمان والنصارى يرونه نبيا ثم ملكك ططوس بن اسفيانس فغزا بني إسرائيل وقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس حتى لم يبق حجرا على حجر ولم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وهو إحدى المرتين اللتين وعد الله خرابه فقال لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ومن ثم في قول بعض أهل العلم وقعت قريظة والنضير إلى أرض الحجار فتولوا يثرب وتنصرت الروم بأسرها وأراه في زمن ططوس أو بعده ثم تركت النصرانية في زمن قسطنطين وعبدت الأوثان ثم عادت إلى النصرانية بعده وقد اختلفت بهم الأحوال في الدين بعد عيسى عم إلى أن أقام الإسلام غير مرة وكان ملكهم في عهد النبي صلعم هرقل وكان ملكه شهرابراز عامل ابرويز ثم من كان منهم في الإسلام إلى يومنا هذا فمحفوظة أسماءهم وآثارهم في كتب الأخبار والفتوح والله الملك الدائم والسلطان لا يسلب.
الجزء الرابع
الفصل الثاني عشر
في ذكر أديان أهل الأرض ونحلهم
ومذاهبهم وآرائهم من أهل الكتاب وغيرهم
اعلم أ، اختلاف الناس في مذاهبهم واعتقاداتهم كفاء اختلافهم في أخلاقهم وهممهم وإرادتهم وألوانهم وألسنتهم فكما لا تجد اثنين على صورة واحدة وصيغة واحدة وهمة واحدة إلا في الشاذ النادر فكذلك في وجود اثنين على رأي واحد وخاطر واحد وإن كان الدين الواحد يجمع عالما من الخلق فإن الآراء يتوزعهم والهمم تتشعب بهم اللهم إلا الطوائف المقلدة فإن إجماعهم على ما يزعمون دعوى لا حقيقة له عند التفتيش فليذكر الآن ما بلغنا من ديانات أهل الأرض على سبيل الإيجاز والاختصار ونقول وبالله التوفيق أن لا يخلو الإنسان العاقل من اعتقاد حق أو باطل أو الوقوف موقف الشك ولا يجوز أن لا يوجد لمميز إحدى الحالات التي ذكرنا إلا أن يكون ناقص العقل عن الاعتقاد والشك فلا يجوز أن يعد من جملة المخاطبين ولا يجوز بقاء الشك لأن الشك من الجهل بالشيء وتكافؤ العلل فيه بتحقيق شيء أو إبطاله كما لا يجوز قيام الأدلة على وجود شيء وعدمه في حالة واحدة ووقت واحد وبورود العلم بالشيء وزوال الجهل عنه فيحصل المشكوك فيه إما معلوما أو مجهولا وقد بطلت منزلة الشك والسلام فالناس إذا لا يخلون من اعتقاد ديانة ما أو تعطيل في الجملة

ذكر المعطلة ولهم أسماء أخرى يقال لهم الملاحدة والدهرية والزنادقة والمهملة وهم أقل الناس عددا وأفيلهم رأيا وأشرهم حالا وأوضعهم منزلة يقولون بقدم أعيان العالم والأجسام وتولد النبات والحيوان من الطبائع باختلاف الأزمنة ورجوعها إلى أصولها ولا صانع لها ولا خالق ولا مدبر ولا محي ولا مميت ولا معاقب ولا مثيب ولا حافظ ولا حسيب فلا يرون السعي إلا فيما يعود بصلاح أجسامهم وقوة نفوسهم في اعطائها مناها من الملاذ والشهوات والملاهي من غير مراقبة أحد ولا إئثار تجمل ولا الكف عن تعاطي محظور تاقت النفس إليه ولا مشكور صانع فيما صنع إليه ولم يفتعل على غيره أو يكف مساءته أو يغيث ملهوفا أو ينصر مظلوما أو يراعى حقا أو يؤدي فرضا أو ينجز وعدا أو يفي بعهد أو يرحم ذا ضعف أو يستعمل الإنسانية أو يتكلف التجمل في شيء سرا وعلانية من لا يرى لنفسه صانعا ولأفعاله مراقبا ولا له على إحسانه وإساءته مثيبا ولا معاقبا ولا بعد الموت والبلى نشورا وحياة وما الذي يمنع من هذا نحلته وعقيدته من ركوب الفواحش وإتيان المآثم وانتهاك المحارم والإشراف في المظالم والتهور في الفساد والخوض في الباطل وقلة المبالاة بموجب العقل والإعراض عن اللوازم والاستحقاق بملتزمي الشرائع ومن لا يعد على حرمه ولم يغتظ ممن يترخص في مثل عمله ولم يحقد على من يمسه من نفسه أو ماله أو أهله وهو اسوته في نحلته وعقيدته وما معنى استعمال العقل وتجرع مرارة النفس من غير باطل ولا عائد وهل يجوز توهم بقاء الخلق وقوام العيش مع هذه العقيدة وكفاك بها سبة وفضيحة ومتى كان لهذه الفرقة في الأرض مجمع ومشهد وهل شاع لهم دين أو مذهب وأهل الأرض مع اختلافهم في الأديان والملل مجمعون على تنقض هذا الرأي والازراء به والغض منه ومحق رايته وإتلاف مستحيله وقد مضى في الحجج عليهم في الفصل الثاني من الكتاب ما يوقع اليقين ويدحض الشك ويكشف عن عواره ولله الحمد والمنة على ذلك فإن احتمى أحدهم عند ذكر هذه الفضائح واستنكف من التصاقها به فالتجأ إلى العقل كاف عن تحسين الحسن وتقبيح القبيح قيل أنت تملك أو هو يملكك فإن زعم أن عقله مالكه فقد أقر بأمر ناه وضيوق في المعارضة والسؤال فإنه لا بد أن يشير إليه بالربوبية أو تنقض قوله وإن زعم أنه مالك عقله قيل فاصرفه استحسان القبيح واستقباح الحسن وإذا كنت مالكا له فإن زعم هذا غير جائز لأنه لم يصلح للضد كالآلة المهيأة لإصلاح شيء لا تصلح لفساده قيل أهو جعل نفسه كذلك أم جعل فإن زعم أنه جعل نفسه كذلك فقد وصفه بالقدرة والعلم والإرادة والاختيار وعاد إلى تصحيح قوله أن العقل هو الباري وإن زعم أنه جعل كذلك فقد أقر بصانع له بطل قوله إن أنكر العقل خرج من جملة أهل الخطاب والتمييز ووجب تقويمه فيما يقوم به البهائم الصامتة وإن أنكر النظر دخل في مذهب السوفسطائية وكيف ما دار اتجهت عليه حجة الله الدامغة واضطرته إلى الإقرار به بقول الله عز وجل فلله الحجة البالغة ويقول أيحسب الإنسان أم يترك سدى وقال تعالى أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون قال تعالى من يعمل سوء يجز به وقال جزاء وفاقا وأصل التعطيل إنكار الخالق والرسول والثواب والعقاب اعتقادا لا إقرارا منهم اختاروا في دفع عادية الناس عنهم فاثبتوا الثواب والعقاب التناسخ في السعادة والشقاوة اللتين عندهم الجنة والنار في هذا العالم إذ لا دار عندهم غيرها ولا هي فانية ولا منقضية ويدلك على موضع تمويههم في هذا الناموس أنهم إذا لم يكن لهم خالق قديم ولا صانع مدبر حكيم فمن الذي ينسخ نفوسهم وأرواحهم ويسعد المحسن ويشقي المسيء منهم وقط ما النتشروا في أمة من الأمم ولا قروا في وقت من الأوقات انتشارهم في هذه الأمة لاعطائهم الإقرار بالديانة ظاهرا وحقن الشريعة دم من أجاب إليها وهم هولاء الباطنية الباطلية الذين تخلفوا عن الأديان وأمرجوا نفوسهم في ميادين الشهوات فمطوا عند الظلمة بترخيصهم لهم في ارتكاب ما يهوون وتهوينهم عليهم عواقب ما يحذرون حتى ترى المظالم قد فشت والقلوب قد قست والمنكرات ظهرت والفواحش كثرت وارتفعت الأمانة غلبت الخيانة وعطلت المروءة واستخف بالربانيين واهتضم المستضعفون وأميت العدل وأحيي الجور فظهر ما لم يذكر في عهد ملك من الملوك في قديم الدهر وحديثه ولا في زمن نبي من الأنبياء عم ولولا فضل الله عز

وجل على هذه الفرقة المسترذلة المحقورة ببقايا من العوام متمسكين بأديانهم لاصطلمهم وأشكالهم وأشباههم واجتاحهم أولياءهم وأصحابهم الذين وقفوا على غور كلامهم وأحاطوا بحقيقة مذهبهم ولا بد أنه تارك بهم ما يقدرونه في غيرهم لوعد الله تبارك وتعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأنا أصف بعض مذاهبهم وواكل بعده ذا العقل والمروءة ومن هو راجع إلى نفس وحسب إلى اختياره كما قال الله تبارك وتعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اعلموا رحمكم الله أنهم قوم يبيحون ما حظرته الأديان ويتأولون ما جاءت به الشرائع من الأحكام إلى الرخص والتجوز فيما يتمنون ويشتهون ويستحلون المحارم كلها من الزنا واللواطة والغصب والسرقة والقتل والجرح والكذب والغيبة والنميمة والبهتان والوقيعة وشهادة الزور وقول الإفك ورمي المحصن والسعاية والغمر والسخرية والطنز والاستهزاء والبطر والكبر والخيلاء والظلم والعقوق والميل والغدر والخلاف ونقض العهد وإخلاف الوعد وأشباه ذلك من الرذائل المحظورة في العقل والمحارم المزجور عنها في الشرع لا يعرفون معرفة الحق ولا محافظة على ذمام ولا تنظفا من نجاسة ولا حياء من خساسة الملوك عندهم أرباب العتاة شياطين الضعفى والمبتلون أهل النار وأصحابهم عندهم الجن وسائر الناس البهائم لا يرحمون مسترحما ولا يغيثون مستغيثا ولا ينهون عن الاطلاع على حرم الناس ولا يأنفون من اطلاع الناس على حرمهم ولا يمتنعون من مواقعة من أمكنهم من الذكور والإناث ولا يتحاشون من مواقعة من واقعهم أو واقع حرمهم ولا يعيبون القيادة الديائة والاكتفاء والمبادلة ولا يرون النهي عن كل ما اشتاقت إليه النفس جمعوا رخص النحل كلها وزادوا عليها الديائة والكشخ فأخذوا من المجوس بقولهم في نكاح البنات والأمهات ومن الخرمية في التراضي بالأمهات والأزواج ومن الهند بإباحة الزنا والسفاح ومن الخناقين بقتل من خالفهم فلا حياهم الله من قوم ولا حيا مذهبهم من مذهب وقد ينكرون ما ذكرنا إذا بدهوا به جهارا ولكن إذا اجتررتهم في الكلام إلى الأول الذي هو العقل والثاني الذي هو النفس والأساسين والأصلين اللذين هما الأركان صح لك كله وإن كانوا له منكرين في الظاهر ولم يمتنعوا عنه وليس لهم خالق مثيب معاقب لو تسكت عنهم وبلوتهم ليظهر لك الامتحان جميع ذلك إما قولا أو فعلا وإما إجازة ولأن كل ذي دين عندهم معذور والله أعلم،ل على هذه الفرقة المسترذلة المحقورة ببقايا من العوام متمسكين بأديانهم لاصطلمهم وأشكالهم وأشباههم واجتاحهم أولياءهم وأصحابهم الذين وقفوا على غور كلامهم وأحاطوا بحقيقة مذهبهم ولا بد أنه تارك بهم ما يقدرونه في غيرهم لوعد الله تبارك وتعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأنا أصف بعض مذاهبهم وواكل بعده ذا العقل والمروءة ومن هو راجع إلى نفس وحسب إلى اختياره كما قال الله تبارك وتعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اعلموا رحمكم الله أنهم قوم يبيحون ما حظرته الأديان ويتأولون ما جاءت به الشرائع من الأحكام إلى الرخص والتجوز فيما يتمنون ويشتهون ويستحلون المحارم كلها من الزنا واللواطة والغصب والسرقة والقتل والجرح والكذب والغيبة والنميمة والبهتان والوقيعة وشهادة الزور وقول الإفك ورمي المحصن والسعاية والغمر والسخرية والطنز والاستهزاء والبطر والكبر والخيلاء والظلم والعقوق والميل والغدر والخلاف ونقض العهد وإخلاف الوعد وأشباه ذلك من الرذائل المحظورة في العقل والمحارم المزجور عنها في الشرع لا يعرفون معرفة الحق ولا محافظة على ذمام ولا تنظفا من نجاسة ولا حياء من خساسة الملوك عندهم أرباب العتاة شياطين الضعفى والمبتلون أهل النار وأصحابهم عندهم الجن وسائر الناس البهائم لا يرحمون مسترحما ولا يغيثون مستغيثا ولا ينهون عن الاطلاع على حرم الناس ولا يأنفون من اطلاع الناس على حرمهم ولا يمتنعون من مواقعة من أمكنهم من الذكور والإناث ولا يتحاشون من مواقعة من واقعهم أو واقع حرمهم ولا يعيبون القيادة الديائة والاكتفاء والمبادلة ولا يرون النهي عن كل ما اشتاقت إليه النفس جمعوا رخص النحل كلها وزادوا عليها الديائة والكشخ فأخذوا من المجوس بقولهم في نكاح البنات والأمهات ومن الخرمية في التراضي بالأمهات والأزواج ومن الهند بإباحة الزنا والسفاح ومن الخناقين بقتل من خالفهم فلا حياهم الله من قوم ولا حيا مذهبهم من مذهب وقد ينكرون ما ذكرنا إذا بدهوا به جهارا ولكن إذا اجتررتهم في الكلام إلى الأول الذي هو العقل والثاني الذي هو النفس والأساسين والأصلين اللذين هما الأركان صح لك كله وإن كانوا له منكرين في الظاهر ولم يمتنعوا عنه وليس لهم خالق مثيب معاقب لو تسكت عنهم وبلوتهم ليظهر لك الامتحان جميع ذلك إما قولا أو فعلا وإما إجازة ولأن كل ذي دين عندهم معذور والله أعلم

ذكر أديان البراهمة أعلم أن لكل قوم دينا وأدبا وشريعة ففي الدين بقاءهم وصلاحهم وفي الأدب زيهم وشرفهم وفي الشريعة رسومهم ومعاملاتهم وقد ذكر قوم أن في الهند تسع مائة ملة مختلفة وأن الذي عرف منها تسعة وتسعون ضربا يجمع ذلك اثنان وأربعون مذهبا مدارها على أربعة أوجه ثم يرجع إلى اسمين البراهمة والسمنية فالسمنية هي التي معطلة البراهمة ثلاث أصناف صنف منهم يقولون بالتوحيد والثواب والعقاب ويبطلون الرسالة وصنف يقولون بالثواب والعقاب على التناسخ ويبطلون التوحيد والرسالة هذا جملة دينهم فأما آدابهم وأخلاقهم ففيهم الحساب والنجوم والطب واللهو المعازف والرقص والخفة والشجاعة والشعبذة وعمل النيرنجات وعلم الحروب ويدعون صفاء الفكر ونفاذ الوهم والأخذ بالعيون وإظهار التخييلات والرقا والإتيان بالمطر والبرد وحبسه وتحويله من مكان إلى مكان ويدعون حفظ الصحة ومنع الشيب والزيادة في القوة والذهن ورجوع الموتى إليهم وأما شرائعهم فمختلفة لاتساع بلادهم وتفاوت أقطارهم واختلاف الدين يوجب اختلاف الشرائع فالذي بلغنا أن إيمانهم في حديدة يحمونها حتى إذا بلغت غايتها في الحمى والحمرة أمروا المنكر أن يلحسها قالوا فإن كان كاذبا مبطلا احترق لسانه وإن كان صادقا محقا لم يضره ومنهم فرقة يغلون الزيت في برمة من حديد ويقذفون فيها حديدة ويأمرون المنكر أن يدخل يده فيستخرج الحديدة قالوا وإن كان كاذبا احترقت يده وإن كان صادقا لم يضره وعقوبة السارق والقاطع وسابي ذراريهم إذا ظفروا بهم أن يحرقوا بالنار ومنهم من يصلبهم وصلبهم أن يحد رأس الخشبة ثم يسلكه في مقعد المصلوب والمسلمون عندهم نجس لا يمسونها ولا يمسون ما يمسونه ولحم البقر عندهم حرام وحرمة البقر عندهم كحرمة أمهاتهم وجزاء من ذبح بقرة القتل ولا يعفى عنه والزنا حلال عندهم للعزاب لئلا ينتقض النسل ويتعاقب المحصن منهم إذا زنا ومن ارتد منهم إذا سباه المسلمون لم يقتلوه حتى يزكوه ويطهروه ان تحلق كل شعرة عليه من رأسه وجلده ثم يجمع أبوال البقر وأخثاءها وسمنها ولبنها فيسقى منها أياما ثم يذهب به إلى البقرة فيسجد لها ولا ينكحون من الأقارب بتة وعقوبة اللواطة عندهم القتل وشرب الخمر عند البراهمة حرام وكذلك ذبيحة أهل ملتهم ولكل قوم منهم ملة وشريعة يتعاملون عليها ويتعايشون بها

ذكر مللهم وأهوائهم زعمت الموحدة من البراهمة أن الله عز وجل بعث إليهم ملكا من الملائكة بالرسالة بصورة بشر اسمه ناشد له أربع أيد في إحدى يديه سيف والأخرى شكة الدرع والثالثة سلاح يقال له شكرته على هيأة حلقة وفي الرابعة وهق وهو راكب على العنقاء وله اثنا عشر رأسا رأس إنسان ورأس فرس ورأس أسد ورأس ثور ورأس نسر ورأس فيل ورأس خنزير حتى عدوها قالوا أمرنا بتعظيم النار التي عظمها الله عز وجل بالسناء والرفعة وألبسها الضياء والبهاء والنور وجعلها سببا لمنافع الدنيا ونهانا عن القتل وشرب الخمر وأباح لنا الزنا وأمر بعبادة البقر وأن نتخذ صنما على مثاله نعبده وأمرنا أن لا نجوز نهر كنك فإنه لا دين لمن جاوزه من البراهمة وإن الدين حسب لمن قبله ولذريته من بعده ولا يجوز لمن لم يكن منهم الدخول في دينه واسم هذه الفرقة الناشدية ومنم البهابوذية زعموا أن رسولهم ملك يقال له بهابوذ أتاهم في صورة بشر وهو راكب على ثور وعلى رأسه إكليل من عظام الموتى متقلد بقلادة من أقحاف الرؤوس وفي إحدى يديه قحف وفي الأخرى مزراق ذو ثلاث شعب مستظل بظلال من ذنب الطاووس فأمرهم بعبادة الله عز وجل وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه فيكون وسيلتهم إليه وأن لا يعافوا شيئا من الأشياء فإن الأشياء كلها من صنع الله عز وجل ومنهم الكابالية يزعمون أن رسولهم ملك يقال له شيب أتاهم في صورة بشر على رأسه قلنسوة من لبد مخبط عليها صفائح من أقحاف رءوس الناس فأمرهم أن يتخذوا صنما على مثال ذكر الإنسان ويعظموه ويعبدوه فإن الذكر سبب النسل في العالم ومنهم الدامانية والداونية هولاء الذين يقرون مع التوحيد بالرسالة فأما الذين يثبتون الخالق وينفون الرسل فأصناف منهم الرشتية وهم أصحاب الفكر الذين يعطون حواسهم بطول فكرهم ويزعمون أنهم إذا أخذوا أنفسهم بشدة التبرؤ والتجلي تجلت لهم الملائكة ويلطفونهم واستفادوا منهم هولاء لا يأكلون الألبان واللحمان وما مسته النار غير النبات والثمار مغمضة عيونهم عامة دهرهم ملحة أفكارهم يزعمون أنهم يدركون بها ما يريدون من مطر ورياح وقتل ونزول طير وإجابة دعوة ومنهم المصفدة قوم يصفدون أوساطهم إلى ظهورهم بالحديد قالوا لئلا ينشق بطونهم من غلبة الفكرة وكثرة العلم ومنها المهاكلية ولهم صنم يقال له مهاكال على ظهره جلد فيل يقطر منه الدم وأذناه مثقوبتان وعلى رأسه إكليل من عظام القحف يحجون إليه ويقصدونه لطلب حوائجهم ويزعمون أنه يقضيها لهم ومنهم التهكنية قوم لهم صنم على صورة امرأة يقال أن لها ألف يد في كل يد ضرب من السلاح ولهم عنده عيد إذا دخلت الشمس الميزان فيقربون قرابين من الجواميس والإبل والغنم ويقربون عبيدهم وإماءهم ويقاتلون الناس قربانا له حتى أن الضعفى يتوارون في تلك الأيام مخافة أن يكون الصنم يأمر ويأذن بقتلهم ومنهم الجهلكية يعبدون الماء ويزعمون أن معه ملكا وأنه أصل كل نشوء ونماء وحياة وعمارة وطهارة ومنهم الاكنهوطرية يعبدون النار وهي لها أعظم العناصر ولا يحرقون موتاهم لئلا ينجس النار ومنهم قوم يعبدون الشمس وقوم يعبدون الفهد وقوم يعبدون ملوكهم ولكل واحد منهم مذهب ورأي ودعوى ولا فائدة في ذكرها من التعجب والاعتبار فيما حكينا من فضائحهم وجهلهم وسخافة رأيهم وكفرهم كفاية

ذكر تحريق أبدانهم وإلقائها في النار يزعمون أن في ذلك نجاة لها وخلاصا إلى حيوة الأبد في الجنة ومنهم من يحفر له أخدود ويجمع فيه الألوان والأدهان والطيب ويوقد عليه ثم يجيء وحوله المعازف بالصنوج والطبول ويقولن طوبى لهذه النفس التي تعلو إلى الجنة مع الدخان وهو يقول في نفسه ليكن هذا القربان مقبولا ثم يسجد نحو المشرق والمغرب والشمال والجنوب ويرمي بنفسه في النار فيحترق ويصير إلى جهنم ومنهم من يجمع له أخثاء البقر فيقف في وسطه إلى أنصاف ساقيه وتشعل فيه النار ولم يزل واقفا حتى تأتي النار إليه ويحترق فيها ومنهم من يوضع على رأسه إكليل من المقل ويوقد حتى يسيل دماغه وحدقتاه ومنهم من يحمى له الصخور فلا يزال يضع على جوفه صخرة بعد صخرة حتى تخرج أمعاؤه ومنهم من أخذ مدية ويقطع من فخذه وساقه خصلة خضلة ويلقيها في النار وعلماؤهم وقوفا حوله يمدحونه ويزكونه حتى يموت ومنهم من يحفر له حفرة بجنب نهر ويوقد فيها ولا يزال يثب في النار من الماء ومن النار إلى الماء إلى أن تزهق نفسه فإن مات فيما بينهما جزع أهله وحزنوا وقالوا حرم عليه الجنة وإن مات في الماء أو في النار شهدوا له بالجنة ومنهم قوم يرهقون أنفسهم بالجوع فيمسكون عن الطعام حتى تبطل حواس أحدهم فيصير مثل الحشفة والشن البالي ثم يجمد ومنهم من يهيم في الأرض حتى يموت ولهم جبل شامخ في أصله صنم قد أشار بإحدى يديه إلى ربه فقر بين يديه ووضع يده الأخرى على نحره وإلى جانبه رجل قاعد على كرسي حوله أصحابه يقرؤون في كتاب طوبى لمن سلك هذا السبيل الذي أشار إليه هذا الصنم فإنه يؤدي إلى الجنة وقد ضمن الصنم ذلك فيركبون ردعهم حتى يموتوا ولهم جبل آخر تحته شجرة من حديد لها أغصان كالسفافيد وعندهم رجل بيده كتاب يقرأ فيه طوبى لمن ارتقى هذا الجبل وحاذى هذه الشجرة ثم بعج بطنه وأخرج أمعاءه فأمسكها بأسنانه ثم خر على هذه الشجرة ليبقى خالدا مخلدا وفي الجنة تختطفه الحور العين قبل وصوله إلى الشجرة فيتسارع إليه قوم فيخرقون أمعاءهم ويكبون على الشجرة ومنهم قوم يجيئون إلى نهر كنك في يوم عيد لهم ويجيء السدنة فيقطعونهم بنصفين ويطرحونهم في النهر ويزعمون أنه يخرج إلى الجنة ومنهم من يرمي نفسه بالحجارة ومنهم من يقعد عريانا حتى يأتي طير فيقطع لحمه ويأكله وكل من لا يؤمن بالرسالة والآخرة فإنه يؤمن بالثواب والعقاب في الانتقال والتناسخ واعتل عبدة الأصنام بأن البارئ جل جلاله في النهاية القصوى في كل ما يدرك ويعلم ويحس ويوصف ولا بد لكل متقرب إلى من يعظمه ويعبده إذا كان غائبا عن حواسه من واسطة ووسيلة فجعلنا هذه المتوسطات من الأجرام العلوية والسفلية إلى عبادته وقربة لديه وهكذا قالت العرب ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فسبحان من غرض كل عابد عبادته والوصول إليه وإن كان قد ضل وأخطأ الطريق وقرأت في كتاب المسالك أن السمنية فرقتان فرقة يزعم أن البد كان نبيا مرسلا وفرقة يزعم أن البد هو البارئ تراءيا للناس في تلك الصورة ونعوذ بالله

ذكر أهل الصين يزعمون أن أهل الصين عامتهم الثنوية والسمنية وله فرخارات فيها أصنام يعبدونها هذا دينهم ولهم آداب وأخلاق وحذق بلطيف التركيبات وعجيب الصنائع ولا يوجد في غيرهم ومن حسن أدبهم أن لا يقعد الصبي بين يدي الأب ولا يأكل معه ولا يمشي بين يديه ويسجد له وكذلك يسجد صغارهم لكبارهم تعظيما لهم وأما شرائعهم فإنهم يسجدون للشمس والقمر والكواكب والماء والنار وكل ما استحسنوا من شيء خروا له سجدا وكل مولود يولد كتبوا الوقت مولده ونظروا إلى طالعه وحكموا له بما دل عليه فليس في مملكة الصين ذكرا إلا وعددهم محصور في ديوان الملك لأنه يأخذ منهم الجزية ولا يموت منهم ميت إلا وأخر فيه إلى العام والشهر الذي ولد فيه ويطرح عليه دواء لئلا يفسد ومن سرق على زيادة ثلثمائة فلس وقيمتها عشرة دراهم قتل ومن استحق من السلطان أدبا أو قتلا أو عقوبة لم يفعل به شيء حتى يعطي كتابا بخطه ويقرأه بلسانه بحضرة المشايخ والصلحاء وأني قد أذنبت كيت وكيت واستحققت الضرب أو العقوبة أو القتل ثم أمضي عليه وما استحقه ويزعمون أن الشاهد واليمين باطل لأن الرجل إذا أعطي شيئا شهد بالزور ومذهبهم في هذا إذا كان لرجل على رجل دين أعطي كل واحد منهم صاحبه كتابا فيه علامته فيكتب في صاحب الدين إن لي على فلان كذا ويكتب المطلوب لفلان علي إلا كذا فإذا تداعيا وأنكر أحدهما طولبا بالخطين فيصح الحق ومن ولد بأرض وانتقل عنها ومات في غيرها نقل إلى أرض مولده ودفن فيها ومن استنكح من الغرباء بامرأة منهم وولد جارية ثم أرادوا الخروج منهم دفعوا الولد إليه وحبسوا الوالدة وقالوا لك ما زرعت ولنا الأصل ويبيحون الزنا للسفلة والضعفى ومن زنا من أهل اليسار والشرف قتلوه وعامة عقوبتهم في الذنوب القتل وأكثر زروعهم الاغذاء قالوا وإذا قلت الأمطار وغلت الأسعار جمع الملك السمنية وسدنة الأصنام ويهددهم بالقتل إن لم يأتوا بالمطر فلا يزالون محبوسين معتقلين حتى يأتي المطر قالوا وللملك كوسات في قصره فإذا غربت الشمس قرعوها قرعة واحدة فلا يبقى في المدينة أحد إلا سمعها ففزعوا إلى بيوتهم ومنازلهم فاغلقوا عليهم أبوابها وتحككت بالسكك والأزقة الجيوش والعسس إلى أن يسفر الصبح فمن وجدوه خارج داره ضربوا عنقه وكتبوا على ظهره بدمه هذا جزاء من تعدى أمر الملك، ذكر ما حكي من شرائع الترك وهم في شمال الصين ومغاربها يزعمون أن في بعضهم كتابا لهم وفي بعضهم كتاب التبتية لأنهم يجاورونهم وفي بعض كتاب السغدية قالوا وفي التغزغز نصارى وسمنية وليس من عادتهم قتل الأسارى ولا التجهيز على الجرحى ومن ظفروا به في الحرب فإن كان جريحا داووه وحملوه إلى منزله وأهله قالوا وخرخيز يحرقون موتاهم ويقولون أن النار تطهر جثته ودنيته ويعبدون الأوثان ومنهم من يعبد الشمس ومنهم من يعبد السماء ومنهم من يدفن على الميت عبيده وخدمه أحياء في التل حتى يموتوا ويعقرون الدواب عليه والتل بلغتهم القبر قالوا وفيهم قوم يزعمون أنهم يأتون بالثلج والريح والبرد وأكثر حكمهم على كتف الشاة والله أعلم

ذكر شرائع الحرانيين ذكر أحمد بن الطيب أنهم يقولون أن البارئ علة العالم لا يلحقه وصف شئ من المعلومات كلف أهل التمييز الإقرار بربوبيته وبعث الرسل تثبيتا لحجته ووعد من اطاع نعيما لايزول وأوعد من عصا العذاب بقدر استحقاقه قال وقصدوا في أمرهم أن يبحثوا عن الحكمة وأن يدفعوا ما ناقض الفطرة وأن يلزموا الفضائل ويجتنبوا الرذائل وصلواتهم ثلاث أولاها عند طلوع الشمس والثانية عند زوالها والثالثة عند غروبها ونصبوا قبلة بأن يجعلوا القطب الشمالي في نقرة القفا قالوا ويصلون كل يوم للكوكب الذي هو ربه فيصلون للزحل يوم السبت وللشمس يوم الأحد وللقمر يوم الاثنين وللمريخ يوم الثلاثاء ولعطارد يوم الاربعاء وللمشتري يوم الخميس وللزهرة يوم الجمعة قالوا ولا صلاة عندهم إلا على الظهور ولهم صيام وأعياد وقربان يتقربون فيها فيأكلون اللحم ويحرقون العظام وشحم الكلى ويغتسلون من الجنابة ومس الميت والطامثة ويعتزلون الطوامث ولايأكلون ما يذبح وينهون عن لحم الخنزير والسمك والباقلي والثوم ويعظمون أمر الجمل حتى يقولون من مشى تحت خطام ناقة لم يقض حاجته في ذلك اليوم ويتجنبون كل من به مرض مثل الجذام والبرص ولا يتزوجون بغير ولي وشهود ولا يتزوجون بالقريب ولا يجيزون الطلاق بغير حجة بينة عن فاحشة ظاهرة ولا يراجع المطلقة أبدا ولا يطأون إلا طلبا للولد والذكر والأنثى في الفرض عندهم سواء والثواب والعقاب يلحقان الأنفس وليس يؤخر ذلك عندهم إلى وقت معلوم بل يقولون أنها تصير إلى ما يجب عليها ولها من الجزاء عند ترك الأنفس استعمال البدن قال ويقولون أن النبي هو البرئ من المذمومات في النفس ومن الآفات في الجسم الكامل في كل محمود المستجاب الدعوة في إنزال الغيث ودفع الآفات وأن مذهبه مذهبا يصلح به العالم وتكثر به العمارة ولن تحصوا اسماء الرسل الذين دعوا إلى الله عز وجل كثرة قال وقولهم في العلوم قول ارسطاطاليس في كتبه وكتب امامهم لايخالفوا بها مذهب الفلاسفة اليونانيين في القديم.
ذكر أديان الثنوية وهم أصناف فمنهم المنانية والديصانية والماهانية والسمنية والمرقونية والكبانئون والصابئون وكثير من البراهمة والمجوس وكل من قال باثنين أو أكثر أو بشئ قديم مع البارئ فإن هذا الاسم يتناوله ويلحقه وكذلك القائلون بالجثة والجوهر والفضاء يزعم بعضهم أن الأصل هو النور والظلمة ثم يختلفون فيقول قائل إنهما جميعا حيان مميزان ويقول آخر بل النور حي عالم والظلمة جاهلة معمية وهذا رأي الصابئين ويقول مرقيون ثلاثة أشياء قديمة نور وظلمة وثالث معدل بينهما يخلق من هذا ومن هذا ليس من جنسهما ولولاه لم يك من طبعهما إلا التنافر ويقول المنانية النور خالق الخير والظلمة خالق الشر وأصحاب الطبائع قالوا بأربع طبائع وكثير من الفلاسفة بخامس معها خلافها ومنهم من يقول بقدم البارئ والطينة والعدم والصورة والزمان والمكان والعرض والمعطلة منهم قالوا بعدم العالم في أجسامه وأعراضه وشك قوم فلم يدر كيف يقولون وكل هذه المذاهب مخالفة لمذهب أهل التوحيد يكفيك ما مر من النقض عليهم في الفصل الثاني والله الموفق والمعين، ذكر عبدة الأوثان جاء في روايات أهل الإسلام أن أول ما عبدت الأوثان في زمن نوح النبي عم كما حكى الله تعالى عنهم وقالوا لاتذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا روينا عن محمد بن كعب القرظي أنه قال هولاء رجال صالحون من أولاد آدم عم وكان اذا مات أحدهم جزع عليه اخوته وعظم به وجدهم فجاءهم الشيطان وقال ألا أصور لكم صور اخوتكم فتتسلون بالنظر إليها وتستأنسون بها ففعل إلى أن مضت قرون فجاء وقال لأعقابهم إن آباءكم كانوا يعبدونها من دون الله فنصبوها آلهة ثم لما أغرق الله الأرض زمن نوح استخرجهم فنصبتها قريش يعبدونها كذا الرواية والله أعلم ثم تتابع الناس على عبادة الأوثان فمنهم من يجعلها وسيلة وذريعة إلى الله عز وجل ومنهم من استحسن ذلك لمشاكلة أفضل الصور ومنهم من يعبدها تقليدا حتى عبد قوم النار وقوم الشمس وقوم الماء وقوم الشجر وقوم النسر وقوم الفهد وقوم البشر وقوم الملائكة وقوم النجوم وقوم الحجر وفي الجملة كلهم يعبدون مع الله غيره إلا المسلمين وصنفا من اليهود

ذكر مذاهب المجوس وشرائعهم اعلم أنهم أصناف فمنهم اللغرية والبهافريذية والخرمية ولا قوم أكثر هوسا وتخليطا منهم فمنهم من يقول بالاثنين كالمنانية وبالثلاثة كالمرقونية ومنهم من يعبد النار والشمس والقمر والنجوم ويزعم أن الإله القديم لم يزل وأنه خلق اهرمي وهو بمنزلة ابليس عندهم فعاداه وناصبه ويزعم آخرون أن البارئ يفكر فكرة ردية فحدث منها هذا الشرير الخبيث المضاد له بغير إرادته ومنهم الزردشتية يقرون بنبوة زردشت وثلاثة أنبياء يكون بعده ويقرؤون كتابه الابسطا ويعظمون النار قربة إلى الله عز وجل لأنها أعظم الاسطقسات ثم يزعم بعضهم أن النار من نور الله عز وجل ويزعم آخرون أنها بعض من الله عز وجل ويحرمون الميتة وكل ما خرج من باطن الإنسان من أي منفذ كان ولذلك يزمزمون عند طعامهم ويصلون ثلاث صلوات يدورون فيها مع الشمس كيف دارت احداها عند طلوع الشمس والثانية نصف النهار كل واحد لطولها وعرضها ويعظمون من يعلمها ويزعمون أنهم كلما أرادوا طربا ازداد ابليس حربا وحزنا ويحرمون الأكل والشرب في أواني الخشب والخزف لأنهما يقبلان النجاسات وإذا غسلوا أيديهم على إثر الطعام لم يدخلوا الماء أفواههم لأنه من الاستخفاف به ويغسلون الشفاه ويستحلون نكاح الأخوات والبنات ويحتجون على من خالفهم بفعل آدم عم ذلك ويأكلون من الحيوان ما يأكله المسلمون وما كان من خلق ابليس فلا يأكلونه ويعظمون النيروز والمهرجان وأيام الفروردجان ويزعمون أن أرواح موتاهم ترجع إلى منازلهم وينظفون البيوت ويبسطون الفرش ويصنعون الأطعمة تلك الأيام ويقولون إنما يصيب الموتى منها روائحها بقواها ونورها وإذا احتضر أحدهم قربوا منه كلبا ويزعمون أن الشيطان يحضره عند مفارقة الروح فيلتبس بجسده كظل الشجرة إذا وقع على الحائط فإذا التفتت إليه الكلب فزع منه ففارقه ولا يجوز عندهم أن يقربوا الميت من الماء والنار ومن مسه وجب عليه الغسل لأنه نجس بانتقال روحه والطهارة واجبة عليهم في اليوم والليلة مرة واحدة وهي غسل اليدين وغسل الوجه بما يستخرج من الأشجار أو من البقر ثم يغسلون بعده بالماء الطاهر ولا غسل عليهم للجنابة والأختان والزكوة واجبة عليهم من جميع أموالهم أن يخرجوا الثلث منها للفقراء والمضطرين من أهل ملتهم ومن غيرهم وفي إصلاح القناطر وكنس الأنهار وعمارة الأرض وينكحون من النساء ما شاؤوا وكيف شاؤوا ولا يقع الطلاق إلا بأحد ثلاثة أشياء الزنا والسحر وترك الدين والسكر والزنا والسرقة عليهم حرام وعقوبة الزاني أن يضرب ثلاث مائة خشبه أو يؤخذ منه ثلاثمائة إستار فضة ومن سرق وشهد عليه ثلاثة عدول وأقر خرم أنفه وأذنه ويسمون ذلك درويش ويغرم مثل قيمة ما سرق فإن عاد وسرق ثانياً اكتفى عليه بشاهدين عدلين وقامت العلامة مقام شاهد وخرم في أنفه وأذنه في موضع آخر وغرم مثل قيمة ما سرق فإن عاد وسرق ثالثا اكتفى منه بشاهد وخرم في أنفه وأذنه من موضع آخر وغرم قيمة ما سرق فإن عاد وسرق رابعا لم يستشهد عليه بعد ذلك وغرم كل ما ادعى عليه الخصم ومن قطع الطريق أخذ منه قيمة ما أخذ أربع مرات وقتل ومن خرج عن الولاة فعقوبته أول مرة قطع اليدين من المعصم وفي الثانية قطعها من الذراع وفي الثالثة من الكتف وفي الرابعة ضرب العنق فإن كان في خروجه على السلطان لم يجن شيئا بيده ولكنه قال قولا مواجهة فقئت عيناه فإن كان سعى سعيا قطعت رجلاه وأحكامهم في المواريث عجيبة فلو أن رجلا مات وخلف امرأة وابنين وابنة فإن المرأة إن شاءت أخذت مهرها ويجب على ورثة زوجها إمساكها والانفاق عليها ما عاشت وإن لم يكن لها منه ولد فإن المال والمرءتان موقوفان إلى أن تتزوج المرأة فإذا تزوجت المرأة رفعت النفقة عنها وإن مات رجل وخلف أبا وأخا دفع المال إلى الأب على أن يتزوج امرأة ويولد لها ولد باسم المتوفى ليكون المال له وكذلك الأخ لا يرث شيئا إلا على هذه الشريعة وكذلك إن كان للمتوفى أختان دفع المال إلى الكبرى على أن تتزوج رجلا وتلد غلاما تسميه باسم هذا المتوفى ويدفع المال إليه فإن كانت الكبيرة متزوجة دفع المال إلى الصغيرة على هذه الشريطة وإن كانتا متزوجتين دفع المال إلى من يضمن إيلاد ولد باسم هذا المتوفى ويدفع المال إليها ويكون المال له وجملة هذا الباب أنه إذا كان للمتوفى ولد كان المال كله له وإن لم يكن له

ولد فلمن يقبل هذا الشرط،لد فلمن يقبل هذا الشرط، ذكر مذاهب الخرمية هم فرق وأصناف غير أنهم يجمعون القول بالرحمة ويقولون بتغيير الاسم وتبديل الجسم ويزعمون أن الرسل كلهم على اختلاف شرائعهم وأديانهم يحصلون على روح واحد وأن الوحي لا ينقطع أبدا وكل ذي دين مصيب عندهم إذا كان راجي ثواب وخاشي عقاب ولا يرون تهجينه والتخطي إليه بالمكروه ما لم يرم كيد ملتهم وخسف مذهبهم ويتجنبون الدماء جدا إلا عند عقد راية الخلاف ويعظمون أمر أبي مسلم ويلعنون أبا جعفر على قتله ويكثرون الصلاة على مهدي بن فيروز لأنه من ولد فاطمة بنت أبي مسلم ولهم أئمة يرجعون إليهم في الأحكام ورسل يدورون بينهم ويسمونهم فريشتكان ولا يتبركون بشيء مثل تبركهم بالخمور والأشربة وأصل دينهم القول بالنور والظلمة ومن شاهدنا منهم في ديارهم ماسبذان ومهرجان قذق فإنا وجدناهم في غاية التحري للنظافة والطهارة والتقرب إلى الناس بالملاطفة بتقديم الصنيعة ووجدنا منهم من يقول بإباحة النساء على الرضا منهن وإباحة كل ما يستلذ النفس وينزع إليه الطبع ما لم يعد على أحد بالضرر ذكر شرائع أهل الجاهلية كان فيهم من كل ملة ودين وكانت الزندقة والتعطيل في قريش والمزدكية والمجوسية في تميم واليهودية والنصرانية في غسان والشرك وعبادة الأوثان في سائرهم واتخذ بنو حنيفة إلها من حيس وعبدوه دهرا ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقال بعضهم
أكلت حنيفة ربها ... زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتباعة
وقال آخر
أكلت ربها حنيفة من جو ع قديم بها ومن إعواز
وكان في مشركيهم بقية من دين اسمعيل عم كالنكاح والختان والمناسك وتعظيم الأشهر الحرم وغير ذلك وأحدثوا أمر الحمس من قريش فكان لا يخرجون من الحرم ولا يقفون مع الناس بعرفات ويقولون نحن آل الله ولا نخرج من حرمه وكان الرجل من الغرباء إذا قدم مكة لا يطوف في الثوب الذي قارف فيه الذنب فإن أصاب من ثياب الحمس طاف فيه وإن لم يصب طاف الرجل بالنهار عريانا والمرأة بالليل عريانة وكانت الحمس لا يسلئون السمن ولا يأقطون الإقط ولا يأكلون اللحم أيام الموسم وكانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها ويقولون لا ينبغي أن يحول بيننا وبين السماء شيء وكانوا يحرمون من النساء ما حرمه الله عز وجل في القرآن إلا امرأة الأب فانزل الله سبحانه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف وكانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويصلون الوصيلة ويحمون الحامي ويستقسمون بالازلام ويقربون القربان وغير ذلك مما هو مذكور في أخبارهم وأشعارهم فأبطل الله عز وجل بأحكام الإسلام أكثرها وكانوا يقولون أن روح الميت تخرج من قبره وتصير هامة فتقول اسقوني اسقوني ومن ثم قال ذو الأصبع
يا عمرو إن لم تدع سبى ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
ومنهم من كان يؤمن بالبعث والنشور بعد الموت ويزعم أن من عقرت مطيته عند قبره حشر عليها وفيه يقول حريثة
واحمل أباك على بعير صالح ... ويقي البقية أنه هو الأقرب

ذكر شرائع اليهود وهم أصناف فمنهم العانانية والاشمعيثية والجالوتية والفيومية والسامرية والعكبرية والاصبهانية والعراقية والمغاربة والشرستانية والفلسطينية والمالكية والربانية فأما عانان فإنه يقول بالتوحيد والعدل ونفي التشبيه واشمعث يقول بخلافة وجمهور اليهود على هاذين الرجلين وأما سائر المخالفين فإنه يقع الخلاف بينهم في الشيء بعد الشيء وزاد رأس جالوت في التشبيه على اشمعث حتى يزعم أن معبوده شيخ اشمط واحتج أنه وجد في سفر دانيال رأيت قديم الآباء قاعدا على كرسي أبيض الرأس وحوله الاملاك فهم يسمون الجالوتية وأما الفيومية فصاحبهم أبو سعيد الفيومي يفسرون التورية على الحروف المقطعة كما يفعله الباطنية في الإسلام وأما السامرية فإنهم ينكرون كثيرا من شرائعهم ولا يقرون بنبوة من كان بعد يوشع بن نون مثل داود وسليمان وزكريا ويحي وغيرهم ويزعمون أنهم ليس لهم في التورية اسم وأما العكبرية فأصحاب أبي موسى البغدادي العكبري يخالفوهم في أشياء من السبت وتفسير التورية وأما الاصبهانية فأصحاب أبي عيسى الاصبهاني وادعى النبوة وأنه عرج إلى السماء فمسح الرب رأسه وأنه رأى محمدا في السماء فآمن به ويهود أصبهان يزعمون أن الدجال منهم يكون ومن ناحيتهم يخرج وأما العراقية مخالفون الخراسانية في أوقات أعيادهم ومدد أيامهم وأما المغاربة فإنهم يرون السفر في السبت وطبخ القدور فيه وأما الشرستانية فإنهم أصحاب شرستان زعم أنه ذهب من التورية ثمانون بسوقة ومعنى بسوقة آية ويدعى أن للتورية تأويلا باطنا مخالفا لظاهرها وأما يهود فلسطين فإنهم يزعمون أن عزيرا ابن الله على جهة التكرمة والرحمة كما يقال إبراهيم خليل الله وكثير من اليهود ينكرون هذا القول والواجب أن تعلم مذاهبهم ليتبين وجه الحق فلا ينسب إلى كل فرقة إلا من ينحلونه وأما المالكية فإنهم يقولون أن الله عز وجل لا يحي يوم القيامة من الموتى إلا من قد احتج عليه الرسل والكتب ومالك هذا تلميذ عانان وأما الربانية فإنهم يزعمون أن حائضا لو مست ثوبا من الثياب المنضودة وجب الغسل على جميع الأثواب والعراقية يأخذرن رؤوس الشهور بالأهلة والآخرون يأخذون بالعدد والحساب

ذكر أحكامهم واجب عليهم الإيمان بالله وحده وبموسى رسوله وبالتورية وما فيها والعشر والآيات لا بد لهم من درسها وتعلمها وأما وضوءهم واغتسالهم فمثل طهارة المسلمين سواء غير أنه ليس فيه مسح الرأس ويبدؤون بالرجل اليسرى واختلفوا في شيء منه قال عانان يستنجي قبل الوضوء لأن الإنسان لا يطهر ما لم يمط الأذى عنه وقال اشمعث يستنجي بعد الوضوء لأنه لا يجوز أن يغسل وجهه بعد الاستنجاء ولا يتوضؤون بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه ولا يجيزون الطهارة من غدير ما لم يكن عشرة أذرع في عشر والنوم قاعدا لا ينقض الوضوء ما لم يضع جنبه ومن أحدث في صلاته من قيء أو رعاف أو ريح انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ولا يجوز للرجل الصلاة في أقل من ثلاثة أثواب قميص وسراويل وملاءة يتردى بها فإن لم يجد الملاءة صلى جالسا وإن لم يجد القميص والسراويل صلى بقلبه ولا يجوز للمرأة الصلاة بأقل من أربعة ثياب والصلاة فرض عليهم في اليوم والليلة ثلاث صلوات إحداهن عند الصبح والثانية بعد الزوال إلى غروب الشمس والثالثة إلى وقت العتمة إلى أن يمضي من الليل ثلثه يسجدون في دبر كل صلاة سجدة طويلة ويزيدون يوم السبت وأيام الأعياد خمس صلوات سوى ما كانوا يصلونها فلهم خمس أعياد عيد الفطر وهو يوم الخامس عشر من نيسان وهو سبعة أيام يأكلون فيها الفطير وينظفون بيوتهم من خبز الخمير لأنها الأيام التي خلص الله فيها بني إسرائيل من يد فرعون وأغرقه في اليم فخرجوا من البحر وجعلوا يأكلون اللحم والعجين الفطير وعيد الأسابيع بعد عيد الفطر سبعة أسابيع وهو الذي كلم الله فيه بني إسرائيل من طور سيناء وعيد رأس الشهر وهو أول يوم من تشرين يزعمون أنه يوم فدي فيه اسحق عم من الذبح ويسمونه عيد راش هشنا أي عيد رأس الشهر وعيد صوما ربا معناه الصوم العظيم ويزعمون أن الله عز وجل يغفر لهم في ذلك اليوم جميع ذنوبهم وخطاياهم إلا ثلاثا الزنا لمحضنة وظلم الرجل أخاه وجحده ربوبية الله وعيد مظلى يستظلون سبعة أيام بقضبان الآس والخلاف ويزعم بعضهم أن بني إسرائيل انتهوا في هذه الأيام إلى مفازة فاستظلوا بالشجر وكان واجبا عليهم الحج في كل سنة ثلاث مرات حين كان الهيكل عامرا والمذبح قائما وأما الصوم فيجب عليهم الصوم أربعة أيام يوم السابع عشر من تموز وحده من غروب الشمس إلى غروب الشمس ويزعمون أن هذا اليوم الذي كسر فيه بخت نصر سور اورشليم يعني بيت المقدس ودخلها والثاني يوم العاشر من آب والثالث يوم العاشر من كانون الأول والرابع يوم الثالث عشر من آذار وأمرهم في الحيض والحائض شديد يجب عليهم أن يعتزلوها وثيابها وأوانيها وما مسته الحائض من شيء فقد نجس ووجب أن يغسل وإن مست لحم القربان وجب أن يحرق ذلك اللحم بالنار ومن مس الحائض أو خبزت أو طحنت أو غسلت فكله نجس حرام على الطاهرين وحل للحيض ومن غسل ميتا وجب عليه أن يغتسل سبعة أيام ولا يصلي فيها ويغسلون الموتى ولا يصلون عليهم وأما الزكوة فالواجب عليهم أن يخرج العشر من أموالهم كائنا ما كان من السوائم والناض ولا يجب العشر في شيء من أموالهم دون مائة عدديا كان أو وزنيا لأن ما لا يخرج منه عشر العشر لا يجب فيه العشر وكل ما أخرج منه مرة واحدة فليس فيه إعادة العشر وأما نكاحهم فلا يصح إلا بولي وخطبة وثلاث شهود ومهر مائتي درهم للبكر ومائة للثيب فإن كان أقل من ذلك لم يجز ويحضر عند عقد النكاح كاس من الخمر ودستجة من ريحان فيأخذ الإمام الكاس فيبرك عليها ويخطب خطبة النكاح ثم يدفعه إلى الختن ويقول قد تزوجت فلانة بهذه الفضة أو بهذا الذهب وهو خاتم في يده وبهذا الكاس من الخمر وبمهر كذا درهم ويشرب منها جرعة ثم ينزلون إلى منزل الجارية ويأمرونها أن تأخذ الخاتم والريحان والكاس من يد الختن فإذا أخذت وشربت منها جرعة يعقد النكاح ويضمن أولياء المرأة البكارة فإذا زفت وكل أبو المرأة رجلا وامرأة بباب البيت الذي يقتضها فيه الزوج وفرشوا لها ثيابا بيضاء فإذا الزوج نظر إلى الثياب وشهد بما رايا اقتضها فإن لم يجدها بكرا رجمت ولا يجوز لهم التمتع بالإماء إلا أن يعتقوهن وينكحوهن ومن واقع امرأته فقد عتقت عليه وأي عبد عمل لمولاه سنين معلومة فقد عتق ومن احتاج من اليهود جاز له بيع أولاده وإذا كانوا صغارا غير مدركين كذا هم في شريعة بني إسرائيل وأما طلاقهم

وخلعهم فإنهم لا يجوز لهم ذلك إلا أن يقفوا منهم على زنا أو سحر أو رفض دين ومن أراد أن يطلق امرأته فإن كانت بكرا أتى بخمسة وعشرين درهما وإن كانت ثيبا أتى باثني عشر درهما ونصف وأحضر الإمام والشهود وكتاب الطلاق وقال لها أنت طالق مني مائة مرة ومختلعة مني وفي سعة أن تتزوجي من شئت ولا يقع الطلاق على الحامل بتة وللرجل أن يراجع امرأته ما لم تتزوج انقضت عدتها ام لم تنقض فإذا تزوجت حرمت على الزوج الأول أبدا وحكمهم في البيوع أنه ما لم ينقل المشتري ما اشتراه إلى حيث شاء وسلمه البائع إليه فإنهما بالخيار والحدود عندهم على خمسة أوجه الحرق والقتل والرجم والتعزير والتغريم أما الحرق فعلى من زنا بأم امرأته أو بربيبته أو بامرأة ابنه والقتل على من قتل والرجم على المحضن إذا زنا أو لاوط وعلى المرأة إذا مكنت البهيمة من نفسها والتعزير على من قذف والتغريم على من سرق والبينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه سبعة وثلاثون عملا من أتى بواحد منها في السبت أو في ليلة السبت استحق القتل تكريب الأرض زرع الأرض حصد الزرع سياقة الماء إلى الزرع ضرب المحضنة حلبة اللبن كسر الحطب إيقاد النار عجن العجين خبز الخبز خياطة الثوب نسخ السلك كتابة حرفين أخذ الصيد ذبح الحيوان الخروج من القرية التحويل من موضع إلى موضع الشرى والبيع الدق والطحن والاحتطاب وقطع الجبن دق اللحم إصلاح النعل إذا انقطعت خلط علف الدابة ولا يجوز للكاتب أن يخرج يوم السبت من منزله ومعه قلمه ولا الخياط معه إبرته ومن أتى بشيء استحق به القتل فلم يسلم نفسه فهو ملعون فإنهم لا يجوز لهم ذلك إلا أن يقفوا منهم على زنا أو سحر أو رفض دين ومن أراد أن يطلق امرأته فإن كانت بكرا أتى بخمسة وعشرين درهما وإن كانت ثيبا أتى باثني عشر درهما ونصف وأحضر الإمام والشهود وكتاب الطلاق وقال لها أنت طالق مني مائة مرة ومختلعة مني وفي سعة أن تتزوجي من شئت ولا يقع الطلاق على الحامل بتة وللرجل أن يراجع امرأته ما لم تتزوج انقضت عدتها ام لم تنقض فإذا تزوجت حرمت على الزوج الأول أبدا وحكمهم في البيوع أنه ما لم ينقل المشتري ما اشتراه إلى حيث شاء وسلمه البائع إليه فإنهما بالخيار والحدود عندهم على خمسة أوجه الحرق والقتل والرجم والتعزير والتغريم أما الحرق فعلى من زنا بأم امرأته أو بربيبته أو بامرأة ابنه والقتل على من قتل والرجم على المحضن إذا زنا أو لاوط وعلى المرأة إذا مكنت البهيمة من نفسها والتعزير على من قذف والتغريم على من سرق والبينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه سبعة وثلاثون عملا من أتى بواحد منها في السبت أو في ليلة السبت استحق القتل تكريب الأرض زرع الأرض حصد الزرع سياقة الماء إلى الزرع ضرب المحضنة حلبة اللبن كسر الحطب إيقاد النار عجن العجين خبز الخبز خياطة الثوب نسخ السلك كتابة حرفين أخذ الصيد ذبح الحيوان الخروج من القرية التحويل من موضع إلى موضع الشرى والبيع الدق والطحن والاحتطاب وقطع الجبن دق اللحم إصلاح النعل إذا انقطعت خلط علف الدابة ولا يجوز للكاتب أن يخرج يوم السبت من منزله ومعه قلمه ولا الخياط معه إبرته ومن أتى بشيء استحق به القتل فلم يسلم نفسه فهو ملعون

ذكر شرائع أهل النصارى وفيهم اختلاف وفرق فمنهم الملكانية والنسطورية واليعقوبية والبرذعانية والمرقونية والفولية وهم الرهاويون الذين بنواحي حران وأصناف حادثة غيرها ولا يخالفون في أشياء كثيرة ومنهم من يذهب مذهب الحرانية بعينه ومنهم من يقول بالنور والظلمة والثنوية يقولون أجمعهم بنبوة المسيح ومنهم من يعتقد مذهب ارسطاطاليس ويجر كتابهم إلى تصويب ذلك فأما الملكانية واليعقوبية والنسطورية فمتفقون على أن معبودهم ثلاثة أقانيم وهذه هي الأقانيم الثلاثة شيء واحد وهو جوهر قديم معناه أب وابن وروح القدس إله واحد وأن الابن نزل من السماء فتدرع جسدا من مريم وظهر للناس يحي ويبرئ وينبئ ثم قتل وصلب وجرح فخرج من القبر لثلاث وظهر لقوم من أصحابه وعرفوه حق معرفته ثم صعد إلى السماء فجلس عن يمين الله هذا الذي يجمعهم اعتقاده غير أنهم يختلفون في العبارة والعلل فمنهم من زعم أن القديم جوهر واحد وثلاثة أقانيم وكل واحد منها جوهر خاص وأحد هذه الأقانيم أب واحد غير مولود والآخر ابن مولود وغير والد والثالث روح فائضة منثنية بين الأب والابن وزعم أن الابن لم يزل مولودا ابن الابن الابن والأب لم يزل والدا لا على جهة النكاح والتناسل لكن على جهة تولد ضياء الشمس وتولد حر النار من ذات النار ومنهم من يزعم أن معنى قولهم أن الإله ثلاثة أقانيم أنها ذات لها حياة ونطق في الحياة هي روح القدس والنطق هو العلم والحكمة والكلمة والنطق والعلم والحكمة والكلمة عبارة عن الابن كما يقال الشمس ضياءها وحرها فهو عبارة عن ثلاثة أشياء ترجع إلى أصل واحد ومنهم من زعم أنه لا يصح له تثبيت الإله فاعلا حكيما إلا أن يثبته حيا ناطقا ومعنى الناطق العالم المميز لا الذي يخرج الصوت بالحروف المركبة ومعنى الحي عندهم من له حياة بها يكون حيا ومعنى العالم من له علم به يكون عالما قالوا فذاته وعلمه وحياته ثلاث أشياء والأصل واحد فالذات هي لعلة للاثنين اللذين العلم والحياة والاثنان هما المعلولان للعلة ومنهم من يتجنب اللفظ بالعلة والمعلول في صفة القديم فيقول أب وابن وولد وروح وحياة وعلم وحكمة ونطق قالوا والابن اتحد إنسانا مخلوقا فصار هو من اتحد به مسيحا واحدا وأن المسيح هو إله العباد وربهم ثم اختلفوا في صفة الاتحاد فزعم بعضهم أنه وقع بين جوهر لاهوتي وجوهر ناسوتي اتحاد فصار مسيحا واحدا ولم يخرج الاتحاد كل واحد منهما عن جوهريته وعنصره وأن المسيح إله معبود وأنه ابن مريم الذي حملته وولدته وأنه قتل وصلب وزعم قوم أن المسيح بعد الاتحاد جوهران أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي وأن القتل والصلب وقعا به من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وهذا قول النسطورية ثم يقولون أن المسيح بكامله إله معبود وأنه ابن الله مع اختلاف كثير ويزعم بعضهم أن الاتحاد بين جوهرين لاهوتي وناسوتي وجوهر اللاهوتي بسيط غير منقسم لا يتجزأ ومنهم من يقول أن الاتحاد على جهة حلول الابن بالجسد ومخالطته إياه ومنهم من يقول أن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم النقش إذا وقع على الطين والشمع وكظهور صورة الإنسان في المرآة وأعلم أنه لا مذهب أكثر اختلافا في العبارة من النصارى حتى لا يكاد يوجد منهم اثنان على قول واحد ويذكره اللاحقي في قصيدة له
وبابن الأب مادنت ... وروح من قدسي
ثلاث من أقانيم ... بمعنى واحداتي
ولاهوتية حلت بإنسان ولادي

وليس هذا موضع الرد عليهم ولكن من نظر إلى قولهم في القديم وما يصفونه به من الأعراض الطارية عليه علم فساد مذهبهم واستحالة القديم أن يكون بشيء من تلك الصفات فالملكانية ينسب إلى ملك الروم ويقولون الله اسم لثلاثة معان الأب والابن والجوهر وهو روح القدس والنسطورية ينسب إلى نسطور رجل منهم يزعمون أن الله اسم لثلاثة معان فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد واليعقوبية قالوا هو واحد وأنه كان لا جسم ولا إنسان ثم تجسم وتأنس والفولية قالوا الله واحد وعلمه قديم معه والمسيح ابنه على جهة الرحمة كما يقال إبراهيم خليل الله والمرقونية يزعمون أن المسيح يطوف عليهم كل يوم طوفة والبرذعانية يزعمون أن المسيح هو الذي يحشر الموتى من قبورهم ويحاسبهم مع ترهات كثيرة وأقاويل مردودة لعنهم الله وقبح مذهبهم ذكر أحكامهم لابد من تنصير أولادهم وذلك أنهم يعمدون إلى من يريدون تنصيره فيغمسونه بماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة ويقرؤون عليه شيئا من كتابهم ويزعمون أنه ينزل عليه روح القدس ويسمون هذا العمل المعمودية وطهارتهم غسل اليدين والوجه وليس الختان عليهم بفرض وصلاتهم سبع وقبلتهم المشرق وحجتهم إلى البيت المقدس وزكاتهم العشر من جميع أموالهم وصيامهم خمسون يوما ويكون اليوم الثاني والأربعون منه عيد السعانين ويزعمون أن هو اليوم الذي نزل فيه عيسى بن مريم عم من الجبل ودخل بيت المقدس وبعده بأربعة أيام عيد الفصح وهو اليوم الذي خرج فيه عيسى عم ببني إسرائيل من مصر وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة وهو اليوم الذي يزعمون أن عيسى عم خرج من قبره بعدما قتل ودفن وبعده بثمانية أيام عيد الجديد ويزعمون أنه اليوم الذي ظهر عيسى عم لتلامذته بعد ما خرج من القبر وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق ويزعمون أنه اليوم الذي صعد فيه عيسى إلى السماء ولهم أعياد سوى ما ذكرنا عيد الصليب وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشبة الصليب وإنما علموا ذلك أنه وضع ميت فحيي بزعمهم وعيد الدنح وعيد الميلاد ولهم قراؤون وكهنة ومنهم شماس وفوقه القس وفوق القس الأسقف والمطران وفوق المطران البطريق والسكر حرام عليهم ولا يحل لهم اللحم والجماع في الصوم وكل ما بيع في الأسواق ولم يعفه أنفسهم فمباح لهم ولا يصح نكاحهم إلا بحضور شماس والعدول والمهر ويحرمون على النساء ما حرم المسلمون ولا يحل لهم الجمع بين امرأتين ولا التسري بالجواري إلا أن يعتقوهن ويتزوجوهن وأي عبد من عبيدهم خدمهم سبع سنين فقد عتق ولا يحل للرجل طلاق إلا أن يأتي بالفاحشة فقد طلقت ولا يحل له أن يتزوج بها أبدا وحدودهم الرجم للمحصن والمحصنة فإن كانا غير محصنين وعلقت المرأة من الرجل وزوجت به ويقتل قاتل العمد والواجب على قاتل الخطأ أن يهرب وليس للموتور أن يطلبه لما أمروا به من استعمال العفو وكثير من أحكامهم أحكام التورية وقد لعن منهم اللواطي والشاهد بالزور والمقامر والزاني والسكير هذا أحكامهم والله أعلم،
الفصل الثالث عشر
في صفة الأرض ومبلغ عمرانها
وعدد أقاليمها وصفة البحار والأنهار وعجائب الأرض والخلق

اعلموا أن القدماء قسموا المعمور من الأرض على سبعة أقسام يسمونها الأقاليم فالاقليم الأول يبتدئ من المشرق من أقاصي بلاد الصين ويمر إلى ما يلي الجنوب من الصين وعلى سواحل البحر من جنوب بلاد السند يقطع البحر إلى جزيرة العرب وأرض اليمن ويقطع بحر القلزم إلى بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وينتهي إلى بحر المغرب وفيه المدن من مدينة ملك الصين وبلاد جنوب السند وجزيرة الكرك وجنوب الهند من اليمن عمان و حضرموت وعدن وصنعاء وسبأ وجرش وظفار ومهرة ومن الغرب تبالة ومدينة ملك الحبشة جرمى ومدينة النوبة دمقلى وجنوب البربرية إلى البحر الأخضر ويكون أطول نهار هولاء ثلاث عشرة ساعات والاقليم الثاني يبتدئ من المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند وبلاد السند ويمر بملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب وفيه من المدن مدن من بلاد الصين الهند ومن السند المنصورة والبيرون والديبل ومن أرض العرب مكة والطائف و جدة الجار ويثرب واليمامة وهجر ومن النيل قوس واخميم وانصنا واسوان ومن المغرب مدن افريقية وبربر إلى بحر المغرب ويكون أطول نهار هولاء عشرة ساعات ونصف والاقليم الثالث يبتدئ من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين ثم الهند ثم السند ثم كابل و كرمان وسجستان والبصرة وفارس والأهواز والعراقين والشام و مصر والاسكندرية والمغرب إلى البحر وفيه من المدن بعض بلاد الصين والهند والسند قندهار وغزنة وكابل والرخج وبست وزرنج وكرمان وجيرفت ومن فارس اصطخر وجور وفسا وسابور وشيراز وسيراف وجنابة وسينيز ومه رويان وكور الأهواز كلها ومن العراق البصرة وواسط والكوفة وبغداد والأنبار وهيت ومن الشام حمص ودمشق وصور وعكة وطبرية وقيسارية ورسوف والرملة وبيت المقدس وعسقلان وغزة ومدين والقلزم ومن أرض مصر الفرما وتنيس ودمياط والفسطاط والاسكندرية والفيوم ومن المغرب برقة وافريقية والقيروان وأطول نهار هولاء أربع عشرة ساعة والاقليم الرابع يبتدئ من المشرق فيمر ببلاد تبت وخراسان وجرجان وطبرستان والري واصبهان وهمدان وحلوان وشهرزور وسر من رأى أرض الجزيرة وشمال الشام إلى بحر المغرب وفيه من مدن خراسان فرغانة وخجند واشروسنة وسمرقند وبخارا وبلخ وآمل ومرو الروذ وهراة وسرخس وطوس ونيسابور وقومس ودماوند وقزوين والديلم وقم ونهاوند والدينور والجزيرة والموصل وبلد نصيبين وآمد ورأس العين وقاليقلا وسميساط والرقة وقرقيسيا ومن شمال الشام بالس والمصيصة واصيدان والكنيسة السوداء وآدنة وعمورية ولاذيقية ثم يمر من بحر الشام على جزيرة قبرس ثم يمر في المغرب على بلاد طنجة إلى البحر وأطول نهار هولاء أربعة عشر ساعة ونصف والإقليم الخامس يبتدى من المشرق على بلاد ياجوج وماجوج ثم على شمال خراسان وازربيجيان والخزر والروم إلى المغرب وفيه من مدن خراسان الطراز ونويكث وخوارزم واسبجاب والشاش وطاربند وبخارا ومن ازربيجيان كور أرمينية وبرذعة ونشوى وسيسجان وارزن واخلاط ومن الروم خرشنة وقرة والرومية الكبرى ثم سواحل بحر الشأم مما يلي الشمال ثم بلاد اندلس حتى ينتهي إلى بحر المغرب والاقليم السادس يبتدي من المشرق ويمر على بلاد ياجوج وماجوج ثم على بلاد الخزز ثم على وسط بحر جرجان إلى بلاد الروم فيمر على جرزان وهرفلة وقسطنطينية وبلاد برجان إلى بحر المغرب قال أهل هذا العلم أما ما وراء هذه الأقاليم إلى تمام الموضع المسكون الذي عرفناه فإنه يبتدي من المشرق ومن بلاد ياجوج وماجوج فيمر على بلاد التغزغز وأرض الترك وعلى بلاد الان ثم على بلاد برجان ثم على شمال الصقالبة إلى أن ينتهي إلى بحر المغرب فهذا موضع عمران الأرض والبحور مما يعرف وأما ما وراء ذلك فأرضون مجهولة لا يعرف ما وراءها أحد إلا الله عز وجل قالوا أما الذين يسكنون خارج الأقاليم فإنهم أناس لا يفهمون قولا ولا يعلمون شيئا من الصناعات والعلامات وكانت الأرض مقسومة في الدهر الأول على خمسة أجزاء فمنها الصين والترك وتبت والهند وجزء منها الروم والصقالبة وسعد وخوارزم وارمينية وجزء منها القبط والبربر والشام وجزء منها السودان وخراسان وكرمان وفارس واليمن وجزء منها الأرض المعروفة بإيران شهر وهي ما بين منتهى نهر بلخ إلى منتهى أزربيجيان وارمينية إلى الفرات

والقادسية إلى بحر اليمن وفارس إلى مكران وكابل إلى طخارستان وهي صفوة الأرض وسرتها وهي تسمى اقليم بابل،والقادسية إلى بحر اليمن وفارس إلى مكران وكابل إلى طخارستان وهي صفوة الأرض وسرتها وهي تسمى اقليم بابل، ذكر المعروف من البحار والأودية والأنهار قال القدماء البحار المعروفة العظام خمسة أحدها بحر الهند وفارس والصين والثاني بحر الروم وافريقية والثالث بحر اوقيانوس وهو بحر المغرب والرابع بحر بنطس والخامس بحر جرجان وفي رسالة ارسطاطاليس إلى الاسكندر التي تسمى بيت الذهب أن بحر اوقيانوس بحر محيط بالأرض كإكليل وينفجر منه خلجان وقد وصفوا طول هذه البحار وعرضها وجزائرها وسواحلها وما يخرج منها من الأرجل والخلجان ويسمون بحر فارس الخليج الفارسي وطوله مائة وخمسين فرسخا وعرضه مائة وخمسون فرسخا ويسمون بحر اليمن خليجا وكذلك سائر البحار وقالوا وفي البحر الهندي ألف وثلثمائة وسبعون جزيرة وربما بلغ طول الجزيرة مائة فرسخ في مائة فرسخ ومائتين وثلثمائة وفيها من المدن والقرى والأنهار والعيون والجبال والمفاوز والممالك قالوا وفي البحر الرومي مائة ونيف وستون جزيرة عامرة وبحر جرجان يقال له عابسكن وبحر باب الأبواب هو أصغر البحار طوله من المشرق إلى المغرب ثلثمائة ميل وكانت فيه جزيرتان عامرتان فخربتا وبحر بنطس يمتد من اللازقة إلى خلف قسطنطينية وطوله ألف وثلثمائة ميل ويخرج منه خليج القسطنطينية فيجري كهيأة النهر ويصب في بحر مصر وعرض الخليج ثلاثة أميال وبحر الروم طوله من المشرق من صور وصيدا إلى الخليج الذي يخرج من بحر المغرب وطوله خمس مائة ميل وعرضه في بعض المواضع ثماني مائة ميل وفي بعضها ست مائة ميل وبحر الهند طوله من المشرق من أقصى الهند إلى أقصى الحبش ثلاثة آلاف ميل وعرضه ألفان وسبع مائة ميل ويخرج منه خليج إلى ناحية البربر يسمى الخليج الفارسي طوله ألف وأربع مائة ميل وعرضه خمس مائة ميل وفيما بين هذين الخليجين خليج فارس وخليج أيلة أرض الحجاز واليمن وأما بحر اوقيانوس فإنه لا يعرف منه إلا ما يلي شمال المغرب من أقصى بلاد الحبش إلى برطلية وهو بحر لا تجري به السفن ويبعد عن العمران وفيه جزائر مقابل الأندلس وطنجة وأما البحيرتان الجاريتان اللتان بهما تتم سبعة أبحر كما ذكر الله عز وجل فإنهم يزعمون خلف خط الاستواء فوق النوبة وهما مادتا النيل وأما البحر الزنجي فإنه لا يكون فيه شيء من الحيوان لحرارة مائه وحرازته وليس يوجد اللؤلؤ والجوهر في عذاب البحور إلا في بحر الصين فإن ماءه عذب ويوجد فيه اللؤلؤ قال الله عز وجل يخرج منها اللؤلؤ والمرجان وأم البحار الصغار فلا تعد لأنها مستنقعات المياه كما لا تعد العيون والأنهار فمنها في الشام بحيرة زغر وبحيرة طبرية وباذربيجيان وبحر ارمينية واسفل خوارزم بحيرة سياه كوه وبدماوند بحيرة

ذكر المعروف من الأنهار نهر الكنك بأرض الهند ينبعث من جبال قشمير ويجري في أعالي الهند من ناحية الجنوب حتى ينصب في البحر الهندي ونهر مهران بأرض السند ينبعث من جبال اشغنان وينصب في البحر الهندي وأما الأنهار التي تنصب في بحر فارس فهي دجلة تخرج من جبال فوق ارمينية فأعظمها تقع في دجلة بالحديثة وأصغرهما تقع في دجلة بالسن ومخرج النهروان من ارمينية فإذا مر بباب صلوى يسمى تامرا ويستمد من الهواطل فإذا صار بباجسرى سمى النهروين وينصب في دجلة أسفل من جبل ومخرج الفرات من أرض الروم من جبال بها موضع يقال له ابريق صخر ويمر بالجزيرة والرقة وينحدر إلى الكوفة ثم يمر حتى ينصب في البطائح فيختلط بدجلة ومخرج الخابور من رأس العين ويستمد من الهرماس وينصب في الفرات أسفل قرقيسيا وتجمع هذه الأنهار كلها في دجلة ويمر دجلة بالأبلة إلى عبادان فينصب في الخليج الفارسي ومخرج نهر الأهواز ونهر جندى سابور من جبال اصبهان ويجتمعان في دجيل الأهواز ثم يفيض في بحر فارس وأما الأنهار التي تفيض في بحر جرجان فنهر كر ينبعث من بلاد الان ونهر تفليس وبرذعة وسبيذ روذ يمر ببلاد اذربيجيان ويدخل بلاد الديلم ثم يقع في بحر جرجان وكذلك شاه روذ يخرج من طالقان الري فيفيض في بحر جرجان وهذه أنهار صغار وأما النيل فإنه يخرج من جبل القمر وينصب في بحيرتين من خلف خط الاستواء ويطيف بأرض النوبة ويتشعب دون الفسطاط فيصير شعبة إلى الاسكندرية وشعبة إلى دمياط فيفيضان في بحر الشام وتلتقي شعبة منه في الماء الذي يحيط بجزيرة تنيس من البحر فإذا هبت جنوب عذب ماؤهم وإذا هبت الشمال ملح ومخرج نهر المصيصة وسيحان وجيحان كلها من بلاد الروم ومصبها في نهر الشام ومخرج نهر دمشق في جبال دمشق يسقي غوطة دمشق وينصب في بحيرة دمشق مخرج نهر حلب من حدود دابق دون حلب بثمانية عشر ميلا ويفيض في أجمة أسفل حلب ومخرج جيحون من جبال بلاد تبت فيمر بوخان ويسمى وخان ثم ينحدر إلى الترمذ ويسمى نهر بلخ ثم يمر فيجاور خوارزم وتبسط دونه فيصير بطائح ومستنقعات يصطاد منها السمك ثم يمر مستسفلا مقدار ثلاثين فرسخا حتى ينصب في بحيرة سياكوه وفي ساحلها الشرقي رياض ومروج ذات أشجار وشوك لا يكاد يمكن اخراقها إلا في طرق اتخذتها الخنازير ويفيض في هذه البحيرة نهر فرغانة ونهر الشاش ومخرج نهر فرغانة من بامير فوق راشت وكميذ ومخرج نهر الشاش من بلاد الترك وأربعة أنهار تنبعث من جبال باميان أحدها يدخل بلاد الهند من ناحية لامغان والثاني يسقي مرو الروذ والثالث يسقي بلخ والرابع يسقي سجستان وما فضل منه يجمع في بحيرة تسمى زرة وهي التي سمينا هي الأنهار العظام المذكورة في الكتب وأما الصغار والعيون فلا يحيط بها إلا علم الله سبحانه وتعالى وأهل الكتاب يزعمون أن أربعة أنهار تخرج من الجنة سيحان وجيحان والفرات والنيل وزعموا أن الفرات مد فرمى برمانة شبه البعير البازل وذلك في زمن معاوية فسئل كعب الأحبار فقال هي من الجنة وفي كتب العجم أن جم شاذ حفر سبعة أنهار سيحون وجيحون والفرات ودجلة ونهر مهران بأرض السند ونهرين لم يسمهما لنا وهذا غير جائز ولا ممكن اللهم إلا أن يقال هو ساق ماء هذه الأنهار إلى أراضي البلاد فاستعمرها واستنزلها وحفر الأنهار منها

ذكر الممالك المعروفة قال أهل هذا العلم أن الصين على ساحل بحر الهند طوله ألف وخمس مائة فرسخ فيها ثلاث مائة وستون مدينة يحمل كل يوم إلى الملك خراج مدينة وثياب بدنه وجارية يرضاها قالوا وعدد جند الملك أربع مائة ألف مرتزق من فارس وراجل واسم المدينة التي يسكنها الملك خمدان والغالب عليهم استدارة الوجوه وفطس الأنوف وشقرة الألوان وصهبة الشعور وعامة لباسهم الحرير والديباج والفرو ومن هيئتهم في اللباس توسيع الأكمام وتطويل الذيول ويباهون بتزويق المنازل وكثرة الفرش والأواني وأكثر أراضيهم الاعذاء يسقيهم المطر والأنداء ودينهم السمنية والوثنية وعبادة الأوثان قالوا وفي شمال الصين بلاد ياجوج وماجوج وفي مغاربهم الترك وفي مشارقهم قوم يكنون في الأسراب لشدة وقع الشمس عليهم ولا يعلم ما في جنوبهم أحد إلا الله وفي كتاب المسالك والممالك أن في مشارق الصين مدينة لا يدخلها أحد فيخرج منها لطيب هوائها وفرط شعاعها وزكاء أرضها وعذوبة مائها وحسن عشرة أهلها فرشهم الحرير والديباج وأوانيهم الذهب وكيت وكيت والله أعلم وأما الهند فصرود وجروم وأولها قشمير وهي خمسة وأربعون مصرا ممصرة كل مصر تشتمل على حدود ومدن وكل مدينة لها سواد وقرى ومنها جبال وشعاب ومفاوز وكل ذلك للملك خاصة والناس حراثوه وأكرته قالوا وللملك للخمارين ستون ألف جارية حانية وموظف عليهم أن يكنسوا الميدان ويرشوه إذا أراد الملك الضرب بالصوالجة ودينهم البرهمية وزيهم تطويل الشعر الغالب عليهم البياض لبرد هوائهم وفيهم علم النجوم والطب والشعبذة والسحر قالوا وشرق قشمير ختن وتبت والصين وجنوبها مملكة كور وشمالها بلورلوب ووخان وغربها كابل وغزنة ولهم الأنهار والعيون والقنى والأبار وعندهم من أصناف الدواب والطير والألوان من الأطعمة والثمار وأما جروم الهند فجزائر وسواحل حتى تتصل بأرض الصين فمن مدنها الكبار قنوج وقندهار وسرنديب وسندان وألف وثلاثمائة وسبعون جزيرة عامرة فيها المدن والقرى غير السواحل قالوا وأول شرقي بحر الهند مكران وآخره بلاد الصين وأول غريبة عدن وآخره بلاد الزنج وهم قوم خلاف الزنج والهند يمطرون في الصيف ولا يمطرون في الشتاء وعامة طعامهم الأرز والذرة ومشاربهم من مستنقعات يجمع فيها ماء المطر يسمونها تلاج وليس عندهم من الفواكه ما لأهل قشمير والغالب عليهم السمرة والصفرة ودينهم البرهمية والسمنية وملكهم الأعظم يقال له بلهرا تفسيره ملك الملوك وإن في الجزائر ملوكا لا يطيع بعضهم بعضا ومشارق الهند والصين وقشمير وشمالهم السند وجنوبهم بلاد محرقة مجهولة وبحار ومغاربهم الزنج والرانج واليمن وأما تبت فهم صنف بين الترك والهند زيهم زي أهل الصين لهم فطس الترك وسمرة الهند وفيهم الكتابة والحساب والنجوم وأرضهم أرض باردة مشرقها الصين وشمالها الترك ومغربها وخان وراشت وهي أعالي خراسان وجنوبها قشمير وأعظم مدنها ختن بلدتين غيرين فيه من ألوان الثمار والفواكه وعامة لباسهم وفرشهم القز وهم عبدة الأصنام وبختن جماعة من ولد الحسين ابن علي عليهما السلام ولهم بها مساجد وفي كتاب البلدان والبنيان من دخل تبت لم يزل مسرورا ضاحكا حتى يخرج وأما ياجوج وماجوج فصنف بين الصين والترك الغالب عليهم خشن العيون وفطس الأنوف وقصر القامة جنوبهم الصين وشمالهم الترك ومغاربهم مشارق قشمير وتبت فلا يدرى ما في مشارقهم وهم أسوأ الناس عيشا وأخبثهم طعما وأخرقهم خرقة وأقلهم تميزا وفطنة كما يزعمون وقد ذكرهم الله عز وجل في القرآن المجيد والكتاب الكريم ووصفهم العلماء بصفات قد بيناها في مواضعها وأما الترك فهم عدد كثير وبلادهم واسعة وممالكهم متفرقة وقبائلهم لا تحصى منهم أهل وبر وأهل مدر جنوبهم تبت وبعض الصين ومشرقهم الصين وياجوج وماجوج ومغربهم ما وراء النهر من منبعث جيحون إلى مغيضه وشمالهم التغزغز وهم صنف منهم وأصناف من الناس من أخلاق البهائم والسباع متوحشة زعرة ثم يلي شمال هولاء فياف ومجاهيل وأراض باردة لا يعلم ما فيها إلا الله عز وجل وحد بلاد الترك ينتهى إلى أحد جوانب بحر الروم وينتهي إلى بحر جرجان وسمعت أبا عبد الرحمن الأندلسي بمكة حرسها الله يحدث أنها ركضت راكضة من الترك على بعض حدود الأندلس وسبوا منه واستاقوا السوائم وأنه تبعهم الطلب فظفروا بواحد منهم فقالوا فذاك أول ما

رأينا من الترك وكنا نكمله ويكلمنا فلا يفهم ولا نفهم والغالب على الترك البياض والفطس وفيهم الثنوية والنصارى وعبدة الأوثان والشمس وأكثر بلادهم باردة قالوا وفي التغزغز ملك له خيمة من ذهب مركبة كالوطيس يرى تلك من فوق قصره على خمس فراسخ يعبدها قوم منهم وبلادهم سهيلة قل ما يقع الثلج ويشتد الحر في الصيف حتى يسكن أهلها في أسراب وربما جاءت الحية هاربة من الحر فتساكنهم ولهم أنواع الفواكه وألوان الثمار قالوا وخيرخيز أيضا لهم المزارع والأشجار وملك خرخيز خاقان قالوا ومن الطراز إلى التغزغز مسيرة شهر ومن التغزغز إلى خرخيز مسيرة شهر وسائر الترك قبائل وأحياء كلهم يرون الطاعة لملك الصين بالاسم قالوا ويجاور الترك الخزر روس وصقلاب وولج والان والروم وأصناف كثيرة من أشباههم والطريق إليهم في البر من خوارزم إلى بلغار ومن باب الأبواب وفي البحر من عابسكين فأما الخزر فعامتهم يهود يشتون في المدن ويصيفون في الخيام وأما روس فإنهم في جزيرة وبيئة يحيط بها بحيرة وهي حصن لهم ممن أرادهم وجملتهم في التقدير زهاء مائه ألف إنسان وليس لهم زرع ولا ضرع يتاخم بلدهم بلد الصقالبة فيغيرون عليهم ويأكلون أموالهم ويسبونهم قالوا وإذا ولد لأحد منهم مولود ألقى إليه سيف وقيل له ليس لك إلا ما تكسبه بسيفك ولهم ملك إذا حكم بين الخصمين بشيء فلم يرضى به قال تحاكما بسيفكما فأي السيفين كان أحد كانت الغلبة له وهم استولوا على برذعة سنة فارتكبوا من الإسلام وانتهكوا من محارمهم ما لم يسبقه إليه أحد من أهل الشرك فقتلهم الله عز وجل كلهم بالوباء والسيف قالوا وبلاد الخزر يتاخم بلاد ملك السرير وله قلعة على رأس جبل شاهق يحيط به سور من حجارة لا طريق إليها إلا من باب وله سرير من ذهب وسرير من فضة توارثهما من آباءه يذكرون أنهما فيهم من ألوف سنين والملك وحاشيته نصارى وسائر أهل مملكته عبدة الأوثان وصقلاب أكبر من الروس وأوسع خيرا وفيهم عبدة الشمس والأوثان وفيهم من لا يعبد شيئا وولج والان ليسا بالكثيرين في العدد وأما الروم فمشارقهم وشمالهم الترك والخزر والروس وجنوبهم الشام والاسكندرية ومغاربهم البحر والأندلس وطنجة وما يليها وكانت الرقة بعضا من حدود الروم أيام الأكاسرة والشامات ودار الملك انطاكية إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلادهم قالوا والروم أربعة وعشرون عملا على كل عمل جند وعامل ديوان جندهم مائة ألف مقاتل وعلى كل عشرة آلاف بطريق وعلى كل خمسة آلاف طرموخ وتحت كل بطريق طرموخان وهو اسم قائد الجيوش والمدبر لها دمستق وأكثر اعطائهم مقاتلهم في السنة أربعون رطلا ذهبا وأقلها اثنا عشر مثقالا ودينهم النصرانية ومذهبهم النسطروية وفيهم الحساب والحكماء والمنجمون والأطباء والحذاق بعمل الطلسمات والمنجنيقات وعجائب الصيغة ولهم صباحة وشقرة ونظافة وبلادهم برية بحرية سهلية جبلية باردة وفيهم يهود ومجوس يأخذون منهم الجزية ويأخذون من سائر الناس سوى خراج الضياع والأعشار والصدقات من كل بيت يوقد فيه النار درهما واحدا وأكثر غلمان الملك الترك والخزر ويسترق من الروم ما شاء قالوا وأعظم مدنهم الرومية وفيها أربعون ألف حمام ومنزل ملكهم قسطنطينية قالوا ومن وراء الروم ممالك لا يعظمون الطاعة لملك الروم ولا ينقادون له والحرب بينهم طول الصيف قائمة فإذا هجم الشتاء سد مسالكهم الثلج وأما البربر فإنهم من العمالقة الذين كانوا نزولا بأرض الشام وفلسطين فلما قاتلهم يوشع بن نون وقتل منهم من قتل انحازت بقيتهم إلى أعالي المغرب فيهم اليوم نزول بين قصر ابن بايان إلى برقة وقيروان في الرمال والجبال والسواحل أصحاب قناطر وأعمدة وفيهم جفاء وجلادة ويقال أن جالوت الذي قتله داود عم كان منهم وفيهم شرك واسلام والسبي الذي يجلب منهم من دار شركهم وفي حافاتهم أصناف من السودان يقال زغل وزغاوة ومن ثم يحمل هولاء الخصيان السود وأما الحبشة فقام سود وبلادهم محرقة سهول وسواحل دينهم النصرانية طعامهم العسل والذرة ومشارقهم الحجاز ومغاربهم البحر وبأرضهم يقنص هذه الزرافات وأما البشرية فإنهم قوم سود بلادهم حارة وماءهم من النيل ودينهم النصرانية وهم أصحاب الخيام منهم البجة وفوقهم موضع يقال له عبرات السلاحف قالوا لا نكاح بين أهلها ولا يعرف الولد أباه ويأكلون الناس والله أعلم وأما الزنج فقوم

سود الألوان فطس الأنوف جعاد الشعر قليلو الفهم والفطنة مشارقهم مغارب الهند ومغاربهم البحر وأرضهم أرض متخلخلة منهارة لا تحمل نبأ ولا تنبت شجرا يجلب إليهم الطعام والثياب ويحمل من عندهم الذهب والرقيق والنارجيل وأما بلاد الإسلام فواسعة بحمد الله ومنه عريضة واسعة وهي ممالك وأولها دار الحجاز دار النبي صلعم ومبعث الإسلام مشرقها العراق ومغربها بلاد مصر وشمالهم الشام وجنوبهم اليمن والحبشة ونجد ما ارتفع منها وتهامة ما تطاء من نحو البحر فمكة حرسها الله من تهامة والمدينة من نجد وهي بدو وحضر فمن مدن الحضر مكة والطائف والجدة والجحفة والمدينة ووادي القرى وخيبر ومدين وأيلة وتبالة ومدن آخر صغار مثل بدر والفرع والمروة وفداك والرحبة والسيالة والربذة ومن المدن بالحجاز تيماء وحصنها الأبلق ودومة الجندل وحصنها مارد وفيها تقول البزباء وتمرد مارد وعز الابلق وقرى كثيرة غير ما ذكرنا وأما البدو القبائل أصحاب الخيام وبدوهم أكثر من حضرهم، اليمن قالوا وكانت أعمال اليمن مقسومة على ثلاثة ولاة وال على الحرام ومخاليفها ووال على حضرموت ومخاليفها وهي أوسطها وأطيب بلادهم وأبردها وأكثر ما ارتفع من أموالها ما جباه بعض عمال بني العباس وستمائة ألف دينار وأهلها قوم فيهم جهل وغباوة وسلامة الصدر وضعف الحال وأكثر فواكههم الموز وعامة لحومهم لحم البقر وفي مشارق سواحلهم صحار ومسقط وسقوطرا وشحر محلب ومن عندهم اللبان والصبر وهم قوم ضعاف الحال سيوء العيش قليلو الخيل والصناعات ولهم لغة لا يفهمها غيرهم وتليهم الاحساء وهي من أرض العرب وقد استوطنها القرامطة اليوم، الشام وهي أربعة أجناد جند من حمص وجند دمشق وجند فلسطين وجند الأردن ولكل جند عمل يشتمل على عدة مدن وقرى وفيها العجائب والمساجد لأنها أرض الأنبياء عم فشرقي الشام غربي الفرات وغربي الشام ساحل الروم وشماله جبال الروم وجنوبه فلسطين والأردن وبعض البادية فمدينة الأردن الطبرية والرملة وبيت المقدس من سواد رملة وكان دار ملك سليمان وداود، عمل مصر مسيرة شهر في مسيرة شهر طولها من رفح إلى اسوان من حد النوبة وعرضها من برقة إلى أيلة وهي من بلاد مقدونية يونان وماءها من النيل وكانت المدينة في القديم عين الشمس ثم صارت الفسطاط من مصر إلى الاسكندرية ثلاثون فرسخا وما وراء ذلك من حد المغرب وما فوق اسوان من حد النوبة وما فوق رفح من حد فلسطين وكان خراج مصر زمن فرعون ثمانية وعشرين ألف دينار وجباه بنو أمية ألفى ألف وثمان مائة ألف دينار، المغرب من الاسكندرية إلى برقة مائتا فرسخ وبرقة أول مدينة من مدن المغرب وهي حمراء شديدة حمرة التربة موضوعة في صحراء محفوفة بالجبال ومنها إلى الافريقية وهي القيروان العلوي المهدي مائة وخمسون فرسخا عمارات متصلة حضرها المغاربة وبدوها البرابر ومن المهدية إلى السوس مسافة أيام كل هذا في يد العلوي وهو من أولاد ادريس بن عبد الله بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم ما وراء ذلك في يد ابن رستم الاباضي وهو رجل من الفرس يرى رأي الخوارج ويسلم عليه بالخلافة ومن افريقية إلى تاهرت مسيرة شهر ثم ما وراء تاهرت في يدي الأموية عبد الرحمن بن معاوية من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان وهي طنجة ولنجة واندلس وعمل طنجة مثل عمل مصر مسيرة شهر في شهر وهي متاخمة شمال الروم ومجمع البحرين الذي يجري فيه السفن والذي لا تجري وفي جنوب المغرب السودان زغل وزغاوة إلى النوبة والحبشة ومغارب طنجة والبحر الأخضر المظلم الذي لا يركبه أحد ولا يعلم أحد ما وراءه ويقابل طنجة واندلس وافريقية جزائر من البحر فيها عمارات ومدن وأكثرها من عمل الروم، العراق شرقي الحجاز طوله مائة وعشرون فرسخا من عقبة حلوان إلى العذيب وكانت الأكاسرة ينزلون المدائن إلى أن جاء الإسلام وجباها سهل بن حنيف زمن عمر بن الخطاب رضه مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم جباها الحجاج ثمانية عشر ألف ألف درهم وليس فيها مائة ألف ألف درهم تراجع إلى هذا المقدار في مدة أربعين سنة وزيادة مدنها الكبار أربع الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وليس بالعراق ماء جار إلا بالسواقي والدوالي غير عين البصرة فإن المد يسقيها والبطائح دون واسط بعشرين فرسخا وهي ثلاثون فرسخا في ثلاثين فرسخا وكانت هذه البطائح

في القديم قرى عامرة ومزارع متصلة والماء يجري من دجلة العوراء يمر بين يدي المذار وعبدسي وفم الصلح حتى يأتي المدائن والسفن تجري فيها من أرض الهند إلى المدائن ثم خدت الأرض حتى مرت بين يدي واسط قبل أن يكون واسط فجعلت بذلك الضياع بطائح قبلها جوخى بين المذار وعبدسي فصارت صحارى وسميت تلك دجلة العوراء لتحول الماء عنها وأنفق كسرى مالا عظيما على أن يحول الماء إلى دجلة العوراء فأعياه ذلك ورام بعده خالد بن عبد الله فأعجزه، الجزيرة ما بين دجلة والفرات فمنها سروج ورها وعين شمس ودارا ونصيبين وآمد وبرقعيد وبلد الموصل وبالس ورقة وهيت والرحبة أعلاها ارمينية، السواد سوادان سواد الكوفة وسواد البصرة وسمي سورستان طولها من حد الموصل إلى آخر الكوفة المعروفة ببهمن اردشير على فرات البصرة مائة وخمسة وعشرون فرسخا وعرضها ثمانون فرسخا من عقبة حلوان إلى العذيب مما يلي البادية يكون ذلك مكسرا عشرة آلاف فرسخ والفرسخ اثنا عشر الف ذراع كل ذلك مستعمر مستنزل وكان مبلغ خراج السواد مائة الف الف درهم وخمسين الف الف درهم ولم يزل على المقاسمة في أيام قباذ بن فيروز الملك فإنه مسحها ووضع الخراج عليها وبعث عمر بن الخطاب رضه عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة وثلاثون الف الف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، آذربيجان وارمينية هي شمال الجبل والعراق مشارقهم جرجان ومغاربهم الروم شمالهم أصناف أهل الشرك لأنه يقال أن ووراء باب الأبواب اثنين وسبعين فرقة من الكفار فمن مدنها الكبار اردبيل ومراغة وموقان وبرزغة وتفليس وثغورها ثغور أهل الشام وأهل الجزيرة وهي تسمى العواصم فمنها قالى قلا وسميساط واخلاط وقنسرين وكذلك طرسوس وعين زربة وآدنة والمصيصة، الأهواز طولها من سفح جبال اينان إلى شط البصرة وعرضها من حد واسط إلى حد فارس ومدنها الكبار ست كور وتستر وجندى وسابور والسوس والعسكر ورام هرمز ونفس مدينة الأهواز وكان يبلغ خراجها أيام الأكاسرة مائة ألف ألف درهم وخمسين ألف ألف درهم واف وحكي أنها جبيت في بعض الأوقات ألف حمل فضة، فارس طولها مائة وخمسون فرسخا في مائة وخمسين فرسخا منها صرود وجروم جبال وسهول وسواحل وكورها في الأصل أربع كور اصطخر وسابور ودارابجرد واردشير خره فمدينة اردشير ومدينة دارابجرد فسا ومدينة سابور نوبندجان ومدينة اصطخر البيضاء وخراجها أربعة وستون ألف ألف درهم واف ويتاخمها كرمان، كرمان وسجستان ومكران وما فوقها أما كرمان ففيها صرود وجروم وعيون وأدوية وأعظم مدنها أربع برماشير وبم وجيرفت ودار الملك المعروف بالسيرجان ويتاخمها بلاد مكران وسجستان فأما مكران فإنها تمتد إلى قيقان من أرض السند وفيه مدن وكور كثيرة ثم إلى مولتان تسمى فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف لما افتتحها أصاب بها أربعين بهارا من الذهب والبهار ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون منا ذهبا يتصل حدود مولتان بحدود الهند وأما سجستان فمشارقها أرض كابل ومغاربها كرمان وجنوبها مكران وقيقان وشمالها قهستان وخراسان وتتاخم سجستان بلدي الرور والرخج وبست وهذه النواحي تتاخم أرض غزنة وقد ظهر في نواح يقال لها خشباجي معدن الذهب يحفرون الآبار ويخرجون من التراب الذهب وظهر هذا في سنة تسعين وثلاثمائة وزيد هذا الفصل في هذا الكتاب لأنه من العجائب ثم يرتفع إلى فنجهير وهي معادن الفضة إلى اندراب وبذخشان ووخان ثم يتصاعد إلى تبت ومن تبت إلى المشرق وفي شمال تبت والرخج الغور وهي جبال شامخة يخرقها نهر زرنج وفي جنوبها أرض السند، الجبل وهي من شرقي العراق وغربي خراسان أدنها إلى العراق حلوان ثم قرماسين ثم الدينور ثم همذان ونهاوند يسمى ماء البصرة وفي شمال هذه النواحي اذربيجان وفي جنوبها ماسبذان والسيروان ومدينة مهرجان قذق وهذه المدن بين العراق والأهواز والجبل وما يلي أرض فارس من الجبل الكرج واصبهان وما بينهم آخر عمل الجبل مما يلي خراسان الري وقزوين ثم في شمالها متصاعدا جرجان وطبرستان والجيل والديلم فالديلم لهم الجبال وهم أقل عددا من الجيل والجيل لهم سواحل بحر عابسكين وفي مشارق الرى قومس ثم يمر متصاعدا حتى يدخل حدود خراسان قالوا وبين الحدين تل لما وافى عبد الله بن طاهر خراسان واليا عليها وقف على ذلك التل ونادى يا أهل خرسان لا أجيبكم حتى أحميكم، خراسان طوله من حد الدامغان إلى

شط نهر بلخ وعرضه من حد زرنج إلى حد جرجان ومدنها الكبار أربع نيسابور ومرو وهراة وبلخ ثم فوق بلخ إذا لم يعبر النهر ممالك منها طخارستان وختل وشغنان وبذخشان إلى حدود الهند من نحو باميا إلى حدود تبت من نحو وخان وإن عبرت النهر أداك إلى الصغانيين من الترمذ إلى نخشب وكميذ وراشت تتاخم بلاد الترك الخرلخية ومن قبلهم يجيئهم الماء وأما ما وراء النهر فممالك واسعة منها سمرقند وفرغانة والشاش واسبيجان ودار الملك بخارا وأما المدن الصغار فكثيرة مثل كش ونسف وكور سغد وإيلاق وخجند وفرب وعلى شطى جيحون إذا انحدرت على آمل بلاد خوارزم وهي تتاخم بلاد الترك بالغربية ومن خوارزم إلى بلغار يفضى إلى الخزر والروم ومن وراء باب الأبواب وفي مشارق خوارزم الترك وما وراء النهر وفي جنوبهم مرو الروذ وابيورد ونسا وفي مغاربهم البحر وفي شمالهم الترك فسبحان من أحصى هولاء الخلق عددا وقدر لهم الأراضي والنواحي مستقرا وموطنا وخالف بين أهوائهم وإرادتهم وهممهم ولغاتهم ومعاملاتهم ومعائشهم فهم كلهم بعينه وعينه في قبضته وتحت قدرته ولا يخفى منهم خافية عليه ولا يغيب غائبة فهم بين مرضى عنه ومسخوط عليه ومقرب إليه ومقصى عنه فلا المرضى المقرب آمن من عقوبته وسطوته ولا المقصى المسخوط عليه يائس من عفوه ورحمته تبارك الله وتعالى كيف لا يجار الأفهام في عجيب تدبيره وبديع تقديره ومحكم صنيعه وفاضل قسمته تكفل بارزاقهم ولم يخف عليه عدد أنفاسهم وجعل بعضهم لبعض فتنة يبلو بهم صبرهم وشكرهم في معافى ومبتلى وفقير وغني وضعيف وقوي وحسن ورميم وعالم وجاهل دلالة منه بما يصنع على وحدانيته ودعوة إلى معرفة ربوبيته فله الحمد بالاستحقاق والاستغناء ومن أحق بحمده ممن دعاه فأجابه وهداه فاهتدى به اللهم فالهمنا التوفيق لبلوغ رضاك وأداء حقك في أشاعة شكرك والقيام بلوازم فرضك وعرفنا بركتك بإعطاء القوة وزيادة النشاط في طاعتك وعبادتك ولا تجمع بيننا سوء اختيارنا وكثرة تفريطنا وبين من عاديناه فيك وناصبناه لدينك يا أرحم الراحمين وكم للناظر في هذا الفصل من العبر والتنبيه إن كان ذا عقل ودين يقول الله عز وجل وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ويقول قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ويقول سبحانه هو الذي جعل الأرض لكم ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ويقول أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها،بلخ وعرضه من حد زرنج إلى حد جرجان ومدنها الكبار أربع نيسابور ومرو وهراة وبلخ ثم فوق بلخ إذا لم يعبر النهر ممالك منها طخارستان وختل وشغنان وبذخشان إلى حدود الهند من نحو باميا إلى حدود تبت من نحو وخان وإن عبرت النهر أداك إلى الصغانيين من الترمذ إلى نخشب وكميذ وراشت تتاخم بلاد الترك الخرلخية ومن قبلهم يجيئهم الماء وأما ما وراء النهر فممالك واسعة منها سمرقند وفرغانة والشاش واسبيجان ودار الملك بخارا وأما المدن الصغار فكثيرة مثل كش ونسف وكور سغد وإيلاق وخجند وفرب وعلى شطى جيحون إذا انحدرت على آمل بلاد خوارزم وهي تتاخم بلاد الترك بالغربية ومن خوارزم إلى بلغار يفضى إلى الخزر والروم ومن وراء باب الأبواب وفي مشارق خوارزم الترك وما وراء النهر وفي جنوبهم مرو الروذ وابيورد ونسا وفي مغاربهم البحر وفي شمالهم الترك فسبحان من أحصى هولاء الخلق عددا وقدر لهم الأراضي والنواحي مستقرا وموطنا وخالف بين أهوائهم وإرادتهم وهممهم ولغاتهم ومعاملاتهم ومعائشهم فهم كلهم بعينه وعينه في قبضته وتحت قدرته ولا يخفى منهم خافية عليه ولا يغيب غائبة فهم بين مرضى عنه ومسخوط عليه ومقرب إليه ومقصى عنه فلا المرضى المقرب آمن من عقوبته وسطوته ولا المقصى المسخوط عليه يائس من عفوه ورحمته تبارك الله وتعالى كيف لا يجار الأفهام في عجيب تدبيره وبديع تقديره ومحكم صنيعه وفاضل قسمته تكفل بارزاقهم ولم يخف عليه عدد أنفاسهم وجعل بعضهم لبعض فتنة يبلو بهم صبرهم وشكرهم في معافى ومبتلى وفقير وغني وضعيف وقوي وحسن ورميم وعالم وجاهل دلالة منه بما يصنع على وحدانيته ودعوة إلى معرفة ربوبيته فله الحمد بالاستحقاق والاستغناء ومن أحق بحمده ممن دعاه فأجابه وهداه فاهتدى به اللهم فالهمنا التوفيق لبلوغ رضاك وأداء حقك في أشاعة شكرك والقيام بلوازم فرضك وعرفنا بركتك بإعطاء القوة وزيادة النشاط في طاعتك وعبادتك ولا تجمع بيننا سوء اختيارنا وكثرة تفريطنا وبين من عاديناه فيك وناصبناه لدينك يا أرحم الراحمين وكم للناظر في هذا الفصل من العبر والتنبيه إن كان ذا عقل ودين يقول الله عز وجل وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ويقول قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ويقول سبحانه هو الذي جعل الأرض لكم ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ويقول أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها

ذكر المساجد والبقاع الفاضلة والثغور، مكة جاء في أخبار أهل الإسلام أن أول ما خلق الله عز وجل في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى وأولها الكعبة وبكة وحول بكة مكة وحول مكة الحرام وحول الحرام الدنيا قالوا ولما هبط آدم إلى الأرض حزن على ما فاته من نعيم الجنة فعزاه الله عنه بخيمة من خيام الجنة درة مجوفة فوضعها في موضع الكعبة اليوم وجعل يطوف بها مع الملائكة قالوا فلما كان زمن الغرق رفعت الخيمة إلى السماء وزعم وهب أن أول من بنى الكعبة بالطين والحجارة شيث بن آدم عم فلما كان زمن إبراهيم عم أمره الله تعالى ببناء البيت وأرسل إليه السكينة وهي في هيئة سحابة لها وجه ولسان وعينان تتكلم فوقفت فوق موضع الكعبة وقالت يابراهيم خذ على قدر ظلي فبنى البيت على قدر ذلك الظل بقول الله عز وجل وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم قالوا وليست أمة في الأرض إلا وهم يعظمون ذلك البيت ويعترفون بقدمه وفضله وأنه من بناء إبراهيم الخليل عم حتى اليهود والنصارى والمجوس وقد قيل أن زمزم سميت بزمزمة المجوس عليها وأنشدوا بيتا
زمزمت الفرس على زمزم ... ذلك في سالفها الأقدم
قال الله تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر قالوا ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت نادى يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج إلى بيته تحجوه وبلغ الله عز وجل صوته من كان في أرحام الأمهات وأصلاب الآباء فمن أجابه ولباه فلا بد من أن يحج ومن لم يجبه فلا سبيل إلى ذلك قالوا وأول من كسا الكعبة تبع لما أتى به مالك بن عجلان إلى يثرب وقتل اليهود ومر بمكة وقد أخبر بفضلها وشرفها فكساه الخصف ثم رأى في المنام أنه أكسها أحسن من ذلك فكساها الانطاع فرأى في المنام أن أكسها أحسن من ذلك فكساها المعافر والوصائل وأول من حلى البيت عبد المطلب لما حفر بئر زمزم أصاب فيه من دفن جرهم غزالتين من ذهب فضربهما في باب الكعبة ثم لما قام الإسلام كساها عمر بن الخطاب رضه القباطي ثم كساه الحجاج بن يوسف الديباج ويقال أن أول من كساها الديباج الخسرواني يزيد بن معاوية وأول من خلق جوف الكعبة بالخلوق عبد الله بن الزبير وأول من بناها بعد بناء إبراهيم عم أهل الجاهلية قبل مبعث النبي صلعم وذلك أنه جاء سيل من أعلى فهدم جدار الكعبة وساق مالها فاجتمعت قريش وتشاورا في بنائها فبنوها ورفعوا بابها عن الأرض مخافة السيل وأن لا يدخل فيها إلا من أحبوا ثم اختلفوا في الركن فوضعه رسول الله صلعم بيده قبل الوحي وكان المسجد في عهده غير محاط عليه فضاق بالناس أيام عمر فاشترى دورا فهدمها وزاد بالمسجد وأحاط عليها بحائط دون قامة الرجل ثم زاد عثمان بعده ثم هدم البيت عبد الله بن الزبير على حديث عائشة وجعل له بابين في الأرض ونقل إليه ثلاث أساطين من قليس صنعاء ثم لما قتله الحجاج هدم بناءه وبناه على البناء الأول ثم وسع المسجد أبو جعفر المنصور ثم زاد فيه بقدر المهدي في سنة مائة وستين فهو اليوم على ما بنوه، مسجد المدينة كان بالمدينة على عهد رسول الله صلعم تسع مساجد يصلون ولا يحضرون مسجد الرسول إلا يوم الجمعة وأول ما بنى بها من المساجد مسجد قبا وذلك أن رسول الله صلعم لما قدم نزل في بني عمرو بن عوف وأسس به مسجد قبا ثم خرج من عندهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلى الجمعة في بطن الوادي وبنى فيه مسجدا ثم جاء إلى المدينة ونزل على أبي أيوب الأنصاري وكان المربد فيه قبور جاهلية وغرقد وما يستحل فسأل النبي صلعم عنه فقال له معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة إنه لسهل وسهيل ابني عمرو ويتيمين في حجرى وسأرضيهما عنه فأبى الرسول صلعم حتى ابتاعه منها وأمر بالقبور فنبشت وبالغرقد فقطع وباللبن فضرب ونقلت الحجارة لأساسه وكان رسول الله صلعم ينقل الحجر على بطنه فيلقيه أسد بن حصين فقال أعطنيه يا رسول الله فقال اذهب فاحمل غيره فلست بأفقر إلى الله عز وجل مني وجعل يقول فيما روى الزهري لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وجعل المسلمون يرتجزون
لئن قعدنا والنبي يعمل ... فذاك منا للعمل المضلل

قالوا وبنى المسجد في طول مائة ذراع مربعا أساسه الحجر وجدرانه اللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل وثلاثة أبواب فقيل له ألا تسقفه فقال لا عرش كعرش موسى وتمام الشان أعجل من ذلك فهذا كان من أمر المسجد في عهد رسول الله صلعم وأمر أن يحصب فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضه وزاد فيه دار العباس ثم زاد عثمان وجعل سقفه من الساج وحيطانه بالحجارة المنقوشة ثم لما استعمل الوليد بن عبد الملك عمرو بن عبد العزيز على المدينة كتب إليه أن يوسع المسجد ويدخل فيه بيوت أزواج النبي صلعم وبعث إليه بفعلة من الروم والقبط وأربعين ألف مثقال من ذهب فسوره وبطنه بالفسيفساء وألوان الزجاج ثم زاد فيه المهدي ثم المأمون بعده فهو اليوم على ما فعله المأمون، بيت المقدس وزعم وهب أن يعقوب النبي عم كان يمر في بعض حاجاته فأدركه النوم في موضع المسجد فرأى في المنام كأن سلما منصوبا إلى السماء والملائكة تعرج فيه وتنزل وأوحى الله عز وجل إني قد ورثتك هذه الأرض المقدسة ولذريتك من بعدك فابن لي فيها مسجدا فاختط عليه يعقوب ثم بعده قبة ايليا وهو الخضر ثم بنى بعده داود وأتمه سليمان وخربه بخت نصر فاوحى الله عز وجل إلى كوشك ملك من ملوك فارس فعمرها ثم خربها ططس الرومي الملعون فلم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وعمره عمر بن الخطاب رضه ثم معاوية بن أبي سفيان وبه بايعوه للخلافة وليس ببيت المقدس ماء جار وإنما يشربون ماء الأمطار في الجباب إلا عيينة تسمى عين سلوان فيه ملوحة يزعمون أن الله عز وجل أظهرها لمريم حين أرادت أن تغتسل وظهر المسجد مغطى بصفائح من رصاص وأرض المسجد مفروشة بالرخام لئلا يضيع ماء المطر وللمسجد أبواب باب داود وباب سليمان وباب الأسباط وباب البقر والمسجد من أحد جوانبه يفضى إلى وادي جهنم وفيه مقابر ومزارع وفي وسط المسجد قبة الصخرة وعلى باب المدينة باب داود يصعد إليه بدرجات وفي المدينة مسجد لعمر بن الخطاب رضه وفيه كنائس اليهود والنصارى منها كنيسة يقال لها جلجلة وفيها قبر آدان أبي زكريا عم ومنها كنيسة صهيون التي كان يتعبد فيها داود عم وكنيسة القيامة في الموضع الذي يزعم النصارى أن المسيح لما قتل دفن فيه ثم قام وصعد إلى السماء ومن رملة إلى بيت المقدس ثمانية عشر ميلا وفي نصف الطريق قرية شنا يقال لها قرية العنب ومن بيت المقدس إلى بيت لحم فرسخ وفيه مولد المسيح عم بجنبها كنيسة الصبيان يزعمون أن الملك هيروذوس قتل بها صبيانا على اسم المسيح ومن بيت لحم إلى قبر الخليل عم فرسخان، طور سينا يخرج الرجل من مصر إلى قلزم في ثلاثة أيام ومن قلزم إلى الطور طريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعا يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة ثم يسير منها إلى الطور في يومين فإذا انتهى إليه صعد ست آلاف وست مائة وستا وستين مرقاة وفي نصف الجبل كنيسة لايليا النبي وفي قلة الجبل كنيسة مبنية باسم موسى عم بأساطين من رخام وأبواب من صفر وهو الموضع الذي كلم فيه الله عز وجل موسى وقطع منه الألواح للتورية ولا يكون فيها إلا راهب واحد للخدمة ويزعمون أنه لا يقدر أحد أن يبيت فيها فيهيئ له بيت صغير من خارج ينام فيه، مسجد الكوفة بناه سعد بن أبي وقاص رضه بأمر عمر بن الخطاب رضه بالآجر وزاد فيه المأمون ويقال من موضعه فار التنور من الغرق، مسجد البصرة بناه عتبة بن غزوان بالقصب ثم بناه عبد الله بن عامر بالطين ثم بناه زياد بن أبيه بالآجر وزاد فيه المأمون وفيه موضع الحكم الذي كان يقضي فيه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، مسجد مصر بناه عمر بن العاص زمن إمارته بها، مسجد دمشق بناه الوليد بن عبد الملك ويقال أنه أحد عجائب الدنيا، مسجد الرملة يقال فيه قبر كذا نبي والله أعلم وأحكم

الطريق من العراق إلى مكة حرسها الله يقال من الكوفة إلى مكة مائتان وثلاثة وخمسون فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال يخرج من الكوفة إلى القادسية ثم إلى العذيب وهي كانت مسلحة للفرس بينها وبين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل وهي ستة أميال فإذا خرجت منها البادية ثم المغيثة ثم القرعا ثم واقصه ثم العقبة ثم القاع ثم زبالة وبها حصن وجامع ثم الشقوق ثم قبر العبادي ثم الثعلبية وهي ثلث الطريق ثم الخزيمية ثم الاجفر ثم فيد وهي نصف الطريق وبها حصن وجامع والبلد لطيئ ثم سميرا ثم الحاجر ثم النقرة ومنها يفترق الطريق إلى المدينة فمن أراد مكة أخذ المغيثة ثم الربذة ثم السليلة ثم العمق ثم معدن بني سليم ثم أفيعية ثم المسلح ثم الغمرة ومنها يحرم الناس إلا الجمالين فإنها يحرمون من ذات عرق ثم بستان بني عامر ومن البستان إلى مكة ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا ومن أراد المدينة من النقرة أخذ العسيلة ثم بطن النخل عمرها مصعب بن الزبير ثم الطرف ثم المدينة ومن المدينة إلى مكة ثلث طرق الجادة والساحل وطريق المخالف ولكل قوم طريق ومنازل مغدودة فلا فائدة في حفظها لغير أهلها، ذكر الثغور والرباطات أعلم أن لكل قوم عدوا يحاذرونهم فلأهل الشام واذربيجان والجزيرة عدوهم الروم وارمينية وثغورهم السواحل وطرسوس والمصيصة وعين زربة وقاليقلا وسميساط واخلاط وكذلك عدو المغاربة الروم وعدو أهل الجبل وجرجان والجيل والديلم الغزية الترك وكانت قزوين ثغر الديلم ودهستان ثغر الترك فأسلمت الديالمة وتباعدت عنهم الترك وعدو كرمان البلوص وعدو أهل بلخ وباميان وجوزجان الهند وأهل خراسان عدوهم الترك وعدو أهل مكران البارج وخاشت وثغورهم تيز وأهل زرنج وبست الغور وكثير من الثغور قد تباعد عنها العدو وأسلموا مثل قزوين أسلمت الديلم ومثل ويسكرد أسلمت راشت والتحرز من المسلمين أولى من غيرهم

ذكر ما يحكى من عجائب الأرض وأهلها قد ذكر في الكتب أن عجائب الدنيا أربع شجر الزرزور ومنارة الاسكندرية وكنيسة الرها ومسجد دمشق ومن العجائب الهرمان بمصر ارتفاعهما في السماء أربع مائة وخمسون ذراعا في انخراط مكتوب عليهما من ادعى قوة فليهدمهما فإن الهدم أسهل من البناء ومنها قنطرة بختن معقودة من رأس جبل إلى جبل عقدها أهل الصين في الدهر ومنها جبل تبت يقال له جبل السم إذا مر به الناس أخذ بأنفاسهم فمنهم من يموت ومنهم من ينغل لسانه ومنها أن قتيبة بن مسلم لما افتتح ويكند أصاب بها قدورا عظاما يصعد إليها بالسلاليم فتذكروا أنها مما عملته الشياطين لسليمان عم بقوله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ومنها ما يحكى أن في مطلع الشمس أرضا ينبت الذهب قطعا كالنبات يظهر عند انفجار الصبح كالسرج ثم يغوص إذا دنا طلوع الشمس وفي تلك الأرض دابة على صورة النمل تأكل الناس قالوا ولما أغزى كشتاسب بت لهراسب اسفنديار فسار في أرض الترك حتى خرج من وراء الروم في أقصى الغرب وضع ثم صنما ونقش فيه ليس وراء هذا أحد يقاتل ولما فتح طارق بن زياد الأندلس في ولاية الوليد بن عبد الملك أصاب بها مائدة بثلاثة أطواق لؤلؤ وزبرجد وياقوت فذكر أهل الكتاب أنهما مما استخرجه الشياطين من البحر لسليمان بن داود ومنها أن من دخل تبت لم يزل مسرورا ضاحكا حتى يخرج كما يزعمون من غير علة ومنها أساطين انصنا مرأى الصعيد وغضائر السروج ومنها البحر المغربي لا تجري به السفن لأن فيه جبالا من حجر المغناطيس إذا انتهت إليه السفن جذبت ما فيها من المسامير فانتقضت قالوا وفي بحر الهند حيتان يبتلعون القارب وفيه سمك طيارة وفي بحر المغرب سمك على صورة الناس سواء وبأرض الهند شجر تقود فروعها إلى الأرض فتغوص فيها ثم تخرج رؤوسها من موضع آخر فإذا صارت شجرا عادت رؤوسها إلى الأرض ثم لا يزال كذلك حتى بلغت فراسخ ويغلب على بلدان كثيرة بعروقها وفروعها وزعموا أن قصب الخيزران يسير تحت الأرض خمسة فراسخ أو ستة وبها شجر يقال لها وقواق فيزعمون أن صورة ثمره على صورة وجوه الناس وأما الحمات والنيران الظاهرة ومخارق الريح التي لا تسكن أبدا ومساقط الثلوج التي لا تخلو طول السنة ومستنقعات المياه المختلفة والطعوم والأرائيح والتراب المختلفة التي لا تحصى ولا تعد وقد ذكر محمد بن زكريا في كتاب الخواص منه طرفا صالحا فمما زعموا أن بارض الترك جبلا إذا انتهوا إليه شدوا في حوافر دوابهم اللبد والصوف لئلا يثير عجاجا فيمطرون قالوا ويحملون معهم من حجارة ذلك الجبل فإذا عطشوا حركوها في الماء فيمطرون في الحال وفي كتاب المسالك والممالك حكاية أن بأقصى الترك مما يلي شمالهم نهرا عظيما يدخل في نقب جبل عظيم ولا يدري أحد أين مخرج ذلك الماء ومصبه وأن رجلا منهم اتخذ ضغثا ودخل في زق عظيم وأمر أن ينفخ فيه واستوثق من رأسه ثم شد الزق على الضغث وطرح في الماء قالوا أنه غاص يومين أو ثلثة ثم خرج ببسيط من الأرض فلما أحس بضوء النهار شق عنه الزق فإذا هو بأرض ذات شجر وحيوان لم يرى مثلها في طولها وعرضها وعظمها وناس طوال القامات عراض الأجسام على دواب عظام فلما بصروا به جعلوا يضحكون تعجبا منه ومن خلقته وجسمه هكذا الحكاية فلا أدري من أي طريق عاد إليهم هذا الرجل وأخبرهم بالخبر ومن أراد معرفة هذه الأشياء فلينظر في طبائع الحيوان وطبائع الأحجار وطبائع النبات ويزده علما ومعرفة وخبرة

ومن عجائب أصناف الناس قد جاء في الأخبار من صفة ياجوج وماجوج وما ذكرناه في موضعه وكذلك من صفة النسناس بأرض وبار وصنف منهم بناحية بامير وهي مفازة بين قشمير وتبت ووخان والصين ناس وحشية مشعرة جميع أبدانهم إلا الوجه ينقزون نقز الظباء وحدثني غير واحد من أهل وخان أنهم يصطادونه ويأكلونه قالوا وفي غياض سرنديب ناس وحشية يصفر بعضها لبعض وينفرون من الناس وبالزنج في أقاصيها قوم ليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس من دواب البحر عند غروبها ولا لهم لباس غير ورق الشجر ولا لهم بناء إلا أكنان تحت الأرض وهم يأكلون بعضهم بعضا ولا يعرف أحد منهم أباه ولا نكاح فيهم قالوا وفي ناحية الترك قوم إذا خرجوا إلى عدوهم أخذوا الملح معهم فمن قتلوه ملحوه وأكلوه وقالوا في نواحي خرخيز أمة وحشية لا يخالطون الناس ولا يفهمون عنهم لباسهم وأوانيهم من جلود الوحش يتناكحون على أربع كالوحش والبهائم وإذا مات منهم ميت علقوه على الشجر حتى يبلى قالوا وفي جهة الشمال أمة في طباع السباع والزعرة هم سباع الناس وحدثني غير واحد من الغواصين بأنهم يرون حيونا في البحر على صورة الناس يكلم بعضهم بعضا وفي كتاب المسالك أن في جزيرة من جزائر الهند قوما عظام الأجسام قدم أحدهم ذراع يأكلون الناس يقول الله عز وجل ويخلق ما لا تعلمون وروينا عن عبد الله بن عمر أنه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس وقد قال رسول الله صلعم ما أنتم بالناس إلا كالرقمة في ذراع البكر وروى إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود وروى أنه قال لما ذكر أهل النار أما ترضون أن يكون من ياجوج وماجوج تسع مائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد قالوا وأعدل أقسام الأرض وأصفاها وأطيبها إيران شهر وهو المعروف باقليم بابل ما بين نهر بلخ إلى نهر الفرات في الطول ومابين بحر عابسكين إلى بحر فارس واليمن في العرض ثم إلى مكران وكابل وطخارستان ومنتهى اذربيجيان صفوة الأرض وسرتها لاعتدال ألوان أهلها واستواء أجسامهم وسلامة عقولهم وذلك أنهم سلموا من شقرة الروم وفظاظة الترك ودمامة الصين وقصر ياجوج وماجوج وسواد الحبشان وخبل الزنوج ولذلك سمي إيران شهر يعنون قلب البلدان وإيران هو القلب بلسان أهل بابل في القديم وهي أرض الحكماء والعلماء وفيهم السخاء والرحمة والتمييز والفطنة وكل خصلة محمودة التي عدمها الناس من سكان الأرض ويحسبك معرفة هذه البلاد أنه لا يحمل إليها أحد من غيرها ولا يقع إليها بنفسه فيشتاق بعد ذلك إلى أرضه أن يعود إليها وليس كذلك حال هذه البلاد والله أعلم

ذكر ما بلغنا من المدن والقرى ومن بناها ذكر في الأخبار أن أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان بقرذى وسوق ثمانين وذلك أن نوحا عم لما خرج إلى السفينة وكانوا ثمانين إنسانا هذه الرواية أربعون رجلا وأربعون امرأة بنى لهم تلك القرية وسموها سوق ثمانين وجاء أن أول بناء بني على وجه الأرض بيت الله الكعبة وبناه شيث بن آدم وفي كتب العجم أن المدائن بناها هوشنك وسماه كرد بنداذ معمولا وجد فكأنه كان بناء قبله ثم درس فبناه زاب الملك وهو الذي حفر الزابين ثم بناه الاسكندر ثم بناه شابور ذو الاكتاف قالوا وبنى طهمروث بابل وهي المدينة العتيقة وابريز بأرض اذربيجيان واواق على رأس جبل شاهق بأرض الهند وقهندز مرو بأرض خرسان قالوا بنو جم شاذ همذان بأرض الجبل واصطخر بأرض فارس والمذار بأرض بابل وطوس بأرض خراسان قالوا وبني كيلهراسب الجبار بلخ الحسناء بأرض الهند وقهندز بأرض مكران قالوا وبني بهمن حول اصطخر بناء عجيبا وبنى دارا دارابجرد بأرض فارس وبنى دارا بن دارا دارا بأرض الجزيرة وبنى اوشهنج مدينة بابل ومدينة السوس بأرض الأهواز ومعناه حسن ثم بنى بعدها تستر ومعناه أحسن وبنى شابور بن اردشير جندى شابور بأرض الأهواز والأنبار بأرض العراق وبنى هرمز البطل دسكرة الملك وبنى يزدجرد الجشن بناء بباب ارمينية وبناء بأرض جرجان وبنى شابور ذو الاكتاف نيسابور بخراسان وبنى الاسكندر عشر مدن سرنديب بأرض الهند والاسكندرية بأرض اليونان وجى بأرض اصبهان وهراة ومروة وسمرقند بأرض خراسان ومن يحصي بناء المدن وواضعي القرى ومن يعلم مبادئ إنشائها إلا الله عز وجل وهبنا أخبرنا بمدن فارس على نحو ما نجده في كتبهم والمدن التي أحدثت في الإسلام بقرب العهد وجدة التأريخ فمن لنا بمدن الهند والصين والروم والترك وليس كل مدينة أو قرية مبنية منسوبة إلى بانيها لأنه قد تسمى المدينة باسم الباني أو باسم لها قبل حدوثها أو باسم ماء أو شجر أو شيء ما وقد يجوز أن يجتمع قوم بموضع من المواضع فيصير ذلك مدينة فهذا يبين لك أن كل مدينة لا يوجب بانيا لها قاصدا إليها وقد قيل أن قسطنطينية مدينة ملك الروم بناها قسطنطين فسميت به ونيسابور بناها سابور فسميت به وافريقية بناها افريقس فسميت به وحران نزلها هاران بن آزر أخو إبراهيم عم فسميت به وسمرقند خربها شمر ملك من ملوك اليمن فقيل شمر كند ثم عرب وغمدان بناها غمدان الملك باليمن فسميت به وصنعاء سميت بجودة الصنعة وعدن سميت بالمقام قالوا وسميت مكة لازدحام الناس بها وسميت المدينة لاجتماع الناس فيها وهي تسمى يثرب وسماها رسول الله صلع طيبة وسميت المجحفة بسيل أتى فيها فجحف من فيها والكوفة مصرها سعد بن أبي وقاص وكان بها رمل فسميت به ويقال لها الكوفان والبصرة مصرها عتبة بن غزوان وسماها بحجارة بيض كانت في موضعها وأواسط بناها الحجاج ويقال لذلك وسط القصب ويقال بل توسطت البصرة والكوفة وهي سهلية جبلية برية بحرية يوجد بها الرطب والثلج والقمح والسمك وبغداد سميت باسم موضع كان قبلها ويقال لها الزوراء ويقال أبغ اسم صنم وسمتها الخلفاء مدينة السلام وأول من بناها أبو جعفر المنصور بنى بها قصر الخلد وسر من رأى بناها المعتصم وذلك أنه تنحى عن مدينة السلم ليبني في السراة الذين تجمعوا بديار ربيعة ومضر فنزلها وهي ضاحية على جهة مناخ العسكر لا سور عليها ولا خندق ولا ميرة ولا ماء ثم عطلت وكان أبو العباس نزل الأنبار فبناها وبنى المتوكل المتوكلية وانتقل إليها فقتل بها وطرسوس بني في أيام هارون الرشيد والمصيصة بناها المنصور وعسكر مكرم نزلها بن مطرف اللخمي فصارت مدينة ونسبت إليه فاعلم أن المدن تبنى على ثلاثة أشياء على الماء والكلاء والحطب فإذا فقدت واحدة من هذه الثلاثة لم تبق

ذكر ما جاء في خراب البلدان في كتاب أبي حذيفة عن مقاتل أنه قال قرأت في كتب الضحاك بعد موته وهي الكتب المخزونة عنده في قوله عز وجل وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا أما القرى مكة فيخربها الحبشان فذلك عذابهم وأما المدينة فالجوع يخربها وأما البصرة فالغرق وأما الكوفة فالترك وخراب الشام من قبل الملحمة بالكدى عند فتح القسطنطينية وخراب الأندلس وطنجة من قبل الريح وخراب الافريقية من قبل الأندلس وخراب مصر من انقطاع النيل وخراب اليمن من الجراد والحبش وخراب ارمينية من الصواعق والرواجف وخراب اذربيجيان بسنابك الخيل وخراب الجبل بالصواعق وخراب الري واصفهان وهمذان على أيدي الديالمة والطبرية وهلاك حلوان بهلاك الزوراء قال وهلاك الزوراء بريح ساكنة تمر بها فيصبح أهلها قردة وخنازير وأما الكوفان فيخربهما رجل من آل عنبسة بن أبي سفيان يعني السفياني وخراب سجستان برياح ورمال وحيات وأما خراسان فانها تهلك بأصناف العذاب وبلخ يصيبها رجة وهدة فيغلب عليها الماء فتهلك وبذخشان يغلب عليها أقوام عليهم الدواويح المشقوقة فيتركونها كجوف الحمار والترمذ يموتون بجارف الصغانية تهلك بقتل صريع ولهم من عدو سمرقند والشاش وفرغانة واسبيجاب وخوارزم يغلب عليها بنو قيطورا بن كركر وأما بخارا فأرض الجبابرة يصيبهم نحو ما يصيب خوارزم ثم يموتون قحطا وجوعا ومن الجملة خراب ما وراء النهر بالترك قالوا ويضيق بهم الأمر حتى لو نبح كلب على شاطئ آمل من على شط الفرات أنه مكان ذلك الكلب وخراب كرمان وفارس واصفهان من قبل عدو لهم وخراب مرو بالرمل ونيسابور بالريح وخراب هراة بالحيات قال تمطر عليهم الحيات فتأكلهم وقال مقاتل وخراب السند من قبل الهند وخراب خراسان من قبل تبت وخراب تبت من قبل الصين وكذا الروية والله أعلم فقد روى من خراب البلدان عن الصحابة فمن ذلك ما روى أبو هريرة أن النبي صلعم قال للمدينة لتركها أهلها على حين ما كانت مذللة للعوافى وما روى عن علي عم أنه قال ليخرب البصرة وليفرقن حتى يصير المسجد كأنه جؤجؤ سفينة،
الفصل الرابع عشر
في ذكر أنساب العرب وأيامها
المشهورة على غاية هذا الكتاب من الإيجاز والاختصار
اختلف الناس في نسب العرب فقال بعضهم كلهم من ولد اسماعيل بن إبراهيم وقال آخرون ليست النمر من ولد اسماعيل ولكنها من ولد قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح فهم أنسب وأقرب من غيرهم ولذلك تفتخر أعراب اليمن على غيرها من العرب وقال ابن اسحق لم أجد أحد من نساب اليمن له علم إلا وهو يزعم أنهم ليسوا من ولد اسماعيل ويقولون نحن العرب العاربة كنا قبل اسماعيل وإنما تكلم اسماعيل بلساننا لما جاورته جرهم إلا هاذين الحيين الأنصار وخزاعة فإنهم يزعمون أنهم من ولد اسماعيل عم قالوا أخو قحطان يقطر بن عامر بن عابر فولد يقطر جرهم وجزيلا فلم يبق في جزيل بقية فنزلت جرهم مكة فنكح فيها اسماعيل عم وقد قال رجل من قحطان بن هميسع بن نابت بن اسماعيل والنساب على أنه قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح والله أعلم وقحطان ونزار هما جرثومتان لأنه نسبة ولد اسماعيل من نزار ونسبة اليمن من قحطان هذا هو الأصل قال الشاعر
بجيلة حين جاءت ليس تدري ... أقحطان أبوها أم نزار
ونزار نزاران فهذا نزار بن معد بن عدنان والثاني نزار بن انمار ثم اختلفوا في نسب عدنان فقال بعضهم عدنان بن أدد بن يخنوخ بن مقوم بن ناحور بن تيرخ بن يعرب بن يشجب بن اسماعيل هذا قول محمد بن اسحق وقال بعضهم عدنان بن مبدع بن يسع بن الأدد بن كعب بن يشجب بن يعرب بن الهميسع بن حميل بن سليمان بن ثابت بن قيدر بن اسماعيل وقد روى ابن عباس رضه أن النبي صلعم انتسب فلما بلغ إلى عدنان وقف وقال كذب النسابون وقد روى ابن اسحق عن يزيد بن رومان عن عائشة أن النبي صلعم قال استقامت نسبة الناس إلى عدنان ويدلك على هذا القول لبيد
فإن لم نجد من دون عدنان والدا ... ودون معد فلترعك العواذل

فولد عدنان عك بن عدنان ومعد بن عدنان فأما عك فأول من تبدى في البادية والعدد في معد فولد معد بن عدنان ثمانية نفر يذكر منهم أربعة قضاعة بن معد واياد بن معد ونزار بن معد والعدد في نزار فولد نزار ثلثة نفر ربيعة ومضر وانمارا فأما انمار فإنه ولد خثعم وبجيلة فصاروا إلى اليمن فأما مضر فولد الياس ويقال لولد الياس خندف ينسبون إلى أمهم وولد الياس ثلثة نفر مدركة بن الياس وطابخه بن الياس وقمعة بن الياس فأما قمعة فزعم بعض الناس أنهم في اليمن ورجعت خندفها إلى مدركة وطابخة وأما الياس ابن مضر فهو قيس بن عيلان فمضر ترجع كلها إلى هاذين الحيين خندف وقيس وولد مدركة بن الياس هذيل وولد سعد تميم بن معاوية بن تميم وقد ولدوا غير ما نذكره غير أنا نذكر من له العدد وولد خزيمة بن مدركة أسد بن خزيمة فمنه تفرقت بطون العرب وهم بنو أسد والهون بن خزيمة فولد الهون القارة الذي يقال في المثل قد أنصف القارة من رماها ومن القارة عضل وديش وكنانة بن خزيمة فولد كنانة النضر بن كنانة ومالك بن كنانة وملكان بن كنانة وعبد مناة بن كنانة فأما النضر بن كنانة فهو أبو قريش كلها وولد النضر بن كنانة مالك بن النضر والصلت بن النضر فصارت الصلت في اليمن ورجعت قريش كلها إلى مالك بن النضر فولد مالك فهر بن مالك والحارث بن مالك فمن بني الحارث المطيبون والخلج وأما فهر فمنه تفرقت قبائل قريش وولد فهر غالب بن فهر ومحارب بن فهر فولد الغالب لؤي بن غالب وتميم بن غالب فأما تميم فهم بنو الادرم من أعراب قريش ليس منهم بمكة أحد وفيهم يقول الشاعر
إن بني الادرم ليسوا من أحد ... ولا توفاهم قريش في العدد
فأما لؤي بن غالب فإليه ينتهي عدد قريش وشرفها وولد لؤي سبعة نفر منهم كعب بن لؤي فولد كعب مرة بن كعب فمن عدي عمر بن الخطاب رضه ومن مرة أبو بكر الصديق رضه وولد مرة بن كعب كلاب بن مرة وولد كلاب قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب فأما قصي فاسمه زيد وإنما سمي قصيا لأنه تقصى مع أبيه وتسمية قريش مجمعا لأنه جمع قبائل قريش وأنزلها مكة وبنى بها دار الندوة وأحذ مفتاح البيت من خزاعة وكان قريش قبل ذلك حلولا فمن ذلك قريش الاباطح كانوا ينزلون الأبطح ومنهم قريش الظواهر كانوا ينزلون بظاهر مكة فجمعهم قصي وفيه يقول الشاعر
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرا على فخر
فتزوج قصي بن كلاب ابنة حليل بن حبش الخزاعي فولدت له أربعة نفر عبد مناف وعبد الدار وعبد العزي وعبدا فأما عبد فبادوا كلهم وعبد الدار فإنهم قتلوا يوم أحد إلا عثمان ابن طلحة فإنه أسلم ودفع بالنبي صلعم المفتاح إليه يوم فتح مكة ثم دفعه إلى شيبة فهو في ولده إلى اليوم وأما عبد العزي فبقوا ومنهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي وأما عبد مناف فولد عشرة نفر منهم هاشم والحارث وعباد ومخرمة وعبد شمس والمطلب ونوفل واسم عبد مناف المغيرة وكانوا يسمونه الغمر لجوده وفضله وإليه صار السودد بعد قصي فأما عبد شمس بن عبد مناف فانه ولد أولادا يسمون العبلات لأن اسم أمهم عبلة ويقال أيضا أمية الأصغر لأن لعبد مناف ولدا يقال له أمية الأكبر وولد يقال له عبد العزي والربيع يقال له جرو البطحاء وولد الربيع أبا العيص بن الربيع زوج بنت رسول الله صلعم ابن أخت خديجة وأما أمية الأكبر فإنه ولد حربا وأبا حرب وسفيان وعمروا وأبا عمرو يقال لهم العنابس شبهوا بالأسد والعاص وأبا العاص وأبا العيص ويقال لهم الأعياص فأما حرب بن أمية فولد أبا سفيان بن حرب وأما أبو العاص فولد أبا عثمان بن عفان وأما أبو العيص فقالوا ولد أسيدا أبا عتاب بن أسيد أمير مكة وأما هاشم بن عبد مناف فاسمه عمرو وسمي هاشما لأنه هشم الخبز ويقال كثر الخبز بالرحلتين بينهما في الصيف إلى الشام وفي الشتاء إلى اليمن وفيه يقول الشاعر
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف

وإليه صار السودد بعد عبد مناف وولد هاشم ولدا لم يعقب منهم أحد غير أسيد بن هاشم وعبد المطلب بن هاشم وهلك هاشم بغزة من أرض الشام وكان وافاها في تجارة له ومات المطلب بردمان من أرض اليمن ومات نوفل بسلمان من أرض العراق ومات عبد شمس بمكة وفيه يقول مطرود بن كعب
منيت بردمان ومنيت بسل مان ومنيت بين غزات
ومنيت أسكن اللحد لدى ... المحجوب شرقي البنيات
فهولاء بنو عبد مناف ثم صار الأمر إلى عبد المطلب بن هاشم بعد عمه المطلب بن عبد مناف، قصة عبد المطلب واسمه شيبة الحمد وذلك أن هاشم بن مناف خرج إلى الشام في تجارة فمر بالمدينة وتزوج بسلمى بنت عمرو النجارية فحملت بشيبة ورحل هاشم فمات بأرض الشام وولدته سلمى وترعرع الغلام وصار وصيفا فقدم ثابت بن المنذر أبو حسان بن ثابت الشاعر مكة فقال للمطلب بن عبد مناف لو رأيت ابن أخيك لرأيت جمالا وشرفا ورأيته بين آطام بني قنيقاع يناضل فتيانا من أخواله فيدخل في مرماتية جميعا في مثل راحتي هذه والمرماة السهام وكانوا إذ ذاك يرمون بسهمين فخرج المطلب حتى قدم المدينة ومكث يرقب شيبة فلما أبصره عرفه بالشيبة ففاضت عينه ثم دعاه فكساه حلة وردة إلى أمه وانشأ يقول
عرفت شيبة والنجار قد جعلت ... أناءها حوله بالنبل تنتضل
عرفت أجلاده منا وشيمته ... ففاض مني عليه واكف سبل
ثم أتي أمه فضنت به فلم يزل بها يقبل في الغارب والسنام حتى دفعه إليه فاحتمله وقفل راجعا إلى مكة وهو رديفه ولم يكن للمطلب ولد فقيل هذا عبده فنشب اللقب عليه ثم لما هلك المطلب بن عبد مناف قام بالأمر عبد المطلب بن هاشم وكثرت أمواله وتأثلت مواشيه فأجمع أن يحفر بئرا، قصة حفر عبد المطلب زمزم قد بينا في قصة اسماعيل وهاجر ما ذكر من أمر زمزم فمن قائل أنها ركضة جبرئيل وآخر أنها همزة اسمعيل بكعبه ثم عورتها السيول وعفتها الأمطار روى ابن اسحق عن علي بن أبي طالب عم أن عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم فقال ما زمزم فقال لا ينزف ولا يذم، لتسقى الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، وعند نقره الغراب الأعصم ، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه ليس له يومئذ ولد غيره فوجد الغراب ينقر بين اساف ونائلة فحفر منه فلما بدا الطى كبر فاستشركته قريش وقالوا انها بئر أبينا اسمعيل ولنا فيها حق فأبى أن يعطيهم حتى تحاكموا إلى كاهنة بنى سعد بأشراف الشام فركبوا وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفذ ماءهم فظمئوا وأيقنوا بالهلاك فانفجرت من تحت خف راحلة عبد المطلب عين من ماء فشربوا منه وعاشوا وقالوا قد والله قضى لك علينا لا نخاصمك فيها أبدا إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فانصرفوا وحفر زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب كانت جرهم دفنتهما عند خروجهم من مكة ووجد فيها أسيافا قلعيه ودروعا فضرب الغزلين في باب الكعبة وأقام عبد المطلب سقاية زمزم للحجاج وفيه يقول حذيفة بن غانم
وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلكم سيد فهر
طوى زمزما عند المقام فأصبحت ... سقايته فخرا على كل ذي فخر

قصة ذبح عبد المطلب ابنه عبد الله أبا رسول الله صلعم قالوا وكان عبد المطلب نذر لله عز وجل حيث كان لقي من قريش ما لقي عند حفرة زمزم لئن ولد له عشرة نفر يمنعونه ممن يريده لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة شكرا له فلما توافى بنوه العشرة جمعهم فأخبرهم بنذره قالوا شأنك وما نذرت قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم ليكتب فيه اسمه ثم ليأتني به ففعلوا فقام ودخل بهم على هبل في جوف الكعبة وضرب عليهم قداحهم فخرج قداح عبد الله أبي رسول الله وهو أصغرهم فأخذ بيده وحدد الشفرة وجره إلى المذبح فقامت قريش من أنديتها وقالوا لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئذ فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه فيذبحه فما بقاء الناس على هذا ولكن انطلق إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فسلها فرحل عبد المطلب فقص عليها القصص فقالت صاحبكم وعشرا من الإبل ثم اضربوا عليها بالقداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا حتى يرضى ربكم فرجعوا إلى مكة وقربوا الإبل هبل ولم يزالوا يضربون عليها بالقداح وعلى عبد الله والقداح تخرج عليه حتى بلغت الإبل مائة ثم خرج على الإبل فأمر فنحرت بالبطحاء وفي شعاب مكة فجاجها وعلى رؤوس الجبال حتى أكلها الناس والطير وفيه يقول أبو طالب
وتطعم حتى تترك الطير سورها ... إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد
ثم أخذ عبد المطلب بيده عبد الله حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وأم آمنة برة بنت عبد العزي ابن قصي ابن كلاب فحملت آمنة بالنبي صلعم وهلك أبوه عبد الله بالمدينة والرسول حمل في بطن أمه فرثته آمنة بنت وهب أم الرسول صلعم فما يروى
عفا جانب البطحاء من آل هاشم ... وجاور لحدا مدرجا بالغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
قي أبيات غيرها قالوا ثم مات وهب بن عبد مناف فرثته ابنة آمنة أم رسول الله صلعم
أني لباكية وهبا فمعولة ... وهب بن عبد مناف سيد الناس
فقد رزئت كريما غير مؤتشب ... ضخم الدسيعة حناسا لحناس
ماضي العزيمة لا يخشى غوائله ... من جوهر من قريش غير أنكاس
في أبيات أخر ثم توفي عبد المطلب ورسول الله صلعم ابن ثمان سنين أو أقل، نسب أهل اليمن لا خلاف أنهم من ولد قحطان وإنما الخلاف في قحطان وهو قحطان أبو يعرب وولد يعرب يشجب وولد يشجب سبأ واسم سبأ عبد شمس بن يشجب وإنما سمي به لأنه أول من سبا بالعرب وولد سبأ سبعة نفر الأشعر بن سبأ ومنه رهط وأبي موسى الأشعري وحمير بن سبأ وانمار بن سبأ وعاملة بن سبأ ومرة بن سبأ فولد مرة بن سبأ شعبان بن مرة وولد الأشعر بن سبأ والأشعريين وولد عمرو بن سبأ عدي بن عمرو فولد عدي لخما وجذاما وجذام قبائلها وبطونها منهم جديس وغنم وجشم وغطفان ونفائة ومدالة والدار التي تنسب إليها الداريون وولد انمار بن سبأ ولدا فخالفوا خثعما وبجيلمة وقال نساب مضر أن خثعما وبجيلمة ابنا انمار ابن نزار فجر انمار بن سبأ نسبهم باسم أبيهم يتمنى به وقد قال جرير بن عبد الله البجلي نافرا لفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حاجس
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقال أيضا
ابنى نزار ابصر أخاكما ... إن أبي وجدته أباكما
لن يغلب اليوم أخ والاكما
وبجيلة امرأة نسبت القرية إليها ومن بطون بجيلة قسر رهط خالد بن عبد الله القسري وولد عاملة بن سبأ قبائل ويزعم نساب مضر إنهم من ولد قاسط وقال الأعشى
أعامل حتى متى يذهبن ... إلى غير والدك الأكرم
ووالدكم قاسط فارجعوا ... إلى النسب الأبلد الأقدم
وولد حمير بن سبأ ست نفر مالك بن حمير وعامر بن حمير وعوف بن حمير وسعد بن حمير ووائلة بن حمير وعمرو بن حمير فولد مالك بن حمير قضاعة بن مالك وولد قضاعة قبائل منها كلب بن وبرة ومصاد وبنوا القين وتنوخ وجرم بن زياد وراسب وبهراء وبلى ومهرة وعذرة وسعد هذيم وهذيم عبد حبشي نسب إليه والشائعة منه الكلاع وذو النواس وذو اصبح وذو وجدن وذو يزن وبطون كثيرة وفيها يقول الفاكهي
الحسب المعروف غير المنكر ... قضاعة بن ملك بن حمير

وولد كهلان بن سبأ زيد بن كهلان فولد زيد بن كهلان ملك بن زيد وادد بن زيد فولد ادد طى بن ادد والغوث بن ادد ومن طى بنو نبهان الذي يذكره أبو تمام الطائي
تنبهت لبني نبهان حين ثوى ... يد الزمان فعاثت فيهم وفمه
ويقول في افتخاره بهم
لنا جوهر زيدية اددية ... إذا نجمت ذلت لها الانجم الزهر
ومن طي بنمو ثعل الذي يذكره امرؤ القيس
رب رام من بني ثعل ... مخرج كفينه من ستره
ومن طي بنو سنبس الذين يذكرهم الأعشى
فصبحها القانص السنبسي ... فشلى كلابا بإسادها
وولد مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ يحابر بن مالك وقر ابن مالك ومربع بن مالك فولد يحابر مذحج وولد مذحج مرادا وجلدا وعنسا وسعد العشيرة وإنما سمي سعد العشيرة لأنه شهد الموسم ومعه بنون عشرة فقيل له من هولاء فقال هم العشيرة وولد سعد العشيرة جعفى بن سعد وحبيب ابن سعد وصعب بن سعد وعائذ الله بن سعد وفيه يقول مهلهل الشاعر
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الخباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها ... ضرج ما انف خاطب بدم
وفي الجملة اكثر قبائل العرب من اليمن فمنهم السكون وخولان والأزد ومازن بن الأزد وميدعان بن الأزد والهنو بن الأزد ورماد بن سلامان ومنهم آل العنقاء والفراهيد وقسامل وبلادس وثهلان وحرحنة وبطون كثيرة قد كتب دونت في كتب الأنساب حتى ما تسقط قبيلة ولا فخذ ولا رهط ولا بطن ، نسب الأوس والخزرج وهم الأنصار وهم من بلد كهلان بن سبأ الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان وأمهم قيلة فيقال للأنصار أبناء قيلة فولد الخزرج بن حارثة خمسة نفر جشم بن الخزرج وعوف بن الخزرج وهما الخرطومان يقال إن سرك العز فحجيج في جشم والحارث بن الخزرج وكعب بن الخزرج وعمرو بن الخزرج وكان يقال لهم القواقل وذلك أن الرجل كان إذا استجار بيثرب قيل له قوقل حيث شئت فقد أمنت ومن ولد عمرو بن الخزرج النجار ويقال لهم بنو النجار واسمه تيم اللات ابن ثعلبة ويقال سمي بذلك لأنه نجر وجه رجل بالقدوم ويقال اختتن بالقدوم وولد أوس بن حارثة مالك ابن أوس فمن مالك تفرقت قبائل الأوس كلها وبطونها فمنها عمرو بن عوف أهل قبا ومنهم جحجبي بن كلفه رهط أحيحة بن الجلاح زوج سلمى قبل هاشم ومنهم الجعادرة يقال لهم أوس الله ومنهم اليست وجردس وبنو عبد الأشهل وبنو الحبلى رهط عبد الله بن أبي ابن سلول ومنهم جفنة بن عمرو وآل القعقاع وآل محرق وهم ملوك غسان بالشام واسم محرق بالشام الحارث بن عمرو وإنما سمي محرقا لأنه كان يعاقب بالنار وفيهم يقول حسان
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد الرحيق عليهم ... بردا يصفق بالرحيق السلسل
يؤتون منهم ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أخلاقهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
إن التي ناولتني فشربتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
يزعمون أن عند ما أرسل الله عز وجل على أهل سبأ سيل العرم فلما قال عمرو بن عامر في كهانته ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج وقد قال سويد بن صامت
أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي ... أبوه عامر ماء السماء
وقال المنذر بن حرام جد حسان بن ثابت بن المنذر في الجاهلية العمياء يذكر نسبهم إلى غسان ثم إلى نابت بن مالك ثم إلى نبت بن اسمعيل بن ابرهيم
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر ... وحارثة الغطريف مجدا موثلا
موارث من أبناء نبت بن مالك ... ونبت بن اسمعيل ما أن تحولا
قالوا وولد واثلة بن حمير الشكاشك بن واثلة والعدد من حمير في واثلة

ذكر قيس بن عيلان بن مضر بن النزار بن معد ومن قيس فهم وعدوان واعصر وغني بن اعصر وسعد بن أعصر وهو أبو باهلة وباهلة امرأة من همدان ومنبه بن اعصر فهم الطعاوه وبنو اصمع رهط الأصمعي ومن بني باهلة قتيبة بن مسلم ومن قيس بنو وائل ومن بني وائل وثقيف وهولاء كلهم من مضر، ذكر ربيعة وأما ربيعة بن نزار بن معد فأنه ولد أسد بن ربيعة واكلب بن ربيعة وضبيعة بن ربيعة فهولاء قبيلة وبطون كثيرة فمنهم جديلة ودعمى وشن ولكيز ونكرة وهم أهل البحرين ومنهم الغدق وهنب بن افصى والاراقم وفدوكس رهط الأخطل الشاعر وبكر بن وائل وعجل وحنيفة وسدوس وقبائل كثيرة وبطون مشهورة مذكورة في الكتب ومن قبائل مضر بنو الأخيل رهط ليلى الأخيلية والمجنون الشاعر وعامر رهط لبيد بن ربيعة العامري ومنهم القرطاء قرط وقريط ومقرطة ومن يعد قبائلهم إلا النساب وفي مقدار ما ذكرناه كفاية فإن علم الأنساب من صناعة الأعراب والعرب كلها من قحطان وعدنان فأما قحطان فأبو اليمن ومن عددنا في جملتهم وأما عدنان فأبو سائر العرب وهم يرجعون إلى ابني نزار مضر وربيعة وقد ذكرنا بعضهم وثقيف بن مضر وهم فرقتان بنو مالك والأحلاف، ذكر رؤساء مكة جاء في الخبر أن إبراهيم عم لما حمل اسمعيل وأمه إلى مكة جاء جرهم وقطورا من اليمن وهما ابنا عم فرأيا بلد ذا ماء وشجر فنزلا ونكح اسمعيل في جرهم فلما توفى ولي البيت بعده نبت بن اسمعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد اسمعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافس جرهم وقطورا الملك فخرج جرهم في قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض بن عمرو وخرجت قطورا في اجياد وهي أسفل مكة وعليهم السميدع فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا وقتل السميدع فسميت تلك البقعة فاضحا لأن قطورا فضحت وسمى اجيادا لما كان معهم من جياد الخيل وسميت قعيقعان لتقعقعة السلح ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور واصطلحوا فسمي المطابخ قالوا ونشر الله عز وجل ولد اسمعيل فكثروا وربلوا ثم تنشروا في البلاد لا يطأون أرضا إلا ظهروا على أهلها بدينهم ثم أن جرهما بغوا بمكة واستحلوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى الناسة لا تقر ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته وكانت بنو بكر بن عبد مناة وغبشان ابن خزاعة حلولا حول مكة فأدنوهم بالقتال فاقتتلوا عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر وليس هو بمضاض الأكبر يقول، لا هم إن جرهما عبادك، الناس طرف وهم تلادك، فغلبتهم خزاعة ونفتهم عن مكة نفية يقول عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فازالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بباب البيت والخير ظاهر
فأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذاك على الباقين تجري المقادر
وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة ... كما عضت الأولى السنون الغوابر

في أبيات أخر ووليت خزاعة البيت ثلاث مائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبش الخزاعي وقريش اذذاك صريح ولد اسمعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة إلى أن أدرك قصي وتزوج بحبى بنت حليل بن حبش وولدت له عبد مناف وعبد العزي وعبدا وكثر ولده وعظم شرفه وهلك حليل بن حبش فرأى قصي أنه أولى بالكعبة من خزاعة فأخذ ما بأيديهم وقصي أول من أصاب ملكا من العرب من قريش بعد ولد اسمعيل وذلك في زمن المنذر بن النعمان على الحيرة والملك بهرام جور في الفرس فقطع قصي مكة أرباعا وبنى بها دار الندوة فلا يتزوج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرع جارية إلا فيها وسميت الندوة لأنهم ينتدون فيها للخير والشر وكانت قريش تؤدي الرفادة إلى قصي وهي خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم وكانت صوفة وهي قبيلة من جرهم بقيت بمكة تلي الاجازة بالناس من عرفة وخزاعة كانت تحجب البيت فإذا أفاض الناس أخذت صوفة بجانبي العقبة وقالت اجيزي صوفة فإذا نفدت صوفة وجازت خلوا سبيل سائر الناس حتى إذا كان العام الذي أراد الله عز وجل أن يظهر أمر قصي ففعلت صوفة كما يفعله فأتاهم قصي في من معه من قريش وقاتلوا صوفة فهزمهم وولي قصي البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء فلما كبر قصي ودق عظمه جعل الأمر إلى عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصي وأقامت على ذلك زمانا ثم إن بنى عبد مناف أجمعوا أن يأخذوا ما بأيدي عبد الدار وهموا بالقتال ثم تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بنو عبد مناف السقاية والرفادة وأن يكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار وتعاقدوا ذلك حلفا حلفا مؤكدا لا ينقضونه ما بل بحر صوفة فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملؤة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين فأخرجت بنو عبد الدار جفنة من دم وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسموا الأحلاف ولم يزالوا على ذلك حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فقال النبي صلعم ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة فأول من أصاب قريش ملكا قصي بن كلاب ثم ابنه عبد الدار وبنوه إلى أن قاسمهم بنو عبد مناف ثم هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد اللحاج وذلك أنه قال يا معشر قريش أنتم جيران الله وأهل بيته يأتيكم في الموسم زوار الله شعثا غبرا من كل فج وعميق على ضوامر كأنهم القداح قد ارصفوا ونهكوا وثقلوا وارملوا فاكرموا ضيف الله فترافدت قريش مالا عظيما كل سنة حتى كان يخرج أهل اليسار منهم مائة دينار هرقلية فكان يأمر بالحياض فبضرب ويترع من البئار ويطعم الناس اللحم والسويق والتمر إلى أن صدروا وفيه يقول الشاعر
يا أيها الرجل المحول رجله ... هلا سالت عن آل عبد مناف
كانت قريشا بيضة فتفلقت ... فالمح خالصها لعبد مناف
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
نسبت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف
فهلك هاشم بأرض غزة فصار الأمر إلى عبد المطلب بن هاشم صاحب زمزم وساقي الحجيج ومطعم الوحش ثم هلك وولي الأمر أبو طالب ثم وليه العباس ثم أقر رسول الله صلعم المفتاح في يدي عثمان بن طلحة والسقاية في يدي العباس فهو في ولدهم إلى اليوم

ذكر رؤساء المدينة ووقوع قريظة والنضير إليها في الخبر أن ططوس بن استيانوس الرومي الكافر لما خرب بيت المقدس إحدى المرتين وتفرقت بنو إسرائيل جاءت قريظة والنضير وهما من صريح ولد هارون بن عمران أخى موسى بن عمران حتى نزلوا يثرب في الفترة وكان نزول الأوس والخزرج إياها زمن سيل العرم لا شك ويقال أن مسقط يهود إليها من عهد موسى بن عمران عم وذلك أنه بعث جيشا إلى يثرب وأمرهم أن يقتلوا كل من وجدوا على قامة السوط قال فقتلوا إلا غلاما لم يروا أحسن منه فإنهم استبقوه وانصرفوا إلى الشام وإذا موسى قد هلك وتبرأت بنو إسرائيل من هذه الطبقة لمخالفة أمر موسى واستحيائهم من هذا الغلام فاقبلوا راجعين إليها واستوطنوا بها فإن كان هذا حقا فقد سبقوا الأوس والخزرج إلى يثرب والله أعلم قالوا وكان الملك في اليهود وملكهم قيطون وكان يبدأ بالعروس قبل زوجها حتى قتله مالك بن عجلان بن زيد بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج كما ذكرنا في قصة ملوك اليمن وملك مالك فصارت الرياسة له والشرف ثم جعلت الأوس والخزرج يتوارثون الرياسة إلى أن هاجر إليهم النبي صلعم فصارت الرياسة للإسلام وأهله والسلم،
الفصل الخامس عشر
في ذكر مولد النبي
صلى الله عليه وسلم ومنشأه ومبعثه إلى هجرته
هذا نسب رسول الله صلعم في رواية محمد بن اسحق المطلبي وقد بينا اختلاف الناس في نسبه عدنان وما فوقه في فصل الأنساب، محمد صلعم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن ادد ابن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن اسمعيل بن ابراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن رعو بن شالخ بن عابر بن فالج بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلح بن اخنوخ بن يارد بن مهلايل بن قينان بن شيث بن آدم عم

ذكر مولد النبي صلعم ولد بمكة عام الفيل بعد قدوم ابرهة بخمسين ليلة وكان أول يوم من المحرم عام الفيل يوم الجمعة وقدم الفيل يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة ثماني مائة واثنين وثمانين للاسكندر الرومي وستة عشر ومائتين من تأريخ العرب الذي أوله حجة الغدر وسنة أربع وأربعين من ملك انوشروان بن قباذ ملك العجم فيما يروى وكان مولده صلعم يوم الاثنين لثماني ليال خلون من ربيع الأول وقال ابن اسحق لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول قالوا وكان طالع النبي صلعم برج الأسد والقمر فيه بثماني عشرة درجة ودقائق والشمس في الثور بدرجة وهو يوم السابع عشر من دى ماه ويوم العشرين في الأرض التي تعرف بابن يوسف بمكة فصيرتها الخيزران بنت عطاء امرأة المهدي مسجدا ويدل خبر عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضه أن رسول الله صلعم وضع ليلا لأنه قال كان أهل الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل رموه تحت الإناء فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا فلما ولد رسول الله صلعم رموه تحت البرمة فلما أصبحوا إذا هي قد انفلقت بيتين وعيناه إلى السماء فعجبوا من ذلك وأرسلوا إلى عبد المطلب فجاء فنظر إليه فقال ارفعوا ابني هذا فإنه منا ودفع إلى امرأة من بني سعد بن بكر فلما ارضعته دخل عليها الخير من كل جانب وكانت لها شويهات فنمت وازدادت زيادة حسنة هذا الصحيح من خبر حليمة قال ابن اسحق والتمس الرضعاء لرسول الله صلعم فاسترضع في بني سعد بن بكر بثدي حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها الحارث بن عبد العزي واخوة رسول الله صلعم من الرضاعة عبد الله بن الحارث وانيسة بنت الحارث والشيماء بنت الحارث فكان عند ظئره سنتين إلى أن فطمته وردته إلى أمه ثم عادت إلى بلادها فلما تمت له خمس سنين حملته إلى أمه فكان عند أمه سنة حملته إلى بني عدي بن النجار تريد اياهم للخؤولة التي كانت لهم فكان مصيرها به إلى منصرفها شهر وتوفيت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلعم بالأبواء منزل بين مكة والمدينة وهي راجعة إلى مكة ورسول الله صلعم ابن ست سنين فحملته أم أيمن وهي حاضنته ومولاة أبيه إلى مكة فكان في حجر عبد المطلب فلما بلغ ثماني سنين توفي عبد المطلب وهلك انوشروان في هذه السنة كما يدل عليه التأريخ ثم ضمه أبو طالب إلى نفسه وأقام عنده أربع سنين فلما بلغ اثنتي عشرة سنة عرض لأبي طالب الخروج إلى الشام في تجارة فخرج بالنبي صلعم صبابة به ورقة قالوا حتى إذا كانوا ببصرى أشرف عليهم راهب يقال له بحيرا فرأى علامة من علامات النبوة فاتخذ طعاما ودعا الركب إليه فحضروه وخلفوا النبي في رحالهم لحداثة سنه فقال بحيرا لا يتخلفن أحد عن طعامي فدعوه فلما أبصره بحيرا توسم فيه مخائل النبوة وعرف دلائلها فاحتضنه وضمه إلى نفسه وقال لأبي طالب من هذا الغلام منك قال هو ابني قال ما ينبغي له أن يعيش أبوه قال ابن أخي قال ارجع بابن أخيك واحذر عليه من اليهود فانه كائن لابن أخيك شأن عظيم فقضي أبو طالب تجارته وأسرع به إلى مكة وفيه يقول
ألم يكون لقريش آية عجب ... فيما يقول بحيرة وعداس

قالوا فشب رسول الله صلعم شبابا حسنا يكلؤه الله عز وجل ويحوطه من اقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته حتى كان اسمه في قومه الصدوق الأمين فلما بلغ عشرين سنة هاجت حرب الفجار في رواية ابن اسحق والواقدي وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال هاجت الفجار ورسول الله عليه الصلوات والسلم ابن أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وقال النبي صلعم كنت أنبل إلى أعمامي في الفجار قالوا وإنما سميت هذه الحرب الفجار وكانت وقعات لما صنعوا فيها من الفجور في الشهر الحرام وذلك أن النعمان بن المنذر عامل ابرويز على الحيرة كان يبعث كل سنة بلطيمة إلى سوق عكاظ في جور رجل من العرب فلما كان في هذه السنة قال من يجير هذه العير قال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب الرحال أنا أيها الملك وقال البراض بن قيس وكان خليعا والخليع من خلع حلفاءه فمن قتله فدمه هدر أنا أيها الملك فقال أتجيرها على أهل الشيح والقيصوم وأنت كالكلب الخليع إنما أنت أضيق إستا من ذلك فقال البراض أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق جميعا فسلم النعمان اللطيمة إلى عروة وتبعه البراض حتى إذا كان بتيمن ذى طلال أصاب فرصة من عروة فوثب عليه فقتله في الشهر الحرام وقال في ذلك
وداهية يهم الناس قتلي ... شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت بها بيوت بني كلاب ... وأرضعت الموالى بالضروع
قتلت به بتيمن ذى طلال ... فخر يميد كالجدع الصريع
وتسامع الناس به فخرج كنانة وقريش بطلب ثأر عروة وخرجت قيس بن عيلان لأجل البراض واقتتلوا قتالا شديدا بعكاظ في الشهر الحرام ثم تحاجزوا وتداغشوا إلى الصلح ورهن حرب بن أمية ابنه أبا سفيان بن حرب في ذلك الصلح وفيه يقول الشاعر
قد بعثنا الحجار من كل حي ... وقمعنا الفجار يوم الفجار
قالوا أن رجلا تاجر قدم مكة وباع سلعته من العاص ابن وائل السهمي فمطلة حتى أجهده فصعد الرجل جبل أبي قبيس ونادى
يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الأهل والنفر
إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لمثوى لابس الغدر
فاجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان وتحالفوا على أن يكونوا يدا واحدا على المظلوم حتى يأخذوا له حقه فسمته قريش حلف الفضول وقد قال رسول الله صلعم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعي به في الإسلام لاجبت وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة، خروج النبي صلعم إلى الشام في مال خديجة رضها قالوا وكانت خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزي بن قصي من مياسير قريش وتجارها تستأجر الرجال وتبعثهم في مالها وذكر الواقدي أن أبا طالب قال يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد الحت علينا سنون منكرة فلو جئت خديجة وعرضت عليها نفسك لأسرعت إليك بما يبلغها من صدقك وعظم أمانتك فقال رسول الله صلعم فلعلها ترسل إلي في ذلك وبلغ خديجة خبر أبي طالب وما فاوض ابن أخيه فارسلت وسألته أن يخرج معه ميسرة غلام لها فخرج وباع سلعتها واشترى ما أراد أن يشتري وأقبل قافلا إلى مكة فباعت الحمولات فأضعفت وأثمرت فرغبت في نكاح رسول الله صلعم

نكاح خديجة رضها قالوا ولما ظهر لها من بركة رسول الله صلعم وعظم أمانته وصدق وفائه رغبت في نكاحه قال الواقدي فأرسلت نفيسة مولاة لها دسيسا فقالت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي شئ ما أتزوج فقالت نفيسة فإن كفيت ذلك ألا تجيب قال ومن هي قالت خديجة فذكر رسول الله صلعم لأعمامه ذلك فخرج معه حمزة بن عبد المطلب فخطبها إلى أبيها خويلد بن أسد ومعه ثمل فلما أصبح وصحا قال ما هذا الخلوق وهذه الحلة قالوا كساكها محمد ابن عبد الله فقد أنكحته خديجة ودخل بها فانتهرهم قال وأصدقها عشرين بكرة وروى الواقدي أنه أنكحها عمها عمرو بن أسد وكان رسول الله صلعم خمسة وعشرين سنة يوم تزوجها وخديجة بنت أربعين سنة ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وكانت قبله تحت عتيق بن عبد الله ويقال ابن عابد وولدت له جارية ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة هند بن زرارة فولدت له هند بن هند وولدت لرسول الله صلعم جميع ولده إلا ابرهيم بن مارية فإنه من القبطية فأكبر ولده القاسم وبه كان يكنى أبا القاسم ثم الطيب ثم الطاهر ثم رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة قال الواقدي ولم أر أصحابنا يثبتون الطيب ويقولون هو الطاهر وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أنها ولدت لرسول الله صلعم عبد مناف في الجاهلية وولدت له في الإسلام غلامين وأربع بنات القاسم وعبد الله فماتا صغيرين وفي كتاب ابن اسحق أن إبنيه هلكا في الجاهلية وأن بناته أدركن الإسلام وهاجرن والله أعلم، ذكر بنيان الكعبة قالوا ولما بلغ رسول الله صلعم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ليرفعوها ويقفوها وإنما كانت رضما فوق القامة فجاء سيل فهدمه وفي جوفها بئر يحرز فيه كنز الكعبة وما يهدى لها فسرق منها رجل يقال له دويك فقطعت قريش يده وتهيأوا لبناء الكعبة وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة فتحطت فأخذوا خشبها وكان بمكة رجل قبطي نجار فسوى لهم ذلك وبنوها ثماني عشرة ذرعا فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يلونه ويرفعونه إلى موضعه وتفاقم الأمر بينهم وتوعدوا للقتال ثم تحاجزوا وتناصفوا على أن يجعلوا بينهم أول طالع من باب المسجد يقضي بينهم فكان ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلم فقال هلم ثوبا فأتى به فوضع الركن فيه ثم قال ليأخذ كل فئة بناحية من الثوب ثم ليرفعوه ففعلوا حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ الحجر بيده فوضعه في الركن فرضوا بذلك وأنهوا عن الشر

ذكر المبعث ونزول الوحي قالوا فلما بلغ رسول الله صلعم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وهدى للخلق أجمعين وكان في مبتدأ الأمر يرى الرؤيا ويسمع الصوت ويتمثل له الخيال فراع لذلك وذعر وروينا عن عكرمة أنه قال أنزلت النبوة على محمد صلعم وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته اسرافيل ثلاث سنين فكان يترأى له ويلقى الكلمة إليه ولم ينزل القرآن على لسانه ثم قرن بنبوته جبريل عم فنزل القرآن عشرين سنة عشرا بمكة وعشرا بالمدينة وروى ابن اسحق عن الزهري عن عائشة أن أول ما ابتدى رسول الله صلعم من النبوة الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ثم حببت إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه أن يخلو وحده ثم جاءه الملك قالوا وكان قريش يتحنثون بحراء في رمضان وكان رسول الله صلعم يفعل ذلك لأنه من البر فبينما هو عاكف بحراء ومعه التمر واللبن يطعم الناس ويسقيهم إذ استعلق له جبرائيل ليلة السبت وليلة الأحد ثم أتاه بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان بقول الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وهو الخامس والعشرون من ابان ماه والتاسع من شباط وذلك في سنة عشرين من ملك ابرويز وأهل الأخبار على أن أول ما أنزل القرآن خمس آيات من سورة أقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله علم الإنسان ما لم يعلم وذكر بعضهم أنه صلعم قال أتاني رجل وفي يده سمط ديباج وأنا نائم فركضني برجله وقال اقرأ ففعل ذلك مرة أو مرتين ثم قال باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ثم قال ابشر فأنا جبريل وأنت نبي هذه الأمة وصلى به ركعتين وفي رواية عبيد بن عمير الليثي أنه أتاه وهو نائم ولم يذكر أنه ركضه برجله قال فأتيت وقد هالني من رأيت وكأنما كتاب كتب في قلبي وقلت أخشى أن أكون شاعرا أو مجنونا قالت وما ذاك ابن أخي فقصصت عليها القصة فقالت ابشر فانك تطعم الطعام وتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة لا يصنع الله بك إلا خيرا ثم جمعت عليها ثيابها وانطلقت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي ابن قصي وكان نصرانيا قد قرأ الكتب فقصت عليه الخبر فلما ذكرت جبريل قال قدوس قدوس مالك تذكرين الروح الأمين بهذا الوادي الذي أهله عبدة الأوثان لئن كنت صدقتني لقد حاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران فقولي له فليتثبت وإذا جاءه فتحسري بين يديه فإن كان شيطانا ثبت وإن كان ملكا لا تراه حينئذ فرجعت خديجة إلى رسول الله صلعم وقالت إذا أتاك صاحبك فناد بي فبينما هو عندها إذ جاءه جبريل عم فقال النبي عم هاهو يأخذ بي فقالت فقم واقعد على فخذى وحسرت عن رأسها وقالت تراه قال لا قالت ابشر فإنه والله ملك وما هو شيطان ولو كان شيطانا ما استحيى فآمنت به وصدقته وكثير من الناس يقولون أن أول الناس إيمانا بالنبي صلعم خديجة وروينا عن أبي رافع انه قال صلى رسول الله صلعم غداة يوم الاثنين وصلت خديجة في آخر ذلك اليوم قالوا ونزلت في هذه القصة ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون قال ورقة قال ورقة بن نوفل فيما روى ابن اسحق عنه
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري ياخديجا
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود يوما ... ويخصم من يكون له حجيجا
فيا ليتى إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا
فإن تبقوا وأبق يكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خروجا
قال الزهري فهلك ورقة بن نوفل قبل الوحي وقبل إظهار النبي صلعم الدعوة والله أعلم بصدقه

انقضاض الكواكب رأيت في بعض كتب التأريخ أنه كان بين مبعث رسول الله صلعم وإلى أن رأت قريش النجوم يرمي بها في السماء عشرون يوما وقال الله عز وجل إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يستمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب ألا من خطف الخطفة فاتبعته شهاب ثاقب فدل بقوله حفظا من كل شيطان مارد أنها لم تزل محفوظة مذ خلقت الكواكب لها زينة وقد سئل الزهري عن انقضاض الكواكب في الجاهلية فقال قد كان ذلك فلما بعث رسول الله صلعم شدد وغلظ ألا ترى إلى قول الشاعر
فأنقض كالكوكب الدري يتبعه ... نقع يخال على أرجائه الطنبا
وقد روى أخبار هذا الباب والذي يشبه الحق أنه قد كان قبل ذلك انقضاض الكواكب وأنه قرن به عند الوحي ضرب من العذاب يقضى به الخاطف المستمع والله أعلم، ذكر فترة الوحي قالوا ثم فتر الوحي عن رسول الله صلعم حتى شق عليه مشقة شديدة وفي رواية ابن عباس رضه أنه كان يعدو مرة إلى ثبير ومرة إلى حراء يريد أن يلقى نفسه منها فبينا هو كذلك إذ سمع صوتا فرفع صوته فإذا هو بالملك الذي جاءه بحراء بين السماء والأرض قال فخشيت رعبا ورجعت إلى أهلي فقلت زملوني فألقوا علي قطيفة سوداء وصبوا علي ماء بارد فنزل يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر، ذكر اختلافهم أول من أسلم قيل خديجة رضها صلى رسول الله صلعم غداة يوم الاثنين وصلت خديجة آخر اليوم وقيل علي بن أبي طالب صلى رسول الله صلعم يوم الاثنين وصلى يوم الثلثاء وقيل زيد بن حارثة وقيل أبو بكر الصديق رضه وأما ابن اسحق فإنه يقول أول من ذكر من الناس آمن بمحمد صلعم علي بن أبي طالب عم ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق وأسلم بدعائه عثمان بن عفان ثم سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله فهولاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام وروى الواقدي أن سعد بن أبي وقاص قال لقد أتى على يوم واني لثالث الإسلام وعن عمرو بن عنبسة كنت ثالثا أو رابعا في الإسلام وعن خالد بن سعيد بن العاص كنت خامسا في الإسلام وممن سبق إسلامه أبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام وعثمان بن مظعون وقدامة بن مظعون وعبيدة بن الحارث وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش وأبو سلمة بن عبد الأسد وواقد بن عبد الله وخنيس بن حذافة ونعيم بن عبد الله النحام وخباب بن الارت وعامر بن فهيرة رضهم أجمعين ومن النساء أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب وفاطمة بنت الخطاب امرأة سعيد بن زيد بن عمرو وأسما بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هولاء في ثلاث سنين ورسول الله صلعم يدعو في خفية قبل أن يدخل دار أرقم بن أبي الأرقم ثم أسلم صهيب بن سنان وعمار ابن ياسر وكان إسلامهما بعد إسلام بضعة وثلاثين رجلا ثم فشا بمكة وتحدث به وأمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة فقال فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وذلك في السنة الرابعة من النبوة

ذكر إظهار الدعوة إلى الإسلام قالوا فجهر رسول الله صلعم بدينه ودعا الخلق إليه و أبدى الصفحة لهم فلم يبعد عليه قومه ولا عابوا عليه رأيه لما عرفوه من صدق الحديث وحسن الجوار وتحرى الخير والتواضع للخلق وكمال العقل والشرف وعلو البيت وطهارة النسب حتى سب آلهتهم و سفه أحلامهم وضلل أراءهم ونقض دينهم فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وقد حدب عليه عمه أبو طالب وقام يناضل دونه ويحامي عليه فتضاغن القوم وتوامروا ومشوا إلى أبي طالب منهم أشراف قريش عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف و أخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة و أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس و أبو جهل بن هشام بن المغيرة المخزومي وكنيته أبو الحكم و أبو البختري بن هشام و الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي والعاص بن وائل السهمي فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا وإن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل أباءنا فإما أن تكفه وإما أن ننازله وإياك فقال له أبو طالب اتق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلعم أن أبا طالب قد تركه وأنه قد ضعف عن نصرته وهو خاذله فاستعبر ثم قال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله وأهلك دونه ما تركته فقال أبو طالب لا تخذله فمشوا إليه بعمارة بن الوليد فقالوا هذا أنهد فتى قريش وأجمله فخذه واتخذه ولدا وسلم إلينا ابن أخيك هذا الصابئ الذي خالف ديننا وفرق جماعتنا نقتله فقال أبو طالب تعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه هذا مما لا يكون فتنابذ القوم وتنادوا بعضهم بعضا وأقبلوا على من في القبائل من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله عز وجل رسوله بعمه أبي طالب أن تخلصوا في شعره وبشره غير أنهم يرمونه بالسحر والشعر والكهانة والجنون والقرآن ينزل عليهم بتكذيبهم والرد عليهم ورسول الله صلعم قائم بالحق ما يثنيه ذلك عن الدعاء إلى الله عز وجل سرا وجهرا حتى لحق أبو طالب بالله عز وجل فتخطوا إليه بالمكروه ونالوا منه ما كانوا يجمحون عنه من جنانه قالوا ولما أسلم حمزة بن عبد المطلب عز به النبي صلعم و أهل الإسلام فشق ذلك على المشركين فعدلوا عن المنابذة إلى المعاتبة وأقبلوا عليه يرغبونه في المال والأنعام ويعرضون عليه الأزواج فنزل قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فلما أعياهم أمره ويئسوا أن يستنزلوه عن دينه بشئ من حطام الدنيا أخذوا في طلب الآيات والتماس المعجزات كما حكى الله عز وجل عنهم في القرآن وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات وتواصوا على من أسلم يعذبونهم جهارا ويقاتلونهم سرا فأمر رسول الله صلعم بالهجرة إلى الحبشة فرارا بدينهم وهي الهجرة الأولى سنة خمس من البعث، ذكر الهجرة الأولى إلى الحبشة قالوا فخرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة و أميرهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلعم وخرجت قريش في أثرهم فلم يلحقوهم ومروا القوم إلى الحبشة فآمنوا واطمأنوا قالوا وتلا رسول الله صلعم سورة النجم فالقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فسجد المشركين وسروا بذلك وقالوا ما إن لابن أبي كبشة يذكر آلهتنا بخير وبلغ الخبر عثمان بن عفان ومن معه بأن قريشا قد أسلموا فأقبلوا راجعين فلما دنوا من مكة أخبروا أن ذلك باطلا فلم يدخل منهم مكة أحد إلا مستخفيا أو بجواز فاشتد الأمر وأطبق البلاء بالمسلمين فأمرهم النبي صلعم بالخروج ثانيا إلى الحبشة، ذكر الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة قالوا فخرجوا وأميرهم جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا فقال عبد الله بن الحارث بن قيس يذكر لهم ما فيه من الأمن والدعة
يا راكبا بلغن عني مغلغة ... من كان يرجو بلاغ الله والدين
كل امرئ من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون
إنا وجدنا بلاد الله واسعة ... تنجى من الذل والمخزاة والهون
فلا تقيموا على ذل الحياة ولا ... خزي الممات وعيب غير مأمون

وخرج أبو بكر الصديق رضه حتى بلغ برك الغماد فلقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال إلى أين يا أبا بكر قال أخرجني قومي فأسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك لا يخرج تكسب المعدوم وتصل الرحم و تقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق فرجع أبو بكر في جواره فقال ابن الدغنة يا معشر قريش إني أجرت أبا بكر قالوا فمره يعبد ربه في بيته ولا يفسد علينا صبياننا قالوا وبعثت قريش بعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة مع هدايا إلى النجاشي ملك الحبشة على أن يسلم المسلمين إليهما فقدما وأوصلا الهدية قال إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان من عندنا سفهاء فارقوا دينهم ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا اشرافنا إليكم لتردهم إليهم فقال النجاشي حتى أسئلهم عما يقولون ثم استدعى أصحاب رسول الله صلعم فجآؤه وقد جمع أساقفته وبطارقته وفرشوا مضاجعهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم فقال جعفر ابن أبي طالب رضه إنا كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة ونهريق الدماء ونأتي الفاحش حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده و نعبده و نخلع الحجارة والأوثان و أمرنا بصدق الحديث وصلة الرحم و حسن الجوار ونهانا عن الفواحش و المحارم فعذوا علينا ليردونا إلى عبادة الأصنام و الأوثان فهربنا إلى بلادك واخترناك على من سواك فقال لهم انطلقوا فو الله لا أرسلكم إليهم أبدا فخرجا من عنده مقبوحين فقال عمرو لأتينه بما يستأصل به خضرآؤهم ثم غدا إليهم من الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فأرسل فاسألهمم ما يقولون في عيسى فقال جعفر بن أبي طالب رضه نقول فيه ما جاء به نبينا أنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فضرب النجاشي يده إلى الأرض وتناول منها عودا وقال ما عدا عيسى ما قلتم هذا العود ثم قرأ عليه جعفر بن أبي طالب صدر سورة كهيعص فآمن بالنبي صلعم ورد هدية عمرو وعبد الله و صرفهما إلى مكة ثم لما هاجر رسول الله صلعم إلى المدينة وكان المسلمون يخرجون إليه وكان آخرهم جعفر أدرك النبي صلعم وهو بخيبر قالوا ولما خرج رجع عمرو وعبد الله وجدوا أن عمر بن الخطاب رضه قد أسلم وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره فامتنع رسول الله صلعم به وبحمزة بن عبد المطلب حتى عادوا قريشا و كاثروهم ثم وقع الحصار في السنة السادسة من النبوة وبقي ثلاث سنين، ذكر الحصار قالوا واجتمعت قريش على بني هاشم وبني عبد المطلب وتعاقدوا على أن لا يبايعونهم ولا يخالطوهم و لا ينكحوا منهم و لا ينكحوهم حتى يتبرؤا من صاحبهم و يسلمونه للقتل و كتبوا صحيفة كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر و علقوها في الكعبة فانحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب فدخلوا الشعب وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزي بن عبد المطلب وحده وضاق الأمر عليهم لا يصل إليهم شئ من الطعام إلا سرا وبقوا فيه ثلاث سنين فلما كان في السنة التاسعة من النبوة قال النبي صلعم لأبي طالب هل شعرت بأن ربي قد سلط الأرضة على الصحيفة فلم تدع لله اسما إلا اثبتته ونفت القطيعة والظلم فقام أبو طالب حتى أتى المسجد فقال يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا فهلموا صحيفتكم فإن كان كما قال فانتهوا عن ظلمنا وقطيعتنا فإن كان كاذبا دفعته إليكم قالوا رضينا فنظروا فإذا هو كما قال صلعم فزادهم ذلك شرا ثم اجتمع نفر من قريش وقالوا يا قومنا تأكلون الطعام وتشربون الشراب وتلبسون الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبايعون ولا يناكحون والله لا نقعد حتى نشق هذه الصحيفة الظالمة لقاطعة فقام إليها مطعم بن عدي فشقها فقال أبو طالب
الاهل أتى بحرينا صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود
ألم يأتهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد
جزى الله رهطا بالحجون تبايعوا ... على ملأ يهدى لحزم ويرشد
قضوا ما قضوا من ليلهم ثم أصبحوا ... على مهل وسائر الناس رقد
فخرجوا من الشعب

ذكر خروجهم من الشعب قال الواقدي مات أبو طالب وخديجة في السنة العاشرة من النبوة بعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير وكان بين موت خديجة إلى أن مات أبو طالب شهر وخمسة أيام وقيل كان بينهما ثلاثة أيام فتشابعت على رسول الله صلعم المصائب واستكلبت عليه شوكة المشركين وبالغوا في الأذى وكان أشده عليه عمه أبو لهب عليه اللعنة وأبو جهل وعقبة وأبي بن خلف فمنهم من يقدر ببابه ومنهم من يطرح الأذى في برمته إذا نصبت ومنهم من يطرح رحم الشاة إذا سجد على ظهره ومنهم من يطأ برجليه على عنقه ومنهم من يذر التراب على رأسه ومنهم من يبزق في وجهه وجعلوا يستهزؤن به ويتضاحكون منه ورسول الله صابر محتسب على الأذى ثم خرج رسول الله صلعم إلى الطائف يستنصره، خروج النبي صلعم إلى الطائف قالوا وخرج مع زيد بن حارثة على حمار من هذه الدناية يلتمس النصر والمنعة وأقام بها عشرة أيام فلم يدع أحد من أشراف ثقيف إلا جاءه وكلمه وكانت رؤساء ثقيف ثلاثة أخوة عبد ياليل بن عمرو وحبيب بن عمرو ومسعود بن عمرو فجاءهم رسول الله صلعم وسألهم أن يمنعوه حتى يبلغ من الله عز وجل أمره فقال أحدهم انا امرط ثياب الكعبة إن الله أرسلك نبيا وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث لا أكلمك أبدا فقام رسول الله صلعم وقد يئس من نصرتهم فقال أكتموا على وكره أن يبلغ ذلك قومه فيذأرهم عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم وعبيدهم فجعلوا يسبونه ويغطغطون وراءه ويرمونه بالحجارة حتى التجأ إلى ظل حبلة في جنب حائط فجلس فيه ودعا دعوات فسأل ربه النصر والصبر وانصرف وكان مقامه بالطائف عشرة أيام فلما بلغ في منصرفه بطن نخل استمع إليه نفر من الجن، قصة الجن الأولى قالوا وقام رسول الله صلعم من خوف الليل يصلي فمر به سبعة نفر من جن نصيبين يقال أسماءهم حسا ومسا وشارصه وناحر ولاورد وسار وسان والأحقب فآمنوا به ورجعوا إلى قومهم منذرين كما قال الله عز وجل وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن الآيات وسار رسول الله صلعم من نخلة يريد مكة حتى أتى حراء وبعث إلى سهيل بن عمرو والأخنس بن شريق أدخل في جواركما فأبيا عليه وأرسل إلى مطعم بن عدي فأجاره وأمر بنيه فلبسوا السلاح ووقفوا عند خروجه إلى البيت فدخل رسول الله صلعم مكة وكان غيبته من خروجه إلى مرجعه خمسة وعشرين يوما ويقال شهرا وفيه يقول حسان بن ثابت
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله فيهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبي ملب وأحرما
قصة الجن الثانية قالوا ولما انصرف النفر من نصيبين إلى قومهم وأنذروهم جاءت جماعة منهم زهاء ثلثمائة رجل وخرج رسول الله صلعم إلى الحجون فقرأ عليهم ودعاهم إلى الله عز وجل فآمنوا به وصدقوه ثم صلى بهم وقرأ في الصلاة تبارك الملك وسورة الجن وهي فسمي ليلة الجن ثم هاجت الأزمة وهي الجوع فدعا النبي صلعم عليهم حتى أكلوا العلهز والقد والعظام المحرقة والكلاب الميتة وحتى كان الرجل يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان فجاءه أبو سفيان بن حرب وقال يا محمد جئت بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فادع الله لهم فلما دخلت سنة احدى عشرة سنة من النبوة دعا رسول الله صلعم فكشف عنهم بقول الله عز وجل إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ثم كان انشقاق القمر بقول الله عز وجل اقتربت الساعة وانشق القمر ثم غلبت الروم بقول الله عز وجل آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين

قصة الروم وذلك أن ابرويز لما انهزم من بين يدي بهرام جوبينة مضى إلى الروم واستنجد بملكهم موريقيس فأمده بالرجال و المال و زوجه ابنته مريم وانصرف وقاتل بهرام فنفاه إلى أقصى خراسان ووثبت الروم على ملكهم فقتلوه فسرح إليهم ابرويز شهرابراز الفارسي وجندا من الفرس فدخلوا قسطنطينة واحتووا على خزانتها وأموالها وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية وحملوا الخشبة التي يزعم النصارى أن المسيح عم صلب عليها وذلك في سنة احدى عشرة من النبوة قبل الهجرة بسنتين وأخبر الله عز و جل نبيه صلى الله عليه آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون وسر المشركين به وجادلوا المسلمين وقالوا تزعمون أنكم تغلبوننا لأنكم أهل كتاب وهذه المجوس قد ظهرت على الروم وهم أهل كتاب فنزل وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين فأنكروا ذلك و جحدوه فناجب أبو بكر أبي بن خلف على ذود من الإبل ليظهرن الروم على فارس إلى خمس سنين فقال النبي صلعم زده في الخطر ومده في الأجل فجعل الخطر ذودين والأجل سبع سنين فلما كان يوم الحديبية انكشف شهرابراز عن الروم حتى سار هرقل إلى العراق فأغار عليه وصدق وعد الله ثم كان بعد غلبة الروم المسرى، ذكر المسرى والمعراج أعلم أنه لا شيء أكثر من اختلاف هذه القصة أما المعراج فينكره بعض الناس وبعض يزعم أن المعراج هو المسرى ثم اختلفوا في كيفية المسرى فكانت عائشة ومغوية يقولان ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه ولكن الله أسرى بروحه وكان الحسن رضه يقول كانت رؤيا ويحتج بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وبقول ابراهيم إني أرى في المنام أني أذبحك ثم مضى على ذلك فعرفت أن الوحي يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما وكان النبي صلعم يقول تنام عيناي ولا ينام قلبي قال ابن اسحق والله أعلم أي ذلك كان ونحن نذكر في ذلك طرفا كما جاء في الخبر قال الواقدي أسرى به قبل الهجرة بسنة وكان المعراج قبل ذلك بثمانية عشر شهر قال النبي صلعم فاستلقاني على قفاي ثم شقا بطني واستخرجا حشوي ومعهما طست من ذهب يغسل فيه بطون الأنبياء فكان جبريل يختلف بالماء من زمزم وميكائيل يغسل جوفي فقال جبرائيل لميكائيل شق قلبه فشق قلبي فأخرج علقة سوداء فالقاها ثم أدخل هرمه ثم ذر عليه من ذرور كان معه وقال وقلب وكيع له عينان بصيرتان وأذنان سميعتان أنتم قشر المغفل الحاشر ثم قال ببطني هكذا فالتأم وقالا ملئ حكمة وإيمانا ثم وثبت قائما فأتيت بالمعراج فإذا هو أحسن ما رأيت منظرا ألم تروا إلى ميتكم إذا احتضر كيف يشخص ببصره إليه فإنه إنما ينظر إلى حسن المعراج فقال عرجا بي إلى السماء الدنيا فلما انتهينا إلى باب الحفظة وعليه ملك يقال له اسمعيل تحت يده سبعون ألف ملك ما منهم ملك إلا وهو على مائة ألف فقال من هذا قالوا محمد قال وقد بعث قال نعم قال فتبادروا واجتمعوا وفتحوا ورحبوا ودعوا بالبركة قال ورأيت في السماء الدنيا رجلا أعظم الناس جهة فقلت من هذا يا جبريل قال أبوك آدم وإذا أرواح ذريته تعرض عليه فإذا عرض عليه روح المؤمن قال ريح طيبة وروح طيب جعلوا كتابه في عليين وإذا عرض عليه روح الكافر قال ريح خبيثة وروح خبيث جعلوا كتابه في سجين ثم وصف السموات ومن فيهن ووصف الجنة والنار وأهلها قال ثم انتهيت إلى السماء السابعة فلم أسمع شيئا إلا صرير الأقلام ورأيت جبريل يتضاءل حتى كان فرخ طائر ما أكاد أتأمله وسمعت وحيه فقال لي جبرائيل اسجد فسجدت ودنوت قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ثم قال ارفع رأسك يا محمد وقد فرض الله عليك خمسين صلاة قال فرجعت إلى موسى عم ولم يزل يرده حتى حطه إلى خمس صلوات قال موسى ارجع إلى ربك واسئله أن يخفف عن أمتك فإن أمتك ضعيفة قال فقلت قد استحييت من ربي ولأصبرن على هذه الخمس قال فنوديت إني قد أمضيت فريضتي وخففتها على عبادي واجزي الحسنة بعشرة أمثالها هذا من رواية الواقدي وأما ابن اسحق فإنه روى أن النبي صلعم لما حدث عن المسرى وما بالمسجد الأقصى قال فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى المعراج ولم أر شيئا احسن منه وأصعدني صاحبي حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ثم ساق قصة شبيهة بما ساق الواقدي وسنذكر اختلاف الناس والكشف عن وجه الحق في آخر هذا الفصل

قصة المسرى قال ابن اسحق ثم أسرى برسول الله صلعم وكان فيه بلاء وتمحيض وأمر من الله عز وجل فيه عبرة وهدى ورحمة وكيف شاء ليريه من آياته فكان ابن مسعود يقول أتى رسول الله صلعم بالبراق وهي الدابة التي كان يحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج صاحبه يريه الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه ابراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فصلى بهم ثم أتى بثلاث أوان اناء فيه لبن واناء فيه خمر واناء في ماء قال فسمعت حين عرضت علي قائلا يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوى وغويت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته قال فأخذت اللبن فشربته وكان الحسن يقول أن النبي صلعم قال بينما أنا نائم في الحجر إذ أتاني جبريل فهمزني برجله فجلست ولم أر فيه شيئا فعدت إلى مضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فأخذ بعضدي وخرج بي إلى باب المسجد فإذا أنا بدابة أبيض بين البغل والحمار وفي فخذيه جناحان ومضى في حديثه مثل حديث ابن مسعود وزاد قال لما شربت اللبن حرمت عليكم الخمر فلما أصبح عدا على قريش فقالوا إن هذا والله لبين أن العير ليطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة فيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع فارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبكم يزعم كذا وكذا فقال أبو بكر لئن كان قاله فقد صدق فما يعجبكم من ذلك أنه يخبر الخبر من السماء إلى الأرض في ساعة فأصدقه قال وقال رسول الله صلعم فرفع بي حتى نظرت إليه فجعل يصفه وأبو بكر يصدقه وروى الواقدي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلعم قال لما كذبني قريش قمت بالحجر فخيل إلي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه وروى عن أم هاني بنت أبي طالب أنها قالت نام رسول الله صلعم عندي وفي بيتي تلك الليلة فلما كان الصبح أهبنا وقال لقد صليت عشاء الآخرة والفجر بهذا الوادي وصليت ما بينهما بالبيت المقدس وقد نشر لي الأنبياء فصليت بهم ثم قص القصة والوجه في هذا وما أشبه أن لا يجاوز فيه نص الكتاب ومستفيض السنة مع المخالف المنكر المستعظم لما يخرج عن العادة المعهودة والطبع القديم قال الله سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير فالمسرى قد يكون بالروح والجسم ثم قال ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ولا خلاف بين أهل اللغة أن الرؤيا في المنام لا غير وإن كان جاء في التفسير أنه رؤية العين فحكم العاقل أن يخاطب كلا على قدر فهمه وأي تفضيل يلحق النبي في رفع جسمه وجثته أو ليس قد أخبر أنه قد رأى في السماوات ابراهيم وموسى وعيسى وآدم وغير مختلف أنهم لم يرفعوا بأجسامهم مع أنا لا ننكر أن يرفع الله ما يشاء من جبل وحجر فكيف أنبياءه ورسله ولكن ذكرنا ما ذكرنا ليهون عليك ما يرد من كلام الخصوم ولتقصيد الاشبه بالمتعالم المعروف والله أعلم

ذكر مقدمات الهجرة وأول من هاجر قالوا وكان رسول الله صلعم يوافي كل موسم سوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق المجنة يتبع القبائل في رحالها ويغشاها في أنديتها يدعوهم إلى أن يمنعوه ليبلغ رسالة ربه فلا يجد أحدا ينصره حتى كانت سنة إحدى عشرة من النبوة لقي ستة نفر من الأوس عند العقبة فدعاهم الرسول صلعم إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه وقالوا هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم فأمنوا به وصدقوه وهم أسد بن زرارة وقطبة بن عامر بن حديدة ومعاذ بن عفراء وجابر بن عبد الله بن رئاب وعوف بن عفراء وعقبة بن عامر وأول من أسلم فيهم أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر وكان يقول في الجاهلية لا إله إلا الله ويقال بل أول من أسلم أبو الهيثم بن التيهان وكان لا يقرب في الجاهلية الأوثان فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام لما كانت اثني عشرة من النبوة وافى الموسم منهم اثنا عشر رجلا هولاء الستة وستة أخر أسماءهم أبو الهيثم بن التيهان وعبادة بن الصامت وعويم بن ساعدة ورافع بن مالك وذكوان بن عبد القيس وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة فآمنوا وأسلموا وواعدوا رسول الله صلى الله عليه العام القابل وسألوه أن يبعث معهم من يصلي بهم ويعلمهم القرآن فبعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف فتى قريش كلها يدعوا الناس إلى الإسلام وكان يدعى المهدي في زمن رسول الله صلعم فأسلم بدعائه بشر كثير وكان في من أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيد الأوس والخزرج فلما كان سنة ثلاث عشرة من النبوة قدم من الأنصار سبعون رجلا وامرأتان أم عامر وأم منيع ورئيسهم البراء بن معرور فجاءهم رسول الله صلعم عند العقبة وبايعوه على المنع والنصرة قال الواقدي واختلفوا في أول من ضرب يده على يد رسول الله صلعم فقيل البراء بن معرور وقيل أسعد بن زرارة وقيل أسيد بن حضير وقيل أبو الهيثم بن التيهان فقال لهم النبي صلعم اخرجوا إلى اثني عشر نقيبا يكونوا على قومهم وأخذ عليهم الميثاق والعهد والوفاء كنقباء بني إسرائيل فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وسعد بن عبادة والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن عجلان والمنذر بن عمر بن خنيس ومن الأوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان فقال كعب بن مالك يذكر تلك البيعة في قصيدة طويلة
فابلغ أبيا أنه قال رأيه ... وحان غداة الشعب والحين واقع
وابلغ أبا سفيان أن بدا لنا ... بأحمد نور من الهدى الله ساطع
فلا تزهدن في حشد أمر تريده ... والب واجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه عليك الرهط حتى يبايعوا
وانصرف الأنصار إلى المدينة وأمر رسول الله صلعم بالهجرة وكان هاجر إليها قبل بيعة العقبة أبو سلمة بن عبد الأسد بسنة وهو أول من هاجر إلى المدينة ثم هاجر بعده عبيدة بن الحارث وعثمان بن مظعون ومسطح بن أثاثه ثم هاجر بعدهم عمر بن الخطاب رضه وعياش بن أبي ربيعة وهو أخو أبي جهل بن هاشم فنذرت أمه أن لا يظلها سقف بيت حتى يرتد فخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام فرداه فلم يزالا يعذبانه حتى فتناه عن دينه وفيه نزلت ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ثم هاجر بعد ذلك وأسلم ثم خرج سائر المسلمين وبقي النبي صلى الله عليه وعلي بن أبي طالب وأبو بكر ومن لا قوة له في الحركة من ضعف وفاقة فلما رأت قريش أن شيعة النبي صلعم قد خرجوا فزعوا من ذلك وعلموا أنه إن خرج واقع بهم فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في أمره وروى أن الشيطان صرخ على العقبة يا أهل الأخشاب هل لكم في محمد وأصحابه فقد اجتمعوا لحربكم

ذكر دار الندوة قالوا فاجتمع رؤساء قريش في دار الندوة ومنهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبه بن ربيعة والعاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال بعضهم فاعترض لهم ابليس في صورة شيخ جليل عليه إتب فقالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم فحضر ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا فقام خطيبهم فقال إن هذا الرجل قد كان من أمره ما كان وانا لا نأمنه على الوثوب بنا فاجمعوا فيه رأيا فقال قائل منهم أرى أن تقتلوه بحديد أو أن تغلقوا عليه الباب حتى يموت فقال ابليس ما هذا برأي لأنكم لو فعلتم ذلك لأوشك أن ينزعه أصحابه من أيديكم فقال آخر أرى أن تربطوه على ظهر راحلة ثم اضربوا وجهها تهيم في الأرض حيث شاءت فقال ابليس ما هذا برأي ألم تروا إلى حسن لفظه وحلاوة منطقه ولا يحل بحي ولا بلد إلا سحرهم بكلامه فقال أبو جهل أرى أن نجمع من كل قبيلة منا فتى شبيبا نشيطا ثم نعطي كل واحد منهم سيفا صقيلا فيعمدون إليه فيضربونه ضربة رجل واحد ويفرقون دمه في القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على الإقادة بجميع الناس فقال ابليس هذا الرأي وقد حكى في ذلك شعر ومنهم من ينسبه إلى ابليس
الرأي رأيان رأي ليس يعرفه ... غاو ورأي كحد السيف معروف
يكون أول بشرى لآخره ... حقا وآخره مجد وتشريف
فتفرقوا على هذا وجمعوا من فتيان قريش أربعين شابا وأعطوهم السيوف وأمروهم أن يغتالوا النبي صلعم ويقتلوه، ذكر ليلة الدار قالوا فأتوا داره وأحاطوا به يرصدونه حتى ينام فيبيتون به وأتاه الخبر من السماء فثبت حتى أمسى ثم اضطجع على فراشه وتجلل ريطة له خضراء والرصد يرون ما صنعه ويترقبون نومه فدعا عليا وقال نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه وإن أتاك أبو بكر فاخبره أني قد خرجت إلى ثور أطحل وهو غار بأسفل مكة ومرة فليلحق بي وخرج رسول الله صلى الله عليه وقد أخذ حفنة من التراب فجعل ينثر على رؤوسهم وهو يتلوا هذه الآيات يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم إلى قوله فاغشيناهم فهم لا يبصرون ومر إلى الغار وقد أخذ الله عز وجل أبصارهم عنه فأتاهم آت فقال ما مقامكم ننتظر نوم محمد لنثور عليه قال إن محمدا قد مر وما ترك أحدا منكم إلا وضع التراب على رأسه قالوا فها هو نائم قال ذاك علي بن أبي طالب فاقتحموا الدار ونصوا الحلة فإذا هو علي فسقط في أيديهم وفيه نزل وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، ذكر حديث الغار قالوا وكان أبو بكر قد ابتاع راحلتين وحبسهما في الدار يعلفهما إعدادا لذلك الأمر فاستأجر دليلا يقال له عبد الله بن اريقط الليثي ويقال ابن ارقد ليأخذ بهما على الجادة وأمر غلامه عامر بن فهيرة أن يروح عليه يستحثه مغسفا وسوت له أسماء سفرة فحملها ومر إلى الغار فأقاما فيه ثلاثا وروى ابن اسحق أن النبي صلعم لما خرج من داره أتى إلى دار أبي بكر وخرج معه من ظهر بيته إلى ثور فاكتتما فيه قال قائل وصرخ صارخ أن محمدا قد خرج فخرج المشركون في إثرهما فكانا يريانهم ولا يرورنهما وروى الواقدي أن الله عز وجل بعث العنكبوت فضرب على باب الغار ونهى رسول الله صلعم عن قتل العنكبوت فلما أكدت قريش وخابت وجعلت مائة ناقة لمن رده فخرج سراقة بن مالك وكان من فرسان القوم وأشدائهم، ذكر خروج سراقة في إثرهما قالوا وخرج في إثرهما وروى بعد ما أسلم قال فلما بدى لي القوم عثر بي فرسي وذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه قال ثم انتزع يديه وتبعهما دخان كالإعصار فعرفت أنه حق فناديتهم انظروني أكلمكم فو الله لا آذيتكم فقال النبي صلعم لأبي بكر سل ما يطلب قال ما تبتغي منا قال قلت تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك فأمر أبا بكر فكتب لي كتابا في رقعة أو قال في عظم فلما كان يوم فتح مكة أتيته بالكتاب فقال اليوم يوم وفاء وبر ادن مني فأسلم فدنوت أسلمت وقد روى في هذا الخبر أنه ساخت قوائم دابته ثم خرجت ولها عثار

ذكر خروج النبي عم وأبي بكر من الغار إلى المدينة قال ابن اسحق وخرج بهما دليلهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان فهبط بهما العرج ثم لزم الجادة إلى المدينة وذكر حديث أم معبد بطوله قال وكان المسلمون بالمدينة لما سمعوا بخروج رسول الله صلعم من مكة يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه فإذا ارتفع النهار وعلا انصرفوا إلى بيوتهم حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلعم وكانوا قد انتظروه ورجعوا فرآه رجل من يهود فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرج الناس وثاروا إلى أسلحتهم وأسرعوا يتلقونه وكان ذلك يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول فيما روى ابن اسحق حين اشتد الضحى وكادت الشمس تعتدل وكان الزبير بن العوام لقيه في الطريق مقبل من الشام فطرح على رسول الله صلعم ثيابا بيضا فنزل رسول الله صلعم وأبو بكر بقبا في ظل نخلة وهي قرية بني عمرو بن عوف

في ذكر اختلاف الناس في هذا الفصل أعلم أن ما كان في هذه الأخبار من المعجزات فكلها مصدقة مقبولة إذا صحت الرواية والنقل أو شهد لها نص القرآن والدلالة عليها كذهاب قوائم فرس سراقة في الأرض وكإنزال شاة أم معبد اللبن بعد يبسها وكأخذ الله بأبصار الفتكة عن نبيه وككلام ابليس في دار الندوة وكخبر المعراج والمسرى وقصة الروم والجن ولحس الأرضة الصحيفة ونزول جبريل بالوحي وتظليل الغمام والطير له في سفره وإخبار بحيرا وعداس وورقة بأمره وما ذكر من العجائب في مولده في ظئره حليمة من نزول اللبن في ضرعها وفي ضرع شاتها وغير ذلك مما يوصف ويحكى مع ما ذكر من هذه الخصال كلها داخل في حد الجواز والإمكان بعد أن كنا مجيزين للممتنع في الطبع والعادة للأنبياء وفي أيامهم فكيف الممكن المتوهم من ذلك وقد ناقض المنكرون لهذه الحال لخروجها عن العادة المجيزين لها بأنه قد تسوخ القوائم في السهلة والسباخ وفي نافقاء اليرابع والجرذان ويعود اللبن في الضرع بعد ذهابه وجفوفه بتغير الطبع وزوال العلة ووجود قوة حادثة كما قد يبصر الإنسان بعد العمى ويسمع بعد الصمم بحدوث سبب أو معنى دواء الطعام ويأخذ الله بأبصار قوم بأن يأتي عليهم النعاس أو يخفي شخص المار بهم فلا يرونه وكلام ابليس غير عجيب لأنه قد يقال لمن عمل بعمل ابليس هذا ابليس وكذلك لمن تكلم بكلام ابليس يوسوس ابليس بمثله وقد سمى الله عز وجل من اقتدى بالشيطان شيطانا فقال وإذا خلوا إلى شياطينهم وابليس شيطان وأما المعراج والمسرى فكفاك حجة على الخصم عدم اختلاف أهل الملة فيه وخبر الروم ولحس الأرضة والصحيفة وغير ذلك مما أخبر النبي صلعم من أخبار الغيب فمن وحي الله وتنزيله ومع أن ذلك ممكن معرفته من جملة الخبر وأما كيفية نزول جبريل بالوحي وظهوره له فإن الواجب أن لا يكلم الخصم إلا بإيجاب الوحي كيف شاء لأن الوحي على وجوه وحي إلهام ووحي إلقاء ووحي تلقين ووحي رؤيا وقد سئل النبي صلعم كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني رواه الواقدي ونحن بحمد الله مصدقون بكل ما جاء على ظاهره وجدنا له مثلا وشبها أو لم نجد ومقرون بنزول الملك على الأنبياء سفيرا بينهم وبين الله عز وجل وواسطة قال هذا المناقض في حجاجته فإن قال الملحد إذ كان الأمر كما زعمت وكان كل ذلك ممكنا لعامة الناس فلم سميتها معجزات الأنبياء وخصصتهم بها قيل قد يكون الشيء معجزة في وقت وهو بعينه غير معجزة في وقت آخر ويكون معجزة لقوم وغير معجزة لقوم ويكون الشيء باجتماع أجزائه معجزة ويكون كل جزء منه على الانفراد غير معجزة وقال ذلك قولنا أن النبي صلعم نصر ببدر في قلة عددهم فلو وجد مثله في زماننا أو في بلد الشرك لجاز ذلك وكان ممكنا ثم لا يجوز أن يسمى معجزة وقد كان لرسول الله صلعم معجزة عظيمة في زمانه لأنه قد يقع بالاتفاق ما لا يرجى كونه ووقوعه قال القرآن معجزة عظيمة لهم قال فاتفاق تلك المعاني للنبي صلعم وتناسقها في زمانه معجزة أتاحها الله عز وجل وقدرها علامة لنبوته هذا يرحمك الله باب كان الله أغنى هذا المتكلف عن الخوض فيه والتمرس به وما أراه ابلى عنا في الإسلام أو رد عنه عادية إن لم يكن فتح عليهم باب شنعة وتلبيس وسبيل المعجزات للأنبياء في خروجها عن العادة سبيل إيجاد أعيان الخلق لا من سابقه فكما أن إيجاد الخلق لا من شيء لا مفهوم ولا معقول ولكن بعرف وتعلم بقيام الأدلة عليه كذلك معجزات الأنبياء عم غير موهومة ولا معقولة وإنما بعلم بقيام الأدلة عليها ولذلك جعلت مسألة الرسالة تابعة لمسألة التوحيد ومرتبة عليها وقد مضى من هذا في فصله ما كفى وأغنى ولله الحمد والمنة والحول والقوة والتوفيق والهداية،
الفصل السادس عشر
في مقدم رسول الله
وسراياه وغزواته إلى وقت وفاته صلعم

قال قدم رسول الله صلعم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحى لاثني عشرة خلت من ربيع الأول وكان خرج من الغار ليلة الخميس غرة شهر ربيع الأول ودخله يوم الاثنين وأقام فيه ثلاثا وبقى في الطريق اثنتي عشرة ليلة فكان من خروجه من مكة إلى دخوله المدينة خمسة عشر يوما فنزل تحت ظل نخلة بقبا فطفق الناس يأتونه وينظرونه وكان أبو بكر معه في مثل سنه فما كان يعرفه إلا من كان رآه فلما زال الظلم قام أبو بكر فأظله بردائه فعرفه حينئذ من لم يكن يعرفه ثم نزل على كلثوم بن هدم ويقال على سعد بن خيثمه وأقام عندهم يوم الاثنين والثلثاء والأربعاء والخميس ولم تكن المدينة يومئذ ممصرة وإنما كانت آطاما وحوائط وكان بنو عمرو بن عوف ينتابونه عند كلثوم بن هدم فأول ما أمر فيهم بالأصنام أن تكسر فجعلوا يكسرونها ويوقدون النار فيها وأسس مسجد قبا وصلى فيه ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في بطن الوادي وهي أول جمعة صلاها في الإسلام وبنى في مصلاه مسجدا واستقبله الناس فجعل يقول كل قبيلة اقم عندنا في العدة والعدد ويقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة قالوا فلما انتهت إلى بيت أبي أيوب الأنصاري بركت ووضعت جيرانها في الأرض فنزل رسول الله صلعم على أبي أيوب وأقام عنده سبعة أشهر إلى أن بنى المسجد في فضل البلدان قالوا وبعث رسول الله صلى الله عليه أبا رافع مولاه وزيد بن الحارثة يقدمان بعياله وأعطاهما بعيرين وخمسة مائة درهم وأخذها من أبي بكر الصديق فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله وسودة بنت زمعه زوجة رسول الله صلعم وأما زينب بنت رسول الله فإن زوجها أبا العاص بن الربيع حبسها وأما رقية بنت رسول الله صلعم فإنها هاجرت قبله مع زوجها عثمان بن عفان وكانت هاجرت معه إلى الحبشة وقدم عبد الله بن أبي بكر بأختيه عائشة وأسما بنتي أبي بكر وأم رومان امرأة أبي بكر وكان رسول الله صلعم لما خرج خلف عليا بمكة وأمره أن يرد الودائع التي كانت عند رسول الله للناس إلى أهلها ففعل علي وخرج في إثره بعد ثلاث وفرضت الصلاة أربعا أربعا بعد الهجرة بشهر وكانوا يصلون قبلها ركعتين ركعتين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وأقطع الدور وخط الخطط فلبثوا فيها وكتب كتابا وادع اليهود وأقرهم على دينهم وشرط لهم أن لا يهيجهم ولا يباديهم وشرط عليهم أن ينصروه ممن دهمه ولا يظاهروا عليه عدوا فلما رأت اليهود ظهور أمره واستجابة الناس له نقضوا العهد وأخفروا الذمة وناصبوه بغيا وحسدا فجعلوا يغشونه ويسألونه عن الأغلوطات منهم حي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب وجدي بن أخطب وزيد بن تابوة وعبد الله بن صورى ومحاض بن عابور والربيع بن أبي الحقيق وكعب بن الاشرف وشاس بن عمرو وفردم بن كردم وغيرهم من أشرافهم ونافق رهط من أهل المدينة وظاهروهم على ذلك منهم خذام بن خالد الذي أخرج مسجد الضرار من داره وجارية بن عامر وبحزج بن عمرو وعبد الله بن الأزعر وهم الذين بنوا مسجد الضرار ومجمع بن جارية وهو الذي كان يصلي بهم وأوس بن قيظي وهو الذي كان يوم الخندق إن بيوتنا عورة وأبيرق سارق الدرع ووديعة بن ثابت ومتعب بن قشير هما اللذان قالا إنما نخوض ونلعب وجد بن قيس الذي قال ائذن لي ولا تفتني وعبد الله بن أبي ابن سلول الخزرجي رأس النفاق وكان القرآن ينزل فيهم ويعبر عن خبث عقيدتهم ودرن سرائرهم إلى أن أذن الله لرسوله في السيف ونزل أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فاخذ في تسريب السرايا وبعث الجيوش وكانت سراياه ووفائعه أربعا وسبعين غزاة ويقال خمسا وسبعين في مهاجرة عشر سنين منها التي غزا بنفسه سبع وعشرين وقع منها في تسع القتال في بدر وأحد والمريسع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف ويقال أنه قاتل في بني النضير وكانت سنو الهجرة عشر سنين السنة الأولى سنة الهجرة والثانية سنة الأمر بالقتال والثالثة سنة التمحيص والرابعة سنة الترفيه والخامسة سنة الزلازل والسادسة سنة الاستئناس والسابعة سنة الاستغلاب والثامنة سنة الاستواء والتاسعة سنة البراءة والعاشرة سنة حجة الوداع ثم دخلت سنة إحدى عشرة من الهجرة مضى منها شهران واثنا عشر يوما ولحق بربه صلعم أما السنة إحدى من الهجرة فإن رسول الله صلعم قدم

المدينة فاقام بها بقية ربيع وربيعا وجماديين ورجبا وشعبان فلما دخل رمضان عقد لواء أبيض لحمزة بن عبد المطلب وهو أول لواء عقد في الإسلام وبعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار يعترض عير القريش جاءت من الشام فلقي أبا جهل بن هشام في ثلثمائة راكب وحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى فانصرفوا ولم يكن بينهما قتال فهذه أول سرية سرت بالإسلام وفي سبيل الله ولما دخل شوال بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في ستين راكبا من المهاجرين والأنصار فلقي جمعا عظيما من قريش بسيف البحر وعليهم عكرمة بن أبي جهل فانصرفوا ولم يكن بينهما قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى بسهم وهو أول سهم رمي في الإسلام ثم لما دخل ذو العقدة بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين فرجع ولم يلق كيدا وفي هذه السنة بنى بعائشة وكان تزوجها بمكة وفيها ولد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة وفيها ولد النعمان بن بشير وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد الإسلام وأما سنة اثنتين من الهجرة فإن رسول الله صلعم لما مضى المحرم منها ودخل صفر خرج غازيا بنفسه حتى بلغ ودان بينهما وبين الأبواء ستة أميال فوادعته بنو ضمرة فانصرف ولم يلق كيدا وهي أول غزاة غزاها رسول الله صلعم فلما دخل ربيع الأول غزا بواط وهو موضع في طريق الشام يعترض عيرا لقريش فرجع ولم يلق كيدا ثم أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج بإثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر الأولى فرجع ولم يدركه وذاك في جمادى الأول ثم غزا ذا العشيرة في جمادى الآخرة وفي تلك الغزاة قال لعلي يابا تراب أشقى الناس رجلان أحمير ثمود والذي يخضب هذا من هذا ووضع يده على رأسه ولحيته ثم بعث عبد الله بن جحش في ثمانية رهط من المهاجرين في شهر جمادى الآخرة منهم أبو حذيفة بن عتبة وسعد بن أبي وقاص وعكاشة بن محصن الأسدي وعتبة بن غزوان وواقد بن عبد الله وكتب له كتابا أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين حتى يقرأه على أصحابه ولا يستكره منهم أحد فسار عبد الله بن جحش يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم سر على اسم الله وبركته حتى تنزل نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منهم بخبر فسار عبد الله بأصحابه حتى نزلوا نخلة فمرت العير تحمل زبيبا وأدما وفيها عمرو بن عبد الله الحضرمي والحكم بن كيسان ونوفل بن عبد الله المخزومي وأخوه عثمان بن عبد الله فلما رآهم هابوا فتشاور أصحاب رسول الله صلعم قبل أن يهل الهلال وكان آخر يوم من جمادى الآخرة على زعم الكلبي فحلقوا رأس عكاشة بن محصن فأشرف لهم فلما رأوه أمنوا وقال قوم عمار ولا بأس عليكم فرمى واقد بن عبد الله الحنظلي عمرو بن الحضرمي فقتله واستاسر الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله وأعجزهم نوفل على فرس له وأقبل عبد الله بن جحش بالعير والأسارى وهو أول غنيمة غنمت في الإسلام وأول قتيل قتله المسلمون وأول أسير أسروه فخاض الناس في ذلك وقالوا استحل محمدا العير وأتى منه شيئا وقال ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام فقالوا يا رسول الله قتلناهم ثم نظرنا إلى رجب فنزلت يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل فأباح الله عز وجل القتل في الشهر الحرام وأبطل ما كان قبل ذلك قالوا وجعلت يهود يتفألون به ويقولون واقد وقدت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وروى في المغازى هذا الشعر لأبي بكر الصديق رضه، فاقام بها بقية ربيع وربيعا وجماديين ورجبا وشعبان فلما دخل رمضان عقد لواء أبيض لحمزة بن عبد المطلب وهو أول لواء عقد في الإسلام وبعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار يعترض عير القريش جاءت من الشام فلقي أبا جهل بن هشام في ثلثمائة راكب وحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى فانصرفوا ولم يكن بينهما قتال فهذه أول سرية سرت بالإسلام وفي سبيل الله ولما دخل شوال بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في ستين راكبا من المهاجرين والأنصار فلقي جمعا عظيما من قريش بسيف البحر وعليهم عكرمة بن أبي جهل فانصرفوا ولم يكن بينهما قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى بسهم وهو أول سهم رمي في الإسلام ثم لما دخل ذو العقدة بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين فرجع ولم يلق كيدا وفي هذه السنة بنى بعائشة وكان تزوجها بمكة وفيها ولد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة وفيها ولد النعمان بن بشير وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد الإسلام وأما سنة اثنتين من الهجرة فإن رسول الله صلعم لما مضى المحرم منها ودخل صفر خرج غازيا بنفسه حتى بلغ ودان بينهما وبين الأبواء ستة أميال فوادعته بنو ضمرة فانصرف ولم يلق كيدا وهي أول غزاة غزاها رسول الله صلعم فلما دخل ربيع الأول غزا بواط وهو موضع في طريق الشام يعترض عيرا لقريش فرجع ولم يلق كيدا ثم أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج بإثره حتى بلغ سفوان من ناحية بدر الأولى فرجع ولم يدركه وذاك في جمادى الأول ثم غزا ذا العشيرة في جمادى الآخرة وفي تلك الغزاة قال لعلي يابا تراب أشقى الناس رجلان أحمير ثمود والذي يخضب هذا من هذا ووضع يده على رأسه ولحيته ثم بعث عبد الله بن جحش في ثمانية رهط من المهاجرين في شهر جمادى الآخرة منهم أبو حذيفة بن عتبة وسعد بن أبي وقاص وعكاشة بن محصن الأسدي وعتبة بن غزوان وواقد بن عبد الله وكتب له كتابا أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين حتى يقرأه على أصحابه ولا يستكره منهم أحد فسار عبد الله بن جحش يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم سر على اسم الله وبركته حتى تنزل نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منهم بخبر فسار عبد الله بأصحابه حتى نزلوا نخلة فمرت العير تحمل زبيبا وأدما وفيها عمرو بن عبد الله الحضرمي والحكم بن كيسان ونوفل بن عبد الله المخزومي وأخوه عثمان بن عبد الله فلما رآهم هابوا فتشاور أصحاب رسول الله صلعم قبل أن يهل الهلال وكان آخر يوم من جمادى الآخرة على زعم الكلبي فحلقوا رأس عكاشة بن محصن فأشرف لهم فلما رأوه أمنوا وقال قوم عمار ولا بأس عليكم فرمى واقد بن عبد الله الحنظلي عمرو بن الحضرمي فقتله واستاسر الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله وأعجزهم نوفل على فرس له وأقبل عبد الله بن جحش بالعير والأسارى وهو أول غنيمة غنمت في الإسلام وأول قتيل قتله المسلمون وأول أسير أسروه فخاض الناس في ذلك وقالوا استحل محمدا العير وأتى منه شيئا وقال ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام فقالوا يا رسول الله قتلناهم ثم نظرنا إلى رجب فنزلت يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل فأباح الله عز وجل القتل في الشهر الحرام وأبطل ما كان قبل ذلك قالوا وجعلت يهود يتفألون به ويقولون واقد وقدت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وروى في المغازى هذا الشعر لأبي بكر الصديق رضه

يعدون قتل في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودهم عما يقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجهم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله ... وأرجف في الإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان عندنا ... ينازعه غل من القد عاند
ولما دخل شعبان صرفت القبلة لنصف منه وقال ابن اسحق صرفت في رجب ورأى عبد الله بن زيد الأذان فلما دخل رمضان فرض الصيام وكان فيه بدر العظمى

ذكر قصة بدر قالوا بلغ رسول الله صلعم أن أبا سفيان بن حرب مقبل من الشام في عير لقريش زهاء ألف بعير لا أحد بمكة ممن له طعمة إلا وله فيها تجارة ومعها ثلاثون راكبا فندب المسلمين وقال اخرجوا لعل الله عز وجل أن ينفلكموها فخف بعض الناس وثقل بعض لأنهم لم يظنوا أنهم يلقون حربا وبلغ الخبر أبا سفيان بن حرب فبعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفزهم ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم بمن عمرو بثلاث كأن واقفا وقف بالأبطح فصرخ بأعلى صوته الا أنفروا إلى مصارعكم إلى ثلاث يا أهل غدر ثم مشى به بعيره على ظهر أبي قبيس فصرخ مثل ذلك ثم حمل صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقيت دار من دور مكة إلا وقعت فيها فلقة وفشت الرؤيا بمكة فلقي أبو جهل العباس بن عبد المطلب فقال ما حدثت فيكم هذه النبية يا بني هاشم أما ترضون أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ولكن نتربص بكم هذه الثلاث فإن كان كما قالت وإلا كتبنا عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال فلما كان يوم الثالث إذا ضمضم بن عمرو ببطن الوادي قد جدع بعيره وثوبه و حول رحله يصرخ اللطيمة اللطيمة قد عرض لها محمد ألا أنفروا و ما أراكم تدركونها فخرجت قريش سراعا حتى نزلوا الجحفة وخرج رسول الله صلعم من المدينة لثمان خلون من شهر رمضان وبعث بعدي بن أبي الزغباء و بسبس بن عمرو يتجسسان خبر أبي سفيان فجاءا حتى نزلا ببدر فوجدا الخبر بأن العير يستقدم غدا وبعد غد فانصرفا بالخبر إلى النبي صلعم وأقبل سفيان حتى وقف على مناخهما ففت أبعار بعيريهما فقال علائف يثرب والله فانصرف وضرب وجه العير عن الطريق وساحل به ونزل بدرا على سيارة وأرسل إلى قريش أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل لا نرجع و الله حتى نرد بدرا وكان موسما من مواسم العرب فنعكف عليها وننحر الجزور ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع العرب بنا وبمسيرنا هذا فلا يزالون يهابوننا أبدا فرجع طالب ابن أبي طالب والاخنس بن شريق في مائة رجل وسار الباقون وهم تسع مائة وخمسون رجلا أشراف قريش وأعلام العرب حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي وسار رسول الله صلعم وهم ثلثمائة وأربعة عشر رجلا حتى أتى بدرا ونزل بالعدوة الدنيا وكان معهم سبعون من نواضح يثرب يعتقبونها وكان رسول الله صلعم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوى يعتقبون بعيرا ولم يكن من الخيل إلا فرس للمقداد بن الأسود الكندي ومن السلاح إلا سبعون سيفا فأمر النبي صلعم فبنوا حوضا وملؤوه ماء وقذفوا فيه الآنية وأمر بسائر القلب فعورت وضربوا له عريشا يكون فيه وجاءت قريش تضور من الكثيب فقال النبي صلعم هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها واستشار الناس في القتال فقام أبو بكر رضه فتكلم وأحسن ثم قام عمر فتكلم وأحسن فقال النبي أشيروا علي فقام المقداد بن الأسود فقال امض بنا فإنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عم فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادلنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له النبي صلعم خيرا ودعا له ثم قال اشيروا علي وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم كانوا بايعوه عند العقبة على أنا براء من ذمتك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت فأنت في ذمتنا وكان يتخوف أن الأنصار لا يرون له نصرة إلا ممن دهمه بالمدينة فقام سعد ابن معاذ لعلك تريدنا يا رسول الله فقال نعم فقال إنا آمنا بك وصدقناك فامض بنا لما أردت فلو استعرضت بنا على هذا البحر لخضناه معك إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء فقال النبي صلعم تهيأوا و ابشروا فإن الله عز وجل قد وعدنى احدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم فمشى القوم إلى القتال والتقوا وحميت الحرب بينهم ورسول الله صلعم يناشد ربه و يدعوه قالوا فخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي و كان شرسا سيئ الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهمدنه أو لأموتن دونه وقصد الحوض ليمنع المسلمين الماء فشد عليه أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب فضربه ضربة الحن قدمه فخر على وجهه وجعل يحبو إلى الحوض وقد قال بعض أهل العلم أن حمزة لما قطع رجله حملها الأسود فرمى بها رجلا من المسلمين فقتله والله أعلم ثم خرج عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا إلى البراز

فخرج إليهم عوف بن عفراء ومعوذ بن عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا لهم من أنتم قالوا نحن رهط من الأنصار قالوا لا حاجة بنا إليكم ونادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فخرج عبيدة بن الحارث إلى عتبة بن ربيعة و حمزة بن عبد المطلب إلى شيبة بن ربيعة وعلى بن أبي طالب إلى الوليد ابن عتبة فتجادلوا وتطاردوا واختلف الضرب بينهم فأما علي فلم يمهل صاحبه أن قتله وقتل حمزة شيبة وكان عبيدة بن الحارث اسن القوم وأضعفهم وقد بارزه عتبة بن ربيعة فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهم صاحبه فكر علي وحمزة على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابهما ثم رمى المشركون مهجع بن عبد الله بسهم فقتلوه وهو أول من قتل في الحرب من المسلمين وخرج أبو جهل وهو يرتجزخرج إليهم عوف بن عفراء ومعوذ بن عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا لهم من أنتم قالوا نحن رهط من الأنصار قالوا لا حاجة بنا إليكم ونادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فخرج عبيدة بن الحارث إلى عتبة بن ربيعة و حمزة بن عبد المطلب إلى شيبة بن ربيعة وعلى بن أبي طالب إلى الوليد ابن عتبة فتجادلوا وتطاردوا واختلف الضرب بينهم فأما علي فلم يمهل صاحبه أن قتله وقتل حمزة شيبة وكان عبيدة بن الحارث اسن القوم وأضعفهم وقد بارزه عتبة بن ربيعة فاختلف بينهما ضربتان أثبت كل واحد منهم صاحبه فكر علي وحمزة على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابهما ثم رمى المشركون مهجع بن عبد الله بسهم فقتلوه وهو أول من قتل في الحرب من المسلمين وخرج أبو جهل وهو يرتجز
ماتنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني
لمثل هذا ولدتني أمي
وحقق حقيقه فرأى الملائكة فانتبه وقال ابشر يا أبا بكر أتاك النصر هذا جبريل يقود فرسه على ثناياه النقع ثم خرج إلى الصفوف فحرضهم ورغبهم وأخذ حفنة من الحصا فاستقبل بها القوم وقال شاهت الوجوه و أذراها على وجوههم وقال لأصحابه شدوا فكان نفحهم بها ووضع المسلمون أيديهم يقتلون ويأسرون حتى أسروا اثنين وأربعين رجلا ويقال اثنين وسبعين رجلا وقتلوا سبعين رجلا ويقال خمسين رجلا وقال النبي صلعم إن فيهم رجالا من بني هاشم قد أخرجوا إكراها فمن لقي منهم أحدا فلا يقتله وأسروا من بني هاشم خمسة نفر العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ونعمان ابن عمرو بن علقمة بن عبد المطلب والسائب بن عدي بن زيد بن هاشم وأسروا أبا العاص زوج زينب بنت رسول الله صلعم وقال أبو جهل اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فكان هو المستفتح بقول الله عز وجل أن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية فأدركه معاد بن عمرو بن الجموح فضربه ضربة أطبقت قدمه فكر عليه عكرمة بن أبي جهل فضربه على عاتقه فطرح يده ثم مر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته ووجده عبده بن مسعود بآخر رمقه فوضع رجله على عنقه قال ففتح عينه وقال لقد ارتقيت مرتقى صعبا لمن الدبرة قال قلت لله ورسوله ألم يخزك الله يا عدو الله قال أعار على سيد قتله قومه ثم اختز رأسه وجاء به إلى النبي صلعم فألقاه بين يديه واستشهد ذلك اليوم من المسلمين ثمانية نفر ثم أمر رسول الله صلعم بالقتلى فالقوا بالقليب وهو يقول يابا جهل يا عتبة يا شيبة يا فلان ويا فلان يدعوهم بأسمائهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا قال ابن اسحق حدثني حميد الطويل عن أنس أن أصحاب رسول الله صلعم قالوا يا رسول الله تنادي قوما قد حتفوا فقال ما أنتم بأسمع ما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا وفيه يقول حسان
يناديهم رسول الله لما ... قذفناهم كباكب في القليب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا ... صدقت وكنت ذي رأي مصيب

ومر رسول الله في العسكر وكر راجعا إلى المدينة فملا خرج من مضيق الصفراء قسم هناك النفل وقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث من بين الأسارى وقدم المدينة واستشار أصحابه في الأسارى فقال أبو بكر أهلك عشيرتك وبنو أبيك ابق عليهم واستأن بهم وقال عمر بل انظروا واديا ملتفا أشبا فاضرمه عليهم فقال العباس قطعت رحمك يا ابن الخطاب ثم فاداهم وكان الفداء أربعين اوقية من الذهب وألزم العباس فدائيين وقيل له افد ابن أخيك عقيلا فقال تركني يا محمد أسأل الناس ما عشت قال ما فعلت الدنانير التي دفعتها إلى أم الفضل عند خروجك وقلت إن حدث لي حادث كانت لك ولولدك فقال من أخبرك به فو الله ما كان غيري وغيرها ثالثا قال أخبرني بذلك ربي فأسلم العباس وافتدى واختلفوا في الغنائم والنفل فنزلت سورة الأنفال بأسرها في يوم بدر يقول حسان بن ثابت
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
وقال إني لكم جار فأوردهم ... سرى الموارد فيه الخزي والعار
قالوا ولما رجع فل قريش إلى مكة قال عمير بن وهب الجمحي قبح الله العيش بعد قتلى بدر ولولا دين علي وعيال لي لرحت إلى محمد وقتلته فقال له صفوان بن أمية على دينك وعيالك ثم حمله وجهزه وصقل سيفا شحيذا وسمه وضرب راحلته حتى أتى المدينة فعقل بباب المسجد ودخل إلى رسول الله صلعم فصاح عمر بن الخطاب رضه وقال اتقوا الكلب فإنه حرش بيننا وحزرنا للمشركين يوم بدر فأخذوه وقدموه إلى النبي فقال ما أقدمك يا عمير قال قدمت لأجل أسيري قال فما بال السيف في رقبتك قال نسيته قال فماذا شرطت صفوان في دينك وعيالك ففزع عمير وعلم أن أمره الحق فآمن به وأسلم وحسن إسلامه وفي هذا الشهر هلك أبو لهب بمكة وأبو احيحة سعيد بن العاص بالطائف وكان أبو لهب فأمر أبا العاص بن هشام أخا أبي جهل ابن هشام فقعره ماله ونفسه وأسلمه حدادا ثم وجهه بدلا منه إلى بدر فقتل كافرا ومات أبو لهب بالعدسة ثم كانت سرية عصماء بنت مروان وكانت امرأة كافرة بذية اللسان وتهجو النبي صلعم وتحرض المسلمين فبعث النبي صلعم إليها عمير بن عدي الأنصاري فقتلها وقال عم لا ينتطح فيها عنزان وفي هذا الشهر أمر بإخراج زكوة الفطر قبل الفطر بيوم وخرج يوم الفطر إلى المصلى فصلى وخطب وهو أول عيد في الإسلام ثم بعث سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك في شوال وعفك رجل منافق يهجو النبي صلعم ويحرض عليه ويقول ما أهدى قوم إلا رحالهم شرا من هذه الحرمى الذي أخرجته لحمته وبنو أبيه وهذه الأبيات من هجائه فيما يروى
لقد عشت دهرا وما إن أرى ... من الناس دارا ولا مجمعا
ابر عهودا وأوفي لمن ... تعاقد فيهم إذا ما رعى
من أولاد قيلة في جمعهم ... تهدى الخيال ولن أخضعا
فصدعهم راكب جاءهم ... حرام حلال لشيء معا
فلو أن بالعز صدقتم ... أو الملك بايعتم إن معا
قال النبي صلعم من لي بهذا الخبيث فخرج سالم بن عمير أحد البكائين فقتله على فراشه وكان قد بلغ من السن مائة وعشرين سنة وفيه يقول
حباك حنيف آخر الليل طعنة ... أبا عفك خذها على كبر السن
غزوة يهود بني قنيقاع في شوال وذلك أنه لما قدم الرسول إلى المدينة وادع اليهود وعاهدهم فكان هولاء أولهم نقضا وهاجروا بالعداوة وقالوا يا معشر المسلمين لا يغركم أنكم لقيتم قوما اغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبتم منهم إنكم لو خاصمتمونا لعلمتم أننا رجال الحرب فسار إليهم رسول الله صلعم وحاصرهم في ديارهم حتى نزلوا في حكمه فهم بضرب أعناقهم فقام عبد الله بن أبي وكانوا حلفاؤه فقال أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود أدعك تحصدهم في غداة واحدة فقال عم هم لك وكان لسعد بن عبادة من حلفهم مثل ما لعبد الله بن أبي ويقال لعبادة بن الصامت فقال إني أبرأ إلى الله ورسوله منهم ويقال فيهم نزلت إنما وليكم الله ورسوله واللذين آمنو الآية

ذكر غزوة السويق في ذي الحجة وذلك أن أبا سفيان جاء في مايتي راكب فحرق في اصوار من النخل وقتل رجلين من الأنصار ودخل المدينة فبات عند سلام بن مشكم سيد بني النضير فسقاه وقراه وبطن له من خبر الناس ثم رجع من الليل إلى مكة وخرج النبي في إثره ففاته وأصاب المسلمون من أزوادهم ما طرحوها يتخففون بها للنجاء فبذلك سميت غزوة السويق وفي هذا الشهر توفيت رقية بنت النبي وفيه بنى علي بفاطمة وفيه مات مطعم بن عدي بمكة وفيه ضحى رسول الله صلعم وذبح شاتين بيده ثم دخلت سنة ثلاث للهجرة وهي سنة التمحيص والبلاء فخرج رسول الله صلعم إلى بني سليم حتى بلغ الكدر ثم رجع ولم يلق كيدا تسمى غزاة الكدر وكانت في المحرم ثم بعث سرية محمد بن مسلمة الأنصاري إلى كعب بن الأشرف فقتله، ذكر مقتل كعب بن الأشرف قالوا ولما أصيب أهل بدر قال كعب قد قتل محمد أشرف الناس فبطن الأرض خير من ظهرها فنقض العهد وخرج إلى مكة في أربعين راكبا فناح على قتلى بدر وبكاهم وحرض المشركين على رسول الله صلعم فبعث النبي محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة في نفر فأتوه في جوف الليل وهو فوق حصنه فناداه سلكان إن هذا الرجل قد يطالبنا بالصدقة وجئتك برهن لتقرضني طعاما فوثب كعب بن ملحفته فتعلقت امرأته بناحية ثوبه إني لأرى حمرة الدم في هذا الصوت فقال دعيني فلو دعى ابن حرة بليل إلى طعنة لأجاب فنزل إليهم فأخذ سلكان تحت كشحة بداسه وضربوه بأسيافهم حتى برد وفيه يقول كعب بن مالك
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير
ثم غزا رسول الله صلعم نجدا يريد غطفان حتى نزل بطن نخل وذلك في شهر ربيع الأول ولم يلق كيدا وفيه كان حديث دعثور بن الحارث المحاري ثم غزا بني سليم في جمادى الأول فرجع ولم يلق كيدا ثم بعث سرية القردة وأميرهم زيد بن حارثة فأصاب عيرا لقريش مقبلة من الشام فأعجزه الرجال فقدم به وبلغ الخمس عشرين ألفا ثم كانت غزوة أحد لست خلون من شوال يوم الجمعة خرج من المدينة ويوم السبت كانت الواقعة

قصة أحد قالوا ولما أصيب المشركون ببدر ورجع فلهم إلى مكة مشي أشراف قريش إلى أبي سفيان بن حرب فقالوا إن محمدا وترنا وقتل خيارنا فأعلنا نطلب بثأرنا ونعين بهذا المال يعنون العير فاجتمعت قريش وجمعت أحابيشها ومن أطاعهم من القبائل وخرجت بظعنها التماس الحفيظة قائدهم أبو سفيان بن حرب ومعه زوجته بنت عتبة وقد نذرت لئذ أمكنها الله من دم حمزة لتشربنه ولتأكلن كبده وجاؤا حتى نزلوا بعينين موضع مقابل المدينة ورأى النبي صلعم في منامه رؤيا فقصها على أصحابه فقال رأيت بقرا يصرع ورأيت في ذباب سيفي ثلما ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينه قالوا وما تأويلها يا رسول الله قال أما البقرة فهم قوم من أصحابي يقتلون وأما السيف رجل من بيتي يقتل وأما الدرع الحصينة فإني أولتها بالمدينة وكان رأيه أن يقيم بالمدينة وقالوا إن دخلوا قاتلناهم في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن نزلوا نزلوا بشر مجلس فقال رجال ممن أكرمهم الله بالشهادة وكان فاتهم بدر يتمنون ما وصف الله عز وجل به الشهداء من الثواب والحياة وأخرج بنا إلى أعداء الله لئلا يرون أنا جبنا عنهم وعن لقائهم وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فصلى بالناس ودخل منزله ولبس لأمته ثم خرج وقد ندم الناس فقال استكرهناك ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يخلعها حتى يقاتل وخرج من المدينة بألف رجل والمشركون ثلاثة آلاف وزيادة فسار حتى إذ كان بالشوط وهو على ميل من المدينة وانجزل عبد الله بن سلول رأس المنافقين بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا انصرفوا فتبعهم عمرو بن حرام وقال أناشدكم الله في حرمكم ونبيكم ما ثم قتال لو نعلم قتالا لاتبعناكم كما حكى عنهم وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف فعزم الله لهم على الرشد ثم ذكر نعمته عليهم فقال إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ومضى رسول الله صلعم بأصحابه حتى نزل الشعب من أحد وأمر عبد الله بن جبير أمير الرماة وكان في خمسين ناشبا أن يبيتوا على فم الشعب وأن ينضحوا الخيل بالنبل لئلا يأتيهم من ورائهم ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير بن هاشم ونشبت الحرب بين الفريقين فدعت هند بنت عتبة وحشيا غلام جبير بن مطعم بن عدي وكان طعيمة بن عدي قتل ببدر فقالت إن أنت قتلت حمزة يأبي عتبة بن ربيعة فلك قلبي وسواري وقلائدي وخلخالي وشنفي وقال له جبير بن مطعم إن أنت قتلت حمزة بعمى طعيمة ابن عدي فأنت عتيق ثم قامت هند في صواحباتها يضربن بالدفوف ويحرضن الرجال وهي تقول، ويها بني عبد الدار، ويها حماة الاذمار، ضربا بكل سيار، وقالت أيضا، نحن بنات الطارق، نمشي على النمارق، إن تقبلوا نعانق، أو تدبروا نفارق، فراق غير مواق، وحميت الحرب فقتل مصعب بن عمير فدفع النبي صلعم اللواء إلى علي بن أبي طالب عم فأنزل الله عز وجل نصره حتى كانت هزيمة القوم لا شك فترك الرماة مركزهم وأقبلوا على النهب غير أميرهم عبد الله بن جبير فإنه ثبت مكانه حتى استشهد وعطف عليهم خالد بن الوليد على الخيل فانقلبت الدبرة على المسلمين واكتمن الوحشي لحمزة حتى مر به فأتاه من ورائه وضربه بحربته فقتله وأصاب العدو من المسلمين وكان يوم بلاء وتمحيص وانثالوا على رسول الله صلعم ودث بالحجارة حتى وقع لشقه وشج وجهه وكلمت شفتيه وكسرت رباعيته ودخلت حلقة من الدرع في وجهه ووقع حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق وكان مظاهر درعين وصرخ صارخ من أعلى الجبل الا أن محمد قد قتل فانهزم المسلمون وأخذ علي وطلحة بيد رسول الله صلعم فانتاشاه من الحفر وأكب أبو دجانة عليه بنفسه يقيه النبل وروى أن نشابة أصابت إصبعه فقال
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وقال صلعم من رجل يشرى لنا نفسه فقام زياد بن السكن في نفر من الأنصار فقاتلوا دونه رجلا رجلا حتى قتلوا عن آخرهم ثم فاءت فيه المسلمون فكشفوهم عن رسول الله صلعم وهو يناول السهم سعد بن أبي وقاص وقال ارم فداك أبي وأمي والذي ضرب رسول الله صلعم أخوه عتبة بن أبي وقاص وفيه يقول حسان
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ... ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
بسطت يمينا للنبي محمد ... فأدميت فاه قطعت بالبوائق

ثم نهضوا بالشعب ومر على علي المهراس فملأ حجفته ماء وجاء يغسل الدم عن وجه رسول الله صلعم وهو يقول كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ثم قام مالك بن سنان الخدري أبو أبي سعيد فمص الدم من وجه رسول الله صلعم من مس دمه دمى لم تمسه النار ويقال أن النبي صلعم ضربه عبد الله بن قميئة وروى بعضهم أنه قتل مصعب بن عمير وهو يظنه رسول الله صلعم ووقعت هند عليها اللعنة ومن معها على القتلى فمثلن بهم جدع الأنوف وتبك الآذان ويتخذان خدما وقلائد وعمدت إلى بطن حمزة فبعجتها واستخرجت حشوته وكبده ولاكته ولم تسغه ثم علت على صخرة وهي تقول
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات السعر
ما كان من عتبة لي من مضر ... ولا أخيه لا ولا من صهر
شفيت نفسي وقضيت نذري ... فشكر وحشي على عمر
حتى ترام أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عبد المطلب
جزيت في بدر وبعد بدر ... يا أبنت وقاع عظيم الكفر
في أبيات وفيها يقول حسان بن ثابت
لعن الإلاه وزوجها معها ... هند الهنود طويلة البظر
ثم صرخ أبو سفيان انعمت وقال إنما الحرب سجال يوم بيوم أعل تعل فقال النبي لعمر بن الخطاب أجبه فقال الله أعلى وأجل ولا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال أبو سفيان أنشدك الله يا عمر هل قتل محمد قال لا والله ليسمع قال أنه قد كانت هناة ما أمرت بها ولا رضيت وإن موعدكم بدر فقال النبي لعمر قل إن شاء الله وألقى في قلوبهم الرعب فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة وتفرع المسلمون لقتلاهم يدفنونهم ووقف رسول الله صلعم على حمزة ونظر إلى ما مثل به فقال لن أصبت بمثلك أبدا ثم صلى على القتلى السبعين صلاة واحدة وانصرف إلى المدينة وأستشهد يوم أحد من المسلمين سبعون رجلا ويقال خمسة وستون رجلا منهم حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ومصعب بن عمير العبدي وعبد الله بن جبير أمير الرماة وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة وسعد بن الربيع أحد النقباء وقتل من المشركين اثنان وعشرون رجلا ورجع رسول الله إلى المدينة ثم خرج في أثرهم يوم الأحد مرهبا لهم ويريهم أن به قوة حتى بلغ حمراء الأسد في ستين راكبا منهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن ابن مسعود فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلعم فلقى أبا سفيان بن حرب بالروحاء قد أجمع على الرجعة إلى المدينة وذلك أنهم لما انصرفوا سقط في أيدهم وقالوا قد كنا أجهضنا محمدا وأصحابه وأشرفنا على استئصالهم لو صبرنا فقالوا لمعبد بن أبي معبد ما وراءك قال لقد خرج محمد وأصحابه في جمع لم أر مثله يحرقون عليكم أنيابهم من الحنق قال وأين هم قال هم يصبحونكم من حمراء الأسد فثنى ذلك أبو سفيان عن عزمه وفت في عضده ومر به راكب من عبد القيس يقال له نعيم الأشجعي يريد المدينة للميرة فقال بلغ محمدا أنا قد أزمعنا المسير إليهم فلما قال ذلك للنبي قال النبي صلعم حسبنا الله ونعم الوكيل وانصرفوا إلى المدينة ونزلت ستون آية من سورة آل عمران في قصة أحد من قوله وإذ غدوت من أهلك تبؤ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وقالوا في أحد أشعار كثيرة فمنها قول كعب بن مالك يذكر عزيمة أبي سفيان على الرجوع ومبلغ عددهم
إذا جاء منهم راكب كان قوله ... اعدوا لما يزجى ابن حرب ويجمع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة ... على كل من يحمى الذمار ويمنع
بني الحرب أن نظفر فلسنا بمفحش ... ولا نحن في اظفارها نتوجع
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن نصيبه ... ثلاث مإين إن كثرنا وأربع
وفيه يقول ابن الزبعري
يا غراب البين أنعمت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل
نضع الأسياف في أكتافهم ... وكذاك الحرب أحيانا دول
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذاك وجيه وقبل
والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقبل
كل عيش ونعيم زائل ... وبنات الدهر يلعبن بكل

أبلغنا حسان عنى آية ... فقريض الشعر يشفي ذا العلل
كم نرى بالحر من جمجمة ... وأكف قد أترت وحدل
وسرابيل حسان سريت ... عن حماة هلكوا في المنتزل
فسل المهراس من ساكنه ... بين أقحاف وهام كالجبل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
حين ألقت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصا ... رقص الحنان تعلوا في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا مثل بدر واعتدل
فأجابه حسان بن ثابت في قصيدة طويلة
ذهبت يا بن الزبعري وقعة ... كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول
نضع السيف أكتافكم ... حيث نهوى عللا بعد نهل
نخرج الاصبع من استاهكم ... كسلاح النيب يأكلن العضل
إذا شددنا شدة صادقة ... فأجأنا كم إلى سفل الجبل
وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر وأحاديث المثل
قالوا في هذه السنة ولد الحسن بن علي وعلقت فاطمة بالحسين وتزوج النبي صلعم زينب بنت خزيمة أم المساكين وزوج ابنته كلثوم من عثمان بن عفان ثم دخلت سنة أربع من الهجرة وهي سنة الترفيه فبعث في المحرم سرية إلى بني أسد أميرها أبو سلمة بن عبد الأسد فغنم وسبى ولم يلقي كيدا ولم يلقي أن يقيد هذه الحوادث بالشهور والأعوام لأنه مما يصعب ويفوت الحق لكثرة الاختلاف وتفاوت التاريخ فرأيت أن أجمعها وأضمها سنة سنة ليكون اقرب إلى الحق وأسهل في الحفظ شاء الله تعالى، قصة الرجيع وهو بأرض هذيل قال ابن اسحق لما رجع رسول الله صلعم من أحد جاءه رهط من عضل والقارة وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا في الدين فبعث معهم ستة نفر منهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وكان قتل يوم أحد ابنين لسلافة بنت سعد فنذرت لئذ قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه وكان أعطى الله عهدا ألا يمسه مشرك ومنهم خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فخرجوا بهم حتى إذا كانوا بالرجيع غدروا بهم واستصرخوا هذيلا فما راعهم إلا الرجال بأيديهم السيوف فأخذ القوم أسيافهم ليقاتلوهم فقالوا والله لا نريد قتالكم ولكن نريد أن نصيب بكم من أهل مكة شيئا ولكم عهد الله وميثاقه قالوا لا نقبل من الشرك عهدا ولا عقدا وناصبوهم القتال فوتر عاصم قوسه وكان راميا وأنشأ يقول
ما علتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الموت حتى والحيوة باطل
وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
ثم قاتل حتى نفذت سهامه وأخذ سيفه وجحفته وقال
أبو سليمان وريش المقعد ... وضالة مثل الجحيم الموقد
ومجنأ من مسلك ثور أجرد ... مؤمن بما تلاه محمد
وقاتل حتى قتل رضه وأرادوا أن يأخذوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد فمنعه الدبر فقالوا ندعه إلى أن يمسى فلما أمسى جاء السيل فذهب به وقتلوا معه ثلاثة نفر من أصحابه وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فلانوا ورغبوا في الحياة واعطوا بأيديهم وشدوا أكتافا وحملوهم إلى مكة وباعوهم ممن قتل أولياؤهم ببدر فصلبوا ورموهم بالنشاب وطعنوهم بالرماح وذكروا عجائب من أمر خبيب بن عدي وشعرا له في ذلك وقال ابن اسحق في أصحاب الرجيع نزلت ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد

قصة بئر معونة قالوا وبعث النبي صلعم المنذر بن عمرو الأنصاري في أربعين رجلا من خيار المسلمين كانوا من أهل الصفة يرضحون النوى بالنهار ويعلمون القرآن بالليل بعثهم إلى نجد يدعوهم إلى الإسلام في خفارة أبي براء ملاعب الأسنة فلما أتوا بئر معونة استصرخ عليهم عامر بن الطفيل عصية وذكوان فأحاطوا بهم وقتلوهم عن آخرهم إلا عمرو بن أمية الضمري فإنه كان في سرح القوم فأسره عامر وجز ناصيته وأعتقه في رقبة كانت على أمه فأقبل عمرو حتى أتى المدينة فإذا هو برجلين من بني عامر قد أقبلا من عند رسول الله صلعم ومعهما عهد فقتلهما بأصحابه وأخذ سلاحهما ثم جاء النبي صلعم وأخبره الخبر فقال بئس ما صنعت رجلين من أهل ذمتي قتلتهما لا لأجل ذنبهما وقد قيل أنه نزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله الآية وشق على رسول الله صلعم مقتل أصحابه وغدر عامر بن طفيل بهم فدعا على عصية وذكوان أربعين صباحا فيقال والله أعلم ما أسلم منهم واحد ولا أفلت، ذكر غزاة بني النضير قال فجاءهم رسول الله صلعم يستعينهم في دية دينك القتيلين اللذين أصابهما عمرو بن أمية وكان في العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلعم أن يتغاوثوا ويتحمل ما ينوب بعضهم عن بعض قالوا نعم يا أبا القاسم وهموا بالغدر به وخرجوا يجمعون الرجال والسلاح فقام رسول الله صلعم فانسل من بين أصحابه وما شعر به أحد إلا حين دخوله المدينة فمضى أصحابه في إثره حتى لحقوا به ونزل فيه سورة المائدة كما قال الله عز وجل يا أيها اللذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم وأمر أصحابه بالمسير إليهم فحاصرهم ست ليال حتى نزلوا على أن لهم ما حملت الإبل من الأموال إلا الحلقة ولحقوا باذرعات من أطراف الشام وفيهم نزلت سورة الحشر، ثم غزاة ذات الرقاع والرقاع شجرة سميت بها تلك الغزاة ويقال بل سميت لأنهم كانوا رقعوا راياتهم ولقي رسول الله صلعم في تلك الخروج جمعا عظيما ومن غطفان وصلى صلاة الخوف وفيها كانت قصة غورث بن الحارث المحاربي وذلك أن بني محارب كانوا تحصنوا في رأس جبل فقال غورث لأفتكن لمحمد فجاء حتى وقف وكان سيف رسول الله محلى بفضة فقال أنظر إلى سيفك هذا قال نعم فأخذه وسله وهم به فمنعه الله عز وجل لذلك أنكب على وجهه فنزلت يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية، ثم غزاة بدر الميعاد وذلك أن أبا سفيان لما ارتحل يوم أحد نادى موعدكم بدر فقال النبي صلعم لعمر قل إن شاء الله فخرج النبي للميعاد وخرج أبو سفيان حتى بلغ عسفان ثم ألقى في قلبه الرعب وانصرف وفيه يقول عبد الله بن رواحة
وعدنا أبا سفيان وعدا لم نجد ... لميعاده صدقا ولا كان وافيا
وفي هذه السنة تزوج النبي صلعم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وفيها مات عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت رسول الله صلعم وله سنتان وفيها ولدت فاطمة الحسين صلى الله عليه ثم دخلت سنة خمس من الهجرة وهي سنة الزلازل فيها غزا رسول الله دومة الجندل وهي من حد الروم وذلك أن التجار والسابلة شكوا اكيدر الكندي عامل هرقل عليها فسار إليها في ألف رجل يسير الليل ويكمن النهار وأحس بذلك اكيدر فهرب واحتمل الرحل وخلى السوق وتفرق أهلها فلم يجد رسول الله صلعم أحد فرجع

ثم كانت غزاة بني المصطلق سار إليهم رسول الله صلعم فوجدهم على ماء يقال له المريسع فقاتلهم وسباهم وكان عليهم يومئذ الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية وزوجة النبي وفي غزاة المصطلق كان حديث الإفك قالوا وكانت عائشة مع رسول الله صلعم في هذه السفرة فخرجت من هودجها لحاجة وارتحل القوم فجاءت وليس في المناخ إلا صفوان بن المعطل فاحتملها على راحلته وسار بها فما لحقهم إلا بعد أن نزلوا وقد خاض الناس وماجوا يتكلمون فيها من مصدق ومكذب قالوا فلما قدم النبي صلعم المدينة أذن لعائشة في الانقلاب إلى أبيها ولا علم لها بشيء مما جرى فروى عنها أنها قالت خرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بن أثاثه خاله أبي بكر إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت بئس لعمر الله وما قلت لرجل من المهاجرين شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر فقلت لا فأخبرتني بما تحدث الناس فيه قالت فو الله ما قدرت أن أقضي حاجتي وما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع قلبي قالت وأتى على ذلك شهر ثم دخل علينا رسول الله صلعم وقال يا عائشة إن كنت قارفت سوءا فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده فقلت والله لا توب ولكني أقول كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون فما برح رسول الله حتى نزل الوحي ببراءتي وذلك قوله عز وجل في سورة النور إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم إلى رأس ستة عشر آية وضرب رسول الله صلعم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وعبد الله بن الحد وفيه يقول قائلهم
لقد ذاق حسان الذي كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا بظهر الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا
وقال حسان يعتذر عن مقالته وينتقي منها
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطي إلى أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل
وأن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي ماحل
ثم الخندق وكنت في ذي القعدة وذلك أن نفرا من اليهود نقضوا العهد واخفروا الذمام وأتوا مكة فحالفوا قريشا على محاربة رسول الله صلعم منهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحي بن أخطب وكنانة بن الربيع ثم جاؤا إلى غطفان وقائدها عيينة بن حصن الفزاري فاستنزلوهم ودعوا إلى مثل ما دعوا إليه قريشا فتحزبت الأحزاب وتجمع الأحابيش وساروا إلى المدينة يقصدون النبي فاستشار النبي صلعم سلمان فيما يزعمون بأمر الخندق فضرب الخندق وعمل فيه بنفسه ينشطهم وخرج في ثلاثة ألف رجل حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع والخندق بينهم وبين الأحزاب ونزلت قريش بعشرة آلاف وقائدها أبو سفيان بن حرب ونزلت غطفان في من تبعها وأطاعها وحاصروا النبي صلعم والمسلمين تسعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى إلا أنه اشتد الأمر وضاق كما قال إذ جاؤكم من فوقكم الأسدي ومن اسفل منكم الأعور السلمي وغطفان وناصبكم أبو سفيان وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر واقتحمت فوارس الخندق منهم عمر بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب بن مرداس فخرج عليهم علي في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا الخيل منها وبارز علي عمرا فقال له عمرو وكان من مشهوري فرسان العرب ما أحب أن أقتلك يا ابن أخي قال أنا أحب أن أقتلك فحمى عمرو واحتدم ونزل عن فرسه فعقره ثم أقبل على علي فتنازلا وتطاردا وتجادلا واختلف بينها ضربتان فاصابته ضربة علي فقتلته فخرجوا منهزما من الخندق وفي ذلك يقول علي فيما يروى عنه
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت رب محمد بصواب
فصددت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي

ورمى سعد بن معاذ يومئذ فقطع منه الأكحل فقال اللهم إن كنت أبقيت من حرب شيئا فأبقني وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من قريظة لأنهم خانوا الأمانة وتركوا الوفاء ونقضوا عهد المسلمين قالوا ولما اشتد الأمر جاءه نعيم بن مسعود الأشجعي مسلما وكان من دواهي العرب فقال له النبي إن الخرب خدعة فاحتل لنا فخرج حتى أتى قريظة وقال قد عرفتم ودي لكم وتحقيقي بكم قالوا لست عندنا بمهتم قال والرأي أن لا تقاتلوا محمدا ما لم تأخذوا رهائن من قريش كي لا يتشمروا إلى بلادهم إن عضتهم الحرب وتحلوا بيبنكم وبين محمد قالوا هو الوجه ثم أتى قريشا فقال إن اليهود قد ندموا على نقض العهد وقد أرسلوا إلى محمد نرضيك منا أن نأخذ من قريش وغطفان مائة رجل فندفعهم إليك لتضرب أعناقهم فإن التمسوا منكم رجالا فلا تجيبوهم إليه قالوا هو الوجه ثم إن قريشا قالوا لقريظة إنا لسنا بدار مقامة وقد هلك الخف والحافر وأنتم أزعجتمونا عن بلادنا فاغدوا للقتال واخرجوا للميعاد فقالت قريظة إنا لا نأمن منكم أن تتشمروا إلى بلادكم إن عضتكم الحرب فإن أردتم ذلك فاعطونا رهائن تكون ثقة لنا قالت قريش صدق نعيم وقالت قريظة صدق نعيم ونصح فتخاذلوا وتواكلوا وأتت عليهم ليلة شاتية عاصفة الريح فجعل تكفأ قدورهم وتقطع أطناب خيامهم فارتحلوا وانصرفوا خائبين بقول الله عز وجل في سورة الأح فساقهم رسول الله صلعم إلى المدينة وأمر فأخذت الأخائذ وضربت أعناق سبع مائة رجل منهم في غداة واحدة وفي هاتين الغزوتين نزلت سورة الأحزاب واستشهد من المسلمين فيها ستة نفر وقد ذكر ابن اسحق من أشعارهم فيها شيئا غير قليل فمنها قول ضرار ابن الخطاب بن مرداس
ومشفقة تظن بنا الظنونا ... وقد قدنا عرندسة طحونا
فلولا خندق كانوا لديه ... لدمرنا عليهم أخمصينا
وإن نرحل فانا قد تركنا ... لدى أبياتكم سعدا رهينا
في قصيدة طويلة فأجابه كعب بن مالك الأنصاري
وسائلة تسايل ما لقينا ... ولو شهدت رأتنا صابرينا
رأتنا في فضافض سابغات ... كغدران الملا متسربلينا
سيعلم أهل مكة حين ساروا ... وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك ... وأن الله مولى والمؤمنينا
كما قد ردكم فلا شريدا ... يغيظكم حزابا خائبينا
حزابا لن تنالوا ثم خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا
فاما تقتلوا سعدا سفاها ... فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات ... تكون مقاما للصالحينا

في قصيدة طويلة واصطفى رسول الله صلعم من سبى قريظة ريحانة القريظة فلم تزل عنده إلى أن توفى وفي هذه السنة تزوج النبي زينب بنت جحش وأمها أميمة بنت عبد المطلب وقصتها في سورة الأحزاب مذكورة وفيها بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان فلم يظفر به ثم دخلت سنة ست من الهجرة وهي سنة الاستئناس فبعث رسول الله عبد الله بن أنيس سرية وحده إلى خالد بن سفيان بن نبيح وكان يجمع الجموع ليقاتل النبي فخلا به عبد الله بن أنيس ثم علاه بسيفه حتى قتله ثم بعث سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء ثم غزا بني لحيان ثم غزا الغابة ثم بعث سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ثم بعث سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة ثم بعث سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ثم بعث سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى ثم غزا لحيان يطلب بدم خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ومرثد بن أبي مرثد وعاصم بن ثابت بن ابي الأقلح أصحاب الرجيع ثم بعث سرية عبد الرحمن ابن عوف إلى دومة الجندل ثم سرية علي ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة ثم بعث سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ثم بعث سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى ثم غزا لحيان يطلب بدم خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ومرثد بن أبي مرثد وعاصم بن ثابت بن ابي الأقلح أصحاب الرجيع ثم بعث سرية عبد الرحمن ابن عوف إلى دومة الجندل ثم سرية علي بن أبي طالب عم إلى فدك فاحتازها ثم سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة ثم سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر فتطرقها وأصاب من أموالها ثم سرية بشر بن سويد الجهني إلى بني الحارث واعتصموا فأضرمها عليهم حتى احترقوا ثم سرية كرز بن جابر الفهري في إثر العرنيين وذلك انهم لما قدموا إلى المدينة اجتووها فأمر بهم النبي صلعم إلى إبل الصدقة فشربوا ألبانها حتى صحوا وانطوت بطونهم ثم وثبوا على الراعي فقتلوه وغرزوا الشوك في عينيه واستاقوا الإبل فبعث عليهم في إثرهم كرز بن جابر فأتى بهم وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة حتى ماتوا وقد قيل أن فيهم نزلت إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية ثم غزا رسول الله صلعم ذا قرد وذلك أن عيينة بن حصن بن بدر الفزاري أغار على لقاح رسول الله صلعم فخرج في إثره وقاتل قتالا شديدا واستنفذ بعض اللقاح وفيه يقول حسان بن ثابت
أظن عيينة أن زارها ... بأن سوف يهدم منا قصورا
فعفت المدينة أن زرتها ... وألقيت للأسد فيها زئيرا
أمير علينا رسول الملي ك أحبب بذاك إلينا أميرا

ثم كانت عمرة الحديبية في ذي القعدة من سنة ست وذلك أن رسول الله صلعم رأى في المنام أنه دخل مكة فأخبر أصحابه وأحرم بعمره وخرج في سبع مائة رجل وساق الهدى حتى إذا كان بعسفان استقبله بشر بن سفيان الكعبي فقال إلى أين يا محمد هذه قريش قد أقبلت ومعها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أن لا يدخلها عليهم وهذا خالد ابن الوليد قد قدموه إلى كراع العميم فقال النبي ويل أم قريش لقد أكلتهم الحرب فو الله لا أزال أجاهد على ما بعثني الله به حتى يظهر دينه وتنقرض هذه السالفة خالفوا بنا الطريق فأخذوا على طريق وعر حتى نزل الحديبية وبعث عثمان بن عفان يخبرهم أنه لم يأت لحرب ولا مكاشفة وإنما أتى زائرا لهذا البيت فحبسوا عثمان وبلغ النبي أن عثمان بن عفان قد قتل فقال إن كان عثمان قتل فلا نبرح حتى نناجز القوم ثم دعا إلى البيعة وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة وكانت البيعة على الموت ثم أتاه أن الذي ذكر من أمر عثمان كان باطلا وبعثت قريش سهيل بن عمرو ليصالح النبي على أن يرجع عنهم عامه هذا وأن تخلو له مكة عاما قابلا ثلاثة أيام ليقضي حاجته وأن يضع الحرب من بين الناس عشر سنين بكف بعضهم عن بعض وأن من أتى من قريش رده إليهم ومن أتى قريشا ممن مع محمد لم يردوه إليه وإن من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه اصطلحوا على هذا وكتبوا العقد بينهم وتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عهد محمد وعقده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عهد قريش وعقدهم ثم قام رسول الله صلعم إلى هديه فنحره وحلق رأسه وفعل المسلمون مثل ذلك وأقبل راجعا إلى المدينة فنزل في الطريق إنا فتحنا لك فتحا مبينا فصار تصديق الرؤيا في العام القابل وفي هذه السنة ظهرت الروم على فارس وانكشف شهر ابراز عن طريق هرقل حتى سار إلى العراق فأفسدوا عليه وأغاروا وفيها جاء وفد السباع إلى رسول الله صلعم كما روى، ثم دخلت سنة سبع من هذه الهجرة هي سنة الاستغلاب وفيها كانت غزوة خيبر قالوا وسار رسول الله صلعم إليها في ألف وأربع مائة رجل ونزل بساحتهم ويفتتحها حصنا حصنا وهي حصون وآطام حتى انتهى إلى الطيح والسلالم فحاصرهم سبع عشرة ليلة فخرج مرحب وقد جمع عليه سلاحه وهو يقول
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
فأجابه كعب بن مالك
قد علمت خيبر أني كعب ... وأني ممن يشب الحرب
معي حسام كالعقيق عضب
وخرج إليه محمد بن مسلمة وتجاولا وتطاردا وعرضت بينهما شجرة فتجاولا يلوذان بها إلى أن قطعاها قم ضربه محمد بن مسلمة فقتله هذا رواية أصحاب الحديث وأما الشيعة فإنهم يختلفون أن عليا قتله وذلك مشهور في أشعارهم قالوا وبعث النبي صلعم أبا بكر إلى حصن من حصونهم فذهب وقاتل ثم رجع ولم يفتح فقال عم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار وكان علي عم رمد العين فتفل في وجهه وأعطاه الراية فمضى إليه وخرج إليه أهل الحصن وألقى به فقاتل حتى فتح الله على يده قال سلمة بن الأكوع فلقد رأيتني في سبعة نفر نجتهد أن نقلب ذلك الباب فما نقدر أن نقلبه هذه الرواية الصحيحة فأما ما يقوله القصاص فلا نعرفه وبخيبر أهدت امرأة سلام بن مكشم الشاة المشوية إلى النبي صلعم وبها قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة ومعه من المسلمين وفيه يقول حسان
بئس ما قلت خيابر عما ... جمعت من مزارع ونخيل
كرهوا الحرب فاستبيح حماهم ... وأقروا فعل اللئيم الذليل

وذلك قول الله تعالى فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ثم غزا رسول الله صلعم وادي القرى بعد منصرفه من خيبر ويقال قايل فيئها ثم بعث سرية عمر بن الخطاب إلى تربة فرجع ولم يلق كيدا ثم بعث سرية غالب بن عبد الله الميفعة وفيها قتل أسامة بن زيد بن مرداس بن نهيك بعد ما شهد بالحق فنزل ولا يقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا الآية ثم بعث سرية بشير بن سعد إلى مرو جناب من فدك ووادي القرى ثم اعتمر رسول الله صلعم عمرة القضاء في ذي القعدة وهو الشهر الذي صده فيه المشركون ويقال لها عمرة القصاص فدخل مكة وأقام بها ثلاثا وتزوج ميمونة بنت الحارث وفيها نزل لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآية ثم مبعث عبد الله بن أبي حدرد إلى أضم سرية فقتلوا عامرا بن الاضبط بعد ما حياهم بتحية الإسلام فأنكر عليهم رسول الله صلعم وفي هذه السنة اتخذ الخاتم ونقش فصه محمد رسول الله وبعث رسله إلى الملوك يدعوهم إلى دين الله فبعث حذافة السهمي إلى كسرى ابرويز بن هرمز بن انوشروان فمزق كتابه وكتب إلى باذان عامل اليمن بأن يبعث بمحمد إليه مربوطا وقد ذكرنا قصته في موضعه فقال النبي صلعم مزق كتابي مزق الله عليه ملكته وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل بن قيصر ملك الروم فوجده في حمص يمشي راجلا إلى بيت المقدس شكرا لله على ما منحه من الظفر على فارس وذلك وعد الله فيهم وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين فوضع كتاب رسول الله على وجهه ودعا الناس إلى اتباعه فأبوا عليه فلما أخبر النبي قال بقي ملكهم أو ثبت وبعث عمرو ابن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة فآمن وأسلم وبعث حاطب بن بلتعة إلى المقوقس ملك القبط والاسكندرية فأجاب بأن القبط لا يتابعني على اتباعك وأنا أظن بملكي وبعث إليه بمارية القبطية أم ابراهيم بن رسول الله صلعم وأصحبها خصيا وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا ووهب لحطاب مالا عظيما وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين فاسلم وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة الحنفي فرد ردا جميلا وبعث شجاع بن وهب إلى الحارث الأصغر وهو الحارث بن أبي شمر الغساني ملك دمشق فاستخف به ورمى بكتابه فقال عم باد ملكه وفي هذه السنة كانت وقعة ذي قار وقد مضت قصتها ثم دخلت سنة ثمان من الهجرة وهب الاستواء فبعث سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح فأوقع بهم وقتل وسبى وساق نعما كثيرا وشاء وخرج صريخ القوم للقتال فسال وادي قديد من غير سحاب عندهم ولا مطر حتى حال بينهم وبين الصريخ فوقفوا ينظرون إليه وهم يسوقون نهبهم ثم بعث سرية شجاع بن وهب إلى بني عامر فلم يلق كيدا ثم بعث كعب بن عمير إلى ذات اطلاح ثم غزوة مؤتة وهي بأرض الشام، قصة مؤتة قالوا أن رسول الله صلعم بعث الحارث بن عمير رسولا إلى بني شرحبيل بن عمرو عامل هرقل فقتل رسول رسول الله صلعم ولم يقتل له رسول غيره فبعث إليها ثلاثة ألف رجل واستعمل عليهم زيد بن حارثة إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب وإن أصيب جعفر فبعد الله بن رواحة فصاروا حتى بلغوا موتة وهي قرية من حدود الشام فبلغهم أن هرقل نزل بأرض البلقاء في مائة ألف وانضم إليه من لخم وجذام مائة ألف فانحازوا إلى موتة وأتتهم هوادي الخيل وناوشهم القتال حتى استشهد زيد بن حارثة فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب وتقدم فقاتل حتى إذا ألجمه القتال نزل عن فرسه فعرقبه وهو يقول
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وطيب شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... على إذ لاقيتها ضرابها
فقطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت شماله فاحتضن بصدره واستشهد وقتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة في سن عيسى عم فأبدله الله عز وجل منها جناحين يطير بهما في الجنة ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة وهو يقول
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... قد طال ما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا بطنة في شنه
وقاتل حتى قتل رحمه الله فاجتمع المسلون إلى خالد بن الوليد فانحاز بهم حتى انصرف فتلقاهم الناس وجعل الصبيان يحثون عليهم التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله فقال رسول الله صلعم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله وفيه يقول حسان
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... بموتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله هم خير عصبة ... تواصوا وأسباب المنية تخطر
ثم بعث سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من ناحية الشأم فكتب إلى النبي يستمده فبعث إليه بسرية أميرها أبو عبيدة بن الجراح وفيها أبو بكر وعمرو رضهما فأصابوا شيئا كثيرا ثم سرية الخبط وأميرها أبو عبيدة إلى سيف البحر فجعلوا يختبطون لما أرملوا فأخرج الله لهم دابة أصابوا من لحمها وودكها شيئا حتى سمنوا وغلظوا ثم سرية أبي قتادة إلى خضيرة من أرض الشأم فلم يلق كيدا، فتح مكة في شهر رمضان وذلك أن خزاعة كانت دخلت في عقد النبي صلعم يوم الحديبية وبنو بكر في عقد قريش فعدت بنو بكر على خزاعة وهم على ماء بأسفل مكة يقال له الوتير فبيتوهم ورفدتهم قريش بالسلاح فقاتلوهم فخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف بين يدي رسول الله صلعم وذكر شأنهم وما كان من بني بكر وقريش من نقض العهد وقال
لا هم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الابلدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك الموكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... نتلو القرآن ركعا وسجدا
فأمر رسول الله صلعم بالتجهيز إليهم فقال له أبو بكر اتنصرهم على قومك قال لا نصرت إن لم أنصرهم فخرج في عشرة آلاف رجل وسار حتى نزل بساحتهم ولا علم لهم بشيء من ذلك فأمر كل رجل أن يوقد نارين عظيمتين وخرج العباس بن عبد المطلب على بغلة رسول الله يلتمس أحدا يبعثه إلى قريش بالخبر وكانت قريش لما خفى عليهم أمر المدينة رابهم ذلك وخرج أبو سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء يتجسسان فلما أشرفا على العسكر والنيران هالهما ذلك فسمع العباس قول أبي سفيان لبديل ما رأيت عسكرا قط أكثر من هذا فناداه العباس يا أبا حنظلة هذا رسول الله صلعم ومصباح قريش قال فما الحيلة قال أن تركب في عجز البغلة حتى استأمن لك رسول الله صلعم فركب خلفه ومر حتى بلغ عمر بن الخطاب رضه فلما رأه قال الحمد لله الذي أمكن منك بلا عهد ولا عقد وخرج يشد نحو رسول الله صلعم فقال عمر وهذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه فدعني أضرب عنقه فقال له العباس لا سبيل لك عليه إني قد أجرته فبات عنده تلك الليلة فلما أصبح أتى النبي صلعم فقال ما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت وأمي ما أجملك وأكرمك وأوصلك للرحم لو كان معه غيره لقد أغنى عنا شيئا فقال له العباس إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح ومقيس بن أبي ضبابة وحويرث بن نقيذ فاقتلوهم ولو وجدتموهم تحت أستار الكعبة فجاء أبو سفيان إلى مكة فنادى هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن حل داري فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن فتفرق الناس وأخذت بلحيته هند بنت عتبة وقالت بئس الشيخ والله اقتلوه هلا مت كريما ودخل رسول الله في عشر سرايا كل سرية ألف رجل وهو في كتيبة خضراء من المهاجرين والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق فأتى المسجد فطاف وحول الكعبة أصنام فجعل يشير إليها بقضب في يده وهو يقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وهي تخر لوجهها وفيه يقول بعضهم
وفي الأصنام معتبر وعلم ... لم يرجو الثواب والعقابا
وأقام بمكة خمسة عشر يوما يقصر الصلاة ثم خرج إلى حنين، ذكر غزوة حنين خرج رسول الله صلعم من مكة إلى هوازن وثقيف والطائف وقائدهم مالك بن عوف وقد جمعوا أحابيشهم ولفهم وساقوا نعمهم ونسأهم التماس الحفيظة وأخرجوا معهم دريد بن الصمة في شجار وهو شيخ كبير ليس فيه شيء غير التيمن برأيه فلما بلغوا أوطاس قال دريد نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس وأنشد
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع

وخرج رسول الله في اثني عشر ألفا عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفين من طلقاء مكة ويقال أنه لما نظر إلى كثرة من معه قال لن نغلب اليوم من قلة فلما استقبلوا وادي حنين كان القوم قد كمنوا في الشعاب والاخبات وكسروا جفون سيوفهم فشدوا على المسلمين شدة رجل واحد فانهمروا راجعين لا يلوى أحد على أحد ورسول الله ينادي هلموا أنا رسول الله ثم قال للعباس اصرخ في الناس وكان رجلا صيتا يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة ففاء فيه المسلمون وحمى الوطيس واشتدت الحرب واجتلدوا فانهزم المشركون وانحازوا إلى الطائف وأغلقوا باب مدينتها وصنعوا الصنائع للقتال من الدبابات والضبور والمجانيق وأصاب المسلمون من سبي هوازن ستة آلاف رأس ومن النعم والأموال ما لا يحصى وفيه يقول العباس بن مرداس السلمي
ونحن يوم حنين كان مشهدنا ... للدين عزا وعند الله مدخر
وقد ضربنا بأوطاس أسنتنا ... والله مكن يهدي وينتصر
وسار رسول الله صلعم من حنين إلى الطائف قال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة ورماهم بالمنجنيق ثم زحف نفر من أصحابه تحت الدبابة فأرسلوا عليهم الحديدة المحماة فأحرقوهم وقال النبي لأبي بكر رأيت أني أهديت إلى قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراقت فقال أبو بكر رضه ما أظن أن تدرك هذه قال وأنا وارتحل من ساعته حتى نزل الجعرانة فأتاه وفد هوازن وفيهم ظئره حليمة بنت ذؤيب فقال يا رسول الله إنما في الحصار عماتك وخالاتك وحواضنك فأمنن علينا من الله عليك فقال أولادكم ونساءكم أحن إليكم أم أموالكم قالوا أولادنا ونساءنا قال إنما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وإذا صليت فتقدموا وقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين في أبنائنا ونسائنا ففعلوا ذلك قال النبي صلعم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله فردوا إليهم أولادهم ونساءهم وأعطى رسول الله صلعم ذلك اليوم المؤلفة قلوبهم مائة مائة وأعطى أبا سفيان مائة وأعطى لمعاوية بن أبي سفيان مائة وأعطى صفوان بن أمية مائة وحويطب بن عبد العزي وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة وأعطى العباس بن مرداس أباعر فسخطها وقال
وكانت نهابا تلافيتها ... بكرى على المهر في الأجرع
فأصبح نهبي ونهب العبي د بين العيينة والأقرع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يضع اليوم لا يرفع
فقال عم اقطعوا عني لسانه فاعطوه حتى رضي واعتمر رسول الله صلعم من الجعارنة وانصرف راجعا إلى المدينة وفي هذه السنة ولد ابراهيم بن رسول الله صلعم وأتاه جبريل فقال السلم عليك يابراهيم وفيها مات ملك دمشق الحارث بن أبي شمر الغساني فملك مكانه جبلة بن الأيهم وفيها ملكت بوران دخت بنت ابرويز فقال رسول الله عليه الصلاة والسلم حين بلغه الخبر لا يفلح قوم عليهم امرأة ثم دخلت سنة تسع من الهجرة وهي سنة براءة فبعث سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم فأغار وسبى وغنم ثم بعث سرية علقمة بن مجزز المدجلي إلى الساحل بمراكب الحبشة فلم يلق كيدا ثم سار إلى تبوك، ذكر غزوة تبوك وهي من حد الروم ويسمى جيش العسرة وكان سبب هذه الغزاة أن هرقل أظهر قصد رسول الله صلعم بنفسه فقال النبي تهيؤا لغزاة الروم وذلك في شدة الحر وجدب البلاد وقد طابت الظلال وأينعت الثمار وبين تبوك والمدينة تسعون فرسخا وما خرج رسول الله صلعم في سفر إلا يورى بعيره إلى تبوك فإنه أفصح بها وبينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدد وأمر الناس بالنفقة والحملان في سبيل الله وهذه القصة مذكورة في كتاب الله في سورة براءة وخرج رسول الله في ثلاثين ألفا منهم عشرة آلاف فارس واثنا عشر ألف راكب وثمانية آلاف راجل وخلف عليا في أهله فقال رجل ما خلفه إلا استثقالا له فلما سمع علي أخذ سلاحه ومضى حتى أدركه فذكر له قول الناس فقال أما ترضى يابالحسن أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرضي علي ورجع وسار النبي حتى أتى تبوك وقد تفرقت جموع هرقل فلم يلق كيدا وبعث من تبوك خالد بن الوليد إلى دومة الجندل

سرية خالد بن الوليد إلى اكيدر صاحب دومة الجندل من تبوك وقد قال له النبي صلعم تجده يصيد البقر فاتاه خالد في ليلة مقمرة وهو على سطح فجاءت البقر تحك بقرونها باب القصر فخرج في فرسان وتلقاهم فأسروه وأتى به النبي صلعم فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله وفيه يقول
تبارك سائق البقرات أني ... رأيت الله يهدي كل هاد
فمن يك حائذا عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد
وفي هذه السنة نزلت سورة براءة فبعث أبا بكر أميرا على الحاج وأتبعه علي بن أبي طالب مع تسع آيات من سورة براءة وأمره أن يقرأها على الناس ويؤذنهم بنقض العهد وقطع الذمة فانصرف أبو بكر إلى النبي صلعم فقال أنت الأمير وعلي المبلغ فإنه لا يبلغ رجل عني إلا مني فقام علي في الموسم والناس على سكناتهم من أهل الشرك فنادى أني رسول رسول الله إليكم قالوا بماذا قال إنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد من رسول الله فهو إلى مدته ومن لا عهد له فله المدة إلى مأمنه وتلا عليهم الآيات فقال المشركون انا نبرأ إلى الله من عهدك وعهد ابن عمك اللهم انا منعنا تبرك ثم دخلت سنة عشرة من الهجرة وهي سنة حجة الوداع فبعث سرية عكاشة بن محصن إلى الجناب فلم يلق كيدا ثم بعث سرية أسامة بن زيد إلى بلقاء من أرض فلسطين قال أثير بدم أبيك فقتل وسبى وأحرق ثم بعث سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن لقبض الصدقات ويقال كان مرتين ثم بعث سرية عبد الله بن حذافة السهمي وفي هذه ضربت الوفود إلى رسول الله صلعم وذلك أن الناس كانوا يتربصون بالإسلام فلما أسلمت قريش أسلمت العرب ودخلوا في دين الله أفواجا وفيها حج رسول الله صلعم لخمس بقين من ذي القعدة وأحج نساءه كلهن وساق الهدى وخطب خطبة الوداع ويقال خطبة البلاغ وهي مشهورة في العامة فقال يا أيها الناس اسمعوا قولي فأني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا وقفل إلى المدينة وفي هذه السنة كتب مسيلمة الكذاب إلى رسول الله صلعم ثم دخلت سنة إحدى عشرة من الهجرة وهي سنة الوفاة فبعث عمرو بن العاص إلى جيفر بن جلندي الأزدي ملك عمان يدعوه إلى الإسلام وأمر أسامة بن زيد على البعث إلى الشام ومرض رسول الله مرضة قبضه الله فيها وذلك أنه نعي نفسه وأصحابه قبل موته بشهر ثم ابتدأ بشكواه في ليال بقين من ربيع الأول صلى الله عليه وعلى آله وصحابه إلى اليوم الدين أجمعين، آخر الجزء الثاني ويتلوه في الجزء الثالث الفصل السابع عشر في خلق رسول الله وخلقه صلعم والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين الطيبين وسلم تسليما كثيرا.
الجزء الخامس
الفصل السابع عشر
في صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
و خلقه و سيرته وخصائصه و شرائعه و مدة عمره و ذكر أزواجه وأولاده و قراباته و خبر وفاته على سبيل الاختصار و الإيجاز.
ذكر خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم و خلقه قد أكثر الناس في صفته و اختلفت الرواية من طرق شتى و أحسن ما أراه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من رواية عيسى بن يونس عن مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد عن رجل من ولد علي عن علي أنه كان إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممعط و لا القصير المتردد كان ربعه من القوم لم يكن بالجعد القطط و لا السبط كان جعداً رجلاً و لم يكن بالمطهم و لا المكلثم و كان في وجهه تدوير أبيض مشرب حمرة و أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش و الكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صببٍ و إذا التفت التفت معاً بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفاً و أحسن الناس صدراً و أصدق الناس لهجةً و أوفى الناس ذمةً و ألينهم عريكةً و أكرمهم عشرةً من رآه بديهة هابه و من خالطه معرفة أحبه لم يكن قبله و لا بعده مثله، هذا رواية علي كرم الله وجهه و هو أعلم به من غيره و قد فسر أبو عبيدة غريب ما في هذا الخبر و روى ابن إسحق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت إذا وصفت النبي صلى الله عليه وسلم قالت كما قال أبو طالب عمه
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... تمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به أفناء فهر بن مالك ... فهم عنده في نعمة و فواضل
و كان أصحابه يتعرفون فيه قول حسان بن ثابت
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت ... مثل النبي نبي الرحمة الهادي
ولا برى الله خلقا من خلائقه ... أوفى بذمة جار أو بميعاد
وروى عوف عن الحسن عن عائشة أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه كما جاء في القرآن وإنك لعلى خلق عظيم و روى الزهري عن عروة عن ابن عباس أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس خلائق و أجودهم كفاً و لقد دخل مكة عنوة بالسيف فقال ماذا تظنون ماذا تقولون فتبادروا نظن خيراً و نقول خيراً أخ كريم و ابن أخٍ كريم و قد قدرت فقال إني أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فعفا عنهم جميعاً وفي رواية أنس خادم النبي صلى الله عليه أنه كان يلبس الصوف و يخصف النعل و يحلب الشاة و يكنس البيت و يركب الحمار ردفاً و يجيب دعوة العبد و لنا فيه صلى الله عليه أسوة و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يثبت آية إلا بشهادة شاهدين عدلين فجاءه رجل بهذه الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فقال هلم أجر شهادتك وحدك لأنه كان كذا فأما ما روى القصاص أنه كان يماشي الطوال فلا يقصر عنه و يماشي القصير فلا يطاوله و يقف في الشمس فلا يرى ظله و يسير مع الفرس الجواد فلا يسبقه و أنه كان إذا تعرى لم يقع البصر على عورته و ما خرج منه لم يوجد له رائحة فاشياً لم تصح الرواية بها و لا عرف في طباع الناس مثلها.
ذكر أباء رسول الله قد سبق من نسبه و اختلاف الناس فيه ما يغني عن الإعادة و التكرار فهو محمد النبي بن عبد الله الذبيح بن عبد المطلب شيبة الحمد و مطعم الطير و ساقي الحجيج بن عمرو هاشم الثريد و قاطع الأحقاد و سان الائلاف بن المغيرة عبد مناف بيضة قريش بن قصي مجمع القبائل و قصي أول من أصاب من قريش ملكاً.
ذكر أمهات رسول الله أمه التي ولدته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع إلى كلاب بخمسة آباء من قبل أبيه و من قبل أمه و لم يكن لأم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخ و لا أخت فيكون خال النبي و خالته و لكن بنو زهرة يزعمون أنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن آمنة أمه منهم.
جدات رسول الله من قبل أبيه أم أبيه عبد الله فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم و أم أبي عبد الله عبد المطلب بن هاشم سلمى بنت عمرو من بني النجار و كانت قبل هاشم عند أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة فهو أخو عبد المطلب لأمه و أم هاشم عاتكة بنت مرة من بني سليم و أم عبد مناف عاتكة بنت هلال و يقال حبى بنت حليل الخزاعي و قد رفعت النساب هذه الأنساب كلها إلى أصولها و لو اقتدينا بهم لبطل شرطنا الاختصار و لكن اكتفينا بما أودعت الكتب منها لأنها أشفى و أكفى إذ هي لها أفردت و لها و ضعت و لكن الكتاب جامع الفنون و لا يحتمل الفن الواحد الاستقصاء و الاستكمال.
جدات النبي من قبل أمه أم أمه آمنة بنت وهب برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي و أم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي و أم أم حبيب برة بنت عوف و أم عبد مناف أبي وهب زهرة و إليها ينسب ولدها دون الأب قال أبو عبيدة و لا يعرف اسم أبي عبد مناف بن زهرة و زهرة أمه و قد أقيمت في التذكير مقام الأب فقيل زهرة ابن كلاب بن مرة أخو قصي و أم زهرة و قصي فاطمة بنت سعد من أزد السراة فأما الأجداد فقد عرفتهم في نسبة الآباء.

ذكر عمومة النبي كان لعبد المطلب عشرة ذكور لصلبه و ستة إناث أما الذكور فعبد الله و الحارث و الزبير و ضرار و المقوم و حمزة و العباس و أبو طالب و اسمه عبد مناف و حجل و اسمه الغيداق و أبو لهب و اسمه عبد العزى و عاتكة و صفية و أميمة و برة و أروى و أم حكيم و هي البيضاء و لم يسلم من أعمامه غير حمزة و العباس و لا من عماته غير صفية و يقال أيضاً أروى أسلمت و الشيعة أيضاً أن أبا طالب أسلم و عبد الله أبا النبي أسلم و يزعم بعضهم أنه لم يكن في نسبه أحد كافر إلى آدم عليه السلام و كان هؤلاء لأمهات شتى ليس من عزمنا أن نذكرهن في هذا الموضع.
ذكر بني أعمامه لم يكن لعبد الله غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد و لم يعقب الغيداق و لا ضرار و لا المقوم و لا حمزة و كان لحمزة ابن يقال له عمارة و به يكنى أبا عمارة و بنت يقال لها بنت أبيها فلم يعقبوا فأما أبو لهب فولد عتبة و عتيبة و معاتباً و بنات أمهم أم جميل بنت حرب بن أمية عمة معاوية بن أبي سفيان و نوفلاً و المغيرة و ربيعة و عبد شمس و أروى أعقبوا و أسلموا و أما الزبير بن عبد المطلب فكان شاعراً ولد عبد الله بن الزبير فأسلم و لم يعقب و كانت للزبير بنات منهن ضباعة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود و أم حكيم بنت الزبير و أما أبو طالب فولد علياً عليه السلام و عقيلاً و جعفراً و أم هانئ و أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و أسلموا كلهم و أعقبوا غير طالب بن أبي طالب و أما العباس بن عبد المطلب فولد اثني عشر نفراً عبد الله و عبيد الله و الحارث و أمية و عبد الرحمن معبداً و قثم والفضل و ثماماً و كثيراً و صفية و أم حبيب أسلموا و أعقبوا إلا الفضل فإنه لم يعقب و سنذكر أخبارهم في موضعها.
ذكر عماته أما برة بنت عبد المطلب فكانت عند عبد الأسد رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم و أما صفية بنت عبد المطلب فكانت عند العوام بن خويلد بن عبد العزى فولدت له الزبير بن العوام و أما أميمة بنت عبد المطلب فكانت عند جحش ابن رياب الأسدي فولدت له زينب بنت جحش و حمنة بنت جحش و عبد الله بن جحش.
ذكر أظاره يقال أن أول من أرضعته قبل حليمة بنت أبي ذويب امرأة بمكة من أهلها يقال لها ثويبة أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبا سلمة و أبا سلمة بن عبد الأسد هما رضيعاه ثم استرضع من حليمة بنت أبي ذويب واسم أبي ذويب عبد الله بن الحارث من بني بكر بن هوازن و اسم زوج حليمة الحارث بن عبد العزى من بني سعد و إخوة رسول الله من الرضاعة عبد الله بن الحارث و أنيسة بنت الحارث و جذامة بنت الحارث و لقبها الشيماء و كانت حليمة أرضعت أبا سفيان بن حرب فكان أخاه من الرضاعة و أسلم عام الفتح و كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاة أم أسامة بن زيد وأسلمت حليمة و أولادها و زوجها.

ذكر زوجاته اختلفوا في عددهن فأكثر ما قالوا سبع عشر امرأة سوى السراري أولاهن خديجة بنت خويلد ثم سودة بنت زمعة ثم عائشة بنت أبي بكر ثم حفصة بنت عمر ثم زينب بنت خزيمة ثم زينب بنت جحش ثم أم حبيبة ثم صفية بنت حيي بن أخطب ثم جويرية بنت الحارث بن ضرار وتزوج عمرة بنت زيد الكلابية وكانت قبله تحت الفضل بن عباس قال بن إسحق كانت حديثة العهد بالكفر فلما قدمت على رسول الله استعاذت منه فقال معاذ منيع فطلقها قبل أن يدخل بها أن رسول الله دعاها فقالت أنى نؤتى ولا نأتي فردها وقال قوم بل هي أميمة بنت النعمان بن شراحيل فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال هبي لي نفسك قالت و هل تهب الملكة نفسها للسوقة فقال الحقي بأهلك و يقال بل هي مليكة الليثية والله أعلم وتزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها يقال رأى لمعة من برص و تزوج فاطمة بنت الضحاك فطلقها قبل الدخول وتزوج امرأة من بني بكر يقال لها عمارة وصفها له أبوها ثم قال و أزيدك أنها لم تمرض قط فقال ما لها عند الله من خلاق وطلقها ومن سراريه مارية القبطية وريحانة القرظية و لم يمت من نسائه قبله إلا اثنتان خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع عائشة و حفصة و أم سلمة و أم حبيبة و صفية و جويرية و سودة و ميمونة و زينب بنت جحش، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وأمها فاطمة بنت زايدة من عامر بن لوى وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة أربعين سنة ورسول الله ابن خمس وعشرين سنة وكانت قبله تحت عتيق بن عبد الله ويقال ابن عائذ وولدت له جارية ثم خلفه عليها أبو هالة هند بن زرارة فولدت له هند بن هند رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وأما ابن إسحق فإنه يقول اسم أبي هالة النباش بن زرارة قال وولدت له رجلا وامرأة وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم بن مارية ومكثت عند النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت و كانت وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فآزرته بنفسها وأعانته بمالها و ظاهرته بعشرتها و كان لها جسم و جمال و شرف و عقل و قد قيل أنها أول من أسلم و صلى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحق حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب قال عبد الملك بن هشام القصب اللؤلؤ المجوف قال ابن هشام حدثني من لا أتهمه أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرأ خديجة السلام من ربها فقالت الله السلام ومنه السلام ثم توفيت رضي الله عنها بعد خروجهم من الشعب بعد وفات أبي طالب بثلاثة أيام وقبل الهجرة بثلاث سنين فتزوج بعدها سودة بنت زمعة و دفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم و لم يصل عليها لأنه لم يكن سنة الموتى الصلاة عليهم، سودة كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السكران بن عمرو من بني عامر بن لوي أخي سهيل بن عمرو صاحب صلح المشركين و كان السكران قد أسلم و هاجر بسودة إلى الحبشة فمات بها فخلفها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائشة تزوجها بمكة قبل الهجرة بسنة و هي ابنة سبع سنين و بنى بها بالمدينة و دخل بها بعد البناء بسنة و مات عنها و هي ابنة ثماني عشرة سنة و كانت بيضاء مشربة حمرة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الحميراء و يكنيها أم عبد الله و لم يتزوج غيرها بكراً و كانت برزة من النساء جلدة لبيبة فصيحة راوية للشعر حافظة للأخبار و لها أحاديث نذكرها في قصة الجمل و أمها أم رومان و عبد الرحمن بن أبي بكر منها توفيت عائشة في زمن معاوية و قد قاربت السبعين فقال لها ألا ندفنك في بيتك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا لأني قد أحدثت بعده و روي أنها بكت على ما كان منها حتى كف بصرها، حفصة كانت قبل النبي تحت حبيش بن عبد الله بن حذافة السهمي و هي التي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلها فأنزل الله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك السورة و توفيت في زمن عثمان، زينب بنت خزيمة بن صعصعة و يقال لها أم المساكين لرحمتها و رقتها لهم وكانت

تحت عبيدة بن الحارث ويقال كانت تحت الحصين بن الحارث و ماتت قبله، زينب بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب فهي ابنة عمة رسول الله و كانت تحت زيد بن حارثة فطلقها و تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصتها في سورة الأحزاب و كانت امرأة جسيمة و هي أول من لحق بالنبي من أزواجه بعده و أول من حملت في النعش و كانت خليقة فقال عمر نعم خبء الظعينة و صارت سنة و ذكروا أن عمر بعث إليها بعطائها مائة ألف ففرقته في الساعة ثم رفعت يديها و قالت اللهم لا تدركني عطاء لعمر بعد هذا فلم يدركها. أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب و من ها هنا يقال أن معاوية خال المؤمنين و كانت تحت عبيد الله بن جحش أخي زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان هاجر بها إلى الحبشة فتنصر عبيد الله بن جحش ثم مات بها و هو الذي كان يقول فقحنا و صأصأتم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجها منه النجاشي فأصدقها عن النبي صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار و توفيت في أيام معاوية و قد قال بعض المفسرين في قوله عز وجل عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة أنها كانت حبيبته والله أعلكم وكان قدومها مع قدوم جعفر بن أبي طالب، أم سلمة بنت المخزومي اسمها هند كانت تحت أبي سلمة ابن عبد الأسد وولدت له عمرو بن أبي سلمة وزينب بنت أبي سلمة وتوفيت في أيام معاوية قال ابن إسحق تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصدقها فراشاً حشوه ليف و قدحاً و صحفة و محشة، ميمونة بنت الحارث من بني عامر بن صعصعة أخت أم الفضل بنت الحارث كانت تحت العباس بن عبد المطلب أم عبد الله بن العباس تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء و أولم عليها بحيس و بنى بها بسرف و هو على عشرة أميال من مكة و ماتت بسرف و هي معتمرة في ولاية عثمان بن عفان رضي الله عنه و كانت قبله تحت أبي إبراهيم بن قيس و يقال أبي سترة بن أدهم بن قيس.تحت عبيدة بن الحارث ويقال كانت تحت الحصين بن الحارث و ماتت قبله، زينب بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب فهي ابنة عمة رسول الله و كانت تحت زيد بن حارثة فطلقها و تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصتها في سورة الأحزاب و كانت امرأة جسيمة و هي أول من لحق بالنبي من أزواجه بعده و أول من حملت في النعش و كانت خليقة فقال عمر نعم خبء الظعينة و صارت سنة و ذكروا أن عمر بعث إليها بعطائها مائة ألف ففرقته في الساعة ثم رفعت يديها و قالت اللهم لا تدركني عطاء لعمر بعد هذا فلم يدركها. أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب و من ها هنا يقال أن معاوية خال المؤمنين و كانت تحت عبيد الله بن جحش أخي زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان هاجر بها إلى الحبشة فتنصر عبيد الله بن جحش ثم مات بها و هو الذي كان يقول فقحنا و صأصأتم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجها منه النجاشي فأصدقها عن النبي صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار و توفيت في أيام معاوية و قد قال بعض المفسرين في قوله عز وجل عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة أنها كانت حبيبته والله أعلكم وكان قدومها مع قدوم جعفر بن أبي طالب، أم سلمة بنت المخزومي اسمها هند كانت تحت أبي سلمة ابن عبد الأسد وولدت له عمرو بن أبي سلمة وزينب بنت أبي سلمة وتوفيت في أيام معاوية قال ابن إسحق تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصدقها فراشاً حشوه ليف و قدحاً و صحفة و محشة، ميمونة بنت الحارث من بني عامر بن صعصعة أخت أم الفضل بنت الحارث كانت تحت العباس بن عبد المطلب أم عبد الله بن العباس تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء و أولم عليها بحيس و بنى بها بسرف و هو على عشرة أميال من مكة و ماتت بسرف و هي معتمرة في ولاية عثمان بن عفان رضي الله عنه و كانت قبله تحت أبي إبراهيم بن قيس و يقال أبي سترة بن أدهم بن قيس.

صفية بنت حيي بن أخطب النضرية كانت تحت كنانة بن أبي الربيع فلما افتتح خيبر أتي بكنانة و قيل أن عنده كنز بني النضير فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير بن العوام و قال عذبة حتى نستأصل ما عنده فجعل الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على الموت ثم ضرب عنقه و أتي بامرأته صفية و بعينها أثر لطمة فقال رسول الله عليه السلام ما هذه قالت رأيت في المنام كان القمر من السماء وقع في حجري فقصصتها على كنانة فقال يمسي ملك الحجاز محمد فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم و جعل عتقها صداقها و توفيت في أيام عثمان بن عفان و كانت أعطيت من الجمال حظاً جسيماً، جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق سبيت فيمن سبيت في غزاة بني المصطلق فوقعت جويرية في قسم ثابت بن زيد شماس الأنصاري فكاتبته على نفسها و كانت امرأة حلوة الملاحة لا يراها أحد إلا أخذته بجامع قلبه فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في قضاء كتابتها فقال هل لك في خير من ذلك قالت و ما هو قال أقضي عنك كتابتك و أتزوجك قالت نعم ففعل و خرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقالوا أصهار رسول الله فأرسلوا كل ما بأيديهم من سبي بني المصطلق فلم يكن امرأة أعظم منها على قومها و لا أدري تحت من كانت قبله و توفيت في أيام معاوية و اختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي قال ابن إسحق هي ميمونة بنت الحارث فلما انتهت إليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم و هي على بعير فقالت للبعير و ما عليه لرسول الله و يقال خولة بنت حكيم و يقال بل كانت زينب بنت جحش و كانت تقول أنا زوجنيه الله بعد زيد و يقال أم شريك بنت جابر و روى شعبة عن الحكم عن مجاهد في قوله و امرأة مؤمنة أن و هبت نفسها للنبي قال ما تهب.

ذكر أولاد رسول الله كانوا سبعة و يقال ثمانية و كلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية و روى سعيد بن أبي عروة عن قتادة قال ولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف في الجاهلية و ولدت له في الإسلام غلامين و أربع بنات القاسم و به كان يكنى أبا القاسم فعاش حتى مشى ثم مات و عبد الله مات صغيراً و أم كلثوم و زينب و رقية و فاطمة و روى أبان عن مجاهد قال مكث القاسم سبع ليالٍ و مات و في كتاب ابن إسحق أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر و أكبر بناته رقية و زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة قال فأما أبناؤه فهلكوا في الجاهلية و أما بناته فأدركن الإسلام و هاجرن قال الواقدي لم أر أصحابنا يثبتون الطيب و يزعمون أن الطيب هو الطاهر و مات القاسم و الطاهر قبل النبوة و قال قوم بل سمي الطيب الطاهر لأنه ولد في الإسلام و الله أعلم و أما إبراهيم بن رسول الله فأمه مارية القبطية و كان المقوقس ملك الاسكندرية بعث بها مع أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت الشاعر عوضاً من الضربة التي ضربه صفوان بن المعطل في شأن الإفك فولدت له عبد الرحمن بن حسان فهو ابن خالة إبراهيم و توفي و هو ابن سنة و عشرة أشهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن له مرضعة تتم رضاعه في الجنة و أنه من عصافير الجنة و كسفت الشمس في ذلك اليوم فقالت الناس إنما كسفت لموت إبراهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته فإذا رأيتم فافزعوا إلى الصلاة و دفنه عند عثمان بن مظعون و قال العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول ما يسخط الله و ماتت مارية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان زوجها عتبة بن أبي لهب و زوج أم كلثوم عتيبة ابن أبي لهب فمشى إليهما قريش و قالوا طلقاها و نزوجكما من شئتما من أشراف قريش فطلقاها فزوج رسول الله رقية عثمان بن عفان و هاجرت معه في الهجرتين إلى الحبشة و أسقطت في الهجرة الأولى علقة في السفينة فهذا يدل أنها كانت ولدت في الجاهلية ثم ولدت لعثمان عبد الله بن عثمان و بلغ ست سنين فنقره ديك في عينه فطمر وجهه فمات و ماتت رقية بنت رسول الله سنة ثلاث من الهجرة بالمدينة فزوج النبي عثمان أم كلثوم فمكثت عنده خمس سنين و توفيت سنة ثمان من الهجرة فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها أبا عمر وبهما يكنى ذا النورين، زينب بنت الرسول كان زوجها أبا العاص القاسم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس و أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها فكان أبو العاص ابن خالة زينب و هي ابنة خالته و لما طلق عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب رقية و أم كلثوم قالت قريش لأبي العاص طلق زينب بنت محمد و نزوجك ابنة سعيد بن العاص فقال لا أفارق صاحبتي و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على صهره خيراً فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم و بعث أبا رافع وزيد بن حارثة يحمل أهله و بناته حبس أبو العاص زينب عن الخروج إلى أبيها ثم أسر أبو العاص يوم بدر فبعثت زينب بمال في فدائه فيه قلادة لخديجة كانت حلتها ليلة أدخلت على أبي العاص فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة تذكر ما مضى ورق لها رقة شديدة وعلم أنه كان بيدها فضل ما بعثت بالقلادة فقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها هذه القلادة فأطلقوا عنه بغير فداءٍ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسرح ابنته إليه فلما قدم مكة قال الحقي بأبيك فتجهزت و خرجت إلى المدينة ثم إن أبا العاص خرج في تجارة له في الشام فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا ما معه و أعجزهم هاربا بنفسه حتى دخل المدينة تحت الليل و أتى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم و كبر لصلاة الفجر صفقت زينب و صرخت من صف النساء و قالت أيها الناس إني أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم يا رسول الله قال أما و الذي نفسي بيده ما علمت أنه يجير على المسلمين أدناهم ثم دخل على ابنته و قال أكرمي مثواه و لا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له و بعث إلى السرية

فردوا ما أخذوا من ماله حتى الشنة و الشظاظ فاحتمله إلى مكة و أدى إلى كل ذي حق حقه ثم نادى يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي شيء قالوا جزاك الله خيراً فقد وجدناك مليا وفيا قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ثم خرج إلى المدينة و كانت ولدت زينب غلاما اسمه علي بن العاص و بنتاً اسمها أمامة و كان علي مسترضعا في بني غاضرة فافتصله رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبوه يومئذٍ مشرك و قال و ما شاركني في ابني فأنا أحق به منه و أما أمامة فهي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي و أمامه على عاتقه فإذا سجد وضعها و إذا قام رفعها و توفيت زينب سنة عشرة من الهجرة فكانت أمامة في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأوصى إلى المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن يزوجها و قال إني أخاف أن يتزوجها معاوية فتزوجها المغيرة و كان قاضي المدينة في زمن عثمان فولدت له يحيى بن المغيرة و لم يعقب، فاطمة هي أصغر بناته زوجها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقدمه المدينة بسنة و أصدقها ثمن درع له أربع مائة درهم و بنى بها بعد النكاح بسنة فولدت له الحسن سنة ثلاث من الهجرة و علقت بالحسين و كان بين العلوق و الوضع خمسون يوما و ولدت محسناً و هو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر و كثير من أهل الآثار لا يعرفون محسناً و ولدت أم كلثوم الكبرى و زينب الكبرى فكان جميع ما ولدت فاطمة خمسة نفر و توفيت فاطمة بعد النبي بمائة يومٍ و يقال بثلاثة أشهر و لم يبايع علي أبا بكر ما لم يدفن فاطمة و ذكر ابن دأب أنها ماتت عاتبة على أبي بكر وعمر والله أعلم و كانت أحب البنات إلى رسول الله و ألطفهن به و لم يتزوج علي عليها حتى ماتت رضوان الله عليهم أجمعين. ما أخذوا من ماله حتى الشنة و الشظاظ فاحتمله إلى مكة و أدى إلى كل ذي حق حقه ثم نادى يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي شيء قالوا جزاك الله خيراً فقد وجدناك مليا وفيا قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ثم خرج إلى المدينة و كانت ولدت زينب غلاما اسمه علي بن العاص و بنتاً اسمها أمامة و كان علي مسترضعا في بني غاضرة فافتصله رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبوه يومئذٍ مشرك و قال و ما شاركني في ابني فأنا أحق به منه و أما أمامة فهي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي و أمامه على عاتقه فإذا سجد وضعها و إذا قام رفعها و توفيت زينب سنة عشرة من الهجرة فكانت أمامة في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأوصى إلى المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن يزوجها و قال إني أخاف أن يتزوجها معاوية فتزوجها المغيرة و كان قاضي المدينة في زمن عثمان فولدت له يحيى بن المغيرة و لم يعقب، فاطمة هي أصغر بناته زوجها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقدمه المدينة بسنة و أصدقها ثمن درع له أربع مائة درهم و بنى بها بعد النكاح بسنة فولدت له الحسن سنة ثلاث من الهجرة و علقت بالحسين و كان بين العلوق و الوضع خمسون يوما و ولدت محسناً و هو الذي تزعم الشيعة أنها أسقطته من ضربة عمر و كثير من أهل الآثار لا يعرفون محسناً و ولدت أم كلثوم الكبرى و زينب الكبرى فكان جميع ما ولدت فاطمة خمسة نفر و توفيت فاطمة بعد النبي بمائة يومٍ و يقال بثلاثة أشهر و لم يبايع علي أبا بكر ما لم يدفن فاطمة و ذكر ابن دأب أنها ماتت عاتبة على أبي بكر وعمر والله أعلم و كانت أحب البنات إلى رسول الله و ألطفهن به و لم يتزوج علي عليها حتى ماتت رضوان الله عليهم أجمعين.
حفدة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عثمان و علي بن أبي العاص و أمامة بنت أبي العاص و الحسن و الحسين و محسن و أم كلثوم و زينب ثمانية نفر.

ذكر مماليكه وعبيده زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي و أبو رافع و اسمه سالم و سفينة و يسار و أبو مويهبة و ثوبان وشقران و أبو كبشة و أبو ضمرة و وهبة وفضالة و مدعم و انجشة و من الإماء ريحانة القرظية و مارية القبطية و صفية و أم أيمن و يقال ورثها من أبيه وكذلك يقال في شقران و أما أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة طبيب العرب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف قال أيما عبد نزل فهو حر فتدلى أبو بكرة وأمه سمية أم زياد بن أبي سفيان و مات أبو بكرة عن أربعين ولداً من بين ذكر و أنثى فغير معاوية ولاءه وجعله في ثقيف إلى أن رده المهدي إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد نسب زياد بن عبيد من نسبهم إلى أبي سفيان إلى أبيهم عبيد و كتب به كتاباً إلى عمال النواحي و الأطراف حتى قرئت على المنابر و شاع ذلك في الناس، زيد بن حارثة قال بعض الرواة أن خديجة ابتاعته من سوق عكاظ بأربع مائة درهم و وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه و تبناه و كان يقال له زيد بن محمد حتى نزل ادعوهم لآبائهم الآية و زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته فولدت له أسامة بن زيد و لأسامة ابنان يروى عنهما محمد بن أسامة و الحسن بن أسامة و روى ابن إسحق أن أخ لخديجة قدم من الشام برقيق فوهب لخديجة زيداً و كان ظريفاً لبقاً فاستوهبه منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبته له فأعتقه و تبناه و كان حارثة أبوه قد جزع جزعاً شديداً فجاءه في طلبه وهو يقول
بكيت على زيد و لم ادر ما فعل ... أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإني لسائل ... أغالك عني السهل أم غالك الجبل
ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة ... فحسبي من الدنيا رجوعك إن بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... و يعرض ذكراه إذا غربها أفل
سأعمل نص العيس ما عشت جاهداً ... و لا أسأم التطواف أو يسأم الجمل
حياتي أو يقضى على منيتي ... فكل امرءٍ فانٍ و إن غره الأمل

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت فأقم عندنا وإن شئت فانطلق مع أبيك فقال أقيم عندك فلم يزل عنده إلى أن قتل بمؤتة رحمه الله، أبو رافع يقال أن العباس كان وهبه النبي صلى الله عليه وسلم فلما بشره بإسلام العباس أعتقه و زوجه مولاةً له اسمها سلمى فولدت له عبد الله وعبيد الله فأما عبد الله فكان من أشراف المدينة و أما عبيد الله فكان كاتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه و أرضاه،سفينة يقال اسمه مهران و يقال له رباح و سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لأنهم كانوا في سفر فكان من أعيى و كل ألقى عليه بعض متاعه و يقال بل عبر بهم نهراً و هو الذي روى الخلافة بعدى ثلاثون ثم يكون الملك، شقران يقال ورثه من أبيه و يقال ابتاعه من عبد الرحمن بن عوف و أعتقه و هو الذي روى أنا الذي طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر و اسمه صالح ثوبان يكنى أبا عبد و هو الذي روى في مسجد دمشق أنا الذي صببت الماء على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم و أعطيته قدحاً فأفطر و مات بحمص و له بها دار صدقة، يسار كان نوبياً وهو الذي قتله العرنيون حين أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعوا رجليه و يديه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه أبو كبشة اسمه سليم توفي أول يوم استخلف فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصلى عليه و دفن، مدعم و هو الذي غل قطيفة من غنائم خيبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما استشهد إن الثملة التي غلها يوم خيبر تحترق عليه في النار، أبو ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو مما أفاء الله عليه و كتب له كتاباً في الانتماء فهو في أيدي ولده إلى اليوم، أبو مويهبة هو الذي خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فاستغفر لهم فرجع ليلة ابتداء شكواه، وهبة و فضالة مما أفاء الله عليه، انجشة هو الذي كان يحدو بالظعن فقال له رويدا يا انجشة، و يقال سلمان من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم و لذلك قال سلمان منا أهل البيت وأنس بن مالك خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين،ذكر دوابة و دوابة حفظ له ستة أرؤسٍ من الخيل السكب و لزاز و الظرب و الورد و اللحيف و المرتجز وهو الذي ابتاعه من الأعرابي ثم ساومه بأكثر من ذلك فأنكر الأعرابي أن يكون باعه رسول الله حتى شهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتشهد على ما لم تره فقال بلى أشهد على الوحي و لا أراه فأقام شهادته مقام شهادتين و كانت له بغلة يقال لها دلدل بعثها المقوقس ملك الإسكندرية مع مارية و بقيت إلى زمن معاوية و حمار يقال له يعفور و كان له من النوق العضباء و الجدعاء و القصواء و كانت لقاحه التي أغارت عليها عيينة بن حصن عشرين لقحةً و كان اسم سيفه ذا الفقار و اسم درعه الفاضلة و اسم عمامته السحاب و له من الضياع و قرى عريبة و فدك و النضير و كثير من خيبر و حمل إليه العلاء بن الحضرمي من مال البحرين مائة و ثمانين ألفاً و كان نفقته في تسع بيوت دارة.
ذكر معجزاته أعلم أن هذا الباب يستعظمه أهل الشك و الإلحاد لما فيه من مخالفة الطبع و الخروج عن العادة و قد جرى في الرد على منكري الرسل و الرسالة و إيجاب النبوة ما يغني عن الإعادة لأن سبيل نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك سبيل سائر النبيين عليه السلام غير أن في هذه الأخبار ما يتواتر به الرواية و منها ما ينفرد به راوٍ واحد و ينقطع عن الاتصال بالسند و منها ما ينطق به القرآن أو يدل عليه أثر و تشهد به كتب الله سبحانه المنزلة و قد صنف المسلمون في هذا كتبا كثيرة جمة أهل الأثر بالأثر و الأخبار و أهل النظر بالشواهد و الدلائل و لو قلت أنها تستغرق فصول هذا الكتاب أو توازيها لما اشتططت فأردت أن أضمن هذا الفصل منها قدراً لئلا يخلو الكتاب من ذكرها، روي أن النبي سئل متى كنت نبياً قال كنت نبيا و آدم بين الماء والطين و روي أنه قال و آدم في طينته و قد قال العباس في مدحه
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودعٍ حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة و لا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق

تنقل من صالبٍ إلى رحم ... إذا انقضى عالم بدا طبق
و أنت لما ولدت أشرقت ... الأرض و ضاءت بنورك الأفق
و روى بعض الرواة أن آدم لما وقع الخطية لقي في الكلمات التي تلقاها من ربه اللهم بحق محمد إلا غفرت لي و يذكره بعض الشعراء في شعره يمدح أهل البيت
قد فاز آدم إذ كنتم وسيلته ... وكان من ذنبه مستشعراً فرقا
يقول الله عز و جل النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل الآية و قوله تعالى و مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد و قال تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم و قال تعالى قل فأتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين و هذا مما لا يخالج عاقلاً فيه شك و لا تعترضه شبهة في أنه غير جائز للخصم المخالف أن يستشهد على خصمه بما في كتابه وينتصر بالتسمية عليه من غير أصلٍ ثابتٍ عنده أو مرجوع واضح لديه و هل الاستشهاد على هذا إلا بمنزلة الاستشهاد على المحسوس الذي لا يكاد يقع الاختلاف فيه فكفى بما تلونا من الآيات دلالة على صدق ما ادعينا و إن لم نأت بلفظها من التورية بالعبرانية ولا من الإنجيل بالسريانية و لو كان النبي مبطلاً في دعواه لما امتنع القوم من معارضته بالتكذيب في وجهه و قطع مادته و قد خرج العلماء علاماته و دلائله من التورية و الإنجيل و سائر كتب الله المنزلة.
ذكره صلى الله عليه وسلم في التوراة قرأت في نسخة أبي عبد الله المازني يا داود قل لسليمان من بعدك أن الأرض لي أورثها محمداً و أمته ليست صلاتهم بالطنابير ولا يقدسوني بالأوتار و مصداق ذلك في القرآن و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون و فيه أن الله عز و جل يظهر من صهيون إكليلا محموداً قالوا فالإكليل مثل الرياسة و الإمامة و المحمود محمد صلى الله عليه وسلم.

ذكره في الإنجيل في غير موضع قال المسيح عليه السلام للحواريين أنا أذهب و سيأتيكم الفارقليطا روح الحق الذي لا يتكلم من تلقاء نفسه و هو يشهد لي بما شهدت له و ما جئتكم به سراً يأتيكم به جهراً و قال أن الفارقليطا روح الحق الذي أرسله أبي باسمي هو الذي يعلمكم كل شيء و قال الفارقليطا لا يحكم ما لم أذهب و قال ابن إسحق في الإنجيل ما أثبت يحنس الحواري حيث يسبح لهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم لابد أن يتم الكلمة التي في الناموس فلو قد جاء ابنحمنا بالسريانية محمداً و بالرومية البرقليطس و زعم العتبي أن محمداً بالسريانية مشفح و الله أعلم و في التوراة من ذكره و ذكر أمته شيء قليل يقول الله عز و جل في السفر الأول في مخاطبة إبراهيم عليه السلام حيث دعا لإسحق و إسماعيل و قد أثبتت هذا الحرف بخط العبراني و لفظه و بينت و وجوهه و معانيه و حروفه لأني رأيت كثيراً من أهل الكتاب يسرعون إلى تكذيب هذا الفصل بعد إطباقهم على مخالفة التأويل تقليداً منهم لأوائلهم و ذلك أن بخت نصر لما خرب بيت المقدس و أحرق التورية و ساق بني إسرائيل إلى أرض بابل ذهبت التورية من أيديهم حتى جددها لهم عزير فيما يحكون و المحفوظ عن أهل المعرفة بالتواريخ و القصص أن عزيراً أملى التورية في آخر عمره و لم يلبث بعدها أن مات و دفعها إلى تلميذ من تلامذته و أمره بأن يقرأها على الناس بعد وفاته فعن ذلك التلميذ أخذوها و دونوها و زعموا أن التلميذ هو الذي أفسدها و زاد فيها و حرفها فمن ثم وقع التحريف و الفساد في الكتاب و بدلت ألفاظ التورية لأنها من تأليف إنسان بعد موسى لأنه يخبر فيها عما كان من أمر موسى عليه السلام و كيف كان موته و وصيته إلى يوشع بن نون و حزن بني إسرائيل و بكاؤهم عليه و غير ذلك مما لا يشكل على عاقل أنه ليس من كلام الله عز و جل و لا من كلام موسى و في أيدي السامرة توراة مخالفة للتورية التي في أيدي سائر اليهود في التواريخ و الأعياد و ذكر الأنبياء و عند النصارى تورية منسوبة إلى اليونانية فيها زيادة في تواريخ السنين على التورية العبرانية ألف و أربع مائة سنة و نيف و هذا كله يدل على تحريفهم و تبديلهم إذ ليس يجوز وجود التضاد فيها من عند الله فكيف يحتجون بالنقل و هذا سبيل نقلهم و إنما بينت لك لئلا يفشلك قولهم ليس لمحمد في التورية ذكر و هذا موضع ذكره بالعبرية ثم نعجم تحتها بحروف العبرية ثم نعبر عنها بلفظها ألفاظ العبرية مؤداة بحروف العربية يقول الله تعالى لإبراهيم سمعت دعاك في إسماعيل هاه باركت يقول الله عز و جل و كثرت عدده و أنميته جداً جداً حتى لا تعد كثرته يقول الله عز و جل اثنا عشر ملكاً يولده و أظهره لأمة عظيمة، و هذا الفصل في تخريجات أصل الإسلام بلفظ العربية يقول الله عز و جل و قد أحببت دعاك في إسماعيل و باركت عليه و باركته و عظمته جداً جداً و سيلد إثنى عشر شريفاً و أجعله لأمة عظيمة، يقول الله عز و جل من يمانيه إنس لهم نار مشرقة و ساعير جبال فلسطين وهو من حد الروم وفاران جبال مكة بدلالة التورية أن إبراهيم أسكن هاجر و إسماعيل فاران و هذا الفصل في تخريجات أهل الإسلام بلفظ العربية جاء من سيناء و أشرق من ساعير و استعلن من جبال فاران قالوا و معنى مجيه من سيناء إنزاله التورية على موسى و إشراقة من ساعير إنزاله الإنجيل و استعلانه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وكم في التورية والإنجيل من الدلائل عليه و على أصحابه و على مها جرتهم و بواديهم حتى ذكروا أصواتهم و قرآنهم و هيآتهم في صلاتهم و قتالهم و لكن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نورٍ و اعلم أن حروفهم حروف أعجمية لا يمكن اللفظ بها إلا بعد تحويلها إلى العربية كالحرف الذي بين القاف والكاف و الحرف الذي بين الباء و الفاء ثم يقع في قراءتهم المد و الإمالة ما يسمع السامع واواً أو ياءً و لا صورة له في الخط و لابد أن في كتابتنا و قراءتنا مقصراً عمن يهمز كما يقع التقصير في لغتنا و المراعى من ذلك المعنى لا غير، و روى الواقدي بينا كسرى في بيته الذي يخلو فيه إذ وقف عليه شيخ أعرابي قد حنى ظهره و في يده عصا فقال يا كسرى إن الله عز و جل قد بعث رسولاً فأسلم تسلم و إن لم تسلم كسرت هذه العصا فذهب ملكك فقال أخر عني هذا إتراء ثم خرج فأرسل

إلى الحجاب و البوابين فقطع بعضهم و قتل بعضهم و قال يدخل علي العرب بغير إذنكم فنظر فإذا ذاك اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أوحى الله إليه ثم قال ثم جاءه في العام القابل إن أسلمت و إلا كسرت العصا فلم يسلم فكسر العصا و ذهب ملكه و دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق إلى الله عز و جل وتلقاه ورقة بن نوفل في بعض طرق مكة فقال يا محمد إنه لم يبعث نبي قط إلا كانت له علامة فما علامة نبوتك قال عليه السلام لشجرة يا شجرة تعالى فأقبلت تخذى في الوادي خذياناً حتى وقفت بين يديه فقال ورقة إنك لرسول الله و روى ابن إسحق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت إن أول ما ابتدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ثم حببت إليه الخلوة فكان يتحنث بحراء ثم أتاه الملك و في كتاب الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه الوحي أقبل منصرفاً إلى منزله فلم يمر بحجر و لا شجر إلا و كان وهبان السلمي يرعى في غنم له إذ هجم عليه ذئب فأخذ شاةً فشد عليه وهبان فاستنقذها منه فنحى الذئب و أقعى على ذنبه قال ويحك تأخذ مني رزقاً ساقه الله تعالى إلي فقال وهبان ما رأيت كاليوم ذئباً يخاطبني و الله إن كنا لنسمع أن هذا من أشراط الساعة فقال الذئب و أعجب مني أن رسول الله بين هؤلاء النخلات و هو يومئ إلى المدينة و يدعو الناس إلى عبادة الله و هم يلوون فأقبل وهبان حتى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم و أسلم و أخبره بما رأى فقال إذا صلى الناس فحدثهم بذلك فأقبل وهبان بعد الصلاة فحدث الناس بما رأى فقال رجل من المنافقين كذبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق في أن آيات الساعة تكون قبل الساعة و الذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله و يخبره علاقة سوطه بما أحدث أهله بعده و ما من أعجوبة مضت إلا و سيكون في أمتي مثلها و قد قال بعض أهل التفسير أن في كلام الذئب نزلت هذه الآية هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها و بنو وهبان يسمون بني مكلم الذئب إلى اليوم و هو أمر مشهور و روى أن ظبية كلمته و كذلك الناضح و شاة القصاب و أنشدت قصيدة منسوبة إلى قطرب النحوي يذكر فيها عدة معجزات و يقول فيها الحجاب و البوابين فقطع بعضهم و قتل بعضهم و قال يدخل علي العرب بغير إذنكم فنظر فإذا ذاك اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أوحى الله إليه ثم قال ثم جاءه في العام القابل إن أسلمت و إلا كسرت العصا فلم يسلم فكسر العصا و ذهب ملكه و دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق إلى الله عز و جل وتلقاه ورقة بن نوفل في بعض طرق مكة فقال يا محمد إنه لم يبعث نبي قط إلا كانت له علامة فما علامة نبوتك قال عليه السلام لشجرة يا شجرة تعالى فأقبلت تخذى في الوادي خذياناً حتى وقفت بين يديه فقال ورقة إنك لرسول الله و روى ابن إسحق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت إن أول ما ابتدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ثم حببت إليه الخلوة فكان يتحنث بحراء ثم أتاه الملك و في كتاب الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه الوحي أقبل منصرفاً إلى منزله فلم يمر بحجر و لا شجر إلا و كان وهبان السلمي يرعى في غنم له إذ هجم عليه ذئب فأخذ شاةً فشد عليه وهبان فاستنقذها منه فنحى الذئب و أقعى على ذنبه قال ويحك تأخذ مني رزقاً ساقه الله تعالى إلي فقال وهبان ما رأيت كاليوم ذئباً يخاطبني و الله إن كنا لنسمع أن هذا من أشراط الساعة فقال الذئب و أعجب مني أن رسول الله بين هؤلاء النخلات و هو يومئ إلى المدينة و يدعو الناس إلى عبادة الله و هم يلوون فأقبل وهبان حتى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم و أسلم و أخبره بما رأى فقال إذا صلى الناس فحدثهم بذلك فأقبل وهبان بعد الصلاة فحدث الناس بما رأى فقال رجل من المنافقين كذبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق في أن آيات الساعة تكون قبل الساعة و الذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله و يخبره علاقة سوطه بما أحدث أهله بعده و ما من أعجوبة مضت إلا و سيكون في أمتي مثلها و قد قال بعض أهل التفسير أن في كلام الذئب نزلت هذه الآية هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها و بنو وهبان يسمون بني مكلم الذئب إلى اليوم و هو أمر مشهور و روى أن ظبية كلمته و كذلك الناضح و شاة القصاب و أنشدت قصيدة منسوبة إلى قطرب النحوي يذكر فيها عدة معجزات و يقول فيها

فمنها كلام الذئب للرجل الذي ... رأى الذئب في أغنامه يتردد
عجبت لأخذ الشاة مني رزقتها ... و هذا رسول الله يؤدي و تجحد
فخلى عن الشاة التي كان ضمها ... فأقبل للإسلام يسعى و يحفد
قالوا و مر بغنم لعبد القيس و هم يسمونها في وجوهها فنهاهم و أمرهم بالوسم في الآذان و وسم شاة منها فبقيت تلك السمة في أولادها إلى اليوم و فيها يقول
و شاة لعبد القيس مد بأذنها ... فلاحت سمات منه تبقى و تخلد
كأن على أولادها منه ميسماً ... يدين على أولادها حين تولد
و شاة أم معبد من العجائب و أمرها مشهور شائع و كذلك الشاة المصلية المسمومة التي أهدتها إليه امرأة سلام بن مشكم اليهودية فأخذ منها فلاكها و لم يسغها و قال إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ثم لفظ بها و كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه النبي عليه السلام فالتزمه و قال لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة و فيه يقول
و من ذاك جذع حن شوقاً إلى النبي ... فما زال ساعات يميد و يسند
و قد سمعوا صوتاً من الجذع نفسه ... فيا عجباً ممن يلط و يلحد
و وضع يده صلى الله عليه وسلم في ثردة كانت طعام رجلين فنزلت فيها البركة حتى صدر عنها ثلاث مائة و أكثر و فيها يقول
و منها ثريد كان قوتاً لواحدٍ ... فأشبع منه الخلق و الخلق شهد
ثلثمائة أطعموا منه فاكتفوا ... و ما كان يكفي واحداً يتزهد
و ألووا يوم حفر الخندق بعثت امرأة عبد الله بن رواحة بكف من تمر مع ابنتها إلى زوجها فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فصبها في ثوب له ثم نادى يا أهل الخندق هلموا إلى الغداء فصدروا شباعاً و بقيت بقية صالحة و فيه يقول
و في مزود إحدى و عشرين تمرة ... به جاءت الأخبار تروى و تسند
ثلاثة آلاف قضوا منه شبعهم ... وما تركوا بعد امتلا منه مزود
قالوا و رمى الكفار يوم بدر بكف من تراب و قال شاهت الوجوه فولوا منهزمين و كذلك يوم حنين و فيه يقول
و رميته الكفار بالترب في الوغى ... غداة حنين فابذعروا و بددوا
قالوا و مسح وجه ابن ملجان بيده فصارت في وجهه مسحة ملك و فيه يقول
ووجه ابن ملجان أضاء بكفه ... فأشرق لما مسه يتورد
قالوا و انقطع سيف عكاشة بن محصن في بعض الحروب فأعطاه جريدة نخلٍ فصارت صفيحة يمانيةً فهي عند ولده إلى اليوم و فيه يقول
و أعطى عكاشاً شطر نخلٍ فهزه ... فصار يمانياً له يتوقد
قالوا وفي الخندق ظهرت كدية فأخذ المعول وضربها ثلاث ضرباتٍ رؤى فيها قصور الشام و اليمن و المشرق ففتحها الله عليه و فيه يقول
وفي صخرة يوما علاها بمعول ... أضاءت له الآفاق و الناس حشد
قالوا و لما نزل الحديبية قالوا كيف تنزل و لا ماء فأخرج سهماً من كنانته و غرزه في بئرٍ عاديةٍ فجاشت بالماء و فيه يقول
و من ذاك بئر نازح فار ماؤها ... يجيش رواعاً زائداً يتزيد
و في الشارف الساني أدل دلالة ... و في جمل القصاب للذبح معتد
قالوا و أتاه أعرابي بضب فقال و الله لا أومن بك حتى يؤمن هذا الضب فشهد الضب بأنه رسول الله و فيه يقول
و في الضب إذ قال النبي محمد ... أتشهد لي يا ضب قال سأشهد
و في الغار قد لانت له الصخرة التي ... إليها التجا فيه و هو متوسد
وأظهر من عرج يريد علامة ... على صدقه حتى القيامة يشهد
روى أنه انتهى إلى عرج جبلٍ أخلق لا فج فيه ولا مسلك ففرجه الله له حتى صار طريقاً مهيعاً قالوا وأراد الشأم لبعض حاجاته فاعترض له سيل هاب القوم اقتحامه فتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار طريقاً يبساً وفيه يقول
و قحم في السيل القعاف بعيره ... فصار طريقاً يابساً يتجرد

ذكر إخباره في الغيوب فمن ذلك قوله لعمار بن ياسر يقتلك الفئة الباغية فقتله أهل الشام بصفين و ذكر عمرو بن العاص ذلك لمعاوية فقال ما تزال تأتينا بهنةٍ تضدحض بها في بولك أنحن قتلناه إنما قتله علي حين جاء به و منها قوله لأبي ذرٍ الغفاري و قد تخلف في بعض مراحل تبوك تعيش وحدك و تموت وحدك فكيف بك إذا أخرجت من المدينة لقولك الحق فنفي في أيام عثمان إلى الربذة و مات بها وحده ومنها قوله بعليٍ عليه السلام ألا أخبرك بأشقى الناس قال نعم قال عاقر ثمود و الذي يخضب هذه من هذه و وضع يده على هامته و لحيته فضربه ابن ملجم على رأسه حين قتله و منها قوله كأني أنظر إلى سواري كسرى في يدي سراقة بن مالكٍ و الله لننفقن كنوزه في سبيل الله فلما حمل سعد بن أبي وقاص خزائن كسرى من المدائن إلى المدينة فصبت الأموال في صحن المسجد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه سراقة بن مالك أن يلبس سواري كسرى في يديه تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر الناس إليها و شهدوا بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم و منها ليلة قتل شيرويه أباه أبرويز أن الله قتل كسرى بعد مضي سبع ساعات من هذه الليلة فحسبوا التاريخ فكان كذلك و منها قوله لما ضلت ناقته قال المنافقون أنه يخبر عن السماء و لا يدري أين ناقته فصعد المنبر و حكى قولهم ثم قال إني لا أعلم إلا ما علمني ربي و أنها في وادي كذا قد تعلق زمامها بشجرة فبادر الناس فوجدوها كذلك و منها نعيه للنجاشي إلى أصحابه بالمدينة و هو بالحبشة و قال اخرجوا بنا حتى نصلي على أخينا ثم تتابعت الأخبار بموته في ذلك اليوم و منها ليلة أسري به سألوه عما رأى في طريقه فقال مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما و لهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه فكشفته فرمى القوم بأبصارهم إلى الثنية فما ردوها حتى طلع العير يقدمهم جمل أورق.
في أخوات لهذه مشهورة في الناس يطول الكتاب بذكرها فإن قيل المنجمة و الكهان قد يخبرونا عن الكوائن قيل العادة قد جرت بمعرفة شيءٍ من ذلك بالتكهن و التنجيم من طريق الحساب و دلائله و ذلك عندنا باطل إلا بالاتفاق و البحث و إذا كان كذلك استوى فيه المنجم و غير المنجم و إنما الإعجاز في إصابة من يصيب في جميع ما يخبر به من غير استدلال بالحساب و لا بالنجوم و هكذا سبيل الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين فيما يخبرون به لأنه الوحي السماوي.
ذكر دعواته المستجابة من ذلك دعاؤه على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فنزل فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مبينٍ وألحت عليهم سنوات منكرات حتى أكلوا الكلاب والجيف والقد و العلهز و منها دعاؤه على عتبة بن أبي لهب بعدما طلق ابنته معاداة له و قد نزلت سورة النجم فقال أنا كافر برب النجم فقال النبي عليه السلام اللهم سلط عليه كلباً من كلابك يمزق جلده و يمزع لحمه و يهشم عظمه فلما سمع ذلك أيقن بالهلاك فارتحل من ساعته إلى الشام فراراً من ذلك فلما كان في بعض المنازل أتاه السبع فاختطفه من بين أصحابه و هشم عظمه ومنها دعاؤه لما استسقى و هو على المنبر يوم الجمعة فرفع بيديه فما رجعهما حتى هطلت السماء فأرسلت إلى الجمعة القابلة فسألوه أن يدعو ربه فقد انقطعت السابلة و انهدمت البيوت فقال حوالينا و لا علينا قال أنس فتقور ما فوقنا كأننا في إكليل و كم مثل هذا لا يحصى مما وردت به الأخبار الصادقة من ذلك.

دلائل نبوته من القرآن أولها نفس القرآن و نظمه معجزة له ألا ترى كيف حداهم إلى معارضته و دعاهم إلى مناقضته بقوله فأتوا بعشر سورٍ مثله مفترياتٍ فقال تعالى فأتوا بسورة من مثله ثم قال لأن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون يمثله و لو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً فجعل القرآن له آية باقية و دلالة قائمة يقوم به الحجة على كل من سمع القرآن و عرف اللغة و البيان و هو من المعجزات التي أيد الله بها رسوله و دل بها على صدقه و صحة نبوته و منها قوله آلم غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين فكان كذلك و منا قوله سيهزم الجمع و يولون الدبر فكان كذلك و منها قوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعنى خيبر فكان كذلك فتح الله عليهم الأرض و أعطاهم أموالها و خزائنها و منها قوله عز وجل هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله فكان كذلك ظهر دينه وعلت كلمته على كل دين بالسيف و الحجة و منها قوله عز وجل اقتربت الساعة و انشق القمر و لا يقال هذا لمن لم يشاهده و منها قوله عز و جل و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و منها ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل و قصته من أعجب العجائب و أصدق الأمور المشاهدة شاهد كثير من الخلق ذلك و شهادة الموافق و المخالف بكونه وصحة التأريخ به و بوقته و هذا يرحمك الله باب يعجز كتابنا عن استيفائه ونجتزئ بما ذكرنا عن استقصائه و الله المعين برحمته.
ذكر شرائعه أعلم أن أصول شريعة الإسلام مأخوذة من الكتاب و السنة و هي مشهورة معروفة يغني والسنة عن تعدادها و تكلف القول في تكرارها لأن فقهاء الأمة قد قاموا بتدوينها و اجتهدوا في تأويلها و ناضل كل قوم عن مذهبهم و اعتلوا بصحة عقيدتهم غير أنا لم نستجز إخلاء هذا الكتاب عما يلائمه من ذلك لئلا يكون من طريق العجز ذكر شرائع أهل الأديان و السكوت عن شريعتنا و هي لمن أشرف الشرائع و أعلى المراتب و أعوده على الخلق في التقيد على الحرث و النسل و ابتغاء الزلفى إلى الله فيما فرض و أوجب و أحل و ندب و حتم ثم اعتراض هذه الشرذمة الخسيسة الموسوسة بالباطنية بالطعن على هذه الشرائع والقدح فيها و إيراد إغماد الحقد والضغينة للإسلام و أهله يصرف تأويلها عن الظلم المكشوف و الأمر بالمعروف إلى ما لا تعلق به و لا يوافقه بوجه من الوجوه و سبب من الأسباب.
مطلب ما كان عليه الصلاة و السلام يتعبد ربه قبل الوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي يقوم بحراء و يعظم الباري سبحانه و يمجده و يسبحه من غير كفر بالله و لا إشراك شيءٍ به و كان يطوف بالبيت و يحج و يعتمر و يتحنث في حراء و يطعم الناس و يسقيهم و يأمر بصلة الرحم وحسن الجوار و كف الأذى و إيتاء ذي القربى و كان يسمى في الجاهلية الأمين الصدوق لم يتدنس بشيءٍ من أدناسهم و لا قرب من أصنامهم حتى أتاه الوحي.

الطهارة واجبة بإيجاب العقل مشهورة بأطباق أهل الأرض لا ينكرها إلا ناقص أو جاهل وجاء في الخبر أن الملك أول ما جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء و هو غسل الأطراف ثم يصلي به ركعتين فجعل الطهور مفتاحاً للصلاة و لا يجوز إلا به و إنما جعلت الطهارة في حواشي الإنسان لأنها مرسلة منتشرة و تلاقي من النجاسات ما لا يلاقيها سائر أبعاض البدن فإن قيل فما بال الوجه يغسل و لا يباشر به من النجاسات شيء قيل إن النجاسة على ضربين نجاسة من خارج كالتي تلاقي ونجاسة من داخل كالتي تخرج من الجسد و الوجه فيه نقب و منافذ كالفم و العين و الأنف فتطهيره مستحب في العقل و مفترض في الشريعة تأكيداً و توفيقاً فإن عورض بعضو الثفل و هو منفذ النجاسة صير في الجواب إلى مذهب من يرى غسله بالماء إذا ظهر به أدنى شيء أو لصق به أثر واجبا مع أن ذلك موضع كامن خفي يمكن أن يجعل حكمه حكم البواطن التي لا يخلو الحيوان منها فإن قيل فلم حكمتم على الطهارة بالنقض عند حدوث الثفل قيل لما وجبت الطهارة بإيجاب العقل كما ذكرنا لم يكن بد من تحديد وقتٍ لابتدائها و انتهائها لأنه إذا لم يعرف ابتداء الشيء لم يعلم الشيء نفسه فجعل خروج الحدث وقتاً لانتهائها و حضور الصلاة وقت لابتدائها و هذه موجبة بموجب الشريعة إذ كان جائزاً أن يجعل الأكل علة لنقض الطهارة و طلوع الشمس أو غروبها أو الكلام أو المشي أو شيء ما أو جعلت الطهارة في بعض الأطراف دون بعض كما لم يفرض على النصارى دون غسل الوجه و اليدين و كما لم يفرض على اليهود مسح الرأس و لكن خولف بينهما للابتلاء و الامتحان و التمييز بين المنقاد إلى الشريعة موجبة بالعقل فأما مخالفة أركانها و هيئاتها فمجوزة له ألا ترى أن العقل لا يأبى غسل الأطراف عند وقوع الحدث و عند غير وقوع الحدث و إن لم يجب غسل ثفل الإنسان عند الحدث لم يأب غسل الوجه و اليدين عند الحدث فينبغي أن ينظر إلى ما يوجبه العقل و يجيزه إلى ما يأباه و يرده فليرنا المخالف شيئاً من شرائع ديننا يرده العقل أو ينكره و لن يقدر عليه بحمد الله ومنه و الوجه في هذا أن نكلم في إيجاب الطهارة بنفس العقل و وجوب مفتتح لها و مختتم و يرد ما سوى ذلك إلى ورود الشريعة للابتلاء و الامتحان فإن قيل فما بال المني يوجب الاغتسال و لا يوجبه البول والغائط فإن هذا سؤال مناقض على ما قدمنا من الاعتلال و لا يوجبه البول لأنه لو جعل البول موجباً للاغتسال والمني موجبا للوضوء لكان جائزاً و يمكن أن يقال أن المني يتجلب من جميع البدن و ينبع من عامة بشرة الإنسان ألا ترى أنه يلتذ بخروجه ما لا يلتذ بخروج غيره فلذلك أوجب عليه إمساس الماء بشرته و قد حكى بعض السلف أنه احتج بأن المني كائن منه شيء مثله و غير كائن من بوله مثله فلذلك وجبت عليه الطهارة ولست أقف على المعنى فيه، فإن قيل فلم جعل التراب عوضاً عن الماء عند العوز فلا يقع به الطهارة كما يقع بالماء قيل هذا أيضاً ساقط لأنه بعيد من موجبات الشريعة و لو كان مكانه شيء آخر لكان سواء إلا أن التراب أعم و أجدر بالماء في تكفير القاذورات و لها أطم و قد قيل لأنه أصل الماء و منه استحال و قيل لأنه يطفئ النار كما يطفئها الماء.

الصلاة خضوع و تواضع و تذكر حال تحث على الخير و تزجر عن الفساد يقول الله عز وجل إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و جاء في الخبر أن الصلاة فرضت أولاً ركعتين للصبح و ركعتين للعصر فزيدت للحضر و أقرت للسفر قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون يصلون ركعتين ركعتين شيئاً غير موقت و لا مقدر اثني عشرة سنة بمكة ثم كانت ليلة المسرى فرض فيها خمس صلوات في خمس أوقات فلم يزالوا يصلونها ركعتين ركعتين سنة إلى أن هاجروا إلى المدينة فجعلوا يتنفلون في أدبارهم و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقبلوا تخفيف ربكم فيأبون عليه حتى كان بعد مقدمه بشهر يوم الثلاثاء لأثني عشرة خلت من ربيع الآخر صلى بهم الظهر أربعاً وصار فرضاً و لو جعل ستاً أو ثمانيا أو ثلاثاً أو خمساً أو فرض في اليوم و الليلة مرة أو مرتين أو أكثر أو لم يفرض أو جعل فيها سجدة واحدة و ركوعان أو ثلاث سجدات أو لم يفرض فيها القيام و القراءة أو أمر بتحويل الوجه إلى المشرق أو إلى الجنوب أو ما فعل من شيءٍ لكان جائزاً كما فرض على اليهود ثلاث صلوات إلا في يوم السبت و على النصارى سبع صلوات أو جعل الصلوات على غير هذه الهيئات كالنوم مثلا أو كالقعود أو كالمشي لكان جائزاً كيف ما تعبد الخلق به أن يعلم أن التواضع للحق والاعتراف بالفضل واجب بإيجاب العقل و لابد لذلك من علم و من آية يعلم بها أهله ويتخذها المتقرب ذريعة إلى الوصول إليها فجمع في هذه الصلاة من الخصال الموضوعة لباب الخضوع المتعارفة بين الناس كقيام العبيد بين يدي أربابهم و كقيام الصغار للعظماء و كتقبيلهم الأرض و إلصاق الخدود بها و ينبغي رحمك الله أن تعلم أن العقل لا يرد الجهر بالقراءة في صلاة الليل و لا التخافت بها في صلاة النهار و لا لم يقصر المغرب عن ثلاث و لا الفجر عن اثنتين و لا تضيع كلامك بالإكثار في غير موضعه فإن العي في الابتداء خير من العجز في العقبى و هؤلاء الباطنية قوم قصدوا بتمويههم نقض الدين و استئصال المسلمين فليس ينبغي أن يتمكنوا من الكلام في مذاهبهم ليتسعوا فيه و يتكثروا به و لكن يسد عليهم الباب من وجهه و الله المستعان على ذلك و هو خير معين و متى كان كلامك معهم في هذه الجملة التي شرحتها لك لم يزيلوك بحمد الله عن دينك و لا أرحلوك عن عقيدتك و بذلك يخابون عن جميع ما يسألون عن إعداد الفرائض و أوقات الشرائع و كيفياتها و كمياتها بما ذكرنا في الصلاة و الطهارة ومتى اعتل أحدهم لصلاة النهار لمخافته القراءة عورض بصلاة العيدين و الجمعات والكسوف والاستسقاء أو اعتل بصلاة الليل يجهر فيها عورض بالركعتين الآخرتين منها و أشفي ما يكشف عن عوار مذهبهم إذا أخذ أحدهم يتأول لركعتي الفجر وثلاث المغرب و أربع الظهر و العصر و العشاء و أشباه ذلك أن يلح عليه في السؤال عن اختلاف الناس فيها وأما تأويل من زعم أنه يقرأ خلف الإمام و تأويل من نهى عن القراءة و بنى و من زعم أنه لا يبني و يبتدي و من قال بجهر بسم الله الرحمن الرحيم و من قال لا يجهر بها فيأخذه بتصحيح ذلك كله و يطالبه بتأويله ليتبين لك ضعف قوله وسخافة نيته.
الزكاة الزكاة مواساة و معونة و إفضال و العقل يوجب الإفضال و التفضل بالائثار هذه جملة هذا الباب. و لقد تغيرت حال الزكاة غير مرة حتى استقرت على ما هي عليه اليوم لأنهم أمروا بالزكاة عند الأمر بالصلاة ثم قيل يسألونك ماذا ينفقون فكان الرجل يتصدق بما فضل من قوته و لما نزلت فرض الزكاة في سورة البراءة سنة تسع من الهجرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت والمقدار.
الصيام رياضة و تذليل و قمع للشهوة و إطفاء للشره و قد ينفع كثيراً من الناس و يعقبهم الصحة و الخفة مع ما يجد الإنسان فيه من رقة القلب وصفاء النفس و أول ما فرض صوم يوم عاشوراء ثم نسخ و فرض صوم شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة و العقل يوجب رياضة النفس و تذليلها.

الحج عامة ما فيه من المناسك ابتلاء و امتحان و هو من أعظم وثائق الله عز و جل على عباده و أكشف شيءٍ عن عقائدهم و لا يزال مكائد الشيطان لدى الإسلام من دنيته تمثل الوسوسة إليه من هذا الباب مع أنه لا خصلة من خصالها إلا وهي تدل على فائدةٍ أو يوجد لها سبب من المعقول فمنها التجرد للإحرام و في التجرد تواضع وتذليل و فيه يستحسن العقل التجرد للاغتسال و دخول الحمام لما فيه من الفائدة فقد تبين أن نفس التجرد ليس بهزء و لا عبث إذ كان المراد به بعض ما ذكرنا و منها السعي و الهرولة في الطواف الذي جعل عبادةً كما جعلت الطهارة و الصلاة عبادة و العقل يوجب الإسراع و العدو فيما يجدي أو يخشى فوته مع ما قد جاء في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة هرول ليري أعداءه القوة في نفسه فصار سنة مقتفاة و ما من أمة إلا و هم مقتدون بإمامهم فيما شرع لهم و أما رمي الجمار فلو رأينا رجلاً يرمي طيراً يذبه عن شجرٍ أو يرمي شجراً يستنزل به الثمر لما جاز لنا الحكم عليه بالجهل و السفه لما له من النفع العائد و كذلك رمي الجمار قد رجا راميه الثواب العظيم لامتثاله ما مثل له و استنانه بمن كان قبله و أما الذبح والنحر فلا يخفى نفعه على الضعفاء و المساكين و في الحلق و التقصير الطهارة والنظافة و استلام الحجر تعظيما له اعتراف بحق الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين الذين أبقوا ذلك تذكرة لمن بعدهم و قد يشغف الإنسان ببقايا القدماء و آثارهم وذلك الحجر بقية من بقاياهم فإذا اتجهت المناسك لما ذكرنا فلا معنى للتسرع إلى تخطئة الأمة و تجهيلهم فيما ثبتوا عليه من هذه المناسك و لم يحجج النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام إلا حجة واحدة و هي التي تسمى حجة الوداع فبين فيها معالم الحج وسننه والناس يتوارثونها إلى آخر الدهر.
النكاح و الطلاق و المواريث النكاح تملك بمنزلة البيع و الطلاق تخلية بمنزلة الفسخ و فيه حكم عظيمة في إثبات الأنساب و إلحاق الأولاد و لولا ذلك لكان النكاح و السفاد سواء و هذا يوجبه العقل و أما تفضيل الذكر في القسمة على الأنثى فلما ينوب الذكر من النوائب و الأنثى مؤنتها على من ينكحها فمن أخذ بناصيتها أقام بأودها.
الجمعة و الأعياد جعلت مجمعا للأمة يتلاقون و يتزاورون و يفضلون على الضعفى و المساكين و يستريحون عن كد الكدح و الحركة و يريحون مماليكهم و بهائمهم و هذا ضرب عظيم من النفع لمن عقل أمر الله عز وجل و اعتبر و ما من أمة في الأرض إلا و لهم عيد و مجمع.
السنن العشر في الرأس و الجسد و تحريم الميتة و الدم لا شك أن كلها طهارة و نظافة و استعظم قوم الختان لما فيه من الألم و الخطر و لم يعلموا ما يتأذى به الأقلف من احتباس البول في قلفته و يتولد فيها الدواب حتى يبلغ الجهد و المشقة و في الختان اكتناز الآلة و نماء الجسم و لذلك يقال الختان منعثة للصبي ثم يقال هو سنة فيه ابتلاء و تسليم فأما تحريم الميتة و الدم ففي كراهية النفس و نفار الطبع ما يوجب الامتناع منه دون خطر الشرع مع أن أهل الأرض يجمعون على نجاسته إلا من لا يعبأ به في عدةٍ أو عددٍ و أهل الطب ينهون عنه لوخيم مغبته و شر أغذيته فهذه الأشياء مما يعيبها أهل الإلحاد و فيها من الحكمة ما لا يعلمها إلا الله تعالى.

ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في بيته بمكة قبل أن يهاجر أن يدعو بهذا الدعاء فقال ربي أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً فلما خرج إلى المدينة نزل عليه بالجحفة في طريقه أن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معادٍ فلما أتم أمره و أنجز وعده و رده إلى معاد أنزل عليه إذا جاء نصر الله و الفتح إلى آخر السورة فقال صلى الله عليه وسلم نعيت إلى نفسي فنعى نفسه إلى أصحابه قبل موته بشهرٍ ثم ابتدأ بشكواه في ليالٍ بقين من صفر و توفي يوم الاثنين لاثنتي عشرةً خلت من شهر ربيع الأول و كان مرضه أربع عشرة ليلة أو خمس عشر و روي عن أبي مويهبة أنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن استغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي قال فانطلقت معه حتى وقفت بين أظهرهم فقال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه غيركم أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها و للآخرة شر من الأولى ثم قال يابا مويهبة إني قد أعطيت خزائن الدنيا و الخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك و بين لقاء ربي فقلت بأبي أنت و أمي فخذ خزائن الدنيا و الخلد ثم الجنة فقال يا با مويهبة قد اخترت لقاء ربي و الجنة ثم استغفر لأهل البقيع و انصرف و هي ليلة الأربعاء محموماً ليلتين بقيتا من صفر و ابتدئ بوجعه في بيت ميمونة بنت الحارث فكان آخر ما خرج و صلى بالناس و إذا وجد ثقلاً قال مروا الناس فليصلوا فلما اشتد وجعه استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فخرج بين علي بن أبي طالب و بين الفضل بن العباس رضي الله عنهما تخط رجلاه الأرض حتى أتى بيت عائشة فقال أهريقوا علي من سبع قرب لم يحلل وكاءهن لعلي أعهد إلى الناس قالت عائشة فأجلسناه في مخضب من صفر لحفصة ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب فجعل يشير إلينا أن قد فعلتن فخرج عاصباً رأسه يمشي بين العباس و علي تخط رجلاه الأرض حتى جلس على المنبر فأحدق الناس به و استكفوا فكان أول ما نطق به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحدٍ وصلى عليهم ثم قال إن عبداً من عباد الله بين الدنيا و بين ما عند الله ففطن لها أبو بكرٍ رضوان الله عليه وعرف أنه يريد نفسه صلى الله عليه وسلم فبكى أبو بكرٍ وقال بل نفديك بآبائنا و أمهاتنا فقال على رسلك يا با بكر انظروا إلى هذه الأبواب اللافظة إلى المسجد فسدوها إلا باب أبي بكرٍ و إني لا أعلم أحداً كان أفضل عندي في الصحبة منه و لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً و لكن صحبة و إخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده من رواية محمد بن إسحق و روى الواقدي أنه قال سدوا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد إلا باب أبي بكرٍ فإن أمن الناس في صحبته و ماله أبو بكر و روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فتشدد لنا و قال حياكم الله و آواكم و أوصيكم لتقوى الله و أوصى الله بكم و استخلفه عليكم إني لكم نذير مبين أن لا تعلو على الله في بلاده وعباده فإنه قال تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتقين قلنا يا رسول الله متى أجلك قال قد دنا الفراق و المنقلب إلى الله عز وجل و إلى جنة المأوى و سدرة المنتهى والرفيق الأعلى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة بن زيد على جيشٍ و أمره أن يوطئ الخيل أرض البلقاء فتكلم الناس فيه و قالوا أمر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين و الأنصار فلما استوى على المنبر قال انفذوا جيش أسامة انفذوا جيش أسامة انفذوا جيش أسامة ثلاثاً ولعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه وانه لخليق للإمارة و إن كان أبوه خليقاً لها ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم و ضرب أسامة عسكره على فرسخ من المدينة و سائر الناس ينتظرون ما يقضي الله في رسوله صلى الله عليه وسلم و روى الواقدي عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما اشتد وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ائتوني بدواة و صفحة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا و لا ينبغي التنازع عند رسول الله فقال بعضهم ما لكم أهجر فاستعيدوه و قال عمر قد غلبه الوجع من لفلانة و

فلانة حسبنا كتاب الله فلما لغطوا عنده قال دعوني أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفود بمثل ما رأيتموني أجيزهم و انفذوا جيش أسامة قوموا فقاموا و قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم و بين أن يكتب ذلك الكتاب قالوا و استعر برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض و ناداه بلال بالصلاة فقال مر عمر فليصل بالناس فخرج عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب فقدم عمر لأن أبا بكر كان غائباً فلما كبر عمر و كان مجهراً سمع رسول الله فقال أين أبو بكرٍ يأبى الله ذلك و المسلمون و بعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس و روي عن عائشة أنها قالت لما استعر رسول الله بالمرض قال مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس فقلت إن أبا بكرٍ رجل ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت و الله ما أقول ذلك إلا إني كنت أحب أن يصرف عنه ذلك و قلت إن الناس لا يحبون رجلاً قام مقام النبي يتشأمون به و روى ابن إسحق عن الزهري فقال حدثني أنس أنه كان يوم الاثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس و هم يصلون الصبح فرفع الستر و فتح الباب و وقف على باب عائشة فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم فرحاً لما رأوا رسول الله فأشار إليهم أن اثبتوا و تبسم سروراً بما رأى من صلاتهم و انصرف قال ابن إسحق حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة أنه لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه بين العباس و علي إلى صلاة الصبح و أبو بكر يصلي بالناس فتفرج الناس و علم أبو بكرٍ أنهم لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله فنكص عن صلاته فدفع رسول الله في ظهره و قال صل بالناس و جلس إلى جنبه فصلى على يمين أبي بكر فلما فرغ أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد و قال أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إني و الله ما تمسكون علي بشيءٍ إني لم أحل إلا ما أحل القرآن و لم أحرم إلا ما حرم القرآن و قال أبو بكر إني أراك قد أصبحت من الله بخير و اليوم يوم ابنة خارجة فآتيها قال نعم فخرج أبو بكرٍ إلى أهله بالسنح و انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتفرق الناس و روى الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف دعا فاطمة فسارها فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت فسئلت عن ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال لي إن القرآن يعرض علي في كل عام مرة و عرض علي العام مرتين ولا أراني إلا ميتاً في مرضي هذا قالت فبكيت ثم دعاني ثانياً و قال لي أنت أسرع أهلي لحوقاً بي فضحكت فمكثت بعده ستة أشهر و يقال مائة و خمسين يوماً و الله أعلم.فلانة حسبنا كتاب الله فلما لغطوا عنده قال دعوني أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفود بمثل ما رأيتموني أجيزهم و انفذوا جيش أسامة قوموا فقاموا و قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم و بين أن يكتب ذلك الكتاب قالوا و استعر برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض و ناداه بلال بالصلاة فقال مر عمر فليصل بالناس فخرج عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب فقدم عمر لأن أبا بكر كان غائباً فلما كبر عمر و كان مجهراً سمع رسول الله فقال أين أبو بكرٍ يأبى الله ذلك و المسلمون و بعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس و روي عن عائشة أنها قالت لما استعر رسول الله بالمرض قال مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس فقلت إن أبا بكرٍ رجل ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت و الله ما أقول ذلك إلا إني كنت أحب أن يصرف عنه ذلك و قلت إن الناس لا يحبون رجلاً قام مقام النبي يتشأمون به و روى ابن إسحق عن الزهري فقال حدثني أنس أنه كان يوم الاثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس و هم يصلون الصبح فرفع الستر و فتح الباب و وقف على باب عائشة فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم فرحاً لما رأوا رسول الله فأشار إليهم أن اثبتوا و تبسم سروراً بما رأى من صلاتهم و انصرف قال ابن إسحق حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة أنه لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه بين العباس و علي إلى صلاة الصبح و أبو بكر يصلي بالناس فتفرج الناس و علم أبو بكرٍ أنهم لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله فنكص عن صلاته فدفع رسول الله في ظهره و قال صل بالناس و جلس إلى جنبه فصلى على يمين أبي بكر فلما فرغ أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد و قال أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إني و الله ما تمسكون علي بشيءٍ إني لم أحل إلا ما أحل القرآن و لم أحرم إلا ما حرم القرآن و قال أبو بكر إني أراك قد أصبحت من الله بخير و اليوم يوم ابنة خارجة فآتيها قال نعم فخرج أبو بكرٍ إلى أهله بالسنح و انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتفرق الناس و روى الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف دعا فاطمة فسارها فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت فسئلت عن ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال لي إن القرآن يعرض علي في كل عام مرة و عرض علي العام مرتين ولا أراني إلا ميتاً في مرضي هذا قالت فبكيت ثم دعاني ثانياً و قال لي أنت أسرع أهلي لحوقاً بي فضحكت فمكثت بعده ستة أشهر و يقال مائة و خمسين يوماً و الله أعلم.

ذكر وفاة النبي عليه السلام قالت عائشة و لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد يوم الاثنين اضطجع في حجري ثم وجدته يثقل فذهبت أنظر إلى وجهه فإذا بصره قد شخص إلى السماء و هو يقول بل الرفيق الأعلى و كان يقول لنا لم يقبض نبي إلا خير فقلت خيرت فاخترت فقبض رسول الله بين سحري و نحري حين اشتد الضحى من يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة عشر من الهجرة و شهرين واثني عشر يوماً قالت فمن سفهي و حداثة سني وضعت رأسه على وسادة و قمت ألتدم مع النساء و أضرب وجهي قالوا و ارتجت المدينة بالصراخ و البكاء و اقتحم الناس يقولون مات رسول الله محمد مات محمد فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام على الباب و قال إن المنافقين يزعمون أن محمداً قد مات و أن رسول الله لم يمت و لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم عاد إليهم بعد أن قيل قد مات و ليرجعن رسول الله كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أن رسول الله قد مات و قال عمر نظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفتح الأرض لوعد الله فلذلك قال ما قال و بلغ الخبر أبا بكر فأقبل مسرعاً على فرسٍ و عمر يكلم الناس فلم يلتفت إليه حتى دخل بيت عائشة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى عليه برد حبرة فكشف عن وجهه وقبله و قال بأبي أنت و أمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها فلا تذوق بعدها أبداً ثم خرج إلى الناس و عمر يكلمهم فقال على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت إليه أقبل على الناس فلما سمع الناس كلام أبي بكر تركوا عمر و أقبلوا عليه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أيها الناس إن الله قد نعى نبيكم إلى نفسه و هو حي بين أظهركم و نعاكم إلى أنفسكم فقال إنك ميت و إنهم ميتون فعلم الناس حينئذ أن رسول الله قد مات و روي عن عمر أنه قال فما هو إلا أن سمعتها من أبي بكر فعقرت حتى وقعت على الأرض ما نقلني رجلاي ثم تلا أبو بكر و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ثم قال يا أيها الناس من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمداً أو يراه إلهاً فإن محمداً قد مات و وعظ الناس و حضهم على التقوى ونزل عن المنبر وأخذوا في جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم و دعوا من يحفر له قبره و كان أبو طلحة الأنصاري يلحد في القبر و هو عمل الأنصار و كان أبو عبيدة بن الجراح يسوي في القبر و هو عمل المهاجرين فبعثوا إليهما و قال العباس اللهم فيض لنبيك ما ترضاه فسبق الرسول إلى أبي طلحة فجاء و اختلفوا أين يدفنونه فقال قوم في البقيع مع أصحابه و قال آخرون بل في مسجده فقال أبو بكر سمعته يقول ما مات نبي إلا دفن حيث قبض فخط حول الفراش على قدره ثم حول عنه رسول الله و أخذوا يحفرون له و وقع الاختلاف في الناس فانحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج و اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة و انحاز علي و طلحة و الزبير في بيت فاطمة و انحاز سائر المهاجرين إلى أبي بكر كل يدعي الإمارة لنفسه فجاء المغيرة بن شعبة فقال إن كان لكم بالناس حاجة فأدركوهم فتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو و أغلقوا الباب دونه و أسرع أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح إلى سقيفة بني ساعدة فقالت الأنصار نحن أنصار الله و كتيبة الإسلام و أنتم يا معشر العرب رهط منا و قد دفت دافة من قومكم يريدون أن يحتازونا من أصلنا و يكسروا الأمر فقال أبو بكر أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل و لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش أوسط العرب نسباً و داراً و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم و أخذ بيد عمر و أبي عبيدة بن الجراح فقال الحباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب منا أمير و منكم أمير فكثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى خيف الاختلاف فقال عمر لأبي بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه المهاجرون و الأنصار و نزو على سعد بن عبادة فضربوه فقال قائلهم قد قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر رضي الله عنه قتل الله سعد بن عبادة ثم عادوا إلى المسجد و

صعد أبو بكر المنبر فقام عمر فحمد الله و اثنى عليه ثم قال أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما وجدتها في كتاب الله و لا كانت عهداً عهده إلي رسول الله و لكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا و يكون آخرنا فإن الله عز و جل قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسوله فمن اعتصم به هداه كما كان هداه له و إن قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله و ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه بيعة العامة في المسجد بعد السقيفة فبايعوه و لم يبايعه علي ستة أشهر.د أبو بكر المنبر فقام عمر فحمد الله و اثنى عليه ثم قال أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما وجدتها في كتاب الله و لا كانت عهداً عهده إلي رسول الله و لكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا و يكون آخرنا فإن الله عز و جل قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسوله فمن اعتصم به هداه كما كان هداه له و إن قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله و ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه بيعة العامة في المسجد بعد السقيفة فبايعوه و لم يبايعه علي ستة أشهر.
ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه قال ابن إسحق لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبد المطلب لعلي انطلق بنا إلى رسول الله فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه و إن كان في غيرنا أوصى المسلمين بنا فقال علي عليه السلام إني و الله لا أفعل لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده قال ابن إسحق و لولا مقالة قالها عمر عند وفاته لم يشك المسلمون أنه استخلف أبا بكر و لكنه قال عند وفاته إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني و إن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني فعرف الناس أن رسول الله لم يستخلف أحداً و كان عمر غير متهم على أبي بكر قالوا و لما فرغ عمر من مقالته قام أبو بكر خطيباً بعدما ضربوا على يده فقال الحمد لله فاحمدوه و أستعينكم على أمره كله سره و علانيته و نعوذ بالله مما يأتي في الليل و النهار و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله أرسله بالحق بشيراً و نذيراً قدام الساعة من أطاعه رشد و من عصاه هلك أما بعد فإني قد وليت أمركم و لست بخيركم فأعينوني و إن زغت فقوموني الصدق أمانة و الكذب خيانة لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء فأطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله فصلوا ثم أخذوا في جهاز رسول الله قال الواقدي كانت بيعة العامة يوم الثلثاء بعدما دفن و قال بعضهم بويع ثم دفن و اختلفوا في الوقت الذي دفن فيه فروى ابن إسحق أنه دفن ليلة الأربعاء و قال الواقدي و الثبت عندنا أنه دفن يوم الثلثاء عند زوال الشمس و الله أعلم و أحكم.
ذكر غسل رسول الله صلى الله عليه قالوا غسله علي و العباس و الفضل و قثم و أسامة و شقران أما علي فأسنده إلى صدره و جعل العباس و الفضل و قثم يقلبونه معاً و كان أسامة و شقران يصبان عليه الماء و غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه و لم يجرد من ثيابه و كفن في ثلاثة أثواب سحولية ثوبين منبجانيين و برد حبرة أدرج فيه إدراجاً ليس فيها عمامة و لا قميص ثم وضعوه على السرير و جعل الناس يدخلون و يصلون إرسالاً صلى الرجال ثم النساء ثم الصبيان و دفن صلى الله عليه و كان الذي دخل القبر علي و الفضل بن العباس و شقران روينا عن شقران أنه قال أنا الذي طرحت القطيفة تحت رسول الله و نضد عليه اللبن و الإذخر و هالوا التراب هيلاً و سطحوا قبره و رشوا عليه الماء صلى الله عليه وسلم و اختلفت الرواية في سنه و مدة عمره إلا أن الأكثر الأشهر أنه توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة ولد يوم الاثنين و توفي يوم الاثنين صلى الله عليه وسلم و روى أصحاب الأخبار شيئاً كثيراً من الشعر في مراثيه فمن ذلك قول عربي إلى فاطمة رضي الله عنها
قد كان بعدك أنباء و هنبثة ... لو كنت شاهدتها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... و اختل قومك فارجع ثم لا تغب
و قال حسان بن ثابت
بطيبة رسم للرسول و معهد ... منير و قد تعفو الرسوم و تهمد
فلا تمتحي الآيات من دار مربع ... بها منبر الهادي الذي كان يصعد

و واضح آثار و باقي معالم ... و ربع له فيه مصلى و مسجد
معارف لم تطمس على النأي أنها ... أتاها البلى و الآي منها مجدد
ظللت بها أبكي الرسول و أسعدت ... عيون و مثلاها من الجن يسعد
فبوركت يا قبر الرسول و بوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
و بورك لحد منك ضمن طيباً ... عليه بناء من صفيح منضد
و هل عدلت يوماً رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد
و ما فقد الماضون مثل محمد ... و لا مثله حتى القيامة يفقد
تقطع عنهم منزل الوحي و الهدى ... و قد كان ذا نور يغور و ينجد
في قصيدة طويلة.
الفصل الثامن عشر
في ذكر أفاضل الصحابة
و أولي الأمر من المهاجرين و الأنصار و صفة حلاهم و مدة أعمارهم و ابتداء إسلامهم و ذكر أولادهم و من أعقب منهم و من لم يعقب
اعلم أن هذا الباب من صناعة أصحاب الحديث و هو علم برأسه منفرد بمعرفته صاحبه مرجعه إلى جودة الحفظ و كثرة الروايات و قد وضعوا فيه كتباً كثيرةً موسومةً بسمات مختلفة كالتواريخ و الطبقات و المعارف و ما أعلم أحداً منهم و إن غزر علمه و اتسعت درايته أنه ضبط أسماء الصحابة كلهم أو حصر أيامهم و أخبارهم و لا أعلم ذلك ممكناً لأن آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك و قد صحبه فيها ثلاثون ألف رجلٍ سوى من خلفه و تخلف عنه و سنذكر المشهورين منهم المعروفين بالإمارة و الولاية و التقدم و الآثار المذكورة إن شاء الله ونبتدئ بذكر من بدأ بالإسلام وسبق إليه فإن كثيراً من المصنفين قد خرجوهم على حروف المعجم تقريباً من الفهم وحيلة في تسهيل الحفظ، اختلف الناس في أول من أسلم فقال بعضهم أولهم خديجة و قال آخرون أولهم علي وقيل أبو بكر وقيل زيد بن حارثة و قد مضى خبر زيد و خديجة في باب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وباب مواليه و أخبرني أحمد بن مالك قال حدثني القتبي عن إسحق بن راهويه أنه قال الخبر في كل ذلك صحيح أما أول من أسلم من النساء فخديجة و أول من أسلم من الموالي فزيد بن حارثة و أول من أسلم من الصبيان فعلي عليه السلام و أول من أسلم من الرجال فأبو بكر رضي الله عنهم أجمعين.

علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عبد المطلب بن هاشم و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم و هي أول هاشمية ولدت لهاشمي و أسلمت و ماتت بمكة قبل الهجرة قال بن إسحق أسلم علي و له عشر سنين و ذلك أنه كان في حجر النبي عليه السلام قبل الوحي لأن قريشاً لما أصابتهم الأزمة قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب إن أبا طالب رجل ذو عيال فانطلق بنا نخفف من عياله فأخذ النبي عليه السلام علياً و أخذ العباس جعفراً و بقي عنده عقيلاً و طالباً فلما بعث الله محمداً آمن به و اتبعه و روى الواقدي أن علياً أتى النبي و هو يصلي عند خديجة فقال ما هذا يا محمد فقال دين الله الذي اصطفاه لنفسه أدعوك إليه فقال علي إن هذا دين ما سمعت به و لست بقاطع أمراً حتى أذاكر أبا طالب فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفشى أمره فقال إن لم تسلم فاكتم فمكث علي تلك الليلة و ألقى الله في قلبه الإسلام فغدا على رسول الله ثم إن أمه فاطمة بنت أسد أنكرت شأنه و اختلافه إلى رسول الله فقالت لأبي طالب إني أرى ابنك قد صبأ و كان النبي و خديجة و زيد يخرجون إلى شعاب مكة فيصلون مستخفين من الناس فتبعهم أبو طالب حتى عثر عليهم و هم يصلون فقال ما هذا يا بن أخي فقال دين الله الذي ارتضاه لنفسه و بعث به رسله أدعوك إليه فقال إني أكره أن أفارق دين آبائي و لكن امض لما أردت فلا يخلص إليك بما تكره فقال لعلي الزمه فإنه لم يدعك إلا إلى خير و قد قيل أن علياً أسلم و هو ابن ست سنين و اختلفوا في حليته قال الواقدي كان آدم شديد الأدمة عظيم البطن عظيم العينين إلى القصر ما هو و قد تسميه الشيعة الأنزع البطين قال الحارث الأعور و كان علي أفطس الأنف دقيق الذراعين كأن على كاهله سنام ثور لم يصارع أحداً إلا صرعه و روي عن الحسن أنه قال رأيت علياً أسود الشعر أبيض اللحية قد ملأت لحيته ما بين منكبيه و روى أن امرأة رأته و لم تعلم من هو فقالت من هذا الذي كسر و جبر على عيب و اختلفوا في سنه فقال ابن إسحق قتل و هو ابن ثلاث وستين سنة كان في مثل سن النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر يوم ماتا و هذا يصح على مذهبه لأنه قد أسلم و هو ابن عشر سنين و عاش في الإسلام ثلاثاً وخمسين سنة و قتل سنة ثلاثين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و قال بعضهم مات و هو ابن ثمان و خمسين سنة.
ذكر ولده عليه السلام كان له من الولد ثمان و عشرون ولداً أحد عشر ولداً و سبعة عشر أنثى منهم من فاطمة عليه السلام خمسة الحسن و الحسين و محسن و أم كلثوم الكبرى و زينب الكبرى و الباقون من أمهات شتى من الحرائر و الإماء فمنهم محمد بن علي أمه خولة بنت جعفر بن قيس و يقال أمه سوداء من سبى اليمامة و لذلك يقال له محمد بن الحنفية لأن خالد بن الوليد كان سباها من بني حنيفة في الردة و منهم عمر و رقية من أمته و منهم أبو بكر و عبيد الله و جعفر و العباس و أم كلثوم الصغرى و رملة و أم الحسن و جمانة و ميمونة و خديجة و فاطمة و أم الكرام و نفيسة و أم سلمة و أمامة و أم أبيها.
الحسن بن علي رضي الله عنهما أكبر ولد علي و يكنى أبا محمد و كان يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم ابن سبع سنين لأنه ولد في سنة ثلاث من الهجرة و مات سنة سبع و أربعين فكان عمره خمساً و أربعين سنة و روى عن النبي حديثين من صلى الغداة و جلس في مجلسه حتى تطلع الشمس ستره الله من النار و الثاني التخلية من إذا ذكرت عنده فلم يصل علي و كان أرخى ستره على مأيتي حرة و قال علي عليه السلام لا تزوجوا ابني هذا فإنه مطلاق و ولد الحسن سبعة أنفار الحسن بن الحسن و الحسين بن الحسن و زيد بن الحسن و طلحة بن الحسن و أم عبد الله بنت الحسن و أم الحسن بنت الحسن.
الحسين بن علي رضي الله عنهما و كان أصغر من الحسن بعشرة أشهر وعشرين يوماً و قتل يوم عاشوراء سنة اثنتين و ستين بعد الحسن بسبع عشرة سنةً و هو ابن ثماني وخمسين سنةً و ولد الحسين أربعة نفر علياً الأكبر و علياً الأصغر و فاطمة و سكينة و عقب الحسين من علي الأصغر فأما الأكبر فإنه قتل مع أبيه و قد روي أن الحسين قتل معه سبعة عشر نفراً من أهل بيته و الله أعلم فأما محسن بن علي فإنه هلك صغيراً.

محمد بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما كان أسود شديد السواد كثير العلم فاضلاً شجاعاً و مات بالطائف زمن الحجاج و كان يقول الحسن و الحسين أفضل مني و أنا أعلم منهما و ولد ثمانية ذكور منهم عبد الله بن محمد أبو هاشم كان عظيم القدر عند الشيعة فلما حضرته الوفاة بالشام أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس و قال أنت صاحب هذا الأمر و ولدك و ليس لأبي هاشم عقب.
بنات علي بن أبي طالب عليه السلام زوج علي أم كلثوم الكبرى من عمر بن الخطاب رضي الله عنه فولدت له زيد بن عمر و فاطمة بنت عمر وزوج زينب الكبرى من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له أولاداً و كان سائر بناته عند ولد عقيل و ولد العباس ما خلا أم الحسن فإنها كانت عند جعدة بن هبيرة المخزومي.

أبو بكر الصديق رضي الله عنه عتيق بن أبي قحافة و كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله عبد الله تيمناً باسم أبيه و عتيق لقبه لحسن وجهه و عتقه و اسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة و تيم أخو كلاب بن مرة فهو في العدد إلى مرة لأن كل واحد ينتهي إلى مرة عند السابع من آبائه. ذكر حليته عليه السلام كان ابيض البشرة مشرباً حمرة نحيف الجسم خفيف العارضين معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع أحنى لايستمسك إزاره ويسترخي عن حقويه وكان من مياسير قريش و ذوي الفضل منهم و الصنيعة فيهم محبباً في قومه مألوفاً و انفق جل ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر و أمه و أخواته أبوه أبو قحافة أسلم يوم فتح مكة و قد كف بصره و بقي إلى زمن عمر و مات أبو بكر فورثه و أم أبي بكر أم الخير سلمى بنت صخر ابنة عليه السلام أبي قحافة و لا يعرف لأبي بكر أخ و لكن له أختان أم فروة بنت أبي قحافة تزوجها تميم الداري ثم لما رجع الأشعث بن قيس إلى الإسلام ردته زوجها منه أبو بكر و قريبة بنت أبي قحافة كانت تحت قيس بن سعد بن عبادة، إسلام أبي بكر عليه السلام زعم بعض الرواة أنه كان في تجارة له بالشام فأخبره راهب بوقت خروج النبي بمكة و أمره باتباعه فلما رجع سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله فجاء وأسلم فلذلك قال ما أحد عرضت عليه الإسلام إلا وجدت عنده كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم و زعم آخرون أنه رأى رؤيا و قيل هتف به هاتف فلما أسلم أبو بكر دعا عشيرته و أقاربه فأسلم بدعائه رهط منهم عثمان بن عفان و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، ذكر ولده رضي الله عنه كان له من الولد ستة نفر عبد الله بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر أمهما سدة من بني عامر و عبد الرحمن و عائشة أمهما أم رومان ومحمد بن أبي بكر أمه أسماء بنت عميس و أم كلثوم أمها بنت زيد خارجة رجل من الأنصار أما عبد الله بن أبي بكر فإنه هلك في خلافة أبيه ولا عقب له وأما عبد الرحمن فمات بمكة بعد وقعة الجمل و كان شهدها و له عقب و أما محمد بن أبي بكر فكان ممن أعان على عثمان و بعثه علي بن أبي طالب والياً على مصر فقاتله أصحاب عمرو بن العاص و قتلوه و جعلوا جثته في حمار ميت ثم أحرقوه و من ولده القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز، بنات أبي بكر أما عائشة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصتها مشهورة ولا عقب لها وأما أسماء فإنها يقال لها ذات النطاقين و ذلك أنها شقت نطاقها و شدت به السفرة التي كانت هيأتها لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر إلى المدينة و يقال لما نزلت آية الخمار ضربت يدها إلى نطاقها فشقته نصفين و اختمرت بنصفه وتزوجها الزبير بن العوام بمكة فولدت له عدة ولد و ولدت بالمدينة عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام و عاشت حتى عميت و ماتت بعد قتل ابن الزبير ببرهة و أما أم كلثوم فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكرهته ونكحها طلحة بن عبيد فولدت له، وفاة أبي بكر رضي الله عنه اتفقوا أنه مات ابن ثلاثٍ وستين سنة و كان أصغر سناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر خلافته و هو سنتان وثلاثة أشهر و تسع ليالٍ و قال ابن إسحق مات يوم الجمعة لسبع ليالٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة و قال أبو اليقظان مات يوم الاثنين و اختلفوا في سبب موته فقال قوم سم فمات و قال قوم بل اغتسل في بارد فحم فمات رضي الله عنه.

عثمان بن عفان رضي الله عنه عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم في العدد سواء و كان حبراً فاضلاً تقول قريش أحبك الرحمن حب قريش عثمان وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية و أم كلثوم، ذكر حليته كان رجلاً ربعةً حسن الوجه رقيق البشرة ريان الخد أسمر اللون عظيم اللحية بعيد المنكبين و كان يشد أسنانه بالذهب، أبو عثمان و أمه و أخواته أما عفان فإنه هلك في تجارة الشام و أم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس و أخوات عثمان أمة بنت عثمان و لا يعرف لها عقب، إسلام عثمان قال الواقدي إن عثمان و طلحة أسلما معاً ذكر أن عثمان قال أقبلت من الشام في تجارة حتى إذا كنا بين معان و الزرقاء و نحن كالنيام إذا منادٍ ينادي أيها النيام هبوا فإن محمداً قد خرج فلما رجع دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأخذه الحكم بن أبي العاص و أوثقه رباطاً و قال لا أحلك حتى تدع دينك فقال عثمان و الله لا أدعه أبداً فلما رآه لا يدعه تركه قال و راغمته أمه وقالت و الله لا ألبس لك ثياباً و لا أذوق لك طعاماً و لا شراباً حتى تدع دين محمد و تحولت إلى بيت أختها حولاً فلما رأت عثمان لا يدع دينه رجعت إلى منزله، ذكر ولده رضي الله عنهم كان له من الولد الذكران عشرة نفر عبد الله الأكبر و عبد الله الأصغر و خالد و أبان و عمرو و سعيد و المغيرة و عبد الملك و الوليد و عمر و من البنات ثلاث أم أبان و أم عمرو وأم سعيد وقد يقال لإحداهن عائشة أو رابعة فأما عبد الله الأكبر فإنه كان يلقب المطرف لحسنه و جماله و أما عبد الله الأصغر فإنه كان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هلك في صغره و أما أبان بن عثمان فكان أبرص و كانت أمه حمقاء تجعل الخنفساء في فيها ثم تقول أحاجيك ما في فمي و أما سعيد بن عثمان فقتله الرهائن الذين حملهم من سمرقند في حائطه بالمدينة و قتلوا أنفسهم و أما الوليد ابن عثمان فكان صاحب شرابٍ و لهوٍ وقتل عثمان و هو علق في حجلته و رحم الله من نظر في كتابنا هذا بعين الإنصاف فبسط عذرنا فيما اشترطنا من الاختصار و الإيجاز، مقتل عثمان اختلفوا في يوم قتله فقال ابن إسحق قتل يوم الأربعاء و دفن يوم السبت و قال الواقدي قتل يوم الجمعة سنة خمس و ثلاثين و هو ابن اثنتين و ثمانين سنة و قيل قتل و هو ابن تسعين سنة و قال غيره قتل و هو ابن ثمان و ثمانين سنة و دفن بالبقيع.
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن كعب بن تيم بن مرة و يكنى أبا محمد و يقال له طلحة الخير و طلحة الفياض و طلحة الطلحات لجوده و كثرة خيره و أمه الصعبة بنت الحضرمي، إسلام طلحة وذلك أنه كان جالساً في نادي قريش فتذاكروا إسلام أبي بكر و مخالفته دين آبائه فائتمروا بينهم بالفتك به فانتدب طلحة و كان له شديداً أيداً فأتاه و أخذه بضبعه و قال قم يا أبا بكر قال إلام إلى عبادة اللات و العزى قال و من اللات و العزى قال بنات الله قال أبو بكر و من أمهم فسكت طلحة و علم أنه باطل ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم و روى الواقدي عن طلحة أنه قال كنت بسوق بصرى فسمعت راهباً في صومعته يقول سلوا أهل هذا الموسم هل ظهر أحمد فقلت له و من أحمد قال ابن عبد الله هذا شهر خروجه قال فقدمت مكة فسمعت الناس يقولون تنبى محمد بن عبد الله و تبعه ابن أبي قحافة فأتيت أبا بكر فأخذني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فلما خرجا من عنده أخذهما نوفل بن حارث و كان أشد قريش فشدهما في حبلٍ فلذلك سمي أبو بكر و طلحة القرينين، سن طلحة حليته قيل كان أبيض مربوعاً يضرب إلى الحمرة ضخم القدمين لا أخمص لهما حسن الوجه دقيق العرنين و يقال كان آدم كثير الشعر وقتله مروان بن الحكم يوم الجمل بسهمٍ رماه به و هو ابن ستين سنة و قال الواقدي ابن أربعٍ وستين سنة، ذكر ولده كان له عشرة بنين و أربع بنات لأمهات شتى منهم محمد بن طلحة أمه حمنة بنت جحش و أم حمنة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم و كان يقال له السجاد لكثرة صلاته و شهد الجمل مع أبيه فنهى علي عن قتله فقتله رجل وأنشأ يقول
و أشعث قوامً بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
يناشدني حاميم و الرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم

الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى و يكنى أبا عبد الله و هو ابن أخي خديجة و قتل أبوه في الفجار و أمه صفية بنت عبد المطلب، إسلام الزبير قال الواقدي كان إسلام الزبير بعد إسلام أبي بكر رابعاً أو خامساً و لم يذكر فيه سبباً و لا قصة و رأيت في بعض الأخبار أن الزبير أسلم و هو ابن ثمان سنين أو عشر فجعل عمه يعذبه بالدخان على أن يترك دينه فلما يئس منه تركه، حلية الزبير قال الواقدي كان رجلاً ليس بالطويل و لا بالقصير خفيف اللحية أسمر اللون كثير الشعر و يقال كان طوالاً تخط رجلاه الأرض إذا ركب و قتل سنة ست وثلاثين و هو ابن أربع و ستين سنة، ذكر ولده له سبع بنين غير البنات منهم عبد الله بن الزبير يكنى أبا بكر قتله الحجاج بمكة بعد فتنة سبع سنين و مصعب بن الزبير قتله عبد الملك بن مروان و كان شجاعاً سخياً تزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله فأعطاها ألف ألف درهم و المنذر بن الزبير كان سيداً حليماً و كان يقول ما قل سفهاء قوم إلا ذله وإذا مشى في الطريق أطفيت النيران و المصابيح تعظيماً له و عروة بن الزبير كان فقيهاً فاضلاً ورعاً و وقعت الأكلة في رجله فقطعت و كويت و منهم عبيدة بن الزبير و عاصم بن الزبير.
سعد بن أبي وقاص هو سعد بن مالك بن وهب بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة و يكنى أبا إسحق و أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس و له أخوان عتبة و عمير فأما عتبة فهو الذي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد و أما عمير فاستشهد يوم بدرٍ و سعد من العشرة المشهود لهم بالجنة و توفي سنة خمس وخمسين و هو ابن بضع و سبعين سنة أو بضع و ثمانين سنة و هو الذي فتح العراق و ما يليها، إسلام سعد رضي الله عنه روى الواقدي عنه أنه قال أتى علي يوم و أنى لثلث الإسلام قال و كان سبب إسلامه أنه رأى في المنام قال كأني في ظلام فأضاء قمر فأتبعته فإذا أنا بزيد وعلي قد سبقاني إليه و روي فإذا أنا بزيد و أبي بكر قال بلغني أن رسول الله يدعو إلى الإسلام مستخفياً فجئت إليه فلقيته بأجياد فأسلمت و رجعت إلى أمي و قد سبق إليها الخبر فأجدها على بابها تصيح و تصرخ ألا أعوان من عشيرته و عشيرتي فأجلسه في بيت و أطبق عليه الباب حتى يموت أو يدع هذا الدين المحدث قال و أسلمت و أنا ابن سبع عشر سنة، حلية سعد وسنه قالوا كان رجلاً قصيراً دحداحاً غليظاً ذا هامة شثن الأصابع جعد الشعر و ذهب بصره في آخر عمره و اختلفوا في مدة عمره فالذي يدل عليه تأريخ إسلامه أن يكون زيادةً على سبعين سنة و روى شعبة أن سعداً والحسن بن علي ماتا في يومٍ واحدٍ قال و يروى أن معاوية سمهما، ذكر ولده مصعب بن سعد و عمر بن سعد قاتل الحسين بن علي رضي الله عنه فقتله المختار بن أبي عبيد.
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن رياح بن قرط بن عدي ابن عليه السلام عمر بن الخطاب الواقدي قال نفيل ولد عمراً و الخطاب قال الواقدي كان سعيد رجلاً آدم طوالاً أشعر و أسلم قبل عمر بن الخطاب و توفي سنة إحدى و خمسين و هو ابن بضع و سبعين سنة و دفن في المدينة و أبوه زيد بن عمرو و من ولده محمد بن سعيد يقول ليزيد بن معاوية يوم الحرة
لست منا و ليس خالك منا ... يا مضيع الصلوات في الشهوات
و عقب سعيد رضي الله عنه عنه في الكوفة كثير.
عبد الرحمن بن عوف بن الحارث و يكنى أبا محمد و هو من العشرة المشهود لهم بالجنة و الستة المذكورين في الشورى، حلية عبد الرحمن قال الواقدي كان رجلاً طوالاً حسن الوجه رقيق البشرة فيه خال أبيض مشرباً حمرة وقال غيره كان أعين أفتى جعد الشعر ضخم الكفين و مات في خلافة عثمان و هو ابن خمس و ستين سنة لأنه ولد بعد الفيل بعشر سنين و مات لسبع من سني عثمان و بلغ ثمن ماله ثلثمائة و عشرين ألفاً و قسم لأربع نسوة لكل واحدة ثمانون ألف درهم، ذكر ولده محمد بن عبد الرحمن و زيد و إبرهيم و حميد و عثمان و المسور و أبو سلمة الفقيه الذي يروى عنه الحديث ومصعب و كان شجاعاً شديداً و سهيل بن عبد الرحمن و هو الذي تزوج امرأة يقال لها الثريا من بني أمية الصغرى فقال عمر بن أبي ربيعة
أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت ... و سهيل إذا استهل يمان
أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح فنسب إلى جده و روي أنه سمع أباه يسب النبي فقطع رأسه و جاء به إلى النبي و أخبره الخبر وفتح الشام في أيام أبي بكر و مات بالطاعون في أيام عمر و لا عقب له، حليته قال الواقدي كان رجلاً طوالاً نحيفاً معروق الوجه خفيف العارضين أثرم الثنيتين و ذلك أنه انتزع نصلاً من جبهة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بأسنانه فهتم قال الواقدي أسلم أبو عبيدة بن الجراح و عبيدة بن الحارث بن المطلب و عثمان بن مظعون و أبو سلمة بن عبد الأسد كلهم معاً.
ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه أعلم أن عمر أخره تأخيره في الإسلام و قدمته فضائله عن درجته و ذلك أنه أسلم بعد إسلام أربعين سوى من هاجر إلى الحبشة لأنه أسلم سنة ست من النبوة و هو ابن خمسٍ وعشرين سنة وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رياح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب ينتهي إلى الشجرة التي منها النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر و عثمان بثمانية آباء و يكنى أبا حفص و أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي، إسلام عمر رضي الله عنه روي أن النبي دعا فقال اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب و كان عمر رجلاً شديد الشكيمة لا يرام ما وراء ظهره وقد أسلمت أخته فاطمة بنت الخطاب وهي تحت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و كان خباب بن الأرت ينتابها ويقرئها القرآن قال فتذاكرت قريش في ناديها أمر النبي صلى الله عليه وسلم و ما يحدث من التفرق والالتيام فانتدب عمر له و خرج من بينهم متوشحاً بسيفه و هو يريد رسول الله وقد ذكر أنه في بيت الأرقم بن الأرقم عند الصفا فلقيه نعيم بن عبد الله النحام فقال له أين تريد يا عمر قال أريد هذا الصبي الذي فرق أمر قريشٍ فأقتله فقال له نعيم لقد غرتك نفسك أترى أن بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت ابن عمهم أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم قال عمر أي أهلي قال أختك و ختنك فعدل عمر عن الطريق إليهما فإذا عندهم خباب يقرئهم القرآن و معه صحيفة فيها سورة طه فلما أحسوا بعمر غيبوا خباباً وخبئوا الصحيفة فقال عمر ما هذه الهيمة التي سمعتها و أنا على الباب قالوا ما سمعت إلا خيراً قال بلى و إني قد أخبرت أنكما صبوتما و بطش بخباب فقامت أخته تكفه عنه فأصابتها شجةً فدبرا لذلك و أظهرا إسلامهما و قالا بلى قد أسلمنا فاصنع ما بدا لك فارعوي عمر و قال لأخته أعطني هذه الصحيفة أنظر ما فيها و كان عمر كاتباً فقالت إني أخشاك عليها فأعطاها عهد الله و ميثاقه أنه يردها فقالت إنك نجس و إنه لا يمسها إلا طاهر فقام عمر فاغتسل و أخذ الصحيفة و قرأ صدراً من السورة فأعجب به و ألقى الله في قلبه الإسلام فخرج إليه خباب و قال يا عمر إني لا أرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه قال عمر فأين محمد يا خباب قال في دار الأرقم عند الصفا فجاء عمر حتى قرع عليهم الباب فقام رجل من الصحابة فنظر من خلل الباب فرجع و هو فزع مذعور فقال هذا عمر متوشحاً بسيفه فقال حمزة بن عبد المطلب إن كان جاء يريد خيراً بذلناه و إن كان يريد شراً قتلناه بسيفه فأذن له ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه و أخذ بحجزته ثم جذبه جذبة شديدة فقال ما جاء بك يا بن الخطاب فو الله ما أراك تنتهي حتى ينزل الله بك قارعةً قال جئت لأومن بالله و رسوله فقال النبي الله أكبر و أسلم عمر و قال كم أنتم قال أربعون قال و الله لا نعبد الله بعده سراً فخرج إلى الناس و أظهر الإسلام فقال ابن مسعود إن إسلام عمر كان فتحاً و إن هجرته كانت نصراً و إن خلافته كانت رحمة و ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر.
حلية عمر و سنه اختلفوا في ذلك فروى أهل الحجاز أنه كان أبيض أمهق طوالاً تعلوه حمرة و روى أهل العراق أنه كان آدم شديد الأدمة و لا يختلفوا أنه كان أعسر يسر و هو الأضبط الذي يعمل بكلتي يديه وأنه كان أروح الذي إذا مشى يتدانى عقباه و أنه كان طوالاً حتى كأنه راكب و الناس يمشون و استشهد سنة ثلاث وعشرين قال ابن اسحق وهو ابن خمس وخمسين سنة و زعم قوم أنه مات ابن ثلاث و ستين سنة و الله أعلم.

ذكر ولده عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر و عاصم بن عمر و زيد بن عمر و مجبر بن عمر و أبو شحمة بن عمر أما عبد الله فإنه يكنى أبا عبد الرحمن أسلم مع أبيه بمكة و هو صغير و شهد المشاهد غير بدرٍ و أحد لأنه رد لصغره و توفي بمكة زمن الحجاج و هو ابن أربع و ثمانين سنةً سنة ثلاثٍ و سبعين من الهجرة في العام الذي قتل فيه عبد الله بن الزبير و يقال أن الحجاج دس إلى رجل فسم زج رمحه ثم طعن به في ظهر قدمه فمات و له بنون و بنات منهم عبد الله بن عبد الله بن عمر أمه صفية بنت أبي عبيد أخت المختار بن أبي عبيد و عاصم و واقد و بلال و حمزة و سالم كان فقيهاً فاضلاً و فيه يقول عبد الله بن عمر و كان محباً له
يلومونني في سالمٍ و ألومهم ... و جلده بين العين و الأنف سالم
و أما عبيد الله بن عمر بن الخطاب فكان شديد البطش و جرد سيفه يوم قتل عمر و استعرض العجم بالمدينة فقتل الهرمزان و ابنته و أبا لؤلؤة و جفينة رجلاً فلما صارت الخلافة إلى علي عليه السلام أراد أن يقتص عنه فهرب إلى معاوية و قتل بصفين و أما عاصم بن عمر بن الخطاب فولد أولاداً منهم أم عاصم تزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز و أما زيد بن عمر فأمه أم كلثوم بنت علي مات هو وأم كلثوم في يومٍ واحد و أما أبو شحمة بن عمر فقتله الحد في الشراب و مجبر بن عمر مات فهؤلاء العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والرضا و منهم الخلفاء القائمون بالحق والعاملون به و نعود الآن إلى تقديم من قدمه إسلامه.
عمرو بن عبيسة هو أبو نجيح السلمي من بني سليم روى الواقدي أنه قال كنت ثالثاً في الإسلام أو رابعاً وكان سبب إسلامه أنه كان يرغب عن عبادة الأوثان و الأصنام فسأل حبراً من الأحبار عن دينٍ يدين به الله عز و جل فأخبره أنه سيخرج نبي بمكة يدعو إلى دين الله فلما سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم جاء فقال من اتبعك هذا الأمر فقال حر و عبد أراد بالحر أبا بكر و بالعبد بلالاً فأسلم و رجع إلى بلاده فلما قبض النبي عليه السلام سكن بالشام وبها توفي.
أبو ذر الغفاري جندب بن السكن ويقال ابن جناده و روى الواقدي أنه قال كنت خامساً في الإسلام و كان رجلاً شجاعاً نصب في الطريق يقطع على أهله وحده و يغير على الصرمة في عماية الصبح و يسبق على قدميه الركاب و كان يتأله في الجاهلية و يقول لا إله إلا الله قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم فمر به ركب من ضلة فقالوا يا أبا ذر إن ابن عبد المطلب يقول كما تقول فأخذ شيئاً من بهش يعني المقل و تزوده حتى قدم مكة قال فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو راقد فنبه فقال أنعم صباحاً ما أقول الشعر و لكنه قرآن أقرأه فقال اقرأ فقرأ عليه سورة فشهد أبو ذرٍ شهادة الحق فأسلم و رجع إلى بلاده فجعل يعترض لعيرات قريش فيقطعها و يقول و الله لا أرد عليكم شيئاً ما لم تشهدوا بالحق فمن أسلم رد عليه ماله و لم يشهد بدراً و لا أحداً لأنه قدم المدينة بعدهما و كان مختصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم قال ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر كيف بك إذا أخرجت عن المدينة لقول الحق و قال إذا بلغ البناء سيفاً من المدينة و لا أظن أمراؤك يدعونك قال أفلا أضرب بسيفي قال لا ولكن تسمع وتطيع فلما بلغ البناء سيفاً خرج إلى الشام فمال الناس إليه يقولون أبو ذر أبو ذر فكتب معاوية إلى عثمان أن الشام ليست لي بأرض ما دام أبو ذر فيها فكتب إليه عثمان أن أقدم فقدم و قال أخفتني قال أقم عندي تغدو عليك اللقاح و تروح قال لا حاجة لي فيها ائذن لي فأتي الربذة فسيره إليها فمات بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم تعيش وحدك و تموت وحدك قالوا و لما حضرته الوفاة قال لامرأته و غلامه إذا أنا مت فاغسلوني و كفنوني و احملوني حتى تضعوني على قارعة الطريق فأي ركب طلع عليكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا بدفنه قالوا ففعلا ذلك فكان أول ركب طلع عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و أرضاه فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك تموت وحدك و تعيش وحدك فنزل و صلى عليه و واراه و كانت وفاته سنة اثنتين و ثلاثين و لا يعرف مبلغ سنه و لا عقب له.

خالد بن سعيد بن العاص بن أمية روى الواقدي قال كنت خامساً في الإسلام و هو من المهاجرين الأولين إلى الحبشة و كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة واستعمله على صدقات أهل اليمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرجع إليه فلما رجع لم يبايع أبا بكر ثلثة أشهر ثم بايع وقتل بأجنادين في أيام أبي بكر رضي الله عنه وزعم أبو اليقظان أنه أسلم قبل أبي بكر و كان سبب إسلامه أنه رأى في المنام أنه على شفير نارٍ وأبوه يدفعه فيها ومحمد يدفعه عنها فلما أصبح عبر على أبي بكرٍ فقصها عليه فقال هذا رسول الله فاتبعه و كان أبوه أبو أحيحة سعيد بن العاص مريضاً فدخل عليه وذكر له الرؤيا فقال لئن رفعني الله من مضجعي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة فقال خالد فقلت اللهم لا ترفعه ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت و لم يرفع الله أبا أحيحة حتى هلك وممن تقدم إسلامه أبو سلمة بن عبد الأسد اسمه عبد الله كان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة و هاجر قبله إلى المدينة بسنةٍ.
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف كان فتى قريش جمالاً و شباباً و عطراً و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم فجعلت أمه تعذبه بأنواع العذاب ليدع دينه فما تركه حتى ظهر به الشحوب و أثر فيه الجوع فهاجر إلى الحبشة و رجع ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار إلى المدينة يعلمهم القرآن فيقال أنه أول من جمع بالمدينة و استشهد بأحد و قيل أن فيه نزلت و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قال الواقدي ما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دمعت عيناه.
عبد الله بن مسعود بن الحارث بن سمح بن مخزوم من هذيل روي عن ابراهيم النخعي أنه كان رجلا قليلاً قضيفاً فطناً يكاد الجلوس تواريه و هو أول من أفشى القرآن بمكة و ذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إن أحدنا يشري نفسه لله فيجهر بهذا القرآن حتى تقر في أسماع قريش فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنا أفعل ذلك و كان حسن الصوت فتوجه إلى الكعبة و رفع صوته بسورة الرحمن ثم انصرف و في وجهه ما شاء الله و هو الذي جاء برأس أبي جهل بن هشام يوم بدرٍ و توفي في المدينة سنة اثنتين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه و من ولده عبد الرحمن و عتبة و قد نسلوا و أعقبوا و لعبد الله أخ يقال له عتبة بن مسعود و هو أيضاً قديم الإسلام ومن ولده عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كان صاحب فقه و حديث و هو الذي قال
و أول ما نفارق غير شكٍ ... نفارف ما تقول المرجئونا
و ممن سبق إسلامه من بني هاشمٍ أسلم بمكة و شهد بدراً حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله رضي الله عنه ويكنى أبا عمارة و أبا يعلى واستشهد بأحد رضي الله عنه قتله وحشي غلام حرب بن مظعون و كان له ابن يقال له عمارة مات و لم يعقب قال الواقدي كان حمزة رجلاً قانصاً كان يوماً في مصيده و رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الحجون في حاجة له إذ تبعه أبو جهلٍ في رجلٍ من سفهاء قريشٍ فنالوا منه وآذوه و ذر أبو جهلٍ التراب على رأسه و وطئ برجله على عاتقه فلما نزل حمزة نادته امرأته يابا عمارة لو رأيت ما نال عمرو بن هشامٍ من ابن أخيك فأقبل حمزة مغضباً حتى وقف على ناديهم فلما نظر إلى أبي جهلٍ ضربه بالقوس فأوضحت في رأسه الشجة و قال و أشهد أن محمداً رسول الله فاصنعوا ما بدا لكم فلما أسلم حمزة عز به الدين والنبي صلى الله عليه.
جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين أسلم و هو دون ابن عشرين سنة و كان أمير القوم في الهجرة الثانية إلى الحبشة و قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو بخيبر فاستقبله و قبل ما بين عينيه و قال لا أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أو بقدوم جعفر وقتل بمؤتة رحمه الله ورضي عنه و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة و ولدت له أسما بنت عميس الخثعمية بالحبشة أحمد بن جعفر و عدي بن جعفر و عبد الله بن جعفر و قد قال بعض الناس أن إسلام جعفر أقدم من إسلام حمزة و أما عقيل بن أبي طالب فإنه أسر يوم بدر مع العباس رضي الله عنه ثم أسلم.

و ممن سبق إلى الإسلام من بني عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد مناف أسلم و هاجر إلى الحبشة و معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو فولدت له محمد بن أبي حذيفة فرخ قريش و هو الذي ألب على عثمان و ذلك أنه كان تكفل به فلما أفضى الأمر إلى عثمان خرج محمد بن أبي حذيفة إلى مصر عارياً و تنسك و أظهر الطعن على عثمان ثم قتله معاوية و لا عقب له.
و ممن سبق إسلامه من الناس المقداد بن الأسود بن عبد المطلب مات بالمدينة سنة ثلاث و ثلاثين و هو ابن سبعين سنة و روي أنه ما كان مع المسلمين من فرس يوم بدر إلا فرس المقداد بن الأسود.
عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان قال الواقدي أسلم عمار و صهيب بعد إسلام بضعة و ثلاثين رجلاً في دار الأرقم كان أبوه ياسر قدم من اليمن و حالف بني مخزوم ثم أسلم و أسلمت أمه سمية فجعل بنو مخزومٍ يعذبونهم بالرمضاء إذا حميت الظهيرة و يمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة فقتلوا ياسراً و شدوا رجل سمية بين بعيرين قبلها بالرماح حتى قتلوها بعد ياسر بزمانٍ طويلٍ و عمار أعطاهم بلسانه ما طلبوا و فيه نزلت إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و قتل بصفين و من ولده محمد بن عمار و له عقب.
وأما صهيب بن سنان بن مالك فزعم بعض الناس أنه من النمر ابن قاسط و زعم آخرون أن أباه كان غلاماً ً لكسرى على الأبلة فأسرته الروم أعني صهيباً و نشأ عندهم ثم اشتراه عبد الله بن جدعان و بعث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أهدي إليه تمر فوقع صهيب يأكل و به رمد فقال النبي عليه السلام أ تأكل التمر و بك رمد قال إنما أمضغ بالناحية الأخرى فضحك النبي صلى الله عليه وسلم و له عقب.
خباب بن الأرت و هو من بني سعد زيد مناة أصابه سبي فبيع بمكة و أمه كانت ختانة و قيل مقطعة البظور و خباب من فقراء المسلمين و خيارهم و كان به برص و ابنه عبد الله بن خباب قتله الخوارج فبذلك استحل علي قتلهم.
الأرقم بن الأرقم هو الذي آوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره عند الصفا حتى تكاملوا أربعين و كان آخرهم إسلاماً عمر بن الخطاب و أرقم ممن هاجر و شهد بدراً.
بلال بن رباح و أمه حمامة أسلم فجعل مولاه أمية بن خلف الجمحي يعذبه و يطرحه على ظهره في نصف الظهيرة و يضع صخرة عظيمة على صدره و يقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد و ربه و هو يقول أحد أحد فمر به أبو بكر يوماً فقال إلى متى تعذب هذا المسكين قال أمية بن خلف أنت أفسدته فأنقذه قال نعم عندي غلام على دينك أجلد منه و أقوى فخذه مكانه فأخذه أبو بكر فأعتقه و كان رجلاً أسود جهوري الصوت و مات بدمشق سنة عشرين.
أبو موسى الأشعري و اسمه عبد الله بن قيس قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأشعريين من اليمن فأسلموا قال ابن إسحق فيما يروي زياد بن عبد الله البكائي عنه أنه أسلم و هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين و توفي سنة اثنتين و خمسين و يقال اثنتين و أربعين و له أولاد منهم أبو بردة بن أبي موسى و كان قاضياً و بلال بن أبي بردة و كان قاضياً بالبصرة و فيه يقول ذو الرمة
فقلت لصيدح انتجعي بلالا
العلاء بن الحضرمي و اسم الحضرمي عبد الله بن ضمار و بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب البحرين المنذر بن ساوي فأسلم و عبر العلاء إلى دارين فخاض البحر على فرسه و انتجع أسياف فارس و حمل من مال البحرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ألف و ثمانين ألف درهم و توفي في أيام عمر رضي الله عنهما.
عثمان بن مظعون من بني جمح يكنى أبا السائب قديم الإسلام و هو الذي افتتح الأبلة في خلافة عمر و اختط البصرة و أسس مسجدها و روي عنه أنه قال رأيتني و أنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فما أصبح منا اليوم أحد حياً إلا و هو أمير على مصر فهؤلاء المشهورون من مهاجري الصحابة السابقين إلى الإسلام و الهجرة و روي عن قتادة أنه قال من صلى إلى القبلتين فهو من المهاجرين الأولين.
و ممن تأخر إسلامه من الصحابة النعمان بن مقرن أمير المسلمين يوم نهاوند و بها قتل و نبت الشقائق على قبره فقيل شقائق النعمان.

جرير بن عبد الله البجلي كان ينقل في ذروة البعير لطول قامته و يقال له يوسف هذه الأمة لجماله و كماله و حسن فعاله.
عثمان بن العاص الثقفي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم و استعمله على الطائف و هو الذي افتتح أسياف فارس و بني توج بفارس و بها ولد.
عكاشة بن محصن الأسدي و هو ممن يدخل الجنة بغير حساب و قتله طليحة يوم بزاخة.
المغيرة بن شعبة من ثقيف و كان أعور من دواهي العرب و مات بالكوفة بالطاعون و كان أميرها من قبل معاوية و كان يزعم أنه أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ألقى خاتمه في قبره ثم نزل ليأخذه و كذبه علي و ابن عباس و قالا بل كان ذلك قثم بن العباس لأنه كان أصغر القوم و من ولد المغيرة عروة من أم الحجاج بن يوسف كانت تحته و العقار و حمزة ابنا عروة بن المغيرة و أخو المغيرة عروة بن مسعود أسلم و دعا قومه فقتلوه فقال النبي عليه السلام و هو من السابقين.
العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يكنى أبا الفضل كان ولد قبل الفيل بثلاث سنين و عاش تسعاً و ثمانين سنة ثم كف بصره و مات بالمدينة في زمن عثمان بن عفان و كان قصير القامة طويل اللحية و أسر يوم بدر فافتدي و أسلم و ولد اثني عشر نقيباً قال أبو صالح ما رأينا بني أب قط أبعد قبوراً من بني العباس مات الفضل بالشام و مات عبيد الله بالمدينة و مات عبد الله بالطائف و مات قثم بسمر قند.
عبد الله بن العباس رضي الله عنه بحر هذه الأمة يكنى أبا العباس و توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو ابن خمس عشرة سنة و يقال ثلاث عشرة و عاش ثلاثاً وسبعين سنة و مات بالطائف في فتنة ابن الزبير بعد ما كف بصره سنة ثمان وستين فضرب محمد بن الحنفية فسطاطاً على قبره و روى طائر جاء حتى دخل في كنفه فقيل فيه
إنما الطير علمه زال معه ... ذاك فينا اليقين و البرهان
و ولد عبد الله بن العباس ثمانية نفر منهم علي بن عبد الله أبو الخلفاء و اختلفوا في مولده فروى أنه ولد ليلة قتل فيها علي ابن أبي طالب رضي الله عنه و روي أنه ولد قبل ذلك فحنكه علي بيده و سماه علياً و قال هاك أبو الأملاك و كان سيداً شريفاً يصلي كل يوم ألف ركعة تحت الشجر و ذلك أنه كان له حائط فيه خمسمائة أصل زيتون فجعل يصلي كل يومٍ إلى كل أصلٍ ركعتين و كان يسمى ذا الثفنات وضربه الوليد بن عبد الملك بالسياط مرتين لقوله أن هذا الأمر سيكون في ولدي و ولد علي بن عبد الله بن العباس محمداً و عبد الله و كان بينه و بين أبيه أربع عشرة سنة فولد محمد بن علي أبا العباس السفاح و أبا جعفر المنصور من الحارثية و هي امرأة من بني الحارث بن كعب.
عمرو بن العاص الثقفي أبو الأبناء المشهورين أسلم هو و خالد بن الوليد سنة ست من الهجرة و كان سبب إسلام عمرو أنه لما خرج إلى الحبشة في شأن جعفر و من هاجر معه من المسلمين فقال للنجاشي ادفع إلي هؤلاء لأضرب أعناقهم فقال النجاشي تسألني أن أعطيك رهط نبي الله الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران عليه السلام لتقتلهم فوقع في قلبه الإسلام فلما كان وقت إسلامه خرج قاصداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه خالد بن الوليد و هو يريد الإسلام فقال إلى أين يا أبا سليمان قال لقد استقام أمر الميم وأن الرجل لنبي الله فأسلم فقال عمرو و الله ما جئت إلا لذلك فقدما المدينة و بايعا و كان عمرو من دواهي العرب و مات سنة اثنتين و أربعين بمصر في أيام معاوية و يقال إحدى و خمسين و هو ابن ثلاث و تسعين فصلى عليه ابنه عبد الله بن عمرو يوم الفطر ثم صلى بالناس العيد.
عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤي و كان يقرأ بالسريانية ويضرب بسيفين و مات بمكة و يقال بمصر و من ولده محمد بن عبد الله بن عمرو و من ولد محمد شعيب بن محمد و من ولد شعيب عمرو بن شعيب يروي الحديث عن أبيه عن جده.
و ممن أسلم عام الفتح و بعده عتاب بن أسيد بن العيص بن أبي العيص بن أمية أسلم عام الفتح واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرج إلى حنين و من ولده عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد يعسوب قريش شهد الجمل مع عائشة و احتملت عقاب كفه لما قطع و طرحته باليمامة فعرف بخاتمه و مات عتاب يوم مات أبو بكر رضي الله عنه.

أبو سفيان صخر بني حرب بن أمية بن عبد شمس أسلم قبل الفتح وذهبت إحدى عينيه بحنين و الأخرى باليرموك و مات بالمدينة في خلافة عثمان بن عفان و هو ابن ثمانً وثمانين سنة و من ولده معاوية بن أبي سفيان أسلم عام الفتح و ولى الشام لعمر و عثمان عشرين سنة و أمر عليها عشرين سنة و مات بدمشق سنة ستين من الهجرة و هو ابن اثنين وثمانين سنة.
و المؤلفة قلوبهم كلهم أسلموا عام الفتح و بعده و منهم أبو سفيان و معاوية و سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى و صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و الحارث بن هشام أخو أبي جهل بن هشام و عيينة بن حصن بن بدر و الأقرع بن حابس و العباس بن مرداس و جبير بن مطعم و الزبرقان و قيس بن مخرمة.
و ممن أسلم من الوفود حجر بن عدي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم و شهد القادسية و الجمل و صفين و كان من شيعة علي فقتله معاوية بعد ما أعطى الحسن بن علي الأمان لشيعة علي و لحجر خاصة، عدي بن حاتم الطائي شهد مع علي الجمل و مات أيام المختار بن أبي عبيد وقد بلغ من السن مائة وعشرين سنة.
لبيد بن ربيعة العامري الشاعر وفد فأسلم و لم يقل بعد الإسلام بيتاً من الشعر و مات و هو ابن مائة و سبع و خمسين سنة.
عمر بن معد ي كرب وفد فأسلم ثم ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و قتل بنهاوند رحمه الله و رضي الله عنه.
الأشعث بن قيس من كندة وفد فأسلم ثم ارتد ثم أسلم و زوجه أبو بكر أخته فروة بنت أبي قحافة و ابنه عبد الرحمن بن الأشعث خرج على الحجاج بن يوسف و خرجت القرامطة و كان الأشعث أسر فافتدي بثلاثة آلاف بعير و مات سنة أربعين .
قيس بن عاصم المنقري سيد بني تميم وفد على الرسول فأسلم و قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت سيد أهل الوبر و فيه يقول الشاعر
و ما كان قيس هلكه واحد ... و لكنه بنيان قوم تهدما
عمرو بن الحمق أسلم في حجة الوداع و كان من شيعة علي عليه السلام قتله عامل معاوية بالموصل.
عبد الله بن عامر بن كريز ابن خالة عثمان بن عفان و هو الذي فتح عامة فارس و خراسان و كابل و اتخذ النباج و القريتين بالمدينة و روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً و هو من قتل دون ماله فهو شهيد.
يعلى بن منية ويقال بن أمية فأمية أبوه و منية أمه و أسلم عام الفتح و جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بايعه على الهجرة فقال لاهجرة بعد الفتح.

إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه و هو يكنى أبا عبد الله و مات بالمدائن في خلافة عثمان و كان والياً عليها و روى ابن إسحق و الواقدي و غيرهما أنه قال كنت ابن دهقان قرية جي من أصبهان و بلغ من حب أبي إياي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية و اجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار قال و أرسلني أبي يومئذ إلى ضيعة له فمررت بكنيسة النصارى فدخلت إليهم فأعجبني صلاتهم فقلت دين هؤلاء خير من ديني فسألتهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فهربت من والدي حتى قدمت الشام و دخلت على الأسقف و جعلت أخدمه و أتعلم منه حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي فقال قد هلك الناس و تركوا دينهم إلى رجل بالموصل فالحق به فلما قضى نحبه لحقت بالرجل الذي أوصى به فلم يلبث ذلك إلا قليلاً حتى مات فقلت إلى من توصي بي قال ما أعلم رجلاً بقي على الطريقة المستقيمة إلا واحداً بنصيبين قال فلحقت بصاحب نصيبين و تلك الصومعة اليوم باقية بعد و هي التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام قال واحتضر صاحب نصيبين فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم قال فأتيته فأقمت عنده و اكتسبت بقيرات وغنيمات فلما نزل به سلطان الموت قلت له بمن توصي بي قال قد ترك الناس دينهم و ما بقي أحد على الحق وأنه لقد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبرهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بها نخل قلت و ما علامته قال يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة قال و مر بي ركب من كلب فخرجت معهم فلما بلغوا وادي القرى ظلموني وباعوني من يهودي فكنت أعمل له في زرعه و نخله فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عليه السلام له فابتاعني منه و حملني إلى المدينة فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها وبعث الله محمداً بمكة ولا أسمع بشيءٍ منه فبينا أنا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عليه السلام لسيدي فقال قاتل الله بني قيلة قد اجتمعوا على رجلٍ بقباء قدم عليهم من مكة يزعمون أنه نبي فأخذتني العرواء و الانتغاض و نزلت عن النخلة و جعلت استقصي في السؤال قال فما كلمني سيدي كلمة بل قال أقبل على شأنك و دع ما لا يعنيك قال فلما أمسيت أخذت شيئاً كان عندي من التمر فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلغني أنك رجل صالح و أن لك أصحاباً غرباء ذوي حاجة و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوا و أمسك فقلت في نفسي هذه واحدة و انصرفت فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي من التمر فأتيت به و قلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية مني فقال عليه السلام كلوا و أكل معهم فعلمت أنه هو فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال ما لك فقصصت عليه القصة فأعجبه ثم قال يا سلمان كاتب صاحبك فكاتبته على ثلاثمائة نخلة أحييها بالفقير و أربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال يا سلمان اذهب ففقر لها ثم اذني ففقرت ثم آذنته فجاء فوضعها بيده فو الله ما ماتت منها ودية و أتاه من بعض المغازي مال فأعطاني منه فقال أد كتابك فأديت و عتقت و فاتني بدر و أحد لشغلي برقي و شهدت الخندق و زعم قوم أن سلمان عاش مائتي سنة ونيفاً و سأم اليهودية و المجوسية و النصرانية.
إسلام أبي هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع من الهجرة فأسلم و اختلفوا في اسمه فقال الواقدي اسمه عبد الله بن عمرو و قال غيره عبد شمس و قيل عبد الرحمن بن صخر و يقال غير ذلك ولقب أبا هريرة بهرة صغيرة كان يلعب بها فاستعمله مروان بن الحكم على المدينة و مات في أيام معاوية و كان يقول نشأت يتيماً و هاجرت مسكيناً و كنت لبشر بن غزوان أجيراً بطعام بطني و عقبة رجلي فكنت أخدم إذا نزلوا و أحدو إذا ركبوا فروحنيها الله فالحمد لله الذي جعل الإسلام قواماً و جعل أبا هريرة إماماً.

ذكر من أسلم من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين أولهم أسعد بن زرارة أسلم عند العقبة بمنى و قطبة بن عامر و معاذ بن عفراء و عوف بن عفراء و عقبة بن عامر و جابر بن عبد الله هؤلاء الستة ثم أسلم في العام القابل اثنا عشر نفراً أولهم أبو الهيثم بن التيهان و أبو عبد الرحمن بن ثعلبة و ذكوان بن عبد القيس و رافع بن مالك و عويم بن ساعدة و عبادة بن الصامت ثم قدم في العام الثالث سبعون رجلاً منهم رئيسهم البراء بن معرور فأسلم و بعث النبي صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير و كان يقال له المهدي فأول من أسلم بدعائه بالمدينة سعد بن معاذ و أسيد بن حضير ونشأ الإسلام بالمدينة و اسعد بن زرارة من الأنصار وأسلم عند العقبة وبايع على النصرة و هو رأس النقباء و كان يقول في الجاهلية بالتوحيد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لم يلبث إلا قليلاً حتى مات فأوصى ببناته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكن في حجره حتى أدركن وزوجهن قال الواقدي خطب نبيط بن جابر الفارعة بنت أسعد بن زرارة فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم و جهزها و قال لهم ليلة الزفاف قولوا أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم و لولا الحنطة السمراء لم تسمن عذاريكم و لولا الذهب الأحمر لم نحلل بواديكم.
سعد بن عبادة سيد الخزرج كان يسمى الكامل في الجاهلية لأنه كان يحسن الكتابة و الرمي و العوم و هو الذي تلكأ عن بيعة أبي بكر و اعتزل في سقيفة بني ساعدة و قال منا أمير و منكم أمير ثم خرج إلى الشام و مات بها في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه و يقال نهشه الحية و من ولده قيس بن سعد بن عبادة الداهي الشجاع الفطن و هو من شيعة علي عليه السلام و كان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الشرطي يهابه الناس ما لا يهابون غيره و كان صاحب راية الأنصار يوم بدر.
سعد بن معاذ أصابه يوم الخندق نشابة فقطعت منه الأكحل فلما قضي في بني قريظة بقتل الرجال و سبي النساء انفجر عليه و انبعث حتى مات و قال صلى الله عليه وسلم لقد اهتز العرش لموت سعد.
عبادة بن الصامت عقبي بدري أحدي مات بالرملة زمن معاوية جابر بن عبد الله قال جابر أنا و أخي و خالي من أصحاب العقبة و ذهب بصره في آخر عمره و هو من مات بالمدينة من الصحابة في قول بعضهم.
ذكر من أسلم من الأنصار بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم روى الواقدي أن زيد بن ثابت قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة و أنا ابن إحدى عشر سنة و أول هدية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة مثرودة خبزاً وسمناً ولبناً بعثتها أمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله فيك قال و أمره أن يتعلم كتاب يهود فعلمه في بضع عشرة ليلة و كتب لأبي بكر و عمر و مات في زمن معاوية و من ولده خارجة بن زيد بن ثابت قال رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة لي قد أكملتها فمات بالمدينة .
أبي بن كعب الأنصاري يكنى أبا المنذر كان يكتب في الجاهلية والإسلام و توفي في خلافة عثمان فصلى عليه و قيل اليوم مات سيد المسلمين.
أبو طلحة الأنصاري اسمه زيد بن سهل قتل يوم حنين عشرين و هو يقول
أنا أبو طلحة و اسمي زيد ... وكل يوم في سلاحي صيد
و كانت أم سليم أم أنس بن مالك تحته و مات أبو طلحة في خلاقة بالمدينة.
أنس بن مالك كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حمزة قال أنس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة و أنا ابن عشر سنين فخدمته عشر سنين و مات وأنا ابن عشرين سنة و عاش أنس مائة وأربع سنين و هو آخر من مات بالبصرة في أيام الحجاج بن يوسف الثقفي ولم يمت حتى رأى من صلبه مائة ذكرٍ.
أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ببابه فنزل عليه سبعة أشهر حتى بنى بيوته و مات بأرض الروم غازياً مع يزيد بن معاوية أشقى الأشقياء فدفن في أصل سور القسطنطينية فالروم إذا قحطوا كشفوا عن قبره فيمطروا و له عقب.
عويم بن مالك مات بالشام زمن عثمان و كان آخر داره إسلاماً.

معاذ بن جبل الخزرجي شهد بدراً و مات بالشام في طاعون عمواس و هو ابن ثمانٍ وستين سنة كان سبب إسلامه أن عبد الله بن رواحة كان أخاً له في الجاهلية و كان لمعاذ بن جبل صنم فأتى عبد الله منزل معاذ و معاذ غائب ففلذ صنمه فلذاً فلما رجع معاذ وجد امرأته تبكي فقال ما وراءك فأخبرته بصنيع ابن رواحة بإلهه فتفكر معاذ في نفسه و قال لو عند هذا طائل لامتنع ثم جاء إلى عبد الله بن رواحة و قال انطلق بنا إلى رسول الله فانطلق به فأسلم و لم يبق مع عقب معاذ أحد.
عبد الله بن سلام اسمه الحصين وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله و هو من شيعة عثمان بن عفان روي عنه أنه قال كان أبي يدرسني التوراة فأتينا على ذكر رسول الله صله فقال لي إن كان من بني إسرائيل فاتبعه وإن كان من العرب فلا تتبعه فلما نظرت إلى وجه رسول الله صله علمت أنه ليس بوجه كذاب فجاء و سأل النبي عن ثلاثة أشياء عن أول نزل أهل الجنة وعن السواد في وجه القمر و عن آية الشبه من أين هو فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما نزل أهل الجنة فلام و نون و أما السواد الذي في القمر فإنهما كانا شمسين فمحاه الله عز و جل أما آية الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم فالولد شبيه به فأسلم عبد الله ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم خبث بهت و إن علموا بإسلامي بهتوني عندك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبار يهود وغيب عبد الله عنهم و قال كيف عبد الله بن سلام فيكم قالوا سيدنا وحبرنا وعالمنا فإن أسلم تسلمون قالوا هو لا يترك دينه اخرج يا عبد الله بن سلام فخرج و قال أشهدكم الله أتعرفون كذا و كذا يقررهم بأمور فقالوا قد ذهب عقلك.
حسان بن ثابت الأنصاري شاعر و أبوه شاعر و ابن حسان بن عبد الرحمن شاعر و ابن عبد الرحمن سعد شاعر و انقرض ولده و كان حسان يضرب بعذبة لسانه روثة أنفه و عاش مائة و عشرين سنة ستين في الجاهلية و ستين في الإسلام و لم يشهد حرباً قط من جبنه .
سهل بن حنيف الأنصاري و هو الذي لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أمره أن يكسر الأصنام فجعل يكسرها يستوقد بها و كان من شيعة علي عليه السلام و مات بالكوفة وصلى عليه وكبر ستاً أو خمساً و أخوه عثمان بن حنيف استعمله على البصرة و كان بعثه عمر رضي الله عنه على العراق فمسحها و جعل الخراج عليه.
خوات بن جبير صاحب ذات النحيين الخزرجي وأخوه عبد الله بن جبير أمير الرماة يوم أحد و قال النبي صلى الله عليه وسلم لخوات ما فعل بعيرك الشارد قال ما شرد منذ أسلمت.
محمد بن مسلمة الأنصاري قاتل كعب بن الأشرف و اتخذ سيفاً من خشب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشهد شيئاً من حروب الفتن إلى أن مات وله من البنين عشرة و من البنات ست و قد قلنا لك يرحمك الله في صدر هذا الفصل أن هذا من صناعة أصحاب الحديث و أن استيفاء عددهم غير ممكنٍ و إنما أتينا بما أتينا به لحاجة الناظر في الفصول التي تتلو هذا الفصل في أيام الخلافة و حوادث الفتن إلى معرفة أسماء من ذكرنا قصته و خبره و إلا لذهب بهاء ذلك الكلام و انقطع نظامه و خرج عن القصد الذي أردناه من الإيضاح و الإيجاز فليعرف الناظر مرادنا في سوق هذه الأسامي و الله الموفق و المعين ويتبع هذا الفصل اختلاف أهل الإسلام في مذاهبهم و تباين مقالاتهم و آرائهم ليبين بعده تأريخ الخلفاء من الصحابة و أيام بني أمية و ولد العباس و يكون خاتمة الكتاب على موجب الحال إن شاء الله تعالى.
الفصل التاسع عشر
في مقالات أهل الإسلام
أعلم أن الاختلاف في هذه الأمة وقع مبتدئاً من الصدر الأول ثم هلم جراً إلى يومنا هذا و لا يدرى ما هو كائن بعد.

ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أهل الأرض كفار على اختلاف ما بينهم من اليهودية و النصرانية و الشرك و الإلحاد إلا بقايا متفرقين بقيت منهم بقية من الذين يمسكونها و أفراد يدكوا ما هم فيه من الضلالة و جعلوا يطلبون ديناً فمنهم من لم يخترم حتى أدرك ما طلب مثل أبو الهيثم بن التيهان و أسعد بن زرارة و أبي ذر الغفاري و سلمان الفارسي و أبي قيس صرمة بن أبي أنس و منهم من مات على هدى مثل زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل و قس بن ساعدة و بحيرا وأرباب و عداس سمعوا منادياً ينادي قبل مبعث النبي صله خير أهل الأرض أرباب و بحيرا الراهب وآخر لم يأت بعد يعني النبي صلى الله عليه وسلم و منهم من طلب و تنصر ثم غلب عليه الشقاوة فارتكس و عاد إلى الضلالة مثل أبي عامر الراهب و أبي حنظلة العقيلي و أمية بن أبي الصلت الثقفي و لكل واحدٍ قصة نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى، فلما خرج رسول الله صله و دعا الخلق إلى الله آمن من أجابه و كفر من رده و صاروا فرقتين مؤمن و كافر ثم لما خرج إلى المدينة حسده قوم فنافقوه فأظهروا الإسلام و أسروا الكفر فصار الناس ثلاث فرقٍ كافر و مؤمن و منافق و ارتد قوم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن أبي سرح القرشي و مقيس بن صبابة الفهري و كعب بن الأشرف و ادعى قوم النبوة مثل مسيلمة الكذاب و الأسود العنسي هذا ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكله باقٍ إلى يومنا هذا الكفر و النفاق و التنبي فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الإمامة فتنازعها المهاجرون و الأنصار ثم رجعوا إلى قول أبي بكر رضي الله عنه أن الأيمة من قريش إلا سعد بن عبادة فإنه قال و الله لا أبايع قرشياً أبداً و بقي ذلك الاختلاف إلى يومنا هذا فمنهم من يجيز الإمامة من أفناء الناس و منهم من يقصرها على قريش ثم الخلاف الثاني و قع في شأن الردة فرأى أبو بكرٍ رضي الله عنه جهادهم بالسيف و رأى المسلمون خلاف ذلك ثم رجع أكثرهم إلى قول أبي بكرٍ وبقي الخلاف فإن من الناس من يقول كان قتالهم خطأً ثم الخلاف الثالث زمن عثمان رضي الله عنه أعانه قوم و قعد عن نصرته قوم و رأوا قتله حقاً فهذا الخلاف باقٍ و من العثمانية من يفضلونه على أبي بكرٍ و عمر ثم الخلاف الرابع وقع في خروج طلحة و الزبير و عائشة و أم حبيبة وزيد بن ثابت و النعمان بن بشير وكعب بن عجرة و أبو سعيد الخدري و محمد بن مسلمة و الوليد بن عقبة و عمرو بن العاص في بيعة علي عليه السلام و قولهم لا نراك أهلاً لهذا الأمر فلما انقضى أمر الجمل و قتل طلحة و الزبير بن العوام بايعوه كلهم إلا معاوية و عمرو كان من أمرهم ما كان .
ذكر فرق الشيعة منهم الغالية، و الغرابية، و الكرنبية، و الروندية، و المنصورية، و الربعية، و الزيدية، و اليعفورية، و الشمطية، و السراجية، و الكيسانية، والسبائية، و القحطبية، و الخطابية، و الجعفرية، و البيانية، و القطعية، و الطيارة، و الحلاجية، و المختارية، و الخشبية، و الكاملية، و الواقفية، و المسلمية، و منهم الباطنية، و الاسماعيلية، و القرامطة و الشرامحة، و الكاغذية، و الرمية، و المبيضة، و الكيالية، و يجمعهم كلهم الزيدية و الإمامية و لقبهم المذموم الرافضة.
تفصيل هذه المراتب و تفسيرها أعلم أن الشيعة أتوا في حياة علي بن أبي طالب ثلاث فرقٍ فرقة على جملة أمرها في الاختصاص به و الموالات له مثل عمار بن ياسر و سلمان و المقداد و جابر و أبي ذر الغفاري و عبد الله بن العباس و عبد الله بن عمر و جرير بن عبد الله البجلي و دحية بن خليفة و نظرائهم من الصحابة الذين لا يظن بهم غير الحق و لا نجد للطعن فيهم موضعاً و فرقة تغالوا قليلاً في أمر عثمان و تميل إلى الشيخين رضوان الله عليهم بعض الميل مثل عمرو بن الحمق و محمد بن أبي بكر و مالك الأشتر و قد قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يخيب الوليد بن عقبة
وكان ولي الأمر بعد محمد ... علي و في كل المواطن صاحبه

و كانوا يظهرون هذا المقدار في زمن أبي بكر و عمر وعثمان رضي الله عنهم و فرقة تغلو غلواً شديداً و تقول قولاً عظيماً وهم أصحاب عبد الله بن سبا يقال لهم السبائية قالوا لعلي أنت إله العالمين أنت خالقنا و رازقنا و أنت محيينا و مميتنا فاستعظم علي ذلك من قولهم و أمر بهم فأحرقوا بالنار فدخلوا النار وهم يضحكون ويقولون الآن صح لنا أنك إله إذ لا يعذب بالنار إلا رب النار و زعم إخوانهم بعد ذلك أنهم لم تمسهم النار و إنما صارت عليهم برداً و سلاماً كما صارت على إبرهيم عليه السلام و عند ذلك قال رضي الله عنه
إني إذا رأيت أمراً منكراً ... أججت ناراً و دعوت قنبرا
فلما استشهد رضوان الله عليه افترقت الشيعة فقالت فرقة من الإمامية كان الإمام بعد النبي صله علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسن ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم المهدي و هو الذي يذكره الحسين بن منصور المعروف بالحلاج في كتابه الموسوم بالإحاطة و الفرقان ثم نسق الأئمة نسق الأهلة إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً و فيه أنشدت لبعضهم
أدين بدين المصطفى و وصيه ... و الطاهرين وسيد العباد
و محمد و بجعفر بن محمد ... وسمي مبعوث بشط الوادي
وعلى المرضى ثم محمد و علي ... المعصوم ثم الهادي
حسن و أكرم بعده بإمامنا ... بالقائم المستور للميعاد
و أنشدت أيضاً
أنا مولى للنبي ثم للهادي علي ... وثمانٍ بعد سبطية و مستور خفي
فهؤلاء جل الإمامية يقولون بالأئمة الإثنى عشر و أن الأمة كفرت كلهم برد علي عليه السلام إلا ستة نفر سلمان و المقداد و جابر و أبو ذر الغفاري و عمار و عبد الله بن عمر وأن علياً يعلم كل ما يحتاج الناس إليه وكذلك هؤلاء الأئمة و كلهم معصومون لا يجوز عليهم السهو والخطأ و الغلط وفيه يقول الشاعر الناشي
أحاط بالعلم و لا يصلح أن ... يسوس أمراً من بعلم لم يحط
و يرون أن الدار دار كفرٍ حتى لو رمى رامٍ في جامعٍ من جوامع المسلمين لم يقع على مسلمٍ و أن سكوتهم للتقية و المداراة و ينتظرون خروج الثاني عشر فيخرجون على الأمة بالسيف و السبي و يتأولون قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل إنما هو قيام المهدي ولهم في ذلك أشعار كثيرة و أسطار بعيدة فمنها قول دعبل
فلولا الذي نرجوه في اليوم أو غدٍ ... تقطع نفسي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم الله البركات
فإن قرب الرحمن من ذاك مدتي ... و أخر من عمري و وقت وفاتي
سغبت و لم أترك لنفسي ريبة ... و رويت منهم منصلي و قناتي
و منهم القطعية قطعوا الإمامة عند وفاة موسى بن جعفر وأثبتوا لعلي بن موسى فسموا القطعية و منهم الواقفية وقفوا عند موت موسى بن جعفر قالوا إنه لم يمت و هو القائم و منهم الكرنبية أصحاب ابن كرنب الضرير زعم أن الإمام بعد علي الحسن ثم محمد ابن الحنفية و أن محمداً لم يمت و لا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً و احتج بالخبر لو لم يبق من الدنيا إلا عصر لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً قالوا و هو مقيم بجبل رضوى بني أسد قالوا و ثم يخبر شأنه إلى وقت خروجه يأتيه رزقه بكرة وعشيا و منهم من يقول أن للأسد عقوبة لركوبه إلى عبد الملك بن مروان و فيه يقول الشاعر
ألا قل للإمام فدتك فنسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر و إلا آل منا ... و سموك الخليفة و الإماما
و عادوا فيك أهل الأرض طراً ... مقامك عندهم سبعين عاما
و قالوا و المقال لهم عريض ... أترجون أمر ألقى الحماما
و ما ذاق ابن خولة طعم موت ... و لا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى و ضل بشعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكراما

و أما السراجية فهم أصحاب حسان السراج و هم يزعمون أن ابن الحنفية ميت بجبال رضوى و أنه يبعث إذا بعث الخلق و يملأ الأرض عدلا حينئذ بالرجعة و أما الناووسية فأصحاب ابن ناووس البصري يزعمون أن جعفر بن محمد لم يمت و لا يموت و هو المهدي و أما السبائية فإنهم يقال لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون و إنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس و أن علياً لم يمت و أنه في السحاب و إذا سمعوا صوت الرعد قالوا غضب علي و قال عبد الله بن سبأ للذي جاء ينعى علياً لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه و من الطيارة قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة و عامة هؤلاء يقولون بالتناسخ و الرجعة و منهم من يزعم أن الأئمة أنوار من نور الله تعالى و أبعاض من أبعاضه و هذا مذهب الحلاجية و أنشدني أبو طالب لنفسه
كادوا يكونون ... لولا ربوبية الرحمن لم يكن
فيا لها أعينا بالغيب ناظرة ... ليست كأعين ذات الماق و الجفن
أنوار قدس لها بالله متصل ... كما يشاء بلا وهم و لا فطن
هم الأظلة و الأشباح إن بعثوا ... لا ظل كالظل من فئ و من سكن
فأما المغيرية فأصحاب المغيرة بن سعيد أثبتوا له النبوة و زعموا أن محمد بن الحنفية لو شاء أحيا الخلق حتى عاداً و ثموداً فأخذه خالد بن عبد الله فقتله و صلبه و أما البيانية فإنهم أقروا بنبوة بيان و هو رجل من سواد الكوفة تأول قول الله عز و جل هذا بيان للناس أنه هو و كان يقول بالتناسخ و الرجعة فقتله خالد بن عبد الله القسري و فيهما يقول الشاعر
طال التجاوز عن بيان واقفاً ... و عن المغيرة عند مرج العاشر
يا ليته قد شال جذعا نخلةٍ ... بأبي حنيفة و ابن قيس الماصر

و أما البزيغية فأصحاب بزيغ الحائك أقروا بنبوته و زعموا أنهم كلهم أنبياء يوحي الله إليهم و احتجوا بقوله تعالى و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله يعني بوحي الله و زعموا أنهم لا يموتون و لكنهم يرفعون إلى الملكوت و ادعوا رؤية موتاهم كما يدعيه الهنود و زعم بزيغ أنه صعد إلى السماء و أن الله مسح على رأسه و مج في فيه و أن الحكمة تنبت في صدره كما تنبت الكمأة في الأرض و أنه رأى علياً قاعداً على يمين الرب جل جلاله و أما الكيسانية فأصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان يلقب بكيسان و كان يدعي أنه يوحى إليه و أنه يعلم الغيب و يقولون بإمامة محمد ابن الحنفية و يحتجون بأن علياً دفع الراية إليه بالبصرة و أما الخطابية فهم أصحاب ابن الخطاب يرون الشهادة بالزور على من خالفهم بالدماء و الأموال و من ها هنا لم يجز الفقهاء شهادة الخطابية و منهم المنصورية و هم أصحاب منصور الكسف يزعمون أنه هو الذي قال الله تعالى و إن يروا كسفاً من السماء ساقطاً و أما الغرابية فيزعمون أن علياً أشبه بالنبي عليه السلام من الغراب بالغراب فغلط جبريل لشبهه به و أما الروندية أصحاب أبي هريرة الروندي و يقال هم الهريرية زعموا أن الإمام بعد النبي صله العباس عليه السلام ثم بنوه لأن العم أولى من ابن العم و نبغت فرقة منهم في أيام أبي جعفر المنصور بمدينة الهاشمية و جعلوا يطوفون بقصره و يقولون أن أبا جعفر خالقهم و رازقهم و أن روح آدم صار في عثمان بن نهيك و أن جبريل هو الهيثم بن معاوية فأخذ المنصور جماعة منهم و حبسهم فنقم الباقون و استعرضوا الناس يمرجونهم بالسيف فخرج إليهم المنصور فاصطلمهم و مضت طائفة منهم إلى حلب و استغووا ذوي العقول الضعيفة و زعموا أنهم بمنزلة الملائكة و خيطوا الحرير على مثال الأجنحة و غرزوا فيه الريش و صعدوا تلاً عظيماً بحلب و طاروا منه فتكسروا و هلكوا و أما اليمانية فإنهم أصحاب يمان بن رباب زعموا أن الله عز و جل على صورة إنسان يهلك كل شيءٍ إلا وجهه و كفروا بالقيامة و زعموا أن الدنيا لا تفنى استحلوا الميتة و الخمر و زعموا أنها أسماء رجال كره الله ولايتهم يعنون أبا بكر و عمر و عثمان و أما الهشامية و فإنهم أصحاب هشام بن الحكم يقولون بالجبر و التشبيه و أن الله عز وجل نور يتلألأ على صورة المصباح وهو من متكلميهم و شطارهم و منهم الشيطانية أصحاب شيطان الطاق قريب قوله من قول هشام و منهم الجعفرية أجهروا القول بأن جعفر هو الله و أنه ليس بالذي يرى و لكنه يشبه الناس بهذه الصورة الذميمة القبيحة للاستئناس و أما القرامطة فأصحاب القرمط و هو رجل من سواد الكوفة أباح لهم قتل من خالفهم فلذلك خرجت القرامطة على الحجاج غير مرة و أما الزيدية فإنهم أصناف منهم الجارودية أصحاب سليمان بن جرير الجارود قالوا أن النبي نص على علي بالوصف لا بالتشبيه ثم الحسن ثم الحسين فكل من خرج من هذين البطنين شاهراً سيفه عالماً بالكتاب و السنة فهو الإمام و منهم الجريرية أصحاب سليمان بن جرير الرقي قالوا كانت الإمامة لعلي و أن بيعة أبي بكر و عمر كانتا خطأً من جهة التأويل فلا يستحقان الكفر و الفسق و لكن من حارب علياً فهو كافر وأما الزيدية يزعمون أن أبا بكر و عمر كانا مستحقين للإمامة لأن علياً سلم ذلك إليهما و وقعوا في عثمان و أما الروندية فإنهم قوم يقولون أن الأمة كفرت بدفع علي و أما الخشبية فإنهم أصحاب إبراهيم بن مالك الأشتر قتلوا عبيد الله بن زياد و كان عامة سلاحهم ذلك اليوم الخشب و أما الباطنية فأصناف و فرق و أسماؤهم مختلفة لدعوة كل ناجم منهم إلى نفسه و عامتهم يظهرون الإمامة ويدعون للقرآن تأويلاً و من أراد الظهور على وهن مذهبهم و خطأ دعواهم فلينظر في كتبهم فإنه يجد الوقت الذي ضربوه لخروج ملتهم و اعتلاء شأنهم قد فات منذ ثلاثين سنة و للمسلمين عليهم مستخف بجوابهم لأن عقائد الناس إما كفر وإما إيمان و هم يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً فأي امرئٍ يعجز عن تأويل ما غيروه عن ظاهره إلى ما أحب و أراد و ما بلغ أحد منهم ما بلغ ابن رزام فإنه أظهر عورتهم و ملأ جلودهم مساءةً و عيباً و يذكر قوم أن بدو أمرهم ظهر في أيام أبي مسلم فإن الخرمية احتالوا في إزالة الملك إلى العجم فموهوا هذه النحلة و زينوها للجهال و دعوا إليها في السر و محصول

أمرهم التعطيل و الإلحاد و أما اليعفورية و الشمطية و الأقحطية فأصناف منسوبون إلى يعفور و الأشمط و الأقحط.رهم التعطيل و الإلحاد و أما اليعفورية و الشمطية و الأقحطية فأصناف منسوبون إلى يعفور و الأشمط و الأقحط.
ذكر فرق الخوارج منهم الأزارقة، و النجدات، و الراسبية، والإباضية، و القطوية، و المبهوتية، و الصفرية، و العجردية، و الكوزية، و الأيادية، و البهيسية، و الحازمية، و الخلفية، والأخنسية، و المعبدية، و الصلتية، و الخمبرية، و المكرمية، و البدعية، و السابية، و الثعلبية،ويجمعهم كلهم اسم الخوارج و الشراة و الحرورية و الحكمية ولقبهم المذموم المارقة و أصل مذهبهم إكفار علي بن أبي طالب رضي الله عنه و التبرء من عثمان بن عفان رضي الله عنه في الست سنين و التكفير بالذنب و الخروج على الإمام الجائر.
تفصيل هذه المذاهب و تفسيرها روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم قسماً فجاء ذو الخويصرة حرقوص بن زهير التميمي فقال ما عدلت منذ اليوم فقال عمر ائذن لي اضرب عنقه فقال دعه يا عمر فإن له اصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يؤمهم رجل أسود له ثدي كثدي المرأة و يروى فيهم نزل و منهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا الآية و روي عن أبي سعيد أنه قال أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً حين قتلهم جيء بالرجل على النعت و كان بدء أمرهم حين حكم على الحكمين بصفين فنادت الخوارج لا حكم إلا لله فلما رجع علي إلى الكوفة اعتزل عبد الله بن الكواء و شبيب بن ربعي في اثني عشر ألفاً ويقال في ستة آلاف فنزلوا حروراء قرية من السواد و بها سموا الحرورية فبعث علي عبد الله بن العباس إليهم فكلمهم و ناظرهم بأن الله عز و جل قد حكم في فدية أرنب ذوي عدلٍ فما يضر إن حكم في دماء المسلمين فرجع عبد الله بن الكواء في ألفي رجل و بقي الباقون و أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي ثم سموا الراسبية ثم أخذوا في الفساد فقال علي عليه السلام دعوهم حتى أخذوا الأموال و سفكوا الدماء فمروا بالمدائن و لقيهم عبد الله بن خباب بن الأرت و كان والياً عليها فقالوا له حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثهم بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحرب و أن يكون الرجل عبد الله بن المقتول ولا يكون عبد الله القاتل فتأولوا عليه أنه يدين بتخطيتهم في الخروج فقتلوه و بقروا عن بطن امرأته و قتلوا نسوةً و ولداناً فخرج علي إليهم وقالوا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا و نحن تاركوكم فأبوا عليه و ثاروا به فتهيأ علي لقتالهم و دعا المسلمين إليهم فقتلهم بالنهروان و لم يخطئ السيف منهم عشرة آلافٍ و كان المخدج ذو الثدية قد دخل القنطرة و التاط بسقفها فقال علي اطلبوه فو الله ما كذب رسول الله فحمحمت البغلة فنظروا فإذا هو تحت القنطرة فأخرج و قتل و رجع عبد الله بن وهب قبل القتال و خرج مسعر بن فدكي إلى البصرة و مر أبو مريم السعدي إلى شهرزور و مر فروة بن نوفل إلى بند نيجين و هو يقول و من ها هنا ثبت مذهب الخوارج في الأرض
كرهنا أن نريق دماً حراماً ... و هيهات الحرام من الحلال
و قلنا في التي بقولٍ ... معاذ الله من قيلٍ و قال
نقاتل من يقاتلنا و نرضى ... بحكم الله لا حكم الرجال
و فارقنا أبا حسنٍ علياً ... فما من رجعةٍ إحدى الليال
فحكم في كتاب الله عمراً ... وذاك الأشعري أخا الضلال
و منهم الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق أخذوا الناس بالبراءة ممن قصد عسكرهم و أما البهيسية أصحاب أبي بيهس

هيصم بن جابر كان يرى الدار دار شرك و استحل دماء أهل القبلة و هرب من الحجاج إلى المدينة فأخذه عامل الوليد بن عبد الملك فقطع يديه و رجليه و أما الميمونية فإنهم يجيزون نكاح بنات الابن و بنات البنات و بنات بني الإخوة و بنات الأخوات قالوا لأن الله عز و جل يقول و أحل لكم ما وراء ذلكم و قالوا ليست سورة يوسف من القرآن و لا حاميم عين سين قاف و أما البدعية فإنهم يزعمون أن الصلاة صلاتان بالغداة ركعتان و بالعشي ركعتان لا غير و أما الحمزية فإنهم أصحاب حمزة الشاري و حمزة غرق في وادي كرمان و يزعمون أنه راجع إليهم بعد مائة وعشرين سنة و أما العجاردية فهم أصحاب ابن عجرد يزعمون أنه يجب البراءة من الطفل حتى يبلغ فإذا وجب أن يدعى إلى الإسلام فإن أجاب تولى حينئذٍ وأما المعلومية فإنهم يقولون من لم يعلم الله بجميع أسمائه فإنه كافر و منهم الأباضية أصحاب الحارث بن أباض و من ولده ماهرت سلم عليه بالخلافة و الصلتيه أصحاب الصلت بن أبي الصلت و الأخنسية أصحاب الأخنس و كل فرقة منهم منسوبة إلى إمامهم الذي يتوالونه فمنهم من يقول لا حجة إلا لله على خلقه في التوحيد إلا بالخير ومنهم من يقول من قال بلسانه أن الله واحد وعنى المسيح فهو صادق بلسانه مشرك بقلبه و أفضلهم النجدات و هم أصحاب نجدة الحنفي كان من نافع بن الأزرق فلما أخذ نافع الناس بالبراءة و المحنة فارقه و قال إذا أخطأ الرجل في حكم من الأحكام من جهله فهو معذور وإذا أذنب رجل منهم خرج من الإيمان وإن كان من غيرهم كفر و من نظر نظرة أو كذب كذبة بإصرار فهو مشرك و إن زنا أو سرق من غير إصرارٍ فهو مسلم قالوا وأطفال المشركين في الجنة و هذا لا يقبله من الخوارج غيرهم.
ذكر فرق المشبهة، الهشامية، و المغيرية، و اليمانية، و المقاتلية، و الكرامية، و الجواربية، و كثير من أصحاب الحديث و أصحاب الفضاء و عامة النصارى و اليهود إلا العنانية.
تفصيل هذه المذاهب أما هشام بن الحكم فإنه يزعم أن الله جسم طويل عريض نور من الأنوار له قدر من الأقدار مصمت ليس مجوفاً ولا متخلخلاً كأنه سبيكة تلألأ من جميع جهاتها و مثل ذلك من الدرة تكون من كل أطرافها واحدة و أن لونه هو الطعم و هو الرائحة و هو المحس و أنه قد كان لا في مكانٍ ثم حدث المكان بحدوث الحركة و أنه ذو أبعاضٍ و أجزاءٍ و أنه سبعة أشبارٍ و أما المغيرية فإنهم أصحاب المغيرة بن سعد زعم أن الله عز و جل على صورة رجلٍ من نورٍ عليه تاج من نورٍ و له من الأعضاء ما للرجل و له جوف و قلب ينبع منه الحكمة و أن حروف أبي جادٍ على عدد أعضائه فالألف موضع قدميه و الميم موضع رأسه و السين صورة أسنانه و العين و الغين صورة أذنيه و الصاد و الضاد صورة عينيه و زعم أنه عرج إلى السماء فمسح الرب رأسه و قال اذهب يا بني إلى الأرض وقل لهم أن علياً يميني وعيني، وأما اليمانية فهم أصحاب يمان بن زياد زعم أن الله على صورة إنسان يهلك كله إلا وجهه، و أما الجواربية أصحاب داود الجواربي زعم أن الله جسم منصف من فمه إلى صدره أجوف و من صدره إلى أسفله مصمت و أما المقاتلية فهم أصحاب مقاتل ابن سليمان زعم أن الله جسم من الأجسام لحم و دم و أنه سبعة أشبارٍ بشبر نفسه، و أما الكرامية فإنهم أصحاب محمد بن كرام و هم سكان الخانقة يزعمون أن الله تعالى جسم لا كالأجسام بسيط مكان الأشياء كلها و أما أصحاب الحديث فإنهم يصفونه بكل ما جاء في الخبر و دل عليه القرآن من اليد و الرجل و الجنب و العين و الأصابع و السمع و الأذن و غير ذلك، و من الصوفية من يزعم أنه ربما يلقاه في بعض الطرق و يعانقه و يقبله جل البارئ عن صفةٍ لا تليق به ليس كمثله شيء و هو السميع البصير سبحان الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً و قد مضى على النقض على أهل التشبيه في فصله ما فيه كفاية و ما أحسن ما يقوله الناشي
ما في البرية أخزى عند فاطرها ... ممن يقول بإجبارٍ و تشبيه

ذكر فرق المعتزلة منهم العبادية، و الذمية، و المكاسبة، و البصريون و البغداديون، وأصل مذهبهم القول بالأصول الخمس و هي التوحيد و العدل و الوعيد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و المنزلة بين المنزلتين فمن خالفهم بالتوحيد سموه مشركاً و من خالفهم في الصفات سموه مشبهاً و من خالفهم في الوعيد سموه مرجئاً وإنما سموا معتزلةً لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري رحمه الله و ذلك أن الناس اختلفوا في مرتكبي الكبائر فقالت الخوارج كلهم كفار و قالت المرجئة هم مؤمنون و قال الحسن هم منافقون فاعتزل واصل بن عطاء و من تبعه و قالوا هم فساق و ليسوا بمؤمنين و لا منافقين و لا كافرين و هذه المنزلة بين المنزلتين و أجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز القول بجواز الرؤية على الله عز و جل إلا أبا بكر الإخشيدي صاحب أبي علي الجبائي فإنه قال بالرؤية من غير تحديدٍ و تكييفٍ و أجمعوا بأنه لا يجوز القول بأن القرآن غير محدث إلا رجلاً يقال له عبد الله بن محمد الأبهري كان قاضي نهاوند يزعم أنه لا يجوز القول بأن القرآن محدث و أجمعوا بأن الله عز و جل ما قدر المعاصي و لا قضاها إلا جعفر بن حربٍ فإنه أجاز القول بأن الله أراد الكفر على معنى أنه أراد أن يكون الكفر مخالفاً للإيمان و أن يكون قبيحاً غير حسنٍ و أما العبادية فإنهم أصحاب عباد بن سليمان كان يزعم أن الأعراض لا تدل على الله عز و جل و إنما الأجسام هي التي تدل عليه و كان يمنع من القول بأن الله عز و جل لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها لأن المعدوم عنده ليس بشيءٍ فلا يجوز أن يعلم و يرى قتل من خالفه أن أمكن و أما الذمية فإنهم أصحاب أبي هاشم و أبي علي الجبائي يزعمون لو أن رجلاً أصر على مائة ذنب فتاب و انتزع من تسعة و تسعين منها أن توبته غير مقبولة ما لم يرجع عن جميعها و هو مستحق للذم على توبته و أما المكاسبة فإنهم لهم ذريات في حدود مهرجان قذق لا يرون الكسب لأن الدار عندهم دار كفر و أما البصريون فإنهم الذين أصلوا هذا المذهب مثل واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد و أبي الهذيل ابن العلاف و أبي إسحق النظام و البغداديون يخالفونهم في أشياء من اعتلالهم دون الأصول منهم ثمامة بن أشرس و الجعفران و زعم ابن الروندي في كتاب فضائح المعتزلة أن جعفر العتبي منهم يحل الخضخضة و أن عقار منهم يحل شحم الخنزير و تفخيذ الصبيان و حدثت عن أبي عثمان الجاحظ أنه كان يقول الكلام للمعتزلة و الفقه لأبي حنيفة و البهت للرافضة و ما بقي فللعصبية و أنشدت لأبي محمد بن يوسف السوري
ما ملة فوق ظهر الأرض من ملل ... إلا تهيب عن تسآل معتزل
قوم إذا ناظروا صالوا بعلمهم ... صول البزاة على الدراج و الحجل
لله درهم فهماً و معرفةً ... و فطنة بلطيف القول و الجدل

ذكر فرق المرجئة منهم الرقاشية، و الزيادية، و الكرامية، و المعاذية، و أصل مذهبهم ترك القطع على أهل الكبائر إذا ماتوا غير تائبين بعذاب أو عفو و أرجؤوا أمرهم إلى الله عز و جل و لهذا سموا المرجئة و منهم صنف يقولون بتحرير الخصوص و ذلك أن كل آية نزلت في وعيد أهل الصلاة قالوا يجوز أن يكون في المستحلين لها دون غيرهم و صنف يقولون بالاستثناء ومعناه أن يكون مقروناً بالاستثناء عند الله عز و جل لم يظهره لخلقه كأنه قال و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزؤاه جهنم خالداً فيها أن جازاه و إن لم يتب فأما الرقاشية فإنهم أصحاب الفضل الرقاشي قال لا يعذب الله أحداً من أهل التوحيد على ذنب و هو قول المعاذية أصحاب يحيى بن معاذ الرازي يرون ان الله عز و جل من جوده و فضله و رحمته لا يعذب أحداً على ذنب ما لم يبلغ الكفر و أما الزيادية فإنهم أصحاب محمد بن زياد الكوفي زعم أن من عرف الله عز و جل و أنكر الرسول فهو مؤمن كافر مؤمن بالله عز و جل كافر بالرسول و أما الكرامية فإنهم أصحاب محمد بن كرام يزعمون أن الإيمان قول مجرد و المنافق مؤمن ثم يفترقون فمنهم الصواكية و منهم المعية و منهم الذمية و ليس في ذكرهم و ذكر مذهبهم كثير فائدة أو معنى و قالوا كلهم لو أن الله عفا عن واحد من مرتكبي الكبائر عفا عن كل من هو في مثل حاله و كذلك إن عاقب واحداً منهم عاقب كلهم إلا أن أبا حنيفة فإنه يقول يجوز أن يغفر لبعض و يعاقب بعضاً و قال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
و أول ما نفارق غير شك ... فارق ما تقول المرجئونا
و قالوا مؤمن دمه حرام ... و قد حرمت دماء المؤمنينا
هو القرآن حقاً غير خلق ... كلام الله رب العالمينا
و إن الله حرم كل خمر ... إذا غطت عقول الشاربينا
ذكر فرق المجبرة و المجورة منهم الجهمية، و الضرارية، و النجارية، و الصباحية، فأما الجهمية فأصحاب جهم بن صفوان الترمذي قتله بمرو سلم بن أحوز قاتل يحيى بن يزيد رحمه الله و كان لا يقول إن الله شيء لأن الشيء عنده محدث و لكنه منشئ الشيء و إن علمه شيء غيره و هو محدث و إن الجنة و النار يفنيان لا يدومان و الإيمان بالمعرفة و القلب فقط دون الإقرار و العمل و لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله عز و جل و إن العباد فيما ينسب إليهم من الأفعال كالشجرة تحركها الريح و هي فعل الله عز و جل على الحقيقة فأفعالها منسوبة إليهم على المجاز، و أما الضرارية فإنهم أصحاب ضرار بن عمرو يقول بفعل فاعلين على الحقيقة و أن الله خلق فعل العبد و العبد فاعله على الحقيقة دون المجاز الذي يقول جهم، و أما النجارية فهم أصحاب الحسين النجار يقول بفعل فاعلين الله فاعله و العبد مكتسبه، و أم الصباحية فهم أصحاب الصباح بن السمرقندي زعم أن الخلق و الأمر من الله لم يزالا كما لم يزل الخالق و مثل ذلك بالنائم يرى أنه بالشام أو بمكة أو يأكل أو يشرب من غير أن يكون شيء من ذلك قال و كل هؤلاء مجمعون أن الكفر و المعاصي بقضاء الله و قدره و مشيته و علمه و قدرته لا يرضاه و لا يجيبه إلا رجلاً من المتأخرين يقال له محمد بن بشير الأشعري فإنه يزعم أن الله يرضى و جعل قوله و لا يرضى لعباده الكفر على الخصوص و أنشدت أبا العباس السامري بمرو و كان يجهر القول بأن الله عز و جل خلق كافراً و مؤمناً حين خلق
اصفع المجبر الذي ... بقضا السوء قد رضي
فإذا قال لم صفع ... ت فقل هكذا قضي
و أنشد
بلى ربنا الجبار و الجبر فعله ... و مجبوره في الخلق يلقى به الحشرا

ذكر فرق الصوفية منهم الحسنية، و الملامتية، و السوقية، و المعذورية، و جملة أمرهم انهم لا يحملون على مذهب معلوم و لا عقيدة مفهومة لأنهم يدينون بالخواطر و المخائيل و ينتقلون من رأي إلى رأي فمنهم من يقول بالحلول كما سمعت واحداً منهم يزعم أن مسكنه بين عوارض المرد و منهم من يقول بالإباحة و الإهمال و لا يدعون للوم اللائمين و منهم من يقول بالعذر و معنى ذلك أن الكفار عندهم معذورون في كفرهم و جحودهم لأنه لا يتجلى لهم و احتجب دونهم و منهم من يقول أن الله لا يعذب أحداً و لا يعبأ بخلقه و منهم من يقول بالتعطيل المحض و الإلحاد البحت و مرجوع أمرهم إلى الأكل و الشرب و السماع و اتباع الهوى و متابعة النفس.
ذكر فرق أصحاب الحديث و يلقبون بالحشوية و المخلوقية و اللفظية و النصفية و الفاضلية و الصاعدية و الساوية و المالكية و يجمعهم القول بأن الإيمان قول و عمل و معرفة يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام و اختلفوا بعد ذلك فروي عن أحمد بن حنبل انه قال فلو قال قائل ثم علي لرجوت و ذهبت إلى حديث ابن عمر و أن معاوية خال المؤمنين و خليفة رب العالمين و أن من قال القرآن مخلوق فهو كافر بالله عز وجل، و أما المخلوقية فيزعمون أن الإيمان مخلوق و حدثني محمد بن خالويه بالسوس قال حدثني أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال من قال القرآن مخلوق فهو كافر بالله لأن الإيمان من القرآن و روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال و من يكفر بالإيمان قال بالله و أما النصفية فيزعمون نصفه مخلوق و أم اللفظية فإنهم أصحاب الحسين الكرابيسي يزعمون أن اللفظ بالقرآن غير مخلوق و أما الفاضلية فإنهم يفضلون النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن و أما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه روي لا نبي بعدي إلا ما شاء الله و المالكية يقولون بمحاش النساء و السراوية يكرهون أن يزيدوا الوتر على الركعة الواحدة لأن فيها مخالفة للسنة و الساوية يقولون نحن مؤمنون إن شاء الله فيعقدون الاستثناء على المراضي و يلقب هؤلاء بالشكاك و أما البربهارية فإنهم يجهرون بالتشبيه و المكان و يرون الحكم بالخاطر و يكفرون من خالفهم و الكلابية أصحاب أبي عبد الله بن كلاب مناظرهم و لسانهم و صدرهم و أنشدت لبعضهم
و جاهل يدعي علماً و ليس له ... علم يوازن عندي قشرة البصل
يقول من جهله الإيمان أجمعه ... بالله ليس سوى قول ولا عمل
لو كان حقاً نجا إبليس من لهب ... بقوله رب أنظرني إلى أجل
تم الفصل التاسع عشر بتوفيق الله و حسن تأييده
الفصل العشرون
في مدة خلافة الصحابة
و ما جرى فيها من الحوادث و الفتوح إلى زمن بني أمية
خلافة أبي بكر رضي الله عنه قالوا و لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض نظام الجماعة و تشتت الكلمة و اضطرب حبل الألفة و انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة و قالوا منا أمير و منكم أمير و اعتزل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه و طلحة و الزبير ابن العوام في بيت فاطمة عليه السلام فأتاهم أبو بكر قبل أن يفرغ من جهاز النبي عليه الصلاة و السلام و قد ذكرت قصة البيعة في ذكر وفاة النبي و ارتدت العرب قاطبة إلا ثلاثة مساجد المدينة و مكة و البحرين وناساً من نخع و كندة فمنهم من أبى أن يعطي الزكاة و منهم من أنكر الزكاة و منهم من أنكر كفره و ناصب المسلمين.

سرية أسامة بن زيد رضي الله عنه و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأسامة لواء و استعمله على المهاجرين و الأنصار و أمره أن ينتهي إلى حيث قتل أبوه و جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فيغير عليهم فيقتلوا و يحرقوا و يسبي فتربص الناس بذلك لشكوى النبي صله من مرضه فتكلموا فيه و قالوا استعمل غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين و الأنصار فخرج رسول الله صله في مرضه و قال أيها الناس أنفذوا جيش أسامة فلما نبغ الكفر و اشرأب النفاق و رمتهم العرب عن قوس واحدة قالوا لأبي بكر لو حسبت جيش أسامة يكون ردءاً للمسلمين فأنا لا نأمن على المدينة الغارة فقال أبو بكر رضي الله عنه و الله لو لم يبق بها غيري ما حبسته لأنه كان صله يقول أنفذوا جيش أسامة و الوحي ينزل عليه و لكن أكلم أسامة أن يخلف عمر و كان عمر ممن خرج مع تلك السرية فتخلف عمر و سار أسامة في ثلاثة آلاف حتى أوطأ الخيل أرض البلقاء و شن الغارة على فلسطين و قتل قتلة أبيه و أصاب من العدو و نكى فيه و ذلك في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة فرجع فبعثه في إثر خالد بن الوليد إلى اليمامة فلحقه و شهد معه القتال.
ذكر الردة و لما ارتدت العرب انتدب أبو بكر لقتالهم فقال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقاتل قوماً يشهدون بالحق و رسول الله صله يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها فقال أبو بكر لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة و الله لو منعوني عناقاً لقاتلتهم و يروى عقالاً فرجع المسلمون إلى قوله استصوبوا رأيه قال سعيد بن المسيب و كان أفقههم وأمثلهم رأياً يعني أبا بكر رضي الله عنه و أرضاه.
قصة الأسود بن كعب العنسي الكذاب روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام كأن في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفحتهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر بصنعاء قالوا فما أولتهما يا رسول الله قال كذابين يخرجان بهما فأما الأسود فإنه قتل في أيام النبي صله في قول بعض أهل العلم و روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال سمعت النبي صله في مرضه يقول قتله الرجل الصالح فيروز الديلمي و قال بعضهم بل قتل بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنين و أما مسيلمة فإنه ورد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة و كاتبه ثم قتله خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه و كان العنسي يدعي النبوة و لا ينكر نبوة محمد عليه السلام و يقال له ذا الخمار و ذلك أنه كان يلقي خماراً دقيقاً على وجهه و يهمهم فيه و يزعم أن سحيقاً و شقيقاً ملكين يأتيانه بالوحي و جعل يتلو عليهم و المايسات ميساً و الدارسات درساً يحجون عصباً و فراداً على قلائص حمر و صهب و كان له حمار يقول له اسجد فيسجد ويقول اجث فيجثو فافتتن الناس بخماره وحماره و تبعه خلق كثير و سار إلى نجران فغلب عليها و استنكح المرزبانة امرأة باذان غصباً و هي من الأبناء ابناه هرن ثم صار إلى صنعاء فخرج الأبناء و كانوا قد أسلموا عند ورود كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بانومه فقاتلوا قتالاً شديداً ثم فرجوا له إذ لم يقاوموه قالوا ووقع العنسي في الخمر يشربها ولا يصلي و لا يغتسل من جنابه و كان يزعم أن سحيقاً يقول له لا غسل عليك في وادي صنعاء و احتالت المرزبانة و كانت مسلمة دينة فعملت سرباً تحت الأرض يفضي إلى خارج القصر و واعدت فيروز الديلمي ليلةً وسقت العنسي حتى امتلأ خمراً فجاء فيروز و داود و قيس بن المكشوح المرادي للميعاد فدخل فيروز من البيت فإذا العنسي ثمل نائم و المرزبانة قاعدة على رأسه و كان يحرسه ألف رجلٍ كل ليلة قال فأشارت المرزبانة أين السيف قال و كنت نسيته فقلت في نفسي أرجع فأحمل السيف فاستيقظ عند ذلك العنسي و عيناه تبصان قال فبركت على صدره وأخذت برأسه و لحيته فجعلت وجهه في قفاه و ذلك أني كنت أخاف أن يصيح ثم أردت أن أخرج فقالت المرزبانة أنشدك الله أن تخرج و تدعني فإني لا آمن على نفسي قال فخرجت بها من السرب و حملتها إلى حصن غمدان و دخل قيس بن مكشوح فحز رأسه و خرج فرمى به إلى الناس و أذن بصلاة الفجر و فرغ الله من الكذاب العنسي و كفى المسلمين شره و ضره قال الواقدي الثبت عندنا أنه قتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.

ذكر ردة الأشعث بن قيس الكندي بحضرموت كان وفد على النبي صلى الله عليه وسلم و كان النبي عليه السلام بعث زيادة بن لبيد مصدقاً عليها فلما أتاهم خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتد الأشعث بن قيس و منع الزكاة و قال فيه الحارث بن سراقة بن معدي كرب
أطعنا رسول الله ما دام بيننا ... فيا قوم ما شأني و شأن أبي بكر
أيورثها بكراً إذا كان بعده ... و تلك لعمر الله قاصمة الظهر
فقاتلهم زياد بن لبيد و قتل منهم مقتلةً عظيمةً و استأمن الأشعث ابن قيس فبعثه إلى أبي بكر موثقاً في الحديد فقال و الله ما كفرت بعد إسلامي و لكن شحت بمالي فأطلق لي إساري و استبقني لحربك و زوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة ففعل أبو بكر ذلك ثم خرج الأشعث مع سعد بن أبي وقاص إلى العراق فشهد القادسية و شهد مع علي عليه السلام صفين و هو الذي دعا إلى الحكمين.
ذكر خروج أبي بكر رضي الله عنه لقتال أهل الردة و اشتد رعب المسلمين بالمدينة لإطباق العرب على الردة فآووا الذراري و العيال إلى الآطام و الشعاب و خرج أبو بكر مع أصحابه من المهاجرين و الأنصار حتى نزل ذا القصة و هي على أميال من المدينة فكلمه علي في الرجوع ليكون فئةً للمسلمين فأمر خالد بن الوليد على الناس و بعثه في أربعة آلاف و خمس مائة رجل و امرأة أن يقتل أهل الردة بالسيف و أن يحرقهم بالنار و أن يسبى الذراري ويقسم الأموال فسار خالد بن الوليد و رأى خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري قلتهم مع أبي بكر بذي القصة فحمل عليهم في الفوارس فانهزموا و لاذ أبو بكر بشجرة فأرقى طلحة بن عبيد الله على شرفٍ فنادى أيها الناس هذه الخيل فتراجع الناس و انكشف خارجة و رجع أبو بكر رضي الله عنه إلى المدينة و فيه يقول الحطيئة
فدىً لابن بدرٍ يوم قدم خيله ... و قد حام أقوام طريفي و تالدي
ليمحو ما منت قريش نفوسها ... فوارس أبطال طوال السواعدي
قصة طليحة بن خويلد الأسدي و كان ممن وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم تنبى و زعم أن ذا النون يأتيه بالوحي و آمن به عيينة بن حصن و اتبعه و كان يتلو عليهم إن الله لا يضيع تعفيركم و تذليل وجوهكم وفتح أدباركم شيئاً اذكروا الله عز و جل اعفه قياماً فإني أشهد أن الصريح تحت الرعوة يعني بذلك الركوع و السجود فسار خالد حتى دنا من بزاخة و بعث بن أقرم طليعةً فخرج إليهما طليحة فقتلهما و فيه يقول
زعمتم بأن القوم لا خير عندهم ... أليس و إن لم يسلوا برجال
عشية غادرت ابن أقرم ثاوياً ... و عكاشة العميمي عند مجالي
نصبت له صدر الحمالة إنها ... معودة قول الكماة نزال
فيوماً تراها في الجلال مصونةً ... و يوماً تراها غير ذات جلال
و يومان يوم المشرفية نحرها ... و يوماً تراها في ظلال عوالي
فأناخ خالد بزاخة و ناوشهم القتال و ضربهم الجدل فجاء عيينة بن حصن إلى طليحة فقال هل أتاك ذو النون قال نعم قال فما قال لك قال قال إن لك يوماً ستلقاه ليس لك أوله ولك آخره و رحاه و حديثاً لن تنساه فقال عيينة سيكون لك حديثاً لن تنساه يا بني فزارة إن هذا الرجل كذاب ما بورك له و لا لنا فيه فانصرف عيينة و فزارة و ركب طليحة فرسه و أردف نزار امرأته فقال له الناس ما تأمرنا فقال من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت فليفعل و نجا بأهله و قدم الشام فأقام بها إلى أن مات أبو بكر رضي الله عنه ثم خرج محرماً بالحج و أسلم إسلاماً لم يغمص عليه و استشهد بنهاوند و كان قال في قتله عكاشة
ندمت على ما كان من قتل ثابت ... و عكاشة العيمي ثم ابن معبد
و أعظم من هذين عندي مصيبة ... رجوعي عن الإسلام رأي التعمد
فهل يقبل الصديق أني مراجع ... و معط بما أحدثت من حدثٍ يدي
و إني من بعد الضلالة شاهد ... شهادة حقٍ لست فيها بملحد
بأن إله الناس ربي و أنني ... ذليل و أن الدين دين محمد

ذكر مقتل مالك بن نويرة اليربوعي قال و سار خالد بن الوليد حتى أحاط بيوتات مالك بن نويرة و هم مسلمون و كانت لمالك امرأة وسيمة فمال إليها خالد و أمر بقتل مالك فنهاه عبد الله بن عمر و أبو قتادة الأنصاري فأحضر خالد المالك و قال ألست القائل
ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل المنايا قد دنون و ما ندري
فقال مالك ما قلت ذاك و لو سمعني صاحبكم أقوله ما قتلني فقال خالد تقول لرسول الله صاحبكم اضربوا عنقه فالتفت مالك إلى امرأته و قال يا خالد هذه قتلتني و لما قدم خالد قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر اقتله فإنه قتل و زنا قال تأول فأخطأ قال اعزله قال ما كنت لأشيم سيفاً سله الله تعالى.
قصة مسيلمة بن حبيب الكذاب و يكنى أبا ثمامة كان هذا رجلاً يحسن شيئاً من الشعوذة و النيرنجات و كان يصل جناح الطير و يدخل البيض في القارورة و كان يدعي النبوة و رسول الله بمكة قبل أن يهاجر و يسمى برحمان اليمامة و كان يبعث بناس إلى مكة فيسمعون القرآن و يأتونه فيقرأوه على الناس ثم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول لو جعل الأمر لي بعده لاتبعته فجاءه رسول الله صله و في يده مسحة من نخل قاله الواقدي و قال ابن إسحق عسيب من سعف النخل في رأسه خويصات فقال إن أقبلت ليغفرن الله لك و لئن أدبرت ليقطعن الله دابرك و ما أراك إلا الذي رأيته يعني رؤياه و لو سألتني هذه الشطبة ما أعطيتك فلما أراد الوفد الرجوع أجازهم رسول الله صله و قال هل بقي منكم أحد قالوا رجل تنصر و خالفنا قال ليس ذاك بشركم مكاناً و أمر له بمثل ما أمر لهم فلما انصرفوا ادعى الشركة في النبوة و احتج بقوله أنه ليس بشركم مكاناً فلما شهد له الرحال بن عنفوة وافتتن الناس به فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى محمد رسول الله من مسيلمة رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وأن لنا نصف الأرض و لقريش نصفها و لكن قريشاً يعتدون و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين فلما ورد عليه الجواب افتعل كتاباً يزعم أن جبريل يأتيه من عند الله و يتلو عليهم من أسجاعه المزورة سبح اسم ربك الأعلى الذي يسر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشاءٍ و تبلى فمنهم من يموت و يدس إلى الثرى و منهم من يبقى إلى أجل مسمىً و الله يعلم السر و أخفى مع أشبه و نظائر كثيرة و كان يدعي الشركة في النبوة فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم سار إليه خالد بن الوليد و التقى المسلمون و بنو حنيفة و اقتتلوا قتالاً شديداً لم يكن في الإسلام يوماً أشد منه حتى كسروا بنو حنيفة جفون سيوفهم و قتل من المسلمين ألفان و مائتان و جرح أكثر من بقي و قتل زيد بن الخطاب صاحب راية المسلمين و انهزموا حتى خلص بنو حنيفة إلى فسطاط خالد بن الوليد و كان البراء بن مالك إذا حضرت الحرب أخذته العرواء حتى يقعد عليه الرجال فإذا رقد و بال مثل نعاعة الحناء ثم ثار كالأسد فأصابه ذلك ثم حمل عليهم فانكشفوا و تبعهم حتى أدخلهم فانكشفوا و تبعهم حتى أدخلهم حديقة الموت ثم غلقوا الباب دونه فقال البراء احملوني درقةً و ألقوني فيهم فضاربهم حتى فتح الباب و دخل المسلمون فقتلوا و قتلوا مسيلمة و كان رويجلاً أصيغر أخينس شرك في قتله وحشي و عبد الله بن زيد فمر به رجل فقال أشهد أنك نبي و لكنك شقي و فتح الله ذلك على المسلمين و قتلوا محكم بن الطفيل سيد بني حنيفة و قائدهم و كان ثمامة بن مالك قال لمسيلمة لما ادعى الشركة في النبوة
مسيلمة ارجع و لا تمحك ... فإنك في الأمر لم تشرك
كذبت على الله في وحيه ... هواك هوى الأحمق الأنوك
فما في السما لك من مصعدٍ ... و مالك في الأرض من مبرك
و رثى رجل من بني حنيفة مسيلمة بعد ما قتل
لهفي عليك أبا ثمامة ... لهفي على ركني شمامه
كم آية لك فيهم ... كالشمس تطلع في غمامه

حديث الرحال بن عنفوة قالوا أنه قدم المدينة و تعلم السنن و قرأ سورة من القرآن إذ مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحد هؤلاء في النار فلما ادعى مسيلمة الشركة في النبوة شهد الرحال بن عنفوة بذلك فافتتن به أهل اليمامة و فيه يقول الشاعر
يا سعاد الفؤاد بنت أثال ... طال ليلي بفتنة الرحال
إنها يا سعاد من حدث الده ... ر عليكم كفتنة الدجال
قصة سجاح و تكنى أم صادر و زوجها أبو كحيلة كان كاهن اليمامة و قال و تنبت سجاح و كانت ساحرة و تبعها الزبرقان بن بدر و عطارد بن حاجب و ناس كثير من تميم و قالت إن رب السحاب يأمركم أن تغزو الرباب فغزتهم فهزموها فذلك الذي يقول عمرو بن لجأ
تقودهم سجاح تراميتها ... فشدد يا سجاح من تقود
ثم أتت سجاح مسيلمة فقالت له ما أوحي إليك فتلا بعض أساطيره المزورة فقالت و ما ذا أيضاً فتلا عليها إن الله خلق النساء أفراجاً و جعل الرجال لهن أزواجاً فنولج فيهن إيلاجا فينتجن لنا سخالاً إنتاجاً فقالت أشهد أنك نبي فقال لك أن أتزوجك فآكل بقومي و قومك العرب قالت نعم قال
قومي و ادخلي المخدع ... فقد هيئ لك المضجع
فإن شئت سلقناك ... و إن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه ... و إن شئت به أجمع
فقالت بل به أجمع فهو للشمل أجمع و أجدر أن ينفع فتزوجها و أقامت عنه ثلاثاً و أصدقها ترك صلاتي الفجر و العشاء الآخرة و رخصت سجاح للمرأة في زوجين على النصف مما للرجل و أذن شبث بن الربعي بأن مسيلمة نكح سجاح وأصدقها ترك صلاتين و فيها يقول عطارد بن حاجب
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... و أصبحت أنبياء الله ذكرانا
و اختلفوا في هلاكها فقال قوم ماتت و قال آخرون قتلت.
ذكر الفتوح في أيام أبي بكر بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين فافتتح حصن جواثا و أجلى المخارق بن النعمان عامل كسرى عنها و عن أراس و حاصر الخليج و افتتحه و لم يزل يركض على الفرس راسباً في البحر حتى مات و كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد لما فرغ من اليمامة يأمره بالمسير إلى العراق فمر بالمذار ففض جنودها و مر بنهر المرأة فصالحه جابان الفارسي و صار إلى هرمزجرد فافتتحها و أتي الحيرة فخرج إليه عبد المسيح بن صلوبا الغساني و كان أتي عليه أكثر من مائتي سنة فصالحه على الجزية و أدى إليه ماية ألف درهم و صالح أهل بلقاء على ألفِ ألف درهم و طيلسان و هذه النواحي التي كان ينظر فيها و يحوم حولها من آطار البادية و حافاتها و بعث أبو بكر أبا عبيدة بن الجراح في سبعة آلاف و سبع مائة من الصحابة إلى الشام و هرقل بحمص في جنوده فكتب يستمده فأمده بعمرو بن العاص ثم كتب يستمده فكتب إلى خالد بن الوليد و هو بالحيرة يأمره بالمسير إليهم فسار و استخلف على العراق المثنى بن حارثة الشيباني فأتى بصرى فافتتحها و هي أول مدينة افتتحت من مدائن الشام ثم اجتمع مع أبي عبيدة و عمرو بن العاص و حاصروا دمشق و بها نسطاس البطريق في جمع كثيف فهزموهم و هذا فتح جاذر من أرض فلسطين و هرب هرقل حتى صار إلى أنطاكية فنزلها فهذا ما كان من الفتوح في زمن أبي بكر ثم مرض خمسة عشر يوماً ثم مات رضي الله عنه و أرضاه و خلافته سنتان و ثلاثة أشهر و عشرة أيام و يقال أربعة أشهر إلا عشرة أيامٍ.
ذكر استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه و لما مرض أبو بكر شاور الناس في الأمر و كانوا لا يشكون أن عمر هو الذي يلي الخلافة بعده إلا أن منهم من كان يكره ذلك لشدته و عنفه فدعاه أبو بكر و عهد إليه و استخلفه على الناس فلما خرج من عنده قال اللهم إني وليته بغير أمر من نبيك و لم أرد بذلك إلا صلاحهم فقال له بعض القوم فماذا تقول لله عز و جل إذا لقيته و قد وليت أمر المسلمين فظاً غليظاً قال أقول اللهم لم آلهم خيراً و توفي سنة ثلاث عشرة من الهجرة فرثاه حسان بن ثابت
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها و أعدلها ... بعد النبي و أوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود شيمته ... و أول الناس طراً صدق الرسلا

خلافة عمر رضي الله عنه و أرضاه فلما دفن أبو بكر بايعه الناس و سمي أمير المؤمنين و كان أبو بكر يقول له خليفة رسول الله أول من سمي بأمير المؤمنين عمر عدي بن حاتم الطائي و أول من سلم عليه بالإمارة المغيرة بن شعبة ففتح الشام و مصر و الجزيرة و العراق و الجبل و أرمينية و الأهواز و فارس و اصطخر و الري وأذربيجان و أصبهان و دون الدواوين و أرخ التأريخ و جند الأجناد و أول من دعا له على المنبر بالصلاح أبو موسى الأشعري و صار إليه خاتم النبي صله و رداؤه و في سنة سبع من خلافته فرض للناس العطايا و فضل بعضهم على البعض فبدأ بالعباس ففرض له في اثني عشر ألفاً و لعلي بن أبي طالب في ثمانية آلاف ثم الأقرب فالأقرب من بني هاشم و خلفائهم و مواليهم و أعدادهم ثم سائر بني عبد مناف ثم قبائل قريش ثم المهاجرين ثم الأنصار و مواليهم ممن شهد بدراً لكل واحدة في خمسة آلاف وفرض لزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكل واحدة في اثنى عشر ألفاً و فرض لمضر ثلاثمائة و لربيعة في مئتين و خمسين و قال إنما هاجروا من أطناب بيوتهم و فرض لأشراف العجم لكل واحد في ألفين.
وقعة الجسر و لما أفضت الخلافة إلى عمر سار إليه المثنى بن حارثة فقال إنا قد قاتلنا الفرس و اجتزأنا عليهم فابعث معي ناساً من المهاجرين و الأنصار نجاهدهم فقام عمر خطيباً فقال أيها الناس إنكم قد أصبحتم في غير دار مقامة بالحجاز و قد و عدكم الله على لسان نبيكم كنوز كسرى و قيصر فسيروا إلى أرض فارس فاسكت الناس لما سمعوا من أمر فارس فقان أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي فقال أنا أول من ينتدب فانتدب الناس بعده فأمره عليهم و ساروا إلى العراق مع المثنى بن حارثة فلما سمعت به بوران دخت بنت كسرى و كان الملك يزدجرد إلا أنه صبي لم يطق الحرب أرسلت إلى رستم أصفهبذ أذربيجان تدعوه إلى محاربة العرب فإن هو ظهر زوجته نفسها فأرسل رستم جالينوس في جيش عظيم فهزمهم أبو عبيد ثم بعث رستم ذا الحاجب في أربعة آلاف مجفجف دارع ناشب و فيل مقاتل فأمر أبو عبيد حتى عقدوا جسراً على الفرات و جاز بالناس و أخذوا في القتال فهال المسلمين أمر الفيل و ما يصنع فشد عليه أبو عبيد و قال أما لهذه الدابة من مقتل قالوا بلى إذا قطع مشفرها لم تعش فضربه على خرطومه فقطعه و برك الفيل عليه فقتله و قتل يومئذ من الأنصار سبعون رجلاً و انهزم الباقون حتى رجع فلهم إلى المدينة فقال لهم عمر لا تجزعوا أنا فئتكم إنما الحريم إلي و فيه يقول حسان بن ثابت
لقد عظمت فينا الرزية إننا ... جلاد على ريب الحوادث و الدهر
على الجسر يوم الجسر لهفي عليهم ... غداة إذٍ ما ذا لقينا على الجسر

وقعة القادسية ثم بعث عمر سعد بن أبي وقاص في ثلاثة آلاف رجلٍ إلى العراق و بعث بعصمة بن عبد الله في جيش و كتب إلى المثنى بن حارثة بأن يجتمع إلى سعد و كتب إلى العلاء بن الحضرمي و هو بالبحرين يأمره بالمسير إلى سواد بابل فسار العلاء و استخلف أبا هريرة على البحرين فمات في الطريق و مات المثنى بن حارثة و بعث عتبة بن غزوان إلى ناحية البصرة فافتتح الأبلة و جاء سعد فيمن معه من الجموع فنزلوا فشربوا مما يلي سواد الحيرة و شتوا به و جعلوا يغيرون على السواد وتضرب خيلهم إلى سوق بغداد وإلى باب ساباط فتوجه رستم في جمع عظيم للقائهم و كتب سعد إلى عمر بالخبر يستمده بالرجال فبعث إليه المغيرة بن شعبة في أربعمائة و أمده بقيس بن مكشوح في سبع مائة و كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن أمد سعداً بألف رجلٍ ففعل ذلك و اجتمعوا إليه و جاء سعد فنزل ما بين العذيب إلى القادسية و جاء رستم فنزل الحيرة في ستين ألفاً من المقاتلة سوى الأشياع و الأتباع و الشاكرية و استولى على كل ما كان صار بأيدي المسلمين مما افتتحوه صلحاً و عنوةً حتى ضاق الأمر على المسلمين في الطعام و العلوفة ثم بعث سعد بن أبي وقاص رسلاً إلى يزدجرد و منهم حنظلة بن ربيعة الأسدي و النعمان بن مقرن المزني و عمرو بن معدي كرب الزبيدي و طليحة بن خويلد الأسدي و المغيرة بن حبيب بن زرارة و فرات بن حيان و شرحبيل بن السمط و لبيد بن عطارد فجوزهم رستم إلى المدائن مع صاحب له فوقفوا بباب يزدجرد ببرودٍ على خيلٍ و إبلٍ عليهم ونعال و سلاح رثة فخرج الآذن فقال لهم ابن كسرى ما كانت أمة في الأرض أبعد عندنا مما طلبتم و ما كان يخطر لنا ببالٍ إنكم تعرضون بمثل هذا و ظننت الذي حملكم على هذا سوء الحال و ضيق العيش فانصرفوا فإني أحسن إليكم وآمر لكم بحملان وطعامٍ و كسوةٍ فقال النعمان بن مقرن و هو أميرهم ليس لما عرضت علينا أتيناك و لكن ندعوك إلى دين الإسلام قال هذا دين لا أدخل فيه قال فالجزية تؤديها و أنت صاغر قائم و السوط على رأسك قال لولا أنكم رسل لقتلتكم قالوا فإنا نأخذ أرضك و نجليك عنها قال و ما علمكم قالوا أخبر بذلك نبينا صله و ما أخبرنا بشيءٍ قط إلا و كان كما قال فراطن بعض شاكريته فجاء يسعى و معه مكتل فيه تراب فقال خذوا هذا فليس لكم عندي غيره فبسط عمرو بن معدي كرب رداءه فأخذه و خرجوا فقال له أصحابه أخذت تراباً فقال قد أمكنكم الله من أرضه فجاء به إلى سعد وتفألوا به و أرسل يزدجرد إلى رستم أن ناهض القوم فشت غارتهم على الناس فبعث رستم إلى سعد أن ابعث إلي منكم رجلاً أكلمه فبعث المغيرة بن شعبة فجاء و قد فرق شعره أربع فرقٍ فقال له رستم أنكم كنتم معشر العرب أهل شقاءٍ و جهدٍ و كنتم تواتوننا من تاجر و أجير فأكلتم من طعامنا و شربتم من شرابنا فذهبتم فدعوتم أصحابكم فإنما مثلكم مثل رجل له حائط فرأى فيه ثعلباً فقال و ما ثعلب واحد فذهب الثعلب و جمع الثعالب في حائطه فجاء صاحبه فسد عليه الحجر فقتلهن جميعاً و قد نعلم أن الذي حملكم على هذا الجهد والمشقة فانصرفوا نوفر لكم برادتكم و نأمر لكم بكسوة فقال المغيرة لم تذكر شيئاً من جهدنا إلا و قد كنا في أشدٍ منه كنا نأكل الميتة و الدم و العظام حتى بعث الله فينا نبياً صله فأمرنا أن نقاتل من خالفنا و ندعو الناس إلى متابعته والإيمان به فإن آمنت كان لك بلادك لا ندخلها عليك إلا بإذنك وإن أبيت فالجزية وإلا قاتلناك حتى يحكم الله بيننا قال رستم ما ظننت أني أعيش حتى أسمع مثل هذا و لا أمسي غداً أفرغ منكم و أمر بالعتيق فسكر و طم الوادي بالتراب و القصب حتى صار طريقاً واسعاً ثم زحف إليهم في ستين ألفاً مدججين شاكين في السلاح التام والآلة المعدة عليهم الذهب والحرير و اليلامق و الديباج و عامة جنن المسلمين براذع الرحال قد عرضوا فيها الحرائر ولووا على رؤوسهم الأنساع و الأعاجم قد قدموا الفيلة و بثوا الحسك و استعمل سعد ذلك اليوم خالد بن عرفطة لأنه كان به جراح فقامت الحرب بينهم أربعة أيام و قتلوا من المسلمين ألفين و خمس مائة فلما كان اليوم الرابع حمل هلال بن علفة التيمي على رستم فانهزم وولت الفرس و اتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى امتنع الناس من شرب الماء بالقادسية ثلاث ساعات لما كان يجري فيه من الدم و قتل زهرة بن حاوية جالينوس صاحب جيش

الفرس و باع منطقته بثلاثين ألفاً و اختلفوا في من قتل رستم فقيل هلال بن علفة و قيل عمرو بن معدي كرب و ذلك أن رستم كان على فيل فعقره عمرو فسقط عنه رستم و سقط من تحته خرج فيه أربعون ألف دينار و قيل غرق في العتيق و جمعوا من الأموال مثل الآطام و التلال وأصحاب رجل من بني نخع راية كانت للفرس تسمى درفش كاويان موصولة بالدر و اليواقيت فقومت ألفي ألف درهم و هي التي يذكرها البحتري في قصيدتهفرس و باع منطقته بثلاثين ألفاً و اختلفوا في من قتل رستم فقيل هلال بن علفة و قيل عمرو بن معدي كرب و ذلك أن رستم كان على فيل فعقره عمرو فسقط عنه رستم و سقط من تحته خرج فيه أربعون ألف دينار و قيل غرق في العتيق و جمعوا من الأموال مثل الآطام و التلال وأصحاب رجل من بني نخع راية كانت للفرس تسمى درفش كاويان موصولة بالدر و اليواقيت فقومت ألفي ألف درهم و هي التي يذكرها البحتري في قصيدته
والمنايا مواثل و أنو شر ... وان يزجي الصفوف تحت الدرفش
و كتب سعد إلى عمر بالفتح و بعث إليه بالغنائم والأموال و صفت له السواد إلا المدائن فإن يزدجرد تحصن و نزل المسلمون الأنبار فاحتووها فكتب عمر إلى سعد إن العرب لا يصلح لهم إلا ما يصلح للبعير و الشاء فانظر إلى فلاةٍ فأنزل المسلمين بها و أقم مكانك و ابعث جنداً إلى أرض الهند يعني البصرة و جنداً إلى الجزيرة و اتخذ منزلك دار هجرتك ولا تجعل بيني و بين المسلمين بحراً فطلب سعد حتى نزل الكوفة اليوم و هي رمال و مصرها و خط مسجدها و بعث عتبة بن غزوان في خيل إلى البصرة فاختطها و أسس مسجدها ثم استخلف عتبة المغيرة بن شعبة على البصرة و سار إلى عمر فمات في الطريق و أقر عمر المغيرة على البصرة ثم شهد عليه أربعة بالزنا خالف أحدهم و هو زياد بن عبيد فأمر عمر فجلدوا و عزل المغيرة عن البصرة و استخلف عليها أبا موسى الأشعري فافتتح الأهواز و تستر و السوس و رام هرمز و بعض نواحي فارس و كان سعد لما بعث عتبة بن غزوان إلى البصرة بعث أبا موسى إلى الجزيرة فافتتح الموصل و نصيبين صلحاً و عاد إلى سعد و بعث عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى أرمينية و أذربيجان فصالحهم على الجزية و أقام سعد بالكوفة ثلاث سنين ثم كان فتح المدائن و كان سعد يوم القادسية في قصر لجراح كان به فقال رجل من المسلمين
ألم تر أن الله أنزل نصره ... وسعد بباب القادسية معصم
فإوبنا و قد آمت نساء كثيرة ... ونسوة سعدٍ ليس فيهن أيم
فقال سسعد اللهم اكفني لسانه ويده فزعموا أنه خرس لسانه وشلت يده و قال جرير
أنا جرير كنيتي أبو عمرو ... قد نصر الله و سعد في القصر
فقال سعد
وما أرجو بحيلة غير أني ... أؤمل فوزهم يوم الحساب
فتح المدائن و لما استولى المسلمون على العراق و ساروا إلى ساباط نقل يزدجرد خزائنه من الذهب و الفضة و الجوهر و السلاح و قطع الجسور و عبأ السفن و أغلق أبواب المدائن فأتى سعداً قوم من الفرس فدلوه على موضع من دجلة قليل الغمر يقال له ديلساً فانتدب أربعمائة فارس فاقتحموا دجلة و خرجوا من الفرضة و لم يغرق منهم إلا رجل واحد و أخذوا السفن المعبأة ليزدجرد و عبروا المسلمين و حاصرهم سعد سبعة أشهر فلما اشتد عليهم الحصار تحملوا ليلاً بما خف من أموالهم و خرج يزدجرد إلى حلوان و خلف بجلولا خرزاد بن هرمز في جمع عظيم ليدافع عنه العرب إن لحقوا به و افتتح سعد المدائن و أصاب من الخزائن ما بقي من الأموال و أواني الذهب و الفضة أربع مائة جمل فبعث بها إلى عمر مع سبى كثير فأمر بها عمر فصبت في صحن المسجد و جمع المسلمين و قال ألا صدقكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال إن كنوز كسرى و قيصر تنفق في سبيل الله ثم نظر إلى سوار كسرى فقال لسراقة بن مالك أنشدك الله ألا قمت إلى ذلك السوار فلبسته و كان ذراعاه شحتين شعراوين فقال عمر رضي الله عنه صدق رسول الله صله قال كأني أنظر إلى سوار كسرى في يدي سراقة بن مالك و إن عجائب المعجزات للنبي صله عليه أفضل الصلاة و السلام .

وقعة جلولا و لما مر يزدجرد إلى حلوان و خلف خورزاد بجلولا ليدفع من يأتيه من العرب من ورائه بعث سعد اثني عشر ألفاً فقاتلوا خورزاد و هزموه و أصابوا من صامت أموالهم ما بلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف درهم و ثمانية أرؤس من الدواب و الجارية سوى سائر الآثار و الأواني و الفرش و سوى ما أخرج من الخمس و كانت أم الشعبي من سبي جلولا فلما انتهت الهزيمة إلى حلوان بعث يزدجرد الهرمزان في جيش عظيم إلى الأهواز ليشغل العرب و يكون رداء للفرس و خروج يزدجرد من حلوان إلى اصطخر و تحصن بها و صار الهرمزان و نزل تستر لأنها أحسن مدنها فقصده أبو موسى الأشعري إلى عمر بذلك فكتب بالجواب أن استنزله على حكمي.
فتح تستر و خرج الهرمزان على حكم عمر رضي الله عنه فبعث به إلى المدينة فلما دخل المدينة لبس التاج و الديباج و أخذ منطقته و سواريه و طوقه و قد طول شاربه و قصر لحيته على زي العجم و هذا كله تصنع منه للقاء عمر فانتهى إليه و هو قاعد في ناحية المسجد عليه برد خلق و بين يديه درة فقال الهرمزان من هذا فقالوا أمير المؤمنين فسقط الهرمزان في يده لما كان من التزين و التصنع ثم تكفر لعمر فقال هذا لا يصلح في ديننا فقال له عمر أأسلمت قال لا قال إن لم تسلم قتلتك قال لا تقتلني حتى تسقيني الماء فأتي بقدح من خشب عظيم فقال لو مت عطشاً ما شربت من هذا ما لكم قدح من زجاج و ذلك أن الفرس لا يأكل في الخشب و الخزف لقبولهما النجاسات فأخذه و يده ترعد و هو مرعوب فقال له عمر لا بأس عليك و لست بقاتلك حتى تشربه فألقى القدح من يده فانكسر فظن عمر أنه سقط من يده فقال ائتوه بقدح آخر قال لا حاجة لي في الماء قال عمر أسلم و إلا قتلتك قال أما ديني فلست أدعه و أما أنت فقد أمنتني فقال عمر لم ائمنك يا عدو الله فقيل له بلى قد آمنته فقال أخذ منا أماننا و ما نشعر فأقام برهة ثم رغب في الإسلام فأسلم ففرض له عمر في من فرض من العجم ثم لما قتل عمر رضي الله عنه اتهمه عبيد الله بن عمر في ذلك فقتله و شكا أهل الكوفة سعداً و قالوا أنه لا يحسن الصلاة فعزله عمر و استعمل عمار بن ياسر على الصلاة و عثمان بن حنيف على الخراج و عبد الله بن مسعود على القضاء و بيت المال و فرض لهم في كل شاة واحدة بين ثلاثتهم.

ذكر فتح الفتوح بنهاوند قالوا و اجتمعت الأعاجم و الأساورة و عظماء الفرس و عزموا على غزاة عمر في عقر داره و تعاقدوا على ذلك و تحالفوا و جمعوا من الجموع ما لا يبلغه الإحصاء و العدد وبلغ ذلك عمر فجمع المهاجرين و الأنصار فاستشارهم و أراد الخروج بنفسه فأشار عليه علي بن أبي طالب بالمقام بالمدينة و توجيه من يقوم بمناظرتهم فبعث حينئذ جيشاً عظيماً و استعمل عليهم النعمان بن مقرن المزني و قال إن أصيب النعمان فأمير الناس حذيفة بن اليمان و إن أصيب حذيفة فأمير الناس جرير بن عبد الله البجلي فإن أصيب جرير فالمغيرة بن شعبة فالأشعث بن قيس و كتب إلى عمار بن ياسر أن استنفز ثلث أهل الكوفة و كتب إلى أبي موسى الأشعري أن استنفر ثلث أهل البصرة فاجتمعوا و ساروا حتى نزلوا على فرسخين من نهاوند و بها جموع من الفرس يقال مائة ألف و يقال أربع مائة ألف و عليهم ذو الحاجب مردانشاه و قد تحالفوا على الصبر و الثبات فارتبط بعضهم ببعض و جعلوا لكل عشرة سلسلة لكيلا يهربوا و ألقوا الحسك و أقاموا الفيلة بينهم و بين المسلمين فناهضهم المسلمون يوم الأربعاء و يوم الخميس فلما كان يوم الجمعة قال المغيرة بن شعبة إن العدو قد سئم القتال و ضعف فنبادرهم القتال فقال النعمان نصلي الظهر ثم نلقى عدونا فإن أبواب السماء تفتح مواقيت الصلاة فلما صلى قال لهم النعمان إذا أنا كبرت الثانية فسلوا السيوف و أشرعوا الرماح و أوتروا القسى فإذا أنا كبرت الثالثة فاحملوا عليهم حملة رجل واحد و أخذ الراية النعمان و تقدم و كبر فلما كان في الثانية و الثالثة حملوا عليهم فهزموهم و قتل النعمان بن مقرن فأخذ الراية حذيفة بن اليمان و قتلوا منهم ما الله أعلم به و أصابوا من الغنائم و الأموال ما لم يذكر في كتاب مبلغها و قتل ذو الحاجب مردانشاه ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة فسمى ذلك فتح الفتوح و استشهد ذلك اليوم النعمان بن مقرن و عمر بن معدي كرب و طليحة بن خويلد في نفر من الصحابة و استصفى عمر من أموال الفرس ما كان لكسرى و أهل بيته و بلغ خراجه سبعة آلاف درهم حتى إذا كان يوم الجماجم أحرق الديوان فأخذ كل إنسان ما يليه قالوا و احتال المغيرة بن شعبة على عمار بن ياسر فرفع إلى عمر أنه يخاطر بالديكة فعزله عمر و ولى الكوفة المغيرة بن شعبة فافتتح آذربيجان صلحاً و يقال افتتحها هاشم بن عتبة.
ذكر ما افتتح من فارس في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه و كان يزدجرذ مقيماً بأصطخر في هذه الوقائع فوجه عمر عثمان بن أبي العاص الثقفي و كان ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف إلى البحرين و عزل عنها أبا هريرة و كان وافاها مع العلاء بن الحضرمي مؤذناً له فلما سار إلى العراق استخلفه على البحرين فدوخ عثمان البلاد بالأزد و عبد القيس و عبر بهم البحر إلى أسياف فارس و جعل يركض على كورها و قراها و يغير عليها و مصر توج و جعلها دار الهجرة و يزدجرد لما رأى من غلبة العرب بعث بخزائنه و كنوزه إلى الصين و عزم على قصده إن هزم و وجه شهرك للقاء عثمان بن أبي العاص الثقفي و كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بأن يلتقي مع عثمان فاجتمعا و واقعا شهرك و كان في مائة و عشرين رجل فهزماه و قتلا من أصحابه زهى ثلاثين ألفاً و فتحوا كورة أردشير و هذا هو الأصطخر الأولى و لم يفتح اصطخر و يقال أن الذي فتحها قرط بن كعب الأنصاري و أصبهان فتحها عثمان بن أبي العاص بعد حصار ثلاثة أشهر و كاتب الرجال من الأهواز و أميرها المغيرة بن شعبة.
ذكر ما افتتح في الشام في أيام عمر رضي الله عنه قالوا و كان أبو عبيدة بن الجراح و خالد بن الوليد بأرض الشام عند موت أبي بكر رضي الله عنه يركضون و يغيرون فلما صار الأمر إلى عمر حاصروا دمشق ستة أشهر حتى افتتحوها صلحاً و كذلك حمص و بعلبك ثم كانت وقعة اليرموك.

وقعة اليرموك و كان هرقل ملك الشام والروم بأنطاكية ألجأه إليه المسلمون في حياة أبي بكر فجمع الجموع و استمد من الرومية و القسطنطينية و جاءه جبلة بن الأيهم الغساني في من معه من لخم و جذام فتكاملوا أربعمائة ألف فيما يزعمون و أمر عليهم هرقل دمشق ماهان فلقيهم أبو عبيدة بن الجراح و خالد بن الوليد في أيام ذي ضباب و رذاذ بموضع يقال له اليرموك فهزموهم و فض الله جموعهم فتساقط في هوة ثمانون ألفاً لا يشعر آخرهم بما لقي أولهم فغدوا من الغد بالقصب و سميت تلك الهوة هوة اليرموك و قتلوا بالسيف سبعين ألفاً و كان المسلمون يومئذ خمسة و ثلاثين ألفاً و انتهت الهزيمة إلى هرقل و هو بأنطاكية فخرج إلى القسطنطينية بأهله و رحله و ماله و أشرف على الشام فقال السلام عليكم سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبداً و استشهد الفضل بن العباس باليرموك.
فتح بيت المقدس و افتتح أبو عبيدة بعد اليرموك الجابية من أعمال دمشق و قنسرين و حاصر أهل مسجد إيليا فأبوا أن يفتحوا له و سألوه أن يرسل إلى صاحبه عمر ليقدم فيكون هو الذي يتولى مصلحتهم فكتب بذلك أبو عبيدة إلى عمر فوافى الشام و استخلف عثمان بن عفان على المدينة و صالح أهل إيليا على أن لا يهدم كنائسها و لا يجلي رهبانها و بنى بها مسجداً و أقام أياماً ثم رجع إلى المدينة و في أيامه افتتح شرحبيل بن حسنة سروج و الرها صلحاً و افتتح عياض بن غنم داراً و الرقة و تل موزن صلحاً و افتتح عمرو بن العاص الثقفي مصر عنوة و افتتح الاسكندرية صلحاً و يقال عنوة و صالح أهل برقة و افتتح أيضاً بالس و افتتح معاوية عسقلان و قيسارية صلحاً و أغزى عمر عمير بن سعد الأنصاري فقطع دروب الروم و أوغل في بلادهم حتى انتهى إلى عمورية و هو أول من خربها و دخلها و به يضرب المثل أخرب من جوف الحمار فهذا ما كان من الفتوح في أيام عمر رضي الله عنه و أرضاه.
طاعون عمواس و عمواس موضع في سنة سبع عشرة من الهجرة و خمس من خلافة عمر وقع الطاعون قد اشتعل بالشام و خرج عمر لقتال الروم حتى بلغ سرغ فقيل أن الطاعون قد اشتعل بالشام فرجع عمر فقال له أبو عبيدة أفراراً من قدر الله قال نعم أفر من قدر الله إلى قدره و مات في ذلك الطاعون من المسلمين بضع و عشرين ألفاً منهم أبو عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل و شرحبيل بن حسنة و يزيد بن أبي سفيان و فيه يقول الشاعر
رب خرق مثل الهلال و بيضا ... ء حصان بالجزع من عمواس
قد لقوا الله غير راد عليهم ... و أقاموا في غير دار أساس
عام الرمادة و هو عام الجوع و القحط و في هذه السنة كانت الرمادة و هي القحط و الجدب و المجاعة حتى رعيها و عطلت النعم فقال كعب الأحبار لعمر إن بني إسرائيل كان إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء فقال عمر هذا العباس عليه السلام النبي صله و صنو أبيه و سيد بني هاشم فمشى إليه و كلمه و خرج معه الناس إلى المستمطر و دعا عمر و العباس رضي الله عنهما فسقوا و في ذلك يقول حسان بن ثابت
سأل الإمام و قد تتابع جدبنا ... فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي و صنو والده الذي ... ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا البلاد به الإله فأصبحت ... مهتزة الأجناب بعد إياس
فتح السوس قال و حاصرهم أبو موسى الأشعري حتى أجهدهم الحصار فاستأمن دهقانهم لمائة نفس و قال أبو موسى الأشعري اللهم أنسه نفسه فلما نزلوا قال اعزل المستأمنين فعزل مائة و لم يعزل نفسه فأمر به أبو موسى فضرب عنقه و أصابوا جثة دانيال في تابوت من رخام يستصرخون به و يستمطرون فكتب إلى عمر بذلك فكتب في الجواب إني أراه نبياً فادفنه حيث لا يشعر الناس به قال أنس في روايته فكان طول أنفه ذراعاً و قام رجل يقاومه فكانت ركبته محاذية رأسه فدفنوه تحت الماء و وجدوا معه صحفاً بيعت بأربعة و عشرين درهماً فوقعت إلى الشام و حج بالناس عمر عشر سنين متوالية ثم صدر إلى المدينة و قتل سنة ثلاث و عشرين من الهجرة و كانت ولايته عشر سنين و ستة أشهر و خمس ليال رضي الله عنه.

ذكر مقتل عمر رضي الله عنه قالوا و كان للمغيرة بن شعبة غلام نصراني يقال له أبا لؤلؤة عليه لعاين الله تترى مرة بعد أخرى فجاء إلى عمر يشكوه مولاه المغيرة في ضربه و تثقيل وظائفه و يسأله أن يكلم المغيرة في التخفيف عنه فإنه ذو عيال فقال له عمر اتق الله و رسوله و أطع مولاك ثم لقي المغيرة فأوصاه به خيراً و عاد الغلام شاكياً و سائلا فقال له مثل مقالته الأولى و سأله أن ينصب له رحىً فقال الغلام لأنصبن لك رحى يتحدث بها العرب فقال عمر لولا أن الناس يقولون هابه عمر لقلت يوعدني هذا الكلب و ضغن عليه أبو لؤلؤة حيث لم يسامحه المغيرة و ظن ذلك من فعل عمر فاتخذ خنجراً له رأسان و المقبض بينهما و أزمع على قتل عمر و رأى عمر تلك الليلة في المنام كأن ديكاً أبيض نقره نقرتين فأصبح مهموماً و قال ما الديك إلا عجمي و ما النقرة إلا طعنة ثم تطهر و خرج لصلاة الصبح فجاء أبو لؤلؤة الملعون لعنه الله حتى وقف في الصف مما يلي عمر فلما افتتح عمر الصلاة طعنه في خاصرته طعنتين أجافت و خرق أمعاءه فقال عمر رضي الله عنه آه و التأث المسلمون به فحملوه و قبضوا على أبي لؤلؤة الملعون بعدما قتل رجلا أو رجلين و جرح جماعةً و قال مروا عبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس فصلى بهم و قرأ في الركعة الأولى بقل يا أيها الكافرون و في الثانية بقل هو الله احد ثم دخل إليه و دخل الناس و جرحه ينبعث دماً فقال لابن عباس اخرج فانظر من قتلني فخرج ثم دخل فقال هذا أبو لؤلؤة الملعون النصراني فقال الحمد لله الذي لم يجعل خصمي ذا سجدتين ثم دعا له بطبيب لينظر فسقاه نبيذاً فخرج و لم يدر أهو نبيذ أم دم ثم دعا بطبيب آخر فسقاه لبناً فخرج اللبن لبناً فقال أعهد يا أمير المؤمنين فجمع الناس للشورى.
قصة الشورى و موت عمر قالوا فلما أيقن عمر بالموت دعا بعهده و جعل الأمر فيه إلى ستة نفر و هم عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله ثم جعل معهم عبد الله بن عمر و قال ليس له في الإمارة نصيب و إنما له الاختيار و الرأي و جعل أجل اختيارهم ثلاثة أيام و قال يصلي بالناس صهيب حتى يصطلحوا على أحدهم و أمر عدة من الأنصار أن يستحثوهم على ذلك كيلا يتفرق كلمة المسلمين و قال إن اجتمع ثلاثة على واحد و أبى اثنان فخذوا بقول الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف و كان قال لعبد الله بن عباس اذكر لي من أعهد إليه فقال عثمان فقال ذاك كلف بأقاربه يحمل بني ابن أبي معيط على رقاب الناس قال فعبد الرحمن بن عوف قال مسلم ضعيف و أميرته امرأته قال فسعد قال ذاك فارس يكون في مقنب من مقابنكم قال فالزبير قال مؤمن الرضا كافر الغضب قال فطلحة قال فيه باء وعجب قال فعلي قال فيه دعابة و أنه لأخلقهم أن يحملهم على المحجة ثم جعل الأمر في هؤلاء الستة باختيارهم و قال إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها من غير مشورة فاقتلوه و مات عمر رضي الله عنه و أرضاه يوم الجمعة لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث و عشرين و كان طعن يوم الأربعاء فمكث بعده ثلاثاً هذا في رواية الواقدي فلما أخرجوه ليصلي عليه الناس قام علي عند رأسه و قام عثمان عند رجليه فقال عبد الرحمن بن عوف ما أسرع ما اختلفتم تقدم يا صهيب فتقدم فصلى عليه ثم دفنوه في حجرة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه فانصرفوا عنه و تنازعوا الأمر و اختلفوا فيه و جاءت الأنصار يستحثونهم و بنو هاشم و بنو أمية يخطب كل قوم إلى صاحبهم فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح إن أردتم أن لا يختلف قريش فولوها عثمان فقام عمار بن ياسر فقال إن أردتم أن لا يختلف الناس فولوها علياً ثم قال لعبد الله بن سعد بن أبي سرح يا فاسق بن فاسق أ أنت ممن تستنصح المسلمين أو يستشيرونك في أمورهم و استسب بنو هاشم و بنو أمية و ارتفعت الأصوات حتى تخوف الاختلاف فكان في الشورى ثلاثة أيام وعلي يناشدهم بالرحم أن يخرجوه من هذا الأمر فلما كان يوم الثالث بايعوا عثمان.

ذكر بيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه قالوا و أقبل عبد الرحمن بن عوف إلى علي بن أبي طالب فقال عليك عهد الله و ميثاقه و أشد ما أخذ الله على النبيين من عهد و عقد إن أنا وليتك هذا الأمر لتعملن بكتاب الله و سنة نبيه فقال نعم طاقتي و جهدي و مبلغ رأيي ثم أقبل على عثمان فقال له عليك عهد الله و ميثاقه و أشد على ما أخذ الله على النبيين من عهد و عقد إن أنا و ليتك هذا العمل لتعملن فيه بكتاب الله و سنة نبيه قال نعم لا أزول عنها و لا أدع منها شيئا وبسط يده و كرر عبد الرحمن هذه الكلمة على علي مراراً و على عثمان مراراً كل ذلك يجيبانه مثل الأول و بسط عثمان يده و بنو هاشم و بنو أمية قيام ينتظرون ما يكون فضرب عبد الرحمن على يد عثمان و بايعه على الأمر ثم تتابع الناس على ذلك و خرج عثمان و وجهه يتهلل و علي كاسف اللون أربد لم يبايعه و دخل منزله و رفع عمار عقيرته يقول
يا ناعي الإسلام قم فانعه ... قد مات عرف و أتى منكر
هكذا رأيته في بعض التواريخ و ما أظنه حقاً و الله أعلم و قد روي أن سلمان جعل يقول ذلك اليوم كردند نكردند كردند نكردند ثم قام عثمان على المنبر خطيباً فحمد الله و أثنى عليه و أرتج عليه الكلام فقال إن هذا مقام ما كنا نرى أن نقومه وإن أول مركب صعب و إن مع اليوم أياماً و ما كنا خطباءْ و سيعلمنا الله ولا آلو أمة محمد خيراً و نزل و مشى أهل الشورى إلى علي و قالوا قم فبايع قال فإن لم أفعل قالوا نجاهدك فجاء فبايع و لما طعن أبو لؤلؤة عمر أخذه الناس فقتلوه و سل عبيد الله بن عمر فقتل ابناً لأبي لؤلؤة و قتل الهرمزان و أراد أن يستعرض السبي بالمدينة فمنعه المهاجرون و الأنصار و مما رثى به عمر بن الخطاب قول الشماخ
أبعد قتيل بالمدينة أصبحت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق
جزى الله خيراً من أمام و باركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس تسبق
و ما كنت أخشى أن يكون وفاته ... بكفي سبنتي أزرق العين مطرق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... نوافج في أكمامها لم تفتق
و يروى عن بعضهم عن رجل من الرافضة أنه قال رحم الله أبا لؤلؤة فقيل سبحان الله ترحم على رجل مجوسي قتل عمر بن الخطاب فقال كانت طعنته إسلامه.
خلافة عثمان بن عفان بايعه الناس و صار إليه خاتم رسول الله صله و رداؤه و أول فتح كان في خلافته ماه البصرة و ما كان بقي من حدود أصفهان و الري على يد أبو موسى الأشعري ثم بعث عثمان بن عفان عبد الله عامر بن كريز إلى اصطخر و بها يزدجرد فخرج يزدجرد إلى دارابجرد و خلف ماهك الأصفهبذ على أصطخر فنزل عبد الله بن عامر بن كريز يقاتل ماهك و أرسل مجاشع بن مسعود السلمي في إثر يزدجرد فركب يزدجرد المفازة إلى كرمان و فتح مجاشع دارابجرد صلحاً و سار في إثر يزدجرد إلى كرمان فافتتحها و أخذ يزدجرد على طريق سجستان حتى أتى مرو الشاهجان يريد الصين و قد قدم إليه ذخائره و خزائنه و ذكر ابن المقفع أنه كان في تلك الذخائر من الذهب التي كان قباذ ضربها سبعة آلاف آنية كل آنية اثنا عشر ألف مثقال سوى ما كان من ضرب سائر الملوك و مواريثهم و أنه كان فيها ألف حمل سبائك غير المضروبة و جاء مجاشع إلى سجستان فأصاب منها و افتتح سجستان ثم انصرف لما لم يدرك يزدجرد و عاد إلى فارس و افتتح عبد الله بن عامر بن كريز أصطخر الثانية و سار إلى خراسان حتى أتى الطوس فافتتحها صلحاً و بلغ الخبر يزدجرد فاشتد خوفه و استمد الترك فجاءه الترك و طرخان التركي لنصرته فقال له وزيره خرزاذ إن أمر العرب شيء ظاهر فدعني أصالحهم على مال يدعوا لك بعض ممالك قال افعل فكتب خرزاذ الوزير إلى عبد الله بن عامر يراوده على الصلح عن كور الجبل و خراسان على ثمانين ألف ألف درهم فأراد ابن عامر أن يجيبه إلى ذلك إذ ورد إليه خبر قتل يزدجرد.

مقتل يزدجرد قالوا و لما ورد مرو سب ماهوى مرزبان مرو بما مضى من المسلمين و بالغ في الاستقصاء عليه و أظهر السخط فخافه ماهوى على نفسه و كان ورد ترك طرخان مدداً له فاستخف بهم يزدجرد و طردهم لكلام تكلم به بعضهم فتصدى القوم لمحاربته فواقعهم و هزمهم و خرج في أثرهم فأرسل ماهوى إلى طرخان أن كر عليهم فإني أظاهرك و آتى من ورائه و خرج ماهوى في أساورته و أمر ابنه برار أن يغلق أبواب المدينة دونه كي لا يدخلها فكر على يزدجرد طرخان فولى ظهره يريد المدينة فاستقبله ماهوى فمزقه كل ممزق و انهزم يزدجرد لا يهتدي لوجهه فطرح نفسه في مرغاب ثم اختلفوا في هلاكه فزعم أنه غرق في الماء و زعم آخرون أنه لحقته الخيل فقتلوه و حملوه في تابوت إلى أصطخر و في كتاب خذاي نامه أن يزدجرد انتهى إلى طاحونة بقرية زرق من قرى مرو فقال للطحان أخفني و غم مكاني و لك منطقتي و سواري و خاتمي و كان فيها خراج فارس فقال الرجل إن كرى الطاحونة كل يوم أربعة دراهم فإن أعطيتني أربعة عطلت الطاحونة و إلا فلا فقاتل يزدجرد قد قيل لي أنك تحتاج أربعة دراهم و لا نقدر عليها فبينا هو في مراجعته غشيته الخيل فقتلوه و لم يكن بمرو يومئذ أحد من المسلمين و كان معه ثلاثة آلاف رجل من الحشم منهم ألف أسوار و أبناء الأساورة و ألف مغنٍ و ألف طباخ و فراش و ابنان له فيروز و بهرام و ثلث بنات أدرك و شهره و مرواريذ و قتل سنة إحدى و ثلاثين من الهجرة و هو ابن خمس و ثلاثين سنة و كان ملكه عشرين سنة في تشتت و اضطراب فلما قتل تفرقت الحشم فنزلت الأساورة بلخ و نزل المغنون هراة و أقام الفراشون بمرو و بعث ماهوى بخزائنه و ما كان له من الأموال إلى عبد الله بن عامر و بقي ما كان قدمه إلى الصين في أيدي أهله و وجه عبد الله بن عامر الجيوش إلى خراسان فافتتح أميرشهر صلحاً و سار ابن عامر حتى أتى نيسابور فافتتحها صلحاً وبنى في قهندزها الجامع و كتب إلى عثمان فأرسل عثمان أثواباً خلعاً للجامع فكسينه فمنها إلى اليوم شظايا باقية و صالح أهل سرخس على مال و صالح دهقان هراة على مائة بدرة و بعث الأحنف بن قيس إلى قتال الهياطلة و هم أهل جوزجان و بلخ و طخارستان فجاء فصالح أهل مرو و أهل طالقان و صالح كيلان مرو الروذ على ستين ألف درهم و بنى بمرو الروذ قصراً يقال له قصر الأحنف ثم ولى عبد الله بن عامر قيس بن الهيثم السلمي خراسان و توجه محرماً بالحج إلى مكة فلم يعد إلى خراسان و في أيام عثمان افتتح جرير بن عبد الله البجلي الأرمينية و غزا سعيد بن العاص طبرستان و معه الحسن و الحسين ابنا علي عليهم السلم فافتتحها صلحاً و افتتح أبو موسى الأشعري ما بقي من أعمال الري و طالقان و دماوند صلحاً و انتفضت الاسكندرية في أيام عثمان فافتتحها عمرو بن العاص و بعث بسبيها إلى المدينة فردهم عثمان إلى ذمتهم لأنهم كانوا صلحاً و لأن الذرية لم تنقض العهد فهذا بدو الشر بين عثمان و عمرو فانتزعه من مصر و أمر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه لأمه فغزا إفريقية و افتتح طرابلس و هي من القيروان على سبعين ميلاً و سار حتى بلغ دمقلة مدينة السودان فأصاب من الأموال ما بلغ سهم الفارس من العين ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار و حدثني هارون بن كامل بمصر قال كان مع عبد الله بن سعد سبعون ألفاً من فارس و راجل و في أيام عثمان غزا معاوية قبرص و أنقرة من أرض الروم فافتتحها صلحاً و كان بعث عثمان معاوية إلى فارس مع عبد الله بن عامر فأصاب من أطرافها فافتتح بعض كورها و نواحيها فهذا ما كان من الفتوح في زمن عثمان بن عفان.

ذكر حصار عثمان حوصر عشرين يوماً و قتل في ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين من الهجرة و كان سبب ذلك أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كلفه بأقاربه كما قاله عمر رضي الله عنه كما قاله عمر رضي الله عنه فآوى الحكم بن أبي العاص بن أمية طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان سيره إلى بطن وج و لأنه كان يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم و يطلع الناس عليه و منها أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة و كان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة و وصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله و قال هذا مصلانا و مستمطرنا و مخرجنا لأضحانا و فطرنا فلا تنقضوها و لا تأخذوا عليها كرى لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئاً و منها أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم و أعطاه خمس الغنائم من إفريقية فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي
أحلف بالله رب العبا ... د ما ترك الحق شيئاً سدى
و لكن خلقت لنا فتنة ... لكي نبتلى بك أو تبتلى
فما أخذا درهما غيلةً ... و لا أعطيا درهماً في هوى
و أعطيت مروان خمس العباد ... فهيهات شاؤك ممن سعى
و منها أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد بن رافع أربعمائة ألف درهم و أعطى الحكم بن أبي العاص مائة ألف درهم و منها أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر و قتل ابنين لأبي لؤلؤة عليه اللعنة فلم يقده و منها أنه عزل عمال عمر و ولى بني أمية و انتزع عمرو بن العاص عن مصر و استعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح و انتزع سعد بن أبي وقاص عن الكوفة و استعمل الفاسق الوليد بن أبي معيط و هو أخوه لأمه فوقع في الخمر فشربها و يصلي الصلاة لغير وقتها فصلى بالناس يوماً الفجر أربعاً و هو ثمل فلما انصرف قال أزيدكم فإني نشيط فشغب الناس و حصبوه و فيه يقول الحطيئة
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... ان الوليد أحق بالعذر
نادى و قد تمت صلاتهم ... أ أزيدكم ثملاً و ما يدري

فلما شكاه الناس عزله و استعمل عليهم شراً منه سعيد بن العاص فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب و هو أول من وضع العشور على الجسور و القناطر و منها أن ابن سرح قتل سبعمائة رجل بدم رجل واحد فأمر بعزله و لم ينكر عليه و منها أنه جعل الحروف كلها حرفاً واحداً و أكره الناس على مصحفه و منها أنه سير عامر بن قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله و سير أبا ذر الغفاري إلى الربذة و ذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه فدعاه و استعتبه و لم يعتب فسيره إلى الربذة و بها مات رحمه الله و منها أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مائة ألف من بيت المال و أخذ سفطاً فيه حلي فأعطاه بعض نسائه و استسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم و كان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله و سنة رسوله و بسيرة الشيخين رضي الله عنهما فسار بها ست سنين ثم تغير كما ذكر و نبرأ إلى الله من عيب الصحابة قدس الله أرواحهم أجمعين و منها أنه لما ولي صعد المنبر فتنسم ذروته حيث كان يقعد رسول الله صله و كان أبو بكر ينزل عنه درجة تعظيما لقدر النبي صله فلما ولي عمر نزل عن مقعد أبي بكر بدرجة فصارت رجلاه في الأرض لأن المنبر درجتان فتكلم الناس في ذلك و أظهروا الطعن فخطب عثمان و قال هذا مال الله أعطيه من أشاء و أمتعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه فقام عمار بن ياسر فقال أنا أول من رغم أنفه من ذلك فقال له عثمان لقد اجترأت علي يا بن سمية فوثبوا بنو أمية على عمار فضربوه حتى غشي عليه فقال ما هذا بأول ما أوذيت في الله و ضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قرأته فسار الأشتر النخعي قي مائتي راكب من أهل الكوفة و سار حكيم بن جبلة العبدي في مائتي راكب من أهل البصرة و سار عبد الرحمن بن عنبس البلوي و كانت له صحبة في ستمائة راكب من أهل مصر فيهم عمرو بن الحمق و محمد بن أبي بكر حتى نزلوا بذي خشب فرسخاً من المدينة و بعثوا إلى عثمان من يكلمه ويستعتبه فقال ما تنقمون علي فقال ننقم عليك ضربك عماراً قال فو الله ما أمرت به و لا ضربت فهذه يدي بعمارٍ فليقتص قالوا و ننقم عليك إذ جعلت الحروف حرفاً واحداً قال جاءني حذيفة فقال ما كنت صانعاً إذا قيل قراءة فلان و قراءة فلان فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب فإن يكن صواباً فمن الله و إن يكن خطاءً فمن حذيفة و قالوا ننقم عليك أنك استعملت السفهاء من أقاربك قال فليقم أهل كل مصر فليسألوني صاحبكم فأوله عليهم فبعث علي رضي الله عنه إلى ذي خشبٍ فأرضاهم وردهم فانصرفوا حتى بلغوا حسمي مر بهم راكب معه كتاب إلى ابن أبي سرح بقتل القوم و لما انصرف الراكب تكلم الناس أمرهم و أرجفوا بالأراجيف فخطب عثمان و قال قد بلغني ما تحدثتم و إنما جاؤوا في صغير من الأمر فقال عمر بن العاص بل جاؤوا في كبير من الأمر و قد ركبت ما بك نهابر فإما أن تعتدل و إما أن تعتزل فقال عثمان يا بن النابغة هذا الآن عزلتك عن مصر قالوا و لما أعطي عثمان القوم ما أرادوا قال مروان بن الحكم لحمران بن أبان كاتب عثمان فكان خاتم عثمان مع مروان بن الحكم إن هذا الشيخ قد وهن و خرف وقم فاكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق من ألب على عثمان ففعلا و بعث الكتاب مع غلام لعثمان يقال له مدس على ناقة من نوقه فمر بالقوم و هم نزول بحسمي فاتهموه و أخذوه و قرروه و أخرجوا الكتاب من إداوة له و انصرفوا إلى المدينة و بدؤوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان راوضهم و ضمن لهم فجاء علي معهم إلى عثمان فقالوا فعلت و فعلت فأنكر ذلك لعن الله الكاتب و المملي و الآمر به فقالوا فما تظن قال أظن كاتبي غدر و ارتجت المدينة برجوع القوم فحنق بنو مخزوم لضربه عمار و حنق بنو زهرة لحال عبد الله بن مسعود و حنق بنو غفار لمكان أبي ذر الغفاري و كان أشد الناس طلحة و الزبير و محمد بن أبي بكر و عائشة و خذلته المهاجرون و الأنصار و تكلمت عائشة في أمره واطلعت شعرة من شعر رسول الله صله و نعله و ثيابه و قالت ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال و غضب حتى ما كاد يدري ما يقول فقال عمر بن العاص سبحان الله و هو يريد أن يحقق طعن الناس على عثمان فقال الناس سبحان الله ثم صعد عثمان المنبر و هو يريد أن يتكلم بعهده فقام رجل فشتمه و عابه و قال فعلت و فعلت و عثمان يلتفت

إلى الناس حوله فلا يرد عليه أحد ثم قام الجهجاه بن سنام الغفاري فأخذ القضيب من يده و كسرها فنزل عثمان و حوله ناس من بني أمية و دخل داره فحاصروه عشرين يوماً فلما اشتد الحصار كتب كتاباً و أطلع رأسه من داره و ترسوه بالترسة و قرأه بأعلى صوته إني أنزع عن كل شيءٍ أنكرتموه و أتوب إلى الله عز و جل من كل قبيح علمته كذا و كذا و أحذركم سفك دمي بغير حق فقالوا إن كنت مغلوباً على أمرك فاعتزل و ادفع إلينا مروان فأبى و قال لا أنخلع من قميص قمصنيه الله تعالى و لا أبلكم سعيكم و استأذنوا غلمانه في محاربة القوم فناشدهم أن لا يراق فيه محجمة دم و قال من كف يده فهو حر و كتب إلى علي رضوان الله عليه الناس حوله فلا يرد عليه أحد ثم قام الجهجاه بن سنام الغفاري فأخذ القضيب من يده و كسرها فنزل عثمان و حوله ناس من بني أمية و دخل داره فحاصروه عشرين يوماً فلما اشتد الحصار كتب كتاباً و أطلع رأسه من داره و ترسوه بالترسة و قرأه بأعلى صوته إني أنزع عن كل شيءٍ أنكرتموه و أتوب إلى الله عز و جل من كل قبيح علمته كذا و كذا و أحذركم سفك دمي بغير حق فقالوا إن كنت مغلوباً على أمرك فاعتزل و ادفع إلينا مروان فأبى و قال لا أنخلع من قميص قمصنيه الله تعالى و لا أبلكم سعيكم و استأذنوا غلمانه في محاربة القوم فناشدهم أن لا يراق فيه محجمة دم و قال من كف يده فهو حر و كتب إلى علي رضوان الله عليه
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلي ... و إلا فأدركني و لما أمزق
أترضى أن يقتل ابن عمك و يسلب ملكك قال علي عليه السلام لا و الله و بعث بالحسن و الحسين إلى بابه يحرسانه فتسور محمد بن أبي بكر مع رجلين في حائط عثمان من دار رجل من الأنصار فأخذه محمد بن أبي بكر بلحيته حتى سمع وقع أضراسه قال ابن عثمان خل يا بن أخي فو الله لو رآك أبوك لساءه مكانك فتراخت يده و ضربه عمرو بن بديل بمشقص في أوداجه و قتله سنان بن عياض و المصحف في حجره لعشر مضين من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين و لبث في داره مقتولاً يوماً أو يومين ثم دفن في موضع يقال حش كوكب قال ابن إسحق قتل يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي الحجة و قال حسان بن ثابت فيما يرثيه
خذلته الأنصار إذ حضر المو ... ت و كانت حماته الأنصار
من عذيري من الزبير و من ط ... لحة هذا أمر له إعصار
و قال أيضاً في مرثيته
ضجوا أبا شمط عنوان السجود ب ... ه يقطع الليل تسبيحاً و قرآنا
لتسمعن و شيكاً في ديارهم ... الله أكبر يا ثأرات عثمانا
و قال الوليد بن عقبة
بني هاشم أنا و ما كان بيننا ... كصدع الصفا ما يومض الدهر شاعبه
بني هاشم كيف الترحم بيننا ... و سيف بن أروى عندكم و حرائبه
فأجابه الفضل بن العباس
سلوا أهل مصر عن سلاح أخيكم ... فعندهم أسلابه و حرائبه
و كان ولي الأمر بعد محمد ... علي و قي كل المواطن صاحبه
وقد أنزل الرحمن أنك فاسق ... فما لك في الإسلام سهم تطالبه
ذكر بيعة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه و كان الناس لا يشكون أن ولي الأمر بعد عثمان علي بن أبي طالب و كان يحدو الحادي لعثمان فيقول
إن الأمير بعده علي ... ثم الزبير خلفه مرضي

فلما قتل عثمان جلس طلحة في داره يبايع الناس و كانت مفاتيح بيت المال عنده و جاءه ناس يهرعون إلى علي رضي الله عنه فدخل داره و قال ليس ذاك إليكم ذاك إلى أهل بدر فما بقي بدري إلا أتاه فجاء علي فصعد المنبر فبايعوه و أمر بيوت الأموال فكسرت أغلاقها و جعل يفرقها في الناس بالسوية و يقال أن علياً لما قتل عثمان أرسل إلى طلحة و الزبير أن أحببتما أن أبايعكما بايعت فقالا بل نبايعك فبايعا ثم نكثا و بويع على سنة خمس و ثلاثين و يقال أول من بايعه طلحة و كانت إصبعه شلاء فتطير منها علي و قال يد شلاء و أمر أن لا يتم ما أخلقه أن ينتكث و تخلف من بيعة علي بنو أمية و مروان بن الحكم و سعيد العاص و الوليد بن عقبة ولم يبايعه العثمانية من الصحابة حسان بن ثابت و كعب بن عجرة و كعب بن مالك و النعمان بن بشير و رافع بن خديج و زيد بن ثابت و محمد بن مسلمة ثم بايعوه بعد أيام و كانت عائشة تولب على علي و تطعن فيه و ترى أنه سينخلع و كان هواها في طلحة فبينا هي قد أقبلت من الحج راجعة استقبلها راكب فقال ما وراءك قال قتل عثمان قالت كأني أنظر إلى الناس يبايعون طلحة و أن إصبعه يحسن أيديهم فجاء راكب آخر فقالت ما وراءك قال بايع الناس علياً قالت وا عثماناه ما قتله إلا علي ولليلة من عثمان خير من علي على الدهر كله و انصرفت إلى مكة و ضربت فسطاطاً في المسجد و أراد علي أن ينزع معاوية من الشام فقال له المغيرة بن شعبة أقره على الشام فإنه يرضى بذلك و سأل طلحة و الزبير أن يوليهما البصرة فأبى و قال تكونان عندي أتحمل بكما فإني أستوحش لفراقكما و أستأذناه في العمرة فأذن لهما فقدما على عائشة و عظما من أمر عثمان و قالا ما كنا نرى في التألب عليه أن يقتل فأما إن قتله فلا توبة لنا إلا الطلب بدمه و نقضا البيعة و أقاما بمكة و بث علي عماله فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة و انتزع عنها عبد الله بن عامر و أمر عبيد الله بن العباس على اليمن و نزع عنها يعلى بن منية و أمر قثم بن العباس على مكة و ولى جعدة بن هبيرة المخزومي ابن عمته على خراسان و قال لعبد الله بن عمر سر إلى الشام قالوا و لما بلغ الخبر معاوية قال إن خليفتكم قد قتل مظلوماً وأن الناس بايعوا علياً و لست أنكر أنه أفضل مني و أولى بهذا الأمر و لكن أنا و لي هذا الأمر و ولي عثمان و ابن عمه و الطالب بدمه و قتله عثمان معه فليدفعهم إلي أقتلهم بعثمان ثم أبايعه فرأى أهل الشام أنه قد طلب حقاً و هم قوم فيهم غفلة و قلة فطنة إما أعرابي جاف و إما مدني مغفل ثم لما سمع معاوية بقول عائشة في علي و نقض طلحة و الزبير البيعة ازداد قوة و جرأة و بعثت أم حبيبة بنت أبي سفيان بقميص عثمان مع النعمان بن بشير إلى معاوية فجعل يغري الناس و يحرضهم.

ذكر وقعة الجمل قالوا ولما قدم عثمان بن حنيف البصرة والياً طرد عبد الله بن عامر قدم إلى مكة بخير الدنيا و يعلى بن منية بمال كثير فاجتمعوا عند عائشة و أداروا الرأي بينهم أن يسيروا إلى البصرة فإنهم شيعة عثمان ويطلبوا بدمه و كتب معاوية إلى الزبير إني بايعتك و لطلحة من بعدك فلا تفوتنكما العراق و أعانهما ابن عامر و ابن منية بالمال و الظهر و الكراع و خرجوا بعائشة حتى قدموا البصرة فلما بلغوا بحوءب و هو ماء لبني كلاب سمعت عائشة نباح الكلب فقالت ما هذا قالوا الحوءب قالت إنا لله و إنا إليه راجعون ما أراني إلا صاحبة الحديث قالوا و ما ذاك يا أمتاه قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليت شعري أيتكن تنبح كلاب الحوءب سائرة في كتيبة نحو المشرق و همت بالرجوع فحلفوا لها أنها ليست بالحوءب فمرت و مر حتى قدموا البصرة فأخذوا عثمان بن حنيف و هموا بقتله ثم خشوا غضب الأنصار على من خلفوا بالمدينة فنالوا من شعره و بشرته و نتفوا لحيته و شعر حاجبيه و أشفاره و قتلوا من خزنة بيت المال خمسين رجلاً فانتهبوا الأموال و قام طلحة و الزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة توبة لحوبة إنما أردنا أن نستعتب أمير المؤمنين و لم نرد قتله و بلغ الخبر علياً فخرج من المدينة واستعمل عليها سهل بن حنيف و سار في سبع مائة رجل منهم سبعون بدرياً و أربع مائة من المهاجرين حتى نزل بذي قار و كتب إلى أهل الكوفة يستنفرهم فجاءه منهم ستة آلاف رجل و كانت الوقعة بالخريبة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين فبرز القوم للقتال و أقاموا الجمل و عائشة في هودج و اسم ذلك الجمل عسكر فقال علي عليه السلام لا تبدؤهم بالقتال حتى يقتلوا منكم وإن هزموا فلا تأخذوا من أموالهم شيئاً ولا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبراً و من ألقى سلاحه فهو آمن فقتلوا من أصحاب علي ستة وشبت الحرب بينهم فخرج علي و دعا الزبير فجاء حتى وقف قال له علي ما جاء بك قال ما أراك لهذا الأمر أهلاً قال له أتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلنك ابن عمتك و هو لك ظالم فانصرف الزبير فجاءه ابنه عبد الله بن الزبير و حثه و احفظه حتى عاد فوقف في الصف ثم سار علي حتى أتى طلحة فقال جئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم و خبأت عرسك في بيتك و استعرت الحرب فقال علي أيكم يعرض هذا المصحف عليهم و يقول هذا بيننا و بينكم فأخذه فتى شاب و تقدم فقطعوا يده و أخذه بيده اليسرى ثم تقدم علي فناشدهم الله عز و جل في دمه فأبوا إلا القتال و ارتجزت بنو ضبة
نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننزل بالموت إذا الموت نزل
ننعي ابن عفان بأطراف الأسل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل
وارتجزت امرأة منهم
يا رب فاعقل لعلي جمله ... و لا تبارك في بعير حمله
و كان ابن عتاب يقول
أنا ابن عتاب وسيفي ولول ... والموت دون الجمل المجلل

فحمل علي عليهم فانكشفوا و ولى الزبير فتبعه عمار بن ياسر و قال يا أبا عبد الله ما أنت بجبان و لكني أراك شككت قال هو ذاك قال يغفر الله لك فانطلق حتى أتى وادي السباع و ولى طلحة ظهره فرماه مروان بن الحكم بسهم و مروان منهزم فشك ساقه بساقه الأخرى فقتله و قال لأبان بن عثمان قد كفيتك أحد قتلة أبيك و قتل سبعون على زمام الجمل يأخذه واحد بعد واحد و قد شكت السهام الهودج حتى صار كأنه جناح نسر فقال علي عليه السلام ما أراكم يقاتلكم غير هذا الهودج فقال عمار لمحمد بن أبي بكر عليك مقدمه حتى تكون أنت تلقاها و عطف عمار على مؤخر الجمل و هذا الناس مكانه حتى وقف عليه و قال لمحمد بن أبي بكر انظر أحيت هي أم لا فأدخل محمد رأسه في الهودج فقالت من هذا الذي أطلع على حرمة رسول الله صله فقال محمد أبغض أهلك إليك ثم أخرج رأسه و قال ما أصابها إلا خدش لساعدها فقال علي صدق رسول الله صله ثم قال يا هذه استفززت الناس و ألبت بينهم في كلام كثير فقالت يا بن أبي طالب إذا ملكت فاسحج و جاء ابن عباس فقال إنما سميت أم المؤمنين بنا قالت نعم قال أولسنا أولياء زوجك قالت بلى قال فلم خرجت بغير إذننا قالت قضاء و أمر و أمر حذيفة إلى المدينة و قد روينا أنها قالت لو علمت أن يكون قتال ما حضرت و إنما أردت أن أصلح بين الناس حتى كف بصرها و كانت تقول ليتني كنت نسياً منسياً و لم أحضر الجمل و بعث الزبير إلى الأحنف بن قيس و كان اعتزل الفريقين يخبره بمكانه فسمع به عمرو بن جرموذ فأتاه فلما رآه الزبير و قام إلى الصلاة فأتاه ابن جرموذ من ورائه فضربه بسيفه فقتله و جاء بخاتمه إلى علي عليه السلام فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار و إنما قال ذلك و الله أعلم لأن الزبير كان راجع و تاب و الباغي إذا ولى حرم دمه و أيضاً فإنه غدر به حيث آمنه ثم قتله و يروى أبيات لابن جرموذ هذا منها
لسيان عندي قتل الزبير ... و ضرطة عير بذي الجحفة
و يقال أنه قتل في وقعة الجمل اثني عشر ألفاً و الله أعلم و دخل علي البصرة و خطبهم فقال يا هل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً و على الله الرابعة يا جند المرأة يا تباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فانهزمتم أخلاقكم رقاق أعمالكم نفاق و ماؤكم زعاق ثم ولاها عبد الله بن العباس بحر الأمة و ولى مصر قيس بن سعد بن عبادة و ولى خراجها ماهوى دهقان مرو قاتلي يزدجرد و خرج علي إلى الكوفة وفي وقعة الجمل أشعار و قصائد كثيرة فمنها قول بعضهم
شهدت حروبا وشيبتني ... فلم أر يوماً كيوم الجمل
فليت الظعينة في بيتها ... وليتك عسكر لم ترتحل
ذكر صفين و هو موضع بين العراق و الشام و قامت الحرب بين الفريقين أربعين صباحاً قالوا و لما بلغ معاوية خبر الجمل دعا أهل الشام إلى القتال على الشورى و الطلب بدم عثمان فبايعوه أميراً غير خليفة و بعث علي جرير بن عبد الله البجلي رسولاً إلى معاوية يدعوه إلى البيعة فكتب إليه معاوية إن جعلت لي الشام و مصر طعمة أيام حياتك و إن حضرتك الوفاة لم تجعل لأحد بعدك في عنقي بيعة بايعتك فقال علي عليه السلام لم يكن الله عز و جل يراني اتخذ المضلين عضداً و خرج من الكوفة في تسعين ألفاً و جاء معاوية في ثمانين ألف رجل فنزل صفين يسبق علياً إلى شرعة الفرات و أمر أبا الأعور السلمي أن يحميها و يمنع أصحاب علي الماء فبعث علي الأشتر النخعي فقاتلهم و طردهم و غلبهم على الشرعة فأرسل إليه علي لا تنع عباد الله الماء و جرت الرسل و المخاطبات بينهما أياماً ثم ناوشوا القتال أربعين صباحاً كلما وقدت الحرب رفعوا قميص عثمان ويقول معاوية ادعوا لها جوازها حتى قتل سبعون ألفاً خمسة وعشرون ألفاً من أهل العراق و خمسة و أربعون ألفاً من أهل الشام و كان علي يخرج كل يوم خيلاً قالوا فخرج يوماً عبيد الله بن عمر و كان هرب إلى معاوية خوفاً من قصاص علي و هو يقول
أنا عبيد الله ينميني عمر ... خير قريش من مضى و من غبر
حبر رسول الله و الشيخ الأغر ... قد أبطأت في قصر عثمان مضر
و الربعيون فلا أسقطوا المطر

فناداه علي على ماذا تقاتلني فو الله لو كان أبوك ما قاتلني قال طلبا بدم عثمان بن عفان قال علي عليه السلام و الله يطلبك بدم الهرمزان فخرج إليه الأشتر النخعي و هو يقول
إني أنا الأشتر معروف الشتر ... إني أنا الأفعى العراقي الذكر
و أنت من خير قريش من نفر ... هذر مشائيم من أولاد عمر
فانصرف عبيد الله و كره مبارزته ثم قتل بعد ذلك و خرج عمار فقتله أبو عامر العاملي و قد ذكرت في فصل الصحابة قصته و قيل فيه
يا للرجال لعين دمعها جاري ... قد هاج حزني أبو اليقظان عمار
قال النبي له تقتلك شرذمة ... سيطت لحومهم بالبغي فجار
فاليوم يعلم أهل الشام أنهم ... أصحاب تلك و فيها الخزي و العار
فلما قتل عمار انتبه الناس و كادوا يختلفون على معاوية فقال معاوية إنما قتله علي حيث عرضه للقتل ثم خرج علي فقال علام يقتل الناس بيني و بينك أحاكمك إلى الله عز و جل فأينا قتل صاحبه استقام الأمر له فقال عمرو بن العاص له أنصفك و الله يا معاوية فقال معاوية تعلم و الله أنه لم يبارزه أحد إلا قتله فيزعم قوم أن معاوية قال فابرز أنت يا عمرو فلبس مدرعة ذات فرجين من قدامها وورائها و بارز علياً فلما حمل عليه و تمكن من ضربه رفع عمرو رجله فبدت عورته فيصرف عنه علي وجهه ويتركه قالوا و خرج يوماً علي في كتيبة و على مقدمته الأشتر النخعي فصدقوهم القتال حتى لم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض و قتلوا منهم جماعة كثيرة و كسفت الشمس و أشرف علي عليه السلام على الفتح فقال عمرو لمعاوية إني لأعلم كلمة لو قلتها لاستقام لك الأمر أفتجعل مصر لي طعمة فقال قد أطعمتك قال مرهم فلينشروا المصاحف ففعلوا و نادى ابن يا أهل العراق بيننا و بينكم كتاب الله ندعوكم إليه فقالوا قد أنصفك معاوية فقال علي عليه السلام و يحكم هذا مكر إنما قاتلناكم ليدينوا بحكم كتاب الله قالوا لابد لنا من الموادعة والإجابة إلى كتاب الله و كان ناشدهم في ذلك الأشعث بن قيس و هو يقول
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا ... عليها كتاب الله خير قرآن
و نادوا عليا ً يا بن عليه السلام محمد ... أما تتقي أن يهلك الثقلان
قال علي عليه السلام هذا كتاب الله فمن يحكم بيننا فاختار أهل الشام عمرو بن العاص و اختار أهل العراق أبا موسى الأشعري فقال علي عليه السلام هذا ابن عباس فقال الأشعث بن قيس لا نرضى به و الله لا يحكم فينا مضري أبداً فقال الأحنف إن أبا موسى رجل قريب القعر اجعلني مكانه آخذ لك بالوثيقة وأضعك من هذا الأمر بحيث تحب فلم يرض به أهل اليمن و فيه يقول الشاعر
لو كان للقوم يعصمون به ... عند الخطوب رموكم بابن عباس
لكن رموكم بوعر من ذوي يمن ... لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس
فكتبوا القضية على أن يحكم الحكمان بكتاب الله و السنة و الجماعة غير الفرقة فإن فعلا غير ذلك فلا حكم لهما و صيروا الأجل شهر رمضان على أن يجتمع الحكمان في موضع عدلٍ بين الكوفة و الشام و يحكما بذلك القضية فخرج الأشعث بن قيس و جعل يقرؤها على الناس فمر به عروة بن أدية التميمي فسل سيفه و ضرب به عجز دابته و قال تحكمون الرجال و لا حكم إلا لله و فيه يقول الشاعر
أعلى الأشعث المعصب بالتا ... ج شهرت السلاح يا بن أدية

ذكر خروج الخوارج على علي كرم الله وجهه و أمر علي بالرحيل من صفين فما ارتحلوا حتى فشا فيهم التحكيم و رحل معاوية إلى الشام و قد أصاب ما أراد من إيقاع الخلاف و الفرقة بين علي عليه السلام فلما دخل علي الكوفة اعتزله اثنا عشر ألفاً من القراء و زالوا براياتهم حتى نزلوا حروراء و هي قرية من السواد و أمروا على القتال شبث بن ربعى و على الصلاة عبد الله بن الكواء فناظرهم علي عليه السلام ستة أشهر و هم ينادونه جزعت من البلية و رضيت بالقضية و قبلت الدنية لا تحكم إلا الله عز و جل فيقول علي عليه السلام انتظر بكم حكم الله فيقولون لئن أشركت ليحبطن عملك فيقول فاصبر إن وعد الله حق ثم بعث علي عبد الله بن عباس و صعصعة بن صوحان يدعونهم إلى الجماعة فقال علي أنا موادعكم إلى مدة نتدارس فيها كتاب الله عز و جل لعلنا نصطلح فما دوه تسعة عشر ليلة ثم قال ابعثوا إلى خطباء يقومون بحجتكم فبعثوا فقام علي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال لم أكن أحرصكم على هذه القضية و التحكيم و لكنكم و هنتم في القتال و تفرقتم علي و دعاني القوم إلى كتاب الله عز و جل فخشيت أن يتأولوا على قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون قالت خطباء الحرورية دعوتنا إلى كتاب الله عز و جل فأجبناك حتى قتلتنا و قتلنا بالجمل و صفين ثم شككت في أمرك الذي تركت و أنت على غيره و لا نرجع إلا أن تتوب و تشهد على نفسك بالضلالة فقال معاذ الله أن أشهد على نفسي بالضلالة و بنا هداكم الله عز و جل و استنقذكم من الضلالة و إنما حكمت الحكمين أن يحكما بكتاب الله عز و جل و السنة الجامعة غير المفرقة فإن حكما بغير ذلك لم يكن علي و لا عليكم و إنما تقع القضية في عام قابل فقالوا نخشى أن يحدث أبو موسى شيئاً يكون كفراً قال فلا تكفروا أنتم العام مخافة كفر عام قابل فرجع بعضهم إلى الجماعة ثم بعث إليهم ابن عباس رضي الله عنه فقال ما نقمتم على ابن عليه السلام رسول الله قالوا ثلاث خصال إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله و الله يقول إن الحكم إلا لله و الأخرى أنه غير اسمه من إمارة المؤمنين و إن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين و الثالثة أنه قتل و لم يسب و لم يغنم فإن كانوا كفاراً حل سبيهم و إن كانوا مؤمنين فلم قتلتم فقال ابن عباس رضي الله عنه أما قولكم حكم الرجال في دين الله فإن الله عز و جل قد حكم في أرنب قيمته ربع درهم مسلمين عدلين وحكم في نشوز امرأة مسلمين فأناشدكم الله عز و جل أحكم الرجال في أرنب أفضل أم حكمهم في دماء الأمة و إصلاح ذات البين و أما قولكم أنه قاتل و لم يسب و لم يغنم فإن الله تعالى يقول إن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم فهل كنتم تسبون أمكم و تستحلون منها ما تستحلون من غيرها و أما قولكم أنه أخرج اسمه من إمارة المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج اسمه يوم الحديبية من النبوة و وَ الله لرسول الله أفضل من علي فرجع منهم ألفان مع عبد الله بن الكواء و أمر الباقون عبد الله بن وهب الراسبي عليهم و أخذوا في الفساد فقال علي عليه السلام دعوهم حتى يأخذوا مالاً و يسفكوا دماً و كان يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين فالناكثون أصحاب الجمل و القاسطون أصحاب صفين و المارقون الخوارج فوثب الخوارج على عبد الله بن خباب فقتلوه و بقروا بطن امرأته و قتلوا نسوة و ولداناً فقال لهم علي ادفعوا إلينا قتلة إخواننا و أنا تارككم فثاروا به و ناوشوه القتال فقال علي عليه السلام أن يغلب منهم عشرة و أن يقتل منهم عشرة فكان كذلك و هو يوم النهروان بموضع يقال له رميلة الدسكرة و قتل المخدج ذو الثدية و قد ذكرت هذه القصة في فصل مقالات أهل الإسلام فذكر قوم أنه قتل يوم النهروان أربعة آلاف و قيل جملة من قتل علي من الخوارج بالنهروان و غيره ستون ألفاً فهذا ما كان من أمر الخوارج و قد قال السيد الحميري
إني أدين بما دان الوصي به ... يوم الخريبة من قتل المضلين
و ما به دان يوم النهر دنت به ... و شاركت كفه كفي بصفينا
تلك الدماء معاً يا رب في عنقي ... ثم اسقني مثلها آمين آمينا

خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه و لما قتل عثمان رضي الله عنه بويع علي عليه السلام بيعة العامة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم و بايع له أهل البصرة و أهل الكوفة مع أبي موسى الأشعري و بايع طلحة و الزبير بالمدينة و لم يبق أحد إلا بايعه إلا معاوية بالشام في أهلها ثم نكث طلحة و الزبير و خرجا بعائشة إلى البصرة فسار إليهم علي عليه السلام فقاتلهم و هي وقعة الجمل ثم سار إلى أهل الشام بصفين ثم حكموا الحكمين و انصرفوا و خرجت عليهم الخوارج فقتلهم بالنهروان و كان علي بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى مصر والياً عليها فأجهض معاوية بدهائه و مكايدته و لم يكن لعمرو بن العاص التوصل إليها و قد أطعمها إياه معاوية عند تعليمهم التحكيم فاحتالوا في إزالة قيس عنها و ذلك أن معاوية كتب إلى بعض بني أمية أن جزى الله قيس بن سعد خيراً فإنه قد كف عن إخواننا من أهل مصر الذين قاتلوا في دم عثمان و اكتموا ذلك علياً فإني أخاف إن بلغه ذلك عزله فشاع ذلك في الناس فقالوا بدل قيس قال علي عليه السلام معاذ الله قيس لا يبدل فما زالوا به حتى كتب إليه أن اقدم فعلم أنه مكر من معاوية فقال لولا الكذب لمكرت بمعاوية مكراً يدخل عليه بيته و أقبل على علي فبعث علي الأشتر النخعي مكانه فلما انتهى إلى عريش كتب معاوية عليه اللعنة إلى دهقان عريش إن أنت قتلت الأشتر فلك خراجه عشرين سنة فأخرج له سويقاً و جعل فيه سماً فلما شربه الأشتر يبس مكانه فقال معاوية لما بلغه ما أبردها على الفؤاد إن لله جنوداً من عسل و بلغ الخبر علياً فبعث محمد بن أبي بكر إلى مصر مكانه و بعث معاوية عمرو بن العاص إليها فاقتتلا بالمسناة و قتل محمد بن أبي بكر و جعلوا جثته في جيفة حمار و أحرقوه بالنار.

ذكر الحكمين و كان ذلك بعد صفين بثمانية أشهر و اجتمع أبو موسى الأشعري و عمرو بن العاص للتحكيم بموضع يقال له دومة الجندل بين مكة و الكوفة و الشام و أحضروا جماعة من الصحابة و التابعين منهم عبد الله بن عمر و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و المسور بن مخرمة في صلحاء أهل المدينة و بعث علي ابن عباس من الكوفة في جماعة فقال ابن عباس لأبي موسى أنك قد رميت بحجر الأرض و داهية العرب فمهما نسيت فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و ليست فيه خصلة واحدة تباعده من الخلافة وليس في معاوية خصلة واحدة تدانيه من الخلافة فلما اجتمع أبو موسى و عمرو للحكومة ضربا فسطاطاً و قال عمرو يجب أن لا نقول شيئاً إلا كتبناه حتى لا نرجع عنه فدعيا بكاتب و كان قال عمرو قبل ذلك ابدأ باسمي فلما أخذ الكاتب الصحيفة و كتب بسم الله الرحمن الرحيم بدأ باسم عمرو فقال له عمرو أمحه و ابدأ باسم أبي موسى فإنه أفضل مني و أولى بالتقديم و كانت خديعة منه ثم قال ما نقول يا أبا موسى في قتل عثمان قال قتل و الله مظلوماً قال عمرو أكتب يا غلام ثم قال يا أبا موسى إن إصلاح الأمة و حقن الدماء و إبقاء الذماء خير مما وقع فيه علي و معاوية فإن رأيت أن نخرجهما و يستخلف على الأمة من يرضى المسلمون به فإن هذا أمانة عظيمة في رقابنا قال لا بأس بذلك قال عمرو أكتب يا غلام ثم ختما على ذلك الكتاب و قاما ذلك اليوم و قد تطاول النهار و سيم الكلام و قد ظفر عمرو بما أراد من إقرار أبي موسى بقتل عثمان ظلماً و إخراج علي و معاوية من الأمر فلما كان من الغد و قعدا للنظر قال عمرو يا أبا موسى قد أخرجنا علياً و معاوية من هذا الأمر فسم له ما شئت قال أسمي الحسن بن علي قال عمرو تراه تخرج أباه من الأمر و تجلس مكانه ابنه قال فعبد الله بن عمر قال هو أورع من أن يدخل في شيء من هذا و سمى أبو موسى عدة لا يرضيهم عمرو ثم قال سم أنت يا أبا عبد الله قال معاوية بن أبي سفيان قال ما هو أهل لذلك فابني عبد الله بن عمرو فعرف أبو موسى أنه يتلعب به فقال أفعلتها لعنك الله إنما مثلك كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال له عمرو بل أنت لعنك الله إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً ثم قال عمرو إن هذا قد خلع صاحبه و أخرج عمرو خاتمه و أنا أيضا خلعته كما خلعت هذا الخاتم من يدي ثم أدخل خاتمه في يده الأخرى و قال أدخلت معاوية في الأمر كما أدخلت خاتمي في يدي و قال قوم خلع علياً و لم يدخل معاوية حتى أتى الشام ثم ركب أبو موسى راحلته إلى مكة و ركب عمرو إلى الشام و فيه يقول الشاعر
أبا موسى بليت و كنت شيخا ... قريب القعر مجرور اللسان
رمى عمرو صفاتك يا بن قيس ... بأمر لا تنوء به اليدان
فأعطيت المقادة مستجيبا ... فيا لله من شيخ يمان
و لما قدم عمرو الشام ولي عمرو الشام و بايعوه الناس و بلغ الخبر علياً فقال كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فمن دعا إليها فاقتلوه و عزم على المسير إلى معاوية و بايعه ستون ألفاً على الموت فشغلته الخوارج و قتالهم إلى أن قتل رضوان الله عليه و أخذ معاوية في تسريب السرايا إلى النواحي التي تليها عمال علي عليه السلام و شن الغارات و قتل الرجال و نهب الأموال و بعث بسر بن أرطاة إلى المدينة و على المدينة أبو أيوب الأنصاري فنحي عنها و صعد بسر المنبر و توعد أهل المدينة بالقتل حتى أجابوا إلى بيعة معاوية و أتى مكة و بها عبد الله بن العباس فهابه و خرج نحو علي و قتل بسر جماعة من شيعة علي عليه السلام و أخذ ابنين صغيرين لعبد الله بن عباس فقتلهما في حجر أمهما و فيهما تقول أمهما
ها من أحس بنيني اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف
ها من أحس بنيني اللذين هما ... سمعي و عيني فقلبي اليوم مختطف
نبيت بسراً و ما صدقت ما زعموا ... من قولهم و من الكذب الذي وصفوا
و بلغ الخبر علياً فبعث في إثره جارية بن قدامة ففاته و لم يدركه و كان لبسر هذا ابنان بأوطاس فخرج إليهما رجل من قريش فقتلهما و قال فيهما
ما قتلتهما ظلماً فقد شرفت ... من صاحبينك قناتي دون أوطاس

فاشرب بكأس ذوي ثكل كما شربت ... أم الصبيين أو ذاق بن عباس
مقتل علي عليه السلام قالوا تعاقد ثلاثة نفر من الخوارج على قتل علي رضي الله عنه و معاوية و عمرو بن العاص منهم عبد الرحمن بن ملجم عليه لعائن الله تترى مرة بعد أخرى قال أنا أقتل علياً و البرك قال أنا أقتل معاوية عليه اللعنة و داود مولى لبني العنبر قال أنا أقتل عمرو بن العاص فاجتمعوا بمكة و شروا أنفسهم على أن يريحوا العباد من أئمة الضلال و مضوا لطيتهم فأما داود فأتى مصر و دخل المسجد و قام في الصلاة فخرج خارجة بن حذافة و كان على شرطة عمرو و عمرو يشتكي فضربه داود فقتله و هو ظنه عمراً فقال عمرو أردت عمراً و الله يريد خارجة فذهبت مثلا و أخذوا داود به فقتل و أما البرك و اسمه الحجاج فإنه مضى إلى الشام و دخل المسجد فخرج معاوية فافتتح الصلاة فضربه البرك و كان معاوية عظيم العجز فأصابت الضربة فقطعت منه عرقاً انقطع منه الولد فأخذ البرك فقطعت يداه و رجلاه و خلي عنه فعاش و قدم البصرة و نكح امرأة فولدت له فلما كان في أيام زياد بن أبيه أخذه فقال يولد لك و لم يولد لمعاوية فضرب عنقه و أما ابن ملجم عليه لعنة الله فإنه أتى الكوفة و جعل يختلف إلى علي عليه السلام و علي يلاطفه و يواصله و يتوسم فيه الشر و فيه يقول
أريد حياته و يريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
قالوا و شعف ابن ملجم عليه اللعنة بامرأة يقال لها قطام من الخوارج فخطبها فقالت الصداق قتل علي و كذا و كذا و كان قتل أباها و أخاها بالنهروان فضمن لها ذلك و سم سيفه و شحذه و جاء فبات تلك الليلة بالمسجد هو و روي عن الحسن بن علي عليهما السلام أنه قال لما أصبح اليوم الذي ضربه الرجل فيه فقال لقد سنح لي الليلة النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك قال ادع الله أن يريحك منهم قالوا و دخل علي المسجد و نبه النيام فركل ابن ملجم برجله و هو ملتف بعباءة و قال له قم فما أراك إلا الذي أظنه و افتتح ركعتي الفجر فأتاه ابن ملجم عليه لعائن الله فضربه على صلعته حيث وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده و قال أشقى الناس أحيمر ثمود و الذي يخضب هذه من هذه و روي أنه كان ضربه عليه عمرو بن عبد ودٍ يوم الخندق و لم يبلغ الضربة مبلغ القتل و لكن عمل فيه السم فثار الناس إليه و قبضوا عليه فقال علي لا تقتلوه فإن عشت رأيت فيه رأياً و إن مت فشأنكم به فعاش ثلاثة أيام ثم مات يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان و هو اليوم الذي أوحى فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم و اليوم الذي فتح الله عليه بدراً فقتل ابن ملجم عليه لعنة الله و دفن علي رضي الله عنه و اختلفوا أين دفن فقال قوم دفن بالغري و قال قوم دفن بالكوفة و عمي مكانه و قال قوم جعل في تابوت و حمل على بعير يريدون المدينة فأخذه طىء و هم يظنونه مالا فلما رأوا الميت دفنوه عندهم و الله أعلم و مما رثي به عليه السلام قول أم الهيثم بنت أبي الأسود الدؤلي
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فلا قرت عيون الشامتينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا ... بخير الناس طراً أجمعينا
رزئنا خير من ركب المطايا ... و خيسها و من ركب السفينا
و قيل في ابن ملجم و قصته
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام بين غير مبهم
ثلاثة آلاف و عبد و قينة ... و قتل علي بالحسام المسمم
فلا مهر أغلى من علي و إن علا ... و لا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
و يقول عمران بن حطان في ابن ملجم لعنهما الله
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
و روي أن علياً عليه السلام كان يقنت على معاوية إلى أن مات و معاوية يلعن علياً و ولده و كتب الوليد بن عقبة الفاسق إلى معاوية يهنئه بقتل علي رضوان الله عليه
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم
قطعت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر في دمشق فما تريم
ليهنئك الإمارة كل ركب ... بأنضاء العراق لها رسيم

فإنك و الكتاب إلى علي ... كدابغة و قد حلم الأديم
و كانت خلافة علي عليه السلام خمس سنين لم يتفرغ إلى أن يحج بنفسه شغلته الحروب.
خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما ثم بويع الحسن بن علي رضي الله عنهما بالكوفة و بويع معاوية بالشام في مسجد إيليا فقدم الحسن قيس بن سعد في اثني عشر ألفاً للقاء معاوية و جاء معاوية حتى نزل جسر منبج و خرج الحسن حتى ساباط المدائن في أربعين ألفاً قد بايعوا على الموت و أحبوه أشد من حبهم لأبيه فأغذ السير حتى إلى مسكن من أرض الكوفة في عشر ليالٍ و رجلان يقرآن القرآن عن يمينه و عن شماله و فيه يقول كعب بن جعيل
من جسر منبج أضحى غب عاشره ... في نخل مسكن تتلا حوله السور
و قدم معاوية بسر بن أرطاة فكانت بينه و بين قيس مناوشة ثم تحاجزوا ينتظرون الحسن قالوا و نظر الحسن ما يسفك من الدماء و ينتهك من المحارم فقال لا حاجة لي في هذا الأمر و قد رأيت أن أسلمه إلى معاوية فيكون في عنقه تباعة هذا الأمر و أوزاره فقال له الحسين أنشدك الله أن تكون أول من عاب أباه و رغب عن رأيه فقال الحسن لتتابعني على ما أقول أو لأنشدنك في الحديد حتى أفرغ منه فقال له الحسين فشأنك به و إني لكاره فقام الحسن رضي الله عنه خطيباً فذكر رأيه و إئثاره السلامة فقال الناس هو خالع نفسه لمعاوية فشق عليهم ذلك و قد بايعوه على الموت فثاروا به و قطعوا عليه كلامه و خرقوا عليه سرادقه و طعنه رجل في فخذه أشوته و انصرفوا عنه إلى الكوفة فحمل الحسن إلى المدائن و قد نزف دمه فعولج و بعث إلى معاوية يذكر تسليمه الأمر إليه فكتب إليه معاوية أما بعد فأنت أولى بهذا الأمر و أحق به لقرابتك و كذا و كذا و لو علمت أنك أضبط له و أحوط على حريم هذه الأمة و أكيد للعدو لبايعتك فاسأل ما شئت و بعث بصحيفة بيضاء مختومة في أسفلها أن اكتب فيها ما شئت فكتب الحسن أموالاً و ضياعاً لشيعة علي و أشهد على ذلك شهوداً من الصحابة و كتب في تسليم الأمر كتاباً على أن يعمل بكتاب الله و سنة نبيه و سيرة الخلفاء الماضين و أن لا يعهد بعده إلى أحد و يكون الأمر شورى و أصحاب علي آمنين حيثما كانوا و قيس بن سعد نازل و على منازلته عازم فبعث إليه معاوية على طاعة من تنازعني و قد بايعني صاحبك و بعث إليه بصحيفة بيضاء و وضع خاتمه أسفلها و قال سل ما شئت فلم يسأل قيس غير الأمان له و لمن معه فآمنهم و انصرفوا و التقى معاوية مع الحسن على منزل من الكوفة فدخلا الكوفة معاً ثم قال يا أبا محمد نعرض به لقد جدت بشيءٍ لا تجود بمثله نفوس الرجال فقم و أعلم الناس ذلك فقام الحسن فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس لو طلبتم ما بين جابلق إلى جابلص رجلاً جده رسول الله ما وجدتموه غيري و غير أخي و أن الله تعالى هداكم بأولنا و حقن دماءكم بآخرنا و إن معاوية نازعني حقاً لي دونه فرأيت أن أمنع الناس الحرب و أسلمه إليه و إن لهذا الأمر مدة و تلا و إن أدرى لعله فتنة لكم و متاع إلى حين فلما تلا الحسن هذه الآية خشي معاوية الاختلاف فقال له معاوية اقعد ثم قام خطيبا فقال كنت شروطاً في الفرقة أردت بها نظام الألفة و قد جمع الله كلمتنا و أزال فرقتنا و كل شرط شرطته فهو مردود و كل وعد وعدته فهو تحت قدمي هاتين فقام الحسن فقال إلا وأني اخترت العار على النار ليلة القدر خير من ألف شهر و سار إلى المدينة و قام بها إلى أن مات سنة سبع و أربعين من الهجرة رضوان الله عليه و كانت خلافته خمسة أشهر و يقال ستة أشهر و صحت رواية سفينة عن النبي صله الخلافة بعدي ثلاثون ثم يكون الملك و روى الحسن عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد و سيصلح به بين فئتين.
الجزء السادس
الفصل الحادي و العشرون
في ولاية بني أمية إلى آخر أيامهم
على الاختصار و ما كان فيه من فتنة ابن الزبير و المختار بن أبي عبيد

ولاية معاوية بن أبي سفيان و صار الأمر إلى معاوية سنة أربعين من الهجرة و كان ولي لعمر و عثمان عشرين سنة و لما سلم الحسن الأمر إليه ولى الكوفة المغيرة بن شعبة و ولى البصرة و خراسان عبد الله بن عامر بن كريز و ولى المدينة مروان بن الحكم و انصرف معاوية إلى الشام و في هذه السنة افتعل المغيرة كتاباً من معاوية إلى أهل الموسم في الإمارة و حج بالناس فوقف يوم التروية و نحر يوم عرفة خوفاً أن يفطن الناس بكتابه ثم نزع معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة و ولاها زياد بن أبيه ثم لما مات بن شعبة جمع له العراقين و هما الكوفة و البصرة و هو أول من جمع العراقان.
قصة زياد بن أبيه قالوا أن معاوية أول من ادعى إلى غير أبيه فادعى زياداً أخاً من جلده و نفاذه و زياد هو ابن عبيد من ثقيف و أمه سمية و قد قال الحسن و الشعبي أن سرك أن لا تكذب فقل زياد بن أبيه و فيه يقول ابن المفرغ
العبد للعبد لا أصل و لا شرف ... ألوت به ذات أظفارٍ و أنياب
و كان زياد كاتباً للمغيرة بن شعبة ثم كتب لأبي موسى الأشعري ثم كتب لابن عامر ثم كتب لابن عباس ثم كتب لعلي بن أبي طالب عليه السلام و كان له من الولد ثلاثة و أربعون منهم عشرون ذكراً و ثلاث و عشرون أنثى و مات زياد بالكوفة سنة ثلاث و خمسين من الهجرة و ذلك أنه كان غشوماً ظلوماً هصوماً جبى العراق مائة ألف ألف و جعل يخطب الحجاز و يهدد أهله بالقتل و كتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراق بيميني و شمالي فارغة فضم إليه الحجاز فاجتمع أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم و دعوا عليه فخرجت في يده الآكلة فشغله عن ذلك و كان يناله من علي عليه السلام فضربه النقاد ذو الرقبة يعنى الفالج فقتله بالكوفة.
موت المغيرة بن شعبة وقع الطاعون بالكوفة فهرب المغيرة بن شعبة ثم لما سكن عاد فطعن فمات فقال أعرابي
ارسم ديار للمغيرة تعرف ... عليه دواني الإنس و الجن تعزف
فإن كنت قد لاقيت هامان بعدنا ... و فرعون فاعلم أن ذا العرش منصف
وفاة عمرو بن العاص و مات عمرو بن العاص بمصر يوم الفطر فصلى عليه ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص ثم صلى بالناس صلاة العيد و خلف عمرو من المال ثلاثمائة ألف دينار و خمسة و عشرين ألف دينار و من الغلة ما يبلغ ارتفاعها في السنة مائتى ألف دينار و من الورق ألفي ألف درهم و فيه يقول الشاعر
ألم تر أن الدهر أذكى عيونه ... على عمرو السهمي تجبى له مصر
و لم يغن عنه كيده و احتياله ... و حيلته حتى أتيح له الدهر
قالوا و ولى معاوية خراسان الحكم بن عمرو الغفاري و كانت له صحبة و افتتح جبال الغور و مات بمرو ثم ولاها عبيد الله بن زياد فغزا طخارستان و ملكتها فتح خاتون فقاتلها و هزمها و انتهب مملكتها سبعاً ثم صارت إلى الصلح فصالحها على مال و خلى لها ملكها و نواحيها ثم غزا ما وراء النهر و أغار على بخارا و غنم منها غنائم كثيرة و عاد إلى البصرة ثم ولاها سعيد بن عثمان بن عفان و غزا ما وراء النهر و صالح أهل سمرقند على أن يدخل باباً من أبوابها و يخرج من الآخر و أخذ منهم رهائن أن لا يغدروا به فدخل و خرج و انصرف بالرهائن و غدر بهم و حملهم إلى المدينة و جعل يستغلهم في النخيل و الطين و هم أولاد الدهاقين و أرباب النعم فلم يطيقوا ذلك العمل و سئموا عيشهم فوثبوا عليه في حائط له فقتلوه ثم قتلوا أنفسهم بالحبل خنقاً ثم ولاها أسلم بن زرعة و كان غشوماً ظلوماً فأخذ أهل مرو بأن يكفوا عنه نقيق الضفاضع فأخبروه بأن ذلك غير ممكن فضاعف عليهم الخراج مائة ألف درهم و في أيام معاوية افتتح من الروم روذوس و هو على يومين من القسطنطينية و أقام المسلمون بها سبع سنين و افتتح من خراسان سمرقند و كش و نسف و بخارا و افتتح الربيع بن زياد الحارثي بلخ و ما يليها و كان والياً من عند معاوية فمات بمرو فلما حج معاوية جاءه الحسن و الحسين وابن عباس رضي الله عنهم و سألوه أن يفي لهم بما ضمن فقال أما ترضون يا بني هاشم أن نوفر عليكم دماءكم و أنتم قتلة عثمان و لم يعطهم مما في الصحيفة شيئاً.
وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهما

و توفي الحسن في سنة تسع و أربعين و هو ابن سبع و أربعين سنة و اختلفوا في سبب موته فزعم قوم أنه زج ظهر قدمه في الطواف بزجٍ مسمومٍ و قال آخرون أن معاوية دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس بأن تسم الحسن و يزوجها يزيد فسمته و قتلته فقال لها معاوية إن يزيد منا بمكان و كيف يصلح له من لا يصلح لابن رسول الله و عوضها منه مائة ألف درهم و في أيام معاوية ماتت عائشة رضي الله عنها وأم سلمة و أبو هريرة و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن عمر و أبو أيوب الأنصاري بالقسطنطينية و كان معاوية قد أذكى العيون على شيعة علي عليه السلام يقتلهم أين أصابهم فقتل حجر بن عدي و عمرو بن الحمق في جملة من قتل و قال سعيد بن المسيب أن معاوية أول من غير قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم و أول من خطب قاعداً لأنه كان بطيناً بادناً و أول من قدم الخطبة على الصلاة خشي أن يتفرق الناس عنه قبل أن يقول ما بدا له و أول من نصب المحراب في المسجد و توفي و له من الأموال التي استصفاها من مال كسرى و قيصر خمسون ألف ألفَ درهم.
أخذ البيعة ليزيد بن معاوية ثم دعا الناس إلى بيعة يزيد فأول من بايع يزيد معاوية و كتب إلى مروان بن الحكم بأخذ بيعة أهل المدينة ليزيد عليه اللعنة فغضب مروان إذ لم يجعل إليه الأمر فسار إلى الشام فكلمه و جعله ولي عهد يزيد بعده و رده إلى المدينة فامتنع أهل المدينة من بيعته فجاء معاوية حاجاً في ألف فارس إلى المدينة و تلقاه الحسين و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد الله بن الزبير فسلموا عليه فلم يرد جواب سلامهم و أغلط بهم في القول و عنف و ذلك حيلة منه فتوجه القوم إلى مكة لما رأوا من جفائه و دخل معاوية المدينة و لم يبق بها أحد لم يبايعه و أخذ بيعة أهلها ليزيد و فرق فيهم أموالاً عظيمةً ثم خرج إلى مكة فتلقاه الحسين بن علي فلما وقع بصره عليه قال مرحباً بابن رسول الله و سيد شباب أهل الجنة دابةً لابن عبد الله ثم طلع عليه عبد الله بن الزبير فقال مرحباً بابن حواري رسول الله و ابن عمته دابةً لأبي خبيب ثم كذلك كلما طلع عليه طالع حياه و أمر له بدابةٍ وصلةٍ ثم دخل مكة و هداياه و جوائزه يروح عليهم و يغدو حتى أنماهم الأموال ثم أمر برواحله فعلقت بباب المسجد و جمع الناس و أمر بصاحب حرسه أن يقيم على رأس كل رجل من الأشراف رجلاً بالسيف و قال إن ذهب واحد منهم إلى أن يراجعني في كلامي فاضربوا عنقه ثم صعد النبر و خطب فقال إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين و خيارهم و لا يبتز أمر دونهم و لا يقضى أمر عن غير مشورتهم و قد بايعوا يزيد فبايعوه بسم الله فأما الأشراف فلم يكن يمكنهم تكذيبه و مراجعته و أما سائر الناس فلا جرأة لهم على الكلام و لا علم لهم بشيء مما يقول فأخذ البيعة و ركب رواحله و ضرب إلى الشام و كان يقول لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي و فيه يقول بعضهم
فإن تأتوا برملة أو بهند ... نبايعها أميرة مؤمنينا
إذا ما مات كسرى قام كسرى ... بنوه بعده متناسقينا
خشينا الغيظ حتى لو سقينا ... دماء بني أمية ما شفينا
وفاة معاوية رضي الله عنه و مات معاوية بدمشق سنة ستين وهو ابن ثمانين سنة و كان رجلاً طوالاً جسيماً بادناً أبيض جميل الوجه إذا ضحك انقلبت شفته العلياء و بايع أهل الشام يزيد بن معاوية على الوفاء بما أخذ له معاوية من بيعتهم.

بيعة يزيد بن معاوية عليه اللعنة قالوا مات معاوية و على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و على العراق عبيد الله بن زياد فلما ورد نعي معاوية قال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة أبعث إلى الحسين بن علي و عبد الله بن الزبير فإن بايعا وإلا فاضرب أعناقهما فاستدعاهما في جوف الليل و نعى إليهما معاوية و أخذهما بالبيعة ليزيد فقالا حتى نصبح و انصرفا من عنده و خرجا من تحت الليل إلى مكة و أبيا أن يبايعا و بلغ أهل الكوفة تلكؤ الحسين في بيعة يزيد فكتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم و بعثوا بحمل بعير و كتبوا البيعة فأرسل الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليأخذ البيعة من أهلها فجاء حتى نزل على هانئ بن عروة و اجتمع إليه خلق كثير من الشيعة يبايعون الحسين و خرج الحسين بأهله و ولده و بلغ الخبر عبيد الله بن زياد عليه اللعنة و هو بالبصرة فهم إلى الكوفة فسار إليه الشيعة و قاتلوه حتى دخل قصره و أغلق بابه فلما كان عند المساء و تفرق الناس عن المسلم بن عقيل بعث عبيد الله بن زياد خيلاً في خفية فقبضوا على مسلم و على هانئ و رفعوا مسلما بين شرف القصر و قتل أدناه من العضادة ثم ضربوا عنقه و فيه يقول
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ في السوق و ابن عقيل
ترى رجلاً قد جدع السيف أنفه ... و آخر يهوي من طمارٍ قتيل
ترى جسداً قد غير الشمس لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل
مقتل أبي عبد الله الحسين بن علي رضي الله عنهما و لما بلغ الحسين قتل مسلم بن عقيل هم بالرجوع إلى المدينة فبعث إليه عبد الله بن زياد الحر بن يزيد التميمي في ألف فارس فلقي الحسين بزبالة فقال له الحسين لم آتكم حتى انتهت إلي كتبكم فإن كان رأيكم على غير ما نطقت به كتبكم انصرفت فقال الحر بن يزيد إني لم أؤمر بقتالك و لكن أمرت أن لا أفارقك حتى تقدم الكوفة فإذا أتيت فخذ طريقاً يدخلك الكوفة و لا نزول إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد فانثنى الحسين عن طريق العذيب و الحر بن زياد يسايره حتى انتهى إلى الغاضرية فنزل بها و هو يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة إحدى و ستين و قدم عليه يوم الجمعة عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف و زعم قوم أن عبيد الله بن زياد قال له إن قتلت الحسين فلك عمل الري و بعث معه بشر بن ذي الجوشن و قال إن لم يقتله فاقتله و أنت على الناس فنزلوا بين نهري كربلا وجرت الرسل بينهم و بين الحسين و منعوه و من معه الماء أن يشربوا فقال الحسين لعمر بن سعد اكتب إلى صاحبك فاعرض أن أرجع إلى الموضع الذي أقبلت منه أو آتي ثغراً من ثغور المسلمين إلى أن ألحق بالله عز و جل أو يبعث بي إلى يزيد بن معاوية فيرى في رأيه فإن الرحم تمنعه قتلي فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بذلك فلم يقبل من ذلك شيئاً و قال لا إلا أن ينزل على حكمي فقال الحسين و الله لا أنزل على حكم مرجانة أبداً يعني عبيد الله بن زياد و ناهضهم القتال يوم عاشوراء و هو يوم الجمعة و معه تسعة عشر إنساناً من أهل بيته و انحاز إليه الحر التيمي تائباً من ذنبه فقاتل معه فقتل الحسين عطشان و قتل معه سبعة من ولد علي عليه السلام و ثلاثة من ولد الحسين و تركوا علي بن الحسين و هو علي الأصغر لأنه كان مريضاً فمنه عقب الحسين عليه السلام إلى اليوم و قتلوا من أصحابه سبعة و ثمانين إنساناً و زعم قوم الحسين رضي الله عنه قتل بعدما قتل منهم عدة و لولا الضعف الذي أدركه من العطش لكان يأتي على أكثرهم قالوا فرماه الحصين بن تميم في حنكه و ضرب زرعة بن شريك كفه و طعنه سنان بن أنس بالرمح ثم نزل فاجتز رأسه وأوطأ الخيل جثته و ساقوا علي بن الحسين مع نسائه و بناته إلى عبيد الله بن زياد فزعموا أنه وضع رأس الحسين في طست و جعل ينكت في وجهه بقضيب و يقول ما رأيت مثل حسن هذا الوجه فقط فقال أنس بن مالك أما أنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعث به وبأولاده إلى يزيد بن معاوية فذكر أن يزيد أمر بنسائه و بناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس إليهن و وضع رأسه بين يديه و جعل ينكت بالقضيب في وجهه و هو يقول
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا و استهلوا فرحاً ... و لقالوا يا يزيد لا تسل
فقام أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه فقال أما و الله لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً لربما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرشفه و قتل الحسين عليه السلام سنة إحدى و ستين من الهجرة يوم عاشوراء و هو يوم الجمعة و كان بلغ من السن ثمانياً و خمسين سنة و كان يخضب بالسواد رضي الله عنه ثم بعث يزيد عليه اللعنة بأهله و بناته إلى المدينة و رثته ابنة عقيل بن أبي طالب
ماذا تقولون أن قال المليك لكم ... ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى و قتلى ضرجوا بدمي
قال و سمع أهل المدينة ليلة قتل الحسين في نهارها هاتفاً يهتف
مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش ... و جده خير الجدود
و اعلم أن للروافض في هذه القصة من الزيادات و التهاويل شيئاً غير قليل و في مقدار ما بيناه سقط كثير لأن من الناس من ينكر أن يكون يزيد أمر بقتله أو رضي به و الله أعلم بذلك قصة عبد الله بن الزبير بن العوام و هو ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم و أول مولود ولد بالمدينة في الإسلام . قالوا و لما بويع يزيد تلكأ الحسين و عبد الله بن الزبير عن بيعته و لحقا بمكة فأما الحسين فخرج إلى الكوفة حتى استشهد بكربلا و أما عبد الله بن الزبير فامتنع بمكة و لاذ بالكعبة و دعا الناس إلى الشورى و جعل يلعن يزيد و سماه الفاسق المتكبر و قال لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد و إنما ذاك إلى عامة المسلمين فأجابه الناس إلى ذلك و رأوا الحق فيه و أظهر ابن الزبير التألد و التنسك و جعل يصوم و يصلي حتى أثر فيه و مال الناس إليه و كتب إلى أهل المدينة أن اخرجوا بني أمية من أظهركم فأخرجوهم و بلغ الخبر يزيد فبعث مسلم بن عقبة المرى في جيش كثيف و جعل يرتجز
أبلغ أبا بكر إذا الجيش سرى ... و مرت الخيل على وادي القرى
عشرين ألف بين كهل وفتى ... أجمع نشوان من القوم ترى
وقعة الحرة قال فجاء مسلم بن عقبة فأوقع بالمدينة و قتل أربع آلاف رجل من أفناء الناس و سبعين رجلاً من الأنصار و بقر عن بطون النساء و أباح الحرم و أنهب المدينة ثلاثة أيام و بايعهم على أنه فيء ليزيد و جعل يفعل فيهم ما شاء و كانت الوقعة بالحرة و هي ضاحي المدينة و بتلك سميت الحرة و سموا مسلم بن عقبة مسرف بن عقبة و كان يسمى ابن الزبير الملحد و قد قال محمد بن أسلم الساعدي
فإن يقتلونا يوم حرة واقمٍ ... فنحن على الإسلام أول من قتل
ثم سار مسلم نحو مكة يريد ابن الزبير فطعن بقديد لدعوة أهل المدينة و استخلف على الجيش الحصين بن نمير اليشكري أوصاه يزيد بذلك و قال له يا برذعة الحمار لولا أن أمير المؤمنين أمرني باستخلافك ما استخلفتك فإذا أنا مت فامض بالجيش عني حتى تواقى الملحد و لا تجعل أذنك قمعاً لقريش فأنهم سحرة بالكلام و لكن عليك إذا وافيت بالوقاف ثم النقاف ثم الانصراف و مات مسرف فسار الحصين حتى أتى مكة و حاصر ابن الزبير أياماً و رمى بالمنجنيق و النفاطات الركن فأحرق الأستار فبعث الله على أصحاب المنجنيق صاعقة فأحرقت منهم بضعة عشر رجلاً و كان المختار بن أبي عبيد الثقفي بايع ابن الزبير على أن لا ينفرد برأي و لا يقضي أمراً دونه فوجه المختار إلى الحصين و قاتله فردهم عن مكة فبيناهم كذلك إذ أتاهم نعي يزيد فانصرفوا إلى الشام و كان يزيد ولى سلم بن زياد بن أبيه خراسان و سجستان فغزا ما وراء النهر و امرأة تملك بخاراً يقال لها خاتون فكتبت إلى طرخان ملك الترك تستمده و تستنجده على أن تزوجه نفسها و جاء طرخان في جيش عظيم من الترك و السغد و ناهضهم القتال فهزمهم و غنم من أموالهم و أولادهم ما يفوت الإحصاء و في سلم يقول يزيد بن معاوية
عتبت على سلم فلما فقدته ... و جربت أقواماً بكيت على سلم
موت يزيد بن معاوية

و لما احتضر يزيد بن معاوية ولى ابنه معاوية بن يزيد و سلم الأمر إليه و كان ولد يزيد بالماطرون و مات بحوارين و هو ابن ثمان و ثلاثين سنة و كان ملكه ثلاث سنين و ثمانية أشهر و ذكر أنه تمثل عند موته بهذين البيتين
فيا ليتني لم أغن بالناس ساعةً ... و لم أغن في لذات عيش مفاخر
و كنت كذي طمرين عاش ببلغةٍ ... من العيش حتى صار رهن المقابر
و فيه يقول الشاعر
يا أيها القبر بحوارينا ... ضممت شر الناس أجمعينا
ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية و لما مات يزيد صار الأمر إلى ولده معاوية بن يزيد و كان قدرياً لأنه أشخص عمراً المقصوص فعلمه ذلك فدان به و تحققه فلما بايعه الناس قال للمقصوص ما ترى قال إما أن تعتدل و إما أن تعتزل فخطب معاوية فقال إنا بلينا بكم و ابتليتم بنا و إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به و أحق فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله ثم تقلده أبي و لقد كان غير خليق به فركب ردعه و استحسن خطاءه و لا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم فشأنكم و أمركم ولوه من شئتم فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد أصبنا منها حظاً و إن كانت شراً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها ثم نزل و أغلق الباب في وجهه و تخلى للعبادة حتى مات بالطاعون في سنة أربع و ستين اثنتي وعشرين سنة و كانت ولايته عشرين يوماً و يقال أربعين يوماً و يقال ثلاثة أشهر فوثب بنو أمية على عمرو المقصوص و قالوا أنت أفسدته و علمته فطمروه و دفنوه حياً و كان قيل فيه
تلقفها يزيد عن أبيه ... فخذها يا معاوي عن يزيد
و قال آخر
إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... و الملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
ابن الزبير ومروان بن الحكم فتنة ابن الزبير كان يدعو الناس في زمن يزيد بن معاوية إلى الإمارة و الشورى فلما مات يزيد دعاهم إلى البيعة لنفسه و ادعى الخلافة بالحجاز و العراق و خراسان و اليمن و مصر و الشام إلا الأردن فإنهم أرادوا أن يكون الأمر لخالد بن يزيد بن معاوية و دعوا له على المنبر و بويع بالخلافة فلما تسمى ابن الزبير بالخلافة فارقه المختار بن أبي عبيد من أعماله و قدم الكوفة و دعا الشيعة و قال أنا رسول الله أبي القاسم محمد بن علي بن أبي طالب و أخذ بيعة الناس له على أن يطلبوا بدم الحسين رضي الله عنه و خرج الضحاك بن قيس الفهري الخارجي و استمال الناس و صلى بهم ينتظر استقرار الخلافة و بويع مروان بن الحكم بالأردن و بويع خالد بن يزيد بن معاوية بعده واجتمع أهل البصرة على عبيد الله بن زياد و كان واليها في أيام معاوية و يزيد و نصبوه أميراً وسألوه أن يطلق عن الخوارج الذين في السجون فأطلقهم و فيهم نافع بن الأزرق و عبيد الله بن الماخور و قطري بن الفجاءة المازني فعاثوا في الأرض و أفسدوا و خافهم عبيد الله بن زياد على نفسه فهرب إلى الشام.
مروان بن الحكم و أخذ بيعة أهل الشام له،بويع له بالأردن سنة أربع و ستين و هو أول من أخذ الخلافة بالسيف و كان يلقب خيط باطل لطول قامته و اضطراب خلقه و فيه يقول الشاعر
لحى الله قوماً أمروا خيط باطلٍ ... على الناس يعطي من يشاء و يمنع
و سار إليه الضحاك بن قيس فاقتتلوا بمرج راهط من غوطة دمشق فقتل الضحاك و خرج سليمان بن صردٍ الخزاعي من الكوفة في أربعة آلاف من الشيعة يطلبون بدم الحسين فبعث إليه مروان عبيد الله بن زياد و الحصين بن نمير فالتقوا برأس عين فقتلوا سليمان بن صرد و تفرق أصحابه فمالت الشيعة إلى المختار بن أبي عبيد و قوي أمره فأظهره الدعوة إلى محمد بن الحنفية و الطلب بدم الحسين و مات مروان بدمشق و كانت ولايته سبعة أشهر و أياماً وبايع أهل الشام عبد الملك بن مروان.
موت مروان بن الحكم ذكروا أنه تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية و جرى بينه و بين خالد كلام فقال له يا بن الطرطبة فأحقدت المرأة فسقته سماً في الشراب فأبطأ القضاء عليه فلما كان في الليل و ضعت وسادة على وجهه و قعدت عليه حتى مات و صار إلى جهنم و مروان يعد من قتلى النساء و اختلفوا في حليته فقيل كان طوالاً وقيل كان قصيراً و كان لدة الحسين بن علي بن أبي طالب و الحسين و لد بعد الهجرة بسنتين.

ما جرى بين المختار و بين ابن الزبير و قالوا و غلب المختار على الكوفة و وجه عماله على كور الجبل و أرمينية و أفسدت الخوارج بالبصرة فولى أهلها المهلب بن أبي صفرة قتالهم إذ لم يكن لهم أمير يدفع عنهم و بعث عبد الله بن الزبير عبد الله بن المطيع والياً على الكوفة فخرج المختار بن أبي عبيد في جماعة من القراء منهم أبو إسحق الثقفي و جابر الجعفي و واقع بن المطيع فطرده و انكفى عنهم و فيه يقول
ابن مطيع لج في الشقاقيقول لما ضيق في الخناقيا قوم هل لي فيكم من واق
وبلغ الخبر ابن الزبير فأخذ محمد بن الحنفية بالبيعة له و الانقياد فقال محمد بن الحنفية أنا أولى بهذا الأمر منك إن كانت خلافة فجمع أصحاب ابن الحنفية و حبسهم معه في المسجد و أعطى الله عهداً أن يحرقهم بالنار إن لم يبايعوه فكتب محمد بن الحنفية إلى المختار بن أبي عبيد بالخبر فأرسل المختار مدداً و مالاً فدخلوا مسجد الحرام بغتةً لا علم لأحد بهم ينادون يا ثارات الحسين حتى انتهوا إلى ابن الحنفية و أصحابه قد حسبوا في الحظائر و وكل بهم الحرس يحفظونهم و جمعوا الكثير من الحطب و أعد لإحراقهم فأشعلوا النار في الحطب و أخرجوا ابن الحنفية و أصحابه معه إلى شعب علي بن أبي طالب و اجتمع عليه أربعة آلاف رجل فبايعوه ففرق فيهم الأموال التي حملها المختار إلى عبيد الله بن زياد إبرهيم الأشتر النخعي في اثني عشر ألفاً فالتقوا بالزاب من أرض الموصل فقتل عبيد الله بن زياد عليه اللعنة و الحصين بن نمير و شمر بن ذي الجوشن و عمر بن سعد و كل من شرك في قتل الحسين بن علي عليه السلام و حملت رؤوسهم إليه قال و كان ابن عمر بن سعد قائماً على رأس المختار لما دخلوا برأس أبيه فقال له المختار أتعرف هذا الرأس قال أي و الله رأس أبي حفص قال المختار الحقوا حفصاً بأبي حفصٍ فضرب عنقه و في عبيد الله بن زياد يقول يزيد بن المفرغ
إن الذي عاش ختاراً بذمته ... و مات عبداً قتيل الله بالزاب
العبد للعبد لا أصل و لا شرف ... ألوت به ذات أظفار و أنياب
ما شق جيب و لا قامتك نائحة ... و لا بكتك جياد عند أسلاب
ثم بعث ابن الزبير أخاه مصعباً على العراق فقدم البصرة و أعطاها أهلها الطاعة و أمضى للمهلب بن أبي صفرة ما كان أهلها و لوه من قتال الأزارقة و خرج إلى الكوفة و كان المختار يحتال في استمالة الناس بضروب من الحيل و كان يروي الروايات و يستعمل المخاريق و يدعي المعجزات و يزعم أن جبريل و ميكائيل يأتيانه و يأمر بعض أصحابه أن يشهد له أنه رأى الملائكة نزلت لنصرته و فيه يقول
أ لا أبلغ أبا إسحق عني ... بأن الخيل كعت مصميات
أرى عيني ما لم تبصرا ... كلانا عالم بالترهات
فزحف إليه مصعب بن الزبير فبيته المختار و قتل من أصحابه ستة آلاف و قتل عبيد الله بن علي بن أبي طالب و محمد بن الأشعث بن قيس و كانا محبوسين في عسكر مصعب و لم يشعر بهما فلما كان من الغد جد مصعب في قتاله فلجأ إلى قصر الكوفة فحاصره مصعب إلى أن قتله و قتل من كان معه في القصر و هم ست آلاف و ثمان مائة رجل و أخذ عمرة بنت النعمان بن بشير و كانت تحت المختار بن أبي عبيد و عرض عليها البراءة من المختار فأبت فضرب عنقها و فيها يقول عبد الرحمن بن حسان
كتب القتل و القتال علينا ... و على الغانيات جر الذيول
و استولى مصعب على العراقين فسار إليه عبد الملك بن مروان فالتقوا بمسكن و قتل مصعب و بعث برأسه إلى عبد الملك بن خازم بخراسان و قد بايع لابن الزبير و دعا له و كتب إن بايعتني أطعمتك خراسان عشر سنين فكتب إليه ابن حازم
أعيش زبيري الحياة فإن أمت ... فإني موص هامتي بالتزبر

واستقام العراق لعبد الملك بن مروان قال عبد الملك بن عمير الليثي دخلت قصر الإمارة بالكوفة و عبد الملك بن مروان قاعد في الإيوان على سريره و بين يديه ترس و عليه رأس مصعب بن الزبير فتبسمت فقال مما تبسمت فقلت يا أمير المؤمنين أتيت عبيد الله بن زياد في هذا الإيوان بين يديه رأس الحسين بن علي ثم رأيت المختار وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد في هذا الإيوان ثم أتيت بن الزبير في هذا الإيوان و بين يديه رأس المختار بن أبي عبيد ثم أراك و بين يديك رأس مصعب فقام عبد الملك فزعاً و أمر بهدم الإيوان قال و كذلك لما بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد إلى محمد بن الحنفية لينصبهما في المسجد الحرام كان محمد يأكل فقال محمد الحمد لله أتي ابن زياد برأس الحسين و هو يأكل و أتينا برأس ابن زياد و نحن على هذه الحالة و في مصعب بن الزبير يقول ابن قيس الرقيات
إن الرزية يوم مسك ... ن و المصيبة و الفجيعة
بابن الحواري الذي لم ... يعده يوم الوقيعة
و لما قتل مصعب لاذ عبد الله بن الزبير بالكعبة و أظهر الزيادة في نسكه و جعل يقول بطني شبر و ما عسى أن يشبع شبر و هو أشره خلق الله و أحرصه فقيل
لو كان بطنك شبراً قد شبعت و قد ... أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين
فإن أتتك من الأيام جائحة ... لم ينل منك شياء من دنيا و لا دين
و لا نقول إذا يوماً نعيت لنا ... إلا بآمين رب العرش آمين
مازال في سورة الأعراف يقرأها ... حتى يوارى مثل الخز في اللين
و كان يخرج للناس من تمور الصدقة و يكنز الذهب و الفضة و يقول أكلتم تمري و عصيتم أمري و خرج عبد الملك من الكوفة إلى الشام و كان الحجاج على شرطته فولاه الساقة ينزل بنزوله و يرحل برحيله فرأى عبد الملك من نفاذه و جلادته ما أعجب به و ولى الكوفة خالد بن عبد الله القسري و ولى البصرة أخاه بشراً و رجع إلى الشام و لا هم له إلا ابن الزبير فأتاه الحجاج فقال ابعثني إليه فإنه أرى في المنام كأني أقتله و أسلخ جلده فبعثه إليه فقتله و سلخ جلده و صلبه و كانت فتنة ابن الزبير تسع سنين منذ موت معاوية إلى أن مضت ست سنين من ولاية عبد الملك.
مقتل ابن الزبير قالوا و بعث عبد الملك الحجاج إلى مكة فحاصر ابن الزبير فنزل ببئر ميمون وفسد على الناس حجهم تلك السنة لأنهم وقفوا بعرفات و لم يصلوا إلى البيت و اشتد الحصار فقال له أخوه عروة بن الزبير أن لك في الصلح لإسوة بالحسن فركضه برجله و قال ما أنت بابن أبٍ و عرض عليه الحجاج الأمان و بذل له العهد فأبى أن يقبله و كان شحيحاً بخيلاً فقيل فيه
رأيت أبا بكر وربك غالب ... على أمره بغي الخلافة بالتمر
ثم اقتحم الحجاج المسجد في أصحابه و شددوا على ابن الزبير فقتلوه و من معه و سلخوا جلده و حشوه تبناً و صلبوه ويقال أصابه رمية فمات وهو ابن ثلاث و سبعين سنة و ولي الحجاج الحجاز و اليمامة و بايع أهل مكة لعبد الملك بن مروان.
ولاية عبد الملك بن مروان

يكنى أبا الذبان لبخر فمه و يلقب برشح الحجر لبخله و كان معاوية بن أبي سفيان جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة ثم ولاه أبوه مروان هجر ثم جعله ولي عهده بعده و بويع سنة خمس و ستين بالشام و بايعه أهل مكة بعد قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين و كتب إليه ابن عمر ببيعته و كتب إليه محمد بن الحنفية يستوثق لنفسه و أصحابه و توفي بدمشق سنة ست وثمانين و كانت ولايته من يوم مقتل ابن الزبير إلى أن مات تسع سنين و عشرة أيام ومن يوم بويع بالشام إحدى و عشرين سنة و كتب إلى عبد الله بن خازم بخراسان إن بايعتني أطعمتك خراسان عشر سنين فأبى إلا التزبر و كان بعث إليه برأس ابن الزبير فأخذه و رده إلى المدينة فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح خليفة عبد الله بن خازم على مرو يأمره بالوثوب بعبد الله بن خازم فسار إليه فواقعه فقتله و ولى بكيراً خراسان و صفت المملكة لعبد الملك بن مروان و مات بشر بن مروان بالبصرة و اشتدت شوكة الخوارج بالعراق و الأهواز و المهلب يقاومهم و يدافعهم فولى عبد الملك الحجاج بن يوسف العراقين و كان العراق إذ ذاك من فم الرقة إلى أقصى خجند بخراسان و منها السند و الهند.
خبر الحجاج بن يوسف زعم قوم أن الحجاج بلاء صبه الله عز و جل على أهل العراق بدعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قال اللهم أن أهل العراق قد ليسوا على ما ليس لهم اللهم عجل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم و لا يتجاوز عن مسيئهم فإن الشيطان قد باض فيهم و فرخ و روى هذا الخبر أبو عرفة الحضرمي من أهل الشام و روى أن عمر أتاه خبر العراق و أنهم حصبوا أمامهم و سمعت غير واحد يقول بل كانت دعوة علي عليه السلام قال اللهم كما نصحتهم و غشوني و آمنتهم فخانوني أبعث فيهم فتى يحكم بحكم الجاهيلة هكذا الرواية و الله أعلم لأن مثل هذا من المحال إذ لا يجوز لمسلم أن يسأل ربه الجور و الظلم.
حلية الحجاج و نسبه و حرفته قالوا كان الحجاج رجلاً أخفش حمش الساقين منقوص الجاعرتين صغير الجثة دقيق الصوت أكتم الحلق و هو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل بن مسعود بن عامر من أجلاف ثقيف و كنيته أبو محمد و أمه سمته كليباً و كان أول أمره أن يعلم الصبيان بالطائف و أول ولاية وليها تبالة بالحجاز فلما أشرف عليها احتقرها و انصرف فمن ثم يقال في المثل أهون من تبالة على الحجاج ثم ولي على شرط أبان بن مروان ثم جعله عبد الملك على ساقته عند رجوعه إلى الشام ثم بعثه لقتال ابن الزبير فقتله و ولاه الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق.
قدوم الحجاج العراق و أخباره إلى أن مات قالوا و لما دخل الحجاج العراق دخل المسجد معتماً بعمامة قد غطى أكثر وجهه متقلدا سيفاً متوكئاً قوساً فصعد المنبر و سكت ساعة حتى قال بعض الناس قبح الله بني أمية حين يستعملون مثل هذا على العراق و قال عمير بن ضابئ البجمي ألا أحصبه لكم فقالوا امهل حتى ترى فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللثام و نهض قائماً
أنا ابن جلا و طلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
و الله يآهل العراق إني أرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها و إني لصاحبها فكأني أنظر إلى دماء من فوق العمائم و اللحى
هذا أوان الحرب فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل و لا غنم ... و لا بجزار على ظهر و ضم
قد شمرت عن ساقها فشدوا ... و جدت الجرب بكم فجدوا
و القوس فيها وتر عرد ... مثل ذراع البكر أو أشد

إني و الله ما يقعقع لي بالشنان و لقد فرزت عن ذكاء و فتشت عن تجربة و إن أمير المؤمنين مثل كنانته فعجم عيدانها عوداً أعور فوجدني أشدها عوداً و أصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم بالفتنة و اضطجعتم في مراقد الضلال و الله لأحرصنكم حرص السلمة و لأضربنكم ضرب غرائب الإبل فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعونه إني و الله ما قلت إلا وقيت و لا أهم إلا مضيته وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً بتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا وضربت عنقه يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين فقام الغلام و قال بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يقل أحد شيئاً فقال الحجاج يا غلام اكفف يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه هذا أدب ابن نهية أما و الله لأؤدبنكم غير هذا اقرأ يا غلام فقرأ ثم نزل و وضع للناس إعطياتهم فجعلوا يأخذون حتى أتى شيخ قد انحنى كبراً فقال أيها الأمير إن بي من الضعف ما ترى وأن ابني هو أقوى على الأسفار مني افتقبله بدلاً مني فقال نفعل أيها الشيخ فلما ولى قيل له هذا عمير بن ضابئ البرجمي دخل على عثمان مقتولاً فوطئ بطنه حتى كسر ضلعين من أضلاعه فقال أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان يوم الدار بدلاً إن في قتلك لصلاحاً للمسلمين يا حرسي اضربا عنقه و فيه يقول عبد الله بن الزبير الأسدي
تجهز فإما أن تزور بن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حولياً من الثلج أشهبا
يحذر الناس عن التخلف إلى الخروج إلى قتال الأزارقة و نادى الحجاج في الناس أن عميراً أتانا بعد ثالثة قتلناه فمن وجدناه بات بعد هذه الليلة فقد برئ الله من دمه فلم يبق أحد إلا لحق بالمهلب و جد المهلب في قتال الأزارقة و هم الخوارج إلى أن مات نافع بن الأزرق فولى أصحابه عليهم عبيد الله بن ماحوز و قال شاعرهم
فلئن أمير المؤمنين أصابه ... ريب المنون ومن يصبه يعلق
نعم الخليفة من حذانا نعله ... ذاك ابن ماحوز بقية من بقي
و لما رآهم المهلب بالأمداد التي وردت عليه من جهة الحجاج أجلاهم إلى حدود الأهواز و فارس و فيه يقول
قد نفينا العدو أمس عن الجس ... ر و قد زحزحوا عن الأهواز
و طعان يهولك القرب منهواشك الخطف للنفوس العزاز و سار المهلب في إثر الخوارج إلى خراسان فوقع قطري بن الفجاءة المازني إلى طبرستان و كتب عبد الملك إلى المهلب بعهده على خراسان و قد كان وفاها مع الحكم بن عمرو الغفاري أيام معاوية و لما غرق شبيب بن يزيد الخارجي في دجيل بعد إذٍ افترقت الأزارقة فرقتين مع قطري بن فجاءة المازني و فرقة مع عبد الرب الكبير و مضوا حتى أتوا سجستان وأصل الخوارج بها منهم إلى اليوم فلحقهم المهلب و قاتلهم و قتل عبد الرب الكبير و صار قطري إلى سجستان فبعث الحجاج سفيان الكلبي في إثره حتى قتله و حمل إليه رأسه و كان يكنى أبا نعامة و قاتلهم عشرين سنة يدعي الخلافة و كان شبيب هذا أحد الرجال المذكورين بالبأس و النجدة و بلغه تهدد الحجاج إياه فجاء مع امرأته غزالة في فوارس دون عشرين حتى دخلوا الكوفة و وقفوا بباب قصر الحجاج و نادته غزالة يا حجاج هل لك في البراز فهابها و تحصن و كانت غزالة نذرت نفسها أن تبول على منبره فدخلت مسجد الكوفة و بالت على المنبر و قام شبيب في الصلاة فصلى ركعتي الفجر قرأ في أحديهما بالبقرة و في الأخرى بآل عمران و لم يجسر الحجاج أن يفتح باب قصره إلى أن انصرفوا ثم جعل الناس يقولون
أوفت غزالة نذرها ... يا رب لا تغفر لها
وقيل فيما يهجا به الحجاج بن يوسف
غزالة في مائتي فارس ... يئط العراقان منها أطيطا
و خيل غزالة تخوي النهاب ... وتسبي السبايا و تجبي النبيطا
و كتب عمران بن حطان إلى الحجاج و كان يمشي متوارياً لأنه كان يطلبه

أسد علي و في الحروب نعامة ... ربداء تجفل عن صفير الطائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت منابره كأمس الدائر
هلا خرجت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جوانح طائر
و سار المهلب إلى ما وراء النهر و غزا السغد فصالحه ملكهم طرخان على مال و انصرف عنه و بعث موسى بن عبد الله بن خازم إلى الترمذ فأغار عليها و على ما يليها و ولى عبد الملك بن مروان عبيد الله بن أبي بكرة سجستان و كان جواداً شجاعاً فغزا كابل فدهمهم العدو في مضيق التجؤا إلى عقر دوابهم فأكلوها و بلغ الرغيف سبعين درهماً فمات عبيد الله و الخلق معه بالجوع و السيف و لم يلق جيش في الإسلام ما لقوا و فيه يقول أعشى همدان
أسمعت بالجيش الذين تمزقوا ... و أصابهم ريب الزمان الأعوج
لبثوا بكابل يأكلون جيادهم ... في شر منزلة و شر معرج
لم يلق جيش في البلاد كما لقوا ... فلمثلهم قل للنوائح تنشج
ثم بعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس على العمال التي كان يليها عبيد الله بن أبي بكرة و جاء و غزا رتبيل بناحية بست و صالحه على مال و غزا كابل و افتتح قصوراً من قصور العجم و أصاب سبايا و غنائم و كتب إلى الحجاج فكتب إليه أن توغل في البلاد يريد بذلك هلاكه فاستعصى ابن الأشعث و جمع الجموع و توجه نحو الحجاج.
خبر عبد الرحمن بن الأشعث جمع الجموع و دعا القراء إلى مناجزة الفاسق الحجاج بن يوسف و صاحبه عبد الملك بن مروان فأجابه الخلق و أقبل إلى العراق في جمع مثل عدد النمل فيهم الشعبي و سعيد بن جبير و ابن القرية و ابن أبي ليلى و سويد بن غفلة و جابر الجعفي و أبو إسحق السبيعي و أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود و أعشى همدان و غلب على ما وراء دجلة و نفى عمال الحجاج و تسمى القحطاني و كتب إلى النواحي من عبد الرحمن ناصر أمير المؤمنين و خطب الناس فقال ألا إني قد خلعت أبا ذبان عبد الملك بن مروان فقيل فيه
خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شجر القرى و عراعر الأقوام
و سار ابن الأشعث حتى أتى تستر و جاءه الحجاج في مثل جمعه فقاتلهم ابن الأشعث و قتل منهم ثمانية آلاف رجل وانهزم الحجاج و عاد إلى البصرة و قطع القناطر و الجسور و خرج إلى الكوفة.
خروج الزنوج بالبصرة قالوا و اضطرب الأمر بخروج ابن الأشعث و نجمت النواجم و تجمع السودان فغلبوا على البصرة وأحرقوا الأسواق و انتهبوا الأموال و السلاح فبعث إليهم الحجاج فقتلهم و سباهم ثم سار ابن الأشعث حتى دخل البصرة و طالت المناهضة بينه و بين الحجاج فواقعه ثمانين و قعة بالكوفة و البصرة و أمد عبد الملك بن مروان الحجاج بأخيه محمد بن مروان و ابنه عبد الله بن عبد الملك بن مروان فبعث ابن الأشعث بماله و أهله إلى البصرة و أسر الحجاج من أصحابه ثلاثة آلاف رجل فضرب أعناقهم صبراً و هم ابن الأشعث إلى سجستان و انحاز إلى ناحية رتبيل بألفِ ألف درهم و أربعمائة ألف درهم مع عمارة بن تميم في ثلاثين فارساً على أن يسلم عليه عبد الرحمن بن الأشعث فغدر به رتبيل و سلمه إليهم فأوثقوه بالحديد على أن يحملوه إلى الحجاج فقال ابن الأشعث و الله لا يتلاعب بي الحجاج تلعب الهرة بالفأرة فرمى نفسه من فوق قصر كانوا عليه بالرخج فمات فحملوا رأسه إليه فبعثه إلى عبد الملك بن مروان فبعثه عبد الملك إلى مصر و فيه يقول الشاعر
يا بعد مصرع جثة من رأسها ... رأس بمصر و جثة بالرخج
و مات المهلب بخراسان و قد استخلف ابنه يزيد بن المهلب فعزله الحجاج و بعث قتيبة بن مسلم الباهلي مكانه و كان على الري فسار إلى خراسان و أقبل يزيد حتى إذا كان ببعض الطريق هلك عبد الملك بن مروان و صار الأمر إلى الوليد بن عبد الملك فقبض الحجاج على يزيد و أكب عليه يعذبه و ينتهب ماله فهرب من حبسه و استجار بسليمان بن عبد الملك فشفع له إلى الوليد فكف عنه و كان يزيد سرياً و قتيبة شجاعاً و فيهما يقال
كانت خراسان إذ يزيد بها ... و كل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعداً أنامله ... كأنما وجهه بالخل منضوح
الجوع يهبط في عمياء مظلمة ... لا متع الله أهل الجوح ما الجوح

قالوا كان رجلاً عيوفاً لفوعاً خبيث الولاية فأقر العمال على النواحي و في ولايته خرج قتيبة بن مسلم إلى ما وراء النهر و صار إلى مدينة بخارا و كانوا قد ارتدوا فجاشت الترك و السغد و الشاش و فرغانة و أحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم و قتل منهم خمسين ألف فارس و افتتح بخارا ثم مضى حتى أناخ على سمرقند صيفية حتى افتتحها صلحاً و قتل طرخان التركي الذي جاء إلى مرو لنصرة يزدجرد و بعث برأسه و منطقته إلى الحجاج و هي المنطقة التي كانت على يزدجرد يوم قتل ثم غزا فرغانة و عاد منها إلى خوارزم فبلغ سبى هاتين مائة ألف رجل و ليس في ذكورهم و لا إناثهم كهل.
مقتل سعيد بن جبير و كان سعيد بن دبير من أفاضل الناس و كان من أفاضل التابعين كتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود ثم كتب لأبي بردة و هو على القضاء و خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث فلما انهزم ابن الأشعث من دير الجماجم هرب سعيد إلى مكة فأخذه خالد بن عبد الله القسري و كان عاملاً للوليد عليها فبعثه إلى الحجاج فقال له الحجاج يا شقي بن كسير ألم أولك القضاء فضج أهل الكوفة و قالوا لا يصلح القضاء إلا لعربي فاستقضيت أبا بردة و امرأته أن لا يقطع أمراً دونك قال بلى قال أوما أعطيتك من المال كذا و كذا لتفرقه في ذوي الفاقات و ذوي الحاجات ثم لم أسألك عن شيء منه قال بلى قال فما أخرجك علي قال بيعة كانت لابن الأشعث في عنقي فقال كانت بيعة أمير المؤمنين أولى بك لأقتلنك فاعتذر سعيد رحمه الله و تضرع و ترحمه بصغار بناته فقال اختر أي قتلةٍ شئت قال بل اختر أنت لنفسك فإن القصاص أمامك فقتله ثم لم ينتفع بعده بعيش إلى أن مات.
موت الحجاج ذكر أنه أخذه السل و هجره الرقاد فلما أحتضر قال لمنجم عنده هل ترى ملكاً يموت قال أرى ملكاً يموت اسمه كليب فقال أنا و الله الكليب بذلك سمتني أمي قال المنجم أنت و الله تموت كذلك دلت عليه النجوم قال له الحجاج لأقدمنك أمامي فأمره فضرب عنقه و مات الحجاج في ولاية الوليد بن عبد الملك بن مروان و قد بلغ من السن ثلاثاً و خمسين سنة و ولى الحجاز و العراق عشرين سنة و كان قتل من الأشراف و الرؤساء المذكورين مائة ألف و عشرين ألفاً صبراً سوى عوام الناس و من قتل في معارك الحروب و كان مات في حبسه خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة و مات قبل موته ابنه محمد بن يوسف في ليلة واحدة فقيل في ذلك
في ليلتين و ساعتين ... دفن الأمير محمدين
فلما مات الحجاج قالت امرأته هند بنت أسماء
ألا أيها الجسد المسجى ... لقد قرت بمصرعك العيون
و كنت قرين شيطان رجيم ... فلما مت سلمك القرين
و كان الحجاج استخلف قبل موته يزيد بن أبي كبشة السكستكي فأقره الوليد عليها و في أيام الوليد فتح طارق بن زياد مدينة الأندلس و عبر عليها من طنجة من البحر و غزا مدينة طليطلة و أصاب بها مائدة ذكر أهل الكتاب أنها كانت لسليمان بن داود عليه السلام كان حملها بعض ملوك العرب من بيت المقدس حين ظهر على بني إسرائيل و كانت خليطين من ذهب و فضة بثلاثة أطواق من لؤلؤ و ياقوت و زبجرد و كان استعمل خالد بن عبد الله القسري على مكة فأمره أن يحفر بها بئراً فحفر فخرج عليه ماء عذب فكتب إلى الوليد إن خليفة الله أكرم على الله من رسوله ابراهيم لأن ابراهيم عليه السلام استسقاه فسقاه ماء غير عذب و أمير المؤمنين سقاه ماء عذباً فراتاً و مات الوليد سنة تسع و ستين و كانت ولايته تسع سنين و ثمانية أشهر و خلف من الولد الذكور أربع عشر نفراً منهم يريد بن الوليد الناقص ولي خمسة أشهر ومات وكان حسن السيرة محمود الطريقة وابراهيم ولي شهرين ثم خلع نفسه و دخل في طاعة مروان و عمر بن الوليد يقال له فحل بن مروان و كان يركبون وراءه ستون رجلاً لصلبه.
ولاية سليمان بن عبد الملك بن مروان قالوا و كان حبراً فصيحاً نشأ بالبادية عند أخواله بني عبس فافتتح بخير و اختتم بخير و رد المظالم و آوى المسيرين و أخرج المحبسين و استخلف عمر بن عبد العزيز و عزل ابن أبي كبشة عن العراق و استعمل عليها يزيد بن المهلب فاستخلف يزيد على العراق مروان بن المهلب أخاه و سار إلى خراسان فهابه قتيبة بن مسلم فتوجه إلى فرغانة فوثب عليه و كيع ابن حسان فولاه سليمان خراسان و فيه يقول الفرزدق

و نحن قتلنا الباهلي بن مسلم ... و نحن قتلنا قبل ذاك ابن خازم
كأن رؤوس الناس إذ سمعوا بنا ... مدمغة هاماتهم بالأهائم
ثم عزل وكيع بن حسان عن خراسان و وفاها يزيد بن المهلب فافتتح جرجان.
فتح جرجان و طبرستان قالوا و كان أهل جرجان يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف و مائتي ألف فجاءهم ابن المهلب و صالحهم على مال كثير و استخلف عليهم رجلاً من أصحابه و صار إلى دهستان و قد كان غلب عليها و على جرجان الترك فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه فقتل أربعة عشر ألفاً منهم صبراً و مضى إلى طبرستان فصالح الأصفهبذ على مال عظيم و أربع مائة حمار موقرة زعفراناً و أربع مائة رجل على رأس كل رجل منهم ترس و طيلسان و جام من ذهب و كذا فعل عبد الرحمن بن سمرة القرشي لما حاصر زرنج صالحهم على ألف ألف درهم و ألف وصيف على رأس كل رجل جام من ذهب و كان عبد الرحمن هذا بعثه أبو موسى الأشعري إليها في أيام عثمان قالوا و قد نقض أهل جرجان العهد فحلف يزيد بن المهلب ألا يبرح حتى يقاتل المقاتلة و يسبي الذراري و تحصن القوم منه فأناخ بناحيتهم مدة لا يجد فيهم حيلة قال فخرج رجل من العسكر يتصيد فاتبع وعلاً يتوقل في جبل حتى أشرف على عورة البلد فجاء فأخبر يزيد بذلك فلما كان من الليل احتال الرجل في طائفة فاقتحموا البلد من النقرة و فتحوا باب المدينة و استولوا عليها و وكل يزيد بأبوابها و طرقها و منافذها الرجال يحفظونها و أمر بالجذوع فنصب على الطريق فراسخ ثم أخرج المقاتلة فصلبهم كلهم ثم سبي الذراري و نهب الأموال فلم يبق من الناس بجرجان إلا من هرب أو توارى إلا شيخ لا منة فيه و من المال إلا ما دفن أو لم يؤمر به فيحمل.
غزاة مسلمة بن عبد الملك الصائفة و جهز سليمان مسلمة فسار حتى بلغ القسطنطينية في مائة ألف و عشرين ألفاً و كان استصحب اليون المرعشي ليدله على الطريق و العورات و أخذ عهوده و مواثيقه على الوفاء و المناصحة فعبروا الخليج و حاصروا القسطنطينية فلما برح بهم الحصار عرضوا الفدية على مسلمة فأبى أن يفتحها إلا عنوة قالوا فابعث إلينا اليون فإنه رجل منا و يفهم كلامنا فبعثه إليهم فسألوه عن وجه الحيلة فقد ضاق عليهم الأمر فقال يا أهل القسطنطينية إن ملكتموني عليكم لم أفتحها لمسلمة فبايعوه على الملك و الأمرة فخرج اليون و قال لمسلمة قد أجابوني إلا أنهم لا يفتحون ما لم يتنح عنهم قال مسلمة أخشى و الله أن هذا منك غدر فحلف له اليون أنه يدفع كل ما في قسطنطينية من ذهب و فضة و ديباج و سبي فارتحل مسلمة فتنحى إلى بعض الرساتيق و دخل اليون فلبس التاج و قعد على سرير الملك و أمر بنقل الطعام و العلوفات من خارج فملئوا الأهراء و شحنوا المطامير و بلغ الخبر لمسلمة فعلم أنه كان غدر فأقبل راجعاً فأدرك شيئاً من الطعام و أغلقوا الأبواب دونه و بعث إلى اليون يناشده الوفاء بالعهد فأرسل إليه اليون ملك الروم لا يبايع بالوفاء و نزل مسلمة بفنائهم ثلاثين شهراً ثم رحل و انصرف و توفي سليمان بن عبد الملك بدابق سنة تسع و تسعين و كان بايع ابنه أيوب بن سليمان فمات قبله فاستخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم و لما احتضر سليمان قيل له أوص فقال
إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كانت له ربعيون
إن بني صبية صغار ... أفلح من كانت له كبار
و فيه يقول الشاعر
لم يأخذ الولي بالولي ... و هدم الديماس و النسي
يا أيها الخليفة المهدي ... خليفة سمية النبي
و آمن الشرقي و الغربي
و كانت ولايته ثلاث سنين.
ولاية عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول إن من ولدي رجلاً يملأ الأرض عدلاً و كثير من الناس يقولون أنه كان المهدي و فيه يقول الشاعر
من أبوه عبد العزيز بن مروا ... ن و من كان جده الفاروقا

و كان أخوه الأصبغ بن عبد العزيز عالماً بخبر ما يكون و ابنته حبيبة عالمة بخبر ما يكون و ذلك لعلم وقع إليهم و يقال لعمر أشج بني أمية و ذلك أنه ضربته دابة في وجهه فلما رآه الأصبغ أخذه و قال الله أكبر أشج بني مروان الذي يملك قال الأصمعي هو في كتاب دانيال الدردق الأشج فلما بايعوه و صعد المنبر أمر برد المظالم و وضع اللعنة عن أهل البيت رضي الله عنهم و حض على التقوى و التواصل و قال و الله ما أصبحت و بي على أهل القبلة موجذة إلا على إسراف و مظلمة ثم تصدق بثوبه و نزل فكتب إليه عمر بن الخارجي
لئن قصدت سبيل الحق يا عمر ... أخاك في الله أمثالي و أشباهي
و إن لحقت بقوم أنت وارثهم ... وسرت سيرتهم فالحكم لله
و عزل عمر بن عبد العزيز يزيد بن المهلب عن خراسان و طالبه بالأموال التي أصابها من جرجان و كان يقول لا أحب آل المهلب لأنهم جبابرة و يزيد ين المهلب كان يقول إني لأظنه مرائياً و ولى خراسان عبد الرحمن بن نعيم الغفاري و العراق عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و كان ينزل خناصرة من أرض الشام فلما مرض دخل عليه بعض بني أمية فرآه على فراش من ليف تحته وسادة من أدم مسجى بشملة ذابل الشفة كاسف اللون فسبح الله و بكى و قال يرحمك الله لقد خوفتنا بالله عز و جل و أيقنت لنا ذكراً في الصالحين و مات رحمه الله بدير سمعان و هو ابن تسع و ثلاثين سنةً سنة إحدى و مائة و كانت ولايته سنتين و خمسة أشهر و أياماًً فقيل فيه
قد غيب الدافنون اللحد إذ دفنوا ... بدير سمعان قسطاس الموازين
من لم يكن همه أرضاً يفجرها ... و لا النخيل و لا ركض البراذين
و لما مات عمر بن عبد العزيز هرب يزيد بن المهلب عن حبسه و صار إلى البصرة و استجاش و دعا إلى التبرئ من بني أمية و الرجوع إلى الكتاب و السنة و في أيام عمر بن عبد العزيز تحركت دولة بني هاشم.
مروان صاحب حبابة و لما ولى استعمل على العراقين و خراسان عمرو بن هبيرة الفزاري و بعث زيد بن مسلمة بن عبد الملك لقتال يزيد بن المهلب فقتله و بعث برأس يزيد إلى يزيد و كان يزيد صاحب لهو و قصف و شعف لحبابة و استهتر بذكرها ثم عزم على الرشد و التشبه بعمر بن عبد العزيز فخشيت حبابة على حظها منه فسألت الأحوص أن يعمل لها أبياتاً تزين اللهو و الطرب فقال
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتخلدا
ركبت الصبي جهدي فمن شاء لامني ... و من شاء آسا في البلاء و أسعدا
إذا كنت عزهاة عن اللهو و الصبى ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تلذ و تشتهي ... و إن لام فيه ذو الشنان و فندا
فلما غنته بهذه الأبيات أقبل يرددها و عاد إلى ما كان عليه ثم خلى يوماً بحبابة و قال لحجابه و خدمه لا تأذنوا علي اليوم لأحد و لا تنهوا إلي خبراً و لا تفتحوا علي باب المقصورة و إن أمرتكم و صحت بكم لأنفرد اليوم و آخذ حظي منها فلما استقر بهما المجلس و أخذ الشراب منهما غنته عمرك إني لاحب سلعاً فقال لو شئت لنقلت إليك حجراً حجراً فقالت إنما أحب من به لا حجره ثم فلقت رمانة فتنقل بها فغصت بها فماتت فجعل ينادي الخدم و الحشم و يناشدهم و هم عنه معرضون لأمره الأول فبقي معها و هي ميتة طول نهاره إلى أن أمسى ثم خرج في جنازتها يحملها على عاتقه و عاش بعدها خمسة عشر يوماً و مات سنة خمس و مائة و كانت ولايته أربع سنين و شهراً.
ولاية هشام بن عبد الملك يقال له أحول بني أمية و يكنى أبا الوليد و لما بويع له عزل عمرو بن هبيرة عن العراق و ولاها خالد بن عبد الله القسري ثم ولاها يوسف بن عمر و في أيامه خرج زيد بن علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم.

مقتل زيد بن علي بن الحسين وذلك أنه قدم الكوفة و أسرعت إليه الشيعة و قالوا إنا لنرجو أن يكون هذا الزمان الذي يهلك فيه بنو أمية و جعلوا يبايعونه سراً وبلغ الخبر يوسف بن عمر فأمر زيداً بالخروج و بايعه أربعة عشر ألفاً على جهاد الظالمين و الدفع على المستضعفين و يوسف بن عمر جاد في طلبه و تواعدت الشيعة بالخروج و جاؤوا إلى زيد فقالوا ما تقول في أبي بكر و عمر فقال ما أقول فيهما إلا خيراً فتبرؤوا منه و نكثوا بيعته و سعوا به إلى يوسف بن عمر فبعث في طلبه قوماً فخرج زيد ولم يخرج معه إلا أربعة عشر رجلاً فقال جعلتموها حسينية ثم ناوشهم القتال فأصابه سهم بلغ دماغه فحمل من المعركة و مات تلك الليلة و دفن فلما أصبحوا استخرجوه من قبره و صلبوه فأرسل هشام إلى يوسف بن عمر أن حرق عجل العراق فحرقوه و هرب ابنه يحيى بن زيد حتى أتى بلخ و قال
خليلي عني بالمدينة بلغا ... بني هاشم أهل النهى و التجارب
لكل قتيل معشر يطلبونه ... و ليس لزيد بالعراقين طالب
و قال الكميت و كان دعاه زيد عند خروجه إلى نصرته فلم يجبه
دعاني ابن الرسول فلم أجبه ... ألا يا لهف للرأي الوثيق
حذار منيةٍ لا بد منها ... و هل دون المنية من طريق
و رأيت في كتاب تأريخ خورزاذ أن شريكاً قال رأيت سفيان الثوري متأبطاً يحرس جذع زيد و رزقه ثلاثة دراهم في كل يوم وكان من أعوان الشرط و الله أعلم و مات هشام برصافة من أرض قنسرين سنة خمس و عشرين و ماية و كانت ولايته عشرين سنة إلا شهراً.
ولاية الوليد بن يزيد بن عبد الملك و يقال له الخليع بن الفاسق و كان صاحب لعب و لهو الذي يقول
أشهد الله و الملائكة الأب ... رار و العابدين أصل الصلاح
أنني أشتهي السماع و شرب الب ... راح و العض في الخدود الملاح
و قال يوم أتاه نعي هشامٍ
طاب نومي و طاب شرب السلافة ... إذ أتاني نعي من بالرصافة
و كان يكتب إلى الناس
ضمنت لكم إن لم تعقني منيتي ... بأن سماء الضر عنكم ستقلع
ولما صار الأمر إليه ولي عشور المدينة و سوقها ابن حرملة و هو لعثمان بن عفان فكان إذا تزوج رجل امرأة أخذ الزكاة من مهرها و إن مات أحد أخذ الزكاة من ميراثه فقالوا فيه
و لما وليت السوق أحدثت سنة ... و حيدية يعتادها كل ظالم
و شاركت نسواناً لنا في مهورها ... و من مات منا غنى و عادم
مقتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام و لما قتل زيد بالكوفة هرب يحيى بن زيد حتى أتى بلخ فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار يأمره بطلبه و أذكى عليه العيون حتى ظفر به و كان نصر يتشيع سراً فكتب إلى الوليد فسار حتى إذا كاد يخرج من حدود خراسان خشي اغتيال يوسف بن عمر فكر راجعاً إلى شابوركرد فاحتشد سلم بن الأعور و قاتلهم فهزمهم و سار حتى إذا كان بأرض الجوزجان لحقه سلم فقتله و صلبه و حدثني أبو طالب الصوفي باخميم أن الوليد هذا لعنه الله كان ماجناً سفيهاً قليل الديانة يستهدف المصحف و يرميه و يقول
تهدد كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ ... فقل يا رب خرقني وليد
وكان نصر بن سيار كتب إليه يخبره أمر علي بن الكرماني و اجتماع الشيعة فكتب في جوابه أن كل خراسان واكفيه فإني مشغول بالغريض و معبد و ابن عائشة و كانت ولايته سنة و شهرين.
ولاية يزيد بن الوليد بن عبد الملك و إنما سمي الناقص لأنه نقص الجند من أرزاقهم و كان محمود السيرة مرضي الطريقة و كانت ولايته خمسة أشهر و مات فلما ولي مروان استخرجه من قبره و صلبه و يقال أنه مذكور في الكتب بحسن السيرة و العدل كما قال بعضهم يا مبذر الكنوز يا سجاداً بالأسحار كانت ولايتك و وفاتك فتنة أخذوك فصلبوك.
ولاية إبرهيم بن الوليد بن عبد الملك و ولاية عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، بويع إبرهيم و بويع بعده عبد العزيز و لم يبايعهما مروان بن محمد و طلب الخلافة لنفسه

و كان سبب ذلك أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك جعل ولي عهده من بعده ابنه الحكم بن الوليد فقتل مع أبيه الوليد يوم قتل و كان قال
فإن أهلك أنا و ولي عهدي ... فمروان أمير المؤمنينا
فقاتلهم مروان و هزمهم ثم جاء إبرهيم بن الوليد و خلع نفسه و دخل في طاعة مروان فلما رأى ذلك عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بعث يزيد بن خالد بن عبد الله القسري إلى السجن و قتل يوسف بن عمر بن هبيرة بخالد بن عبد الله و كانت ولاية إبرهيم شهرين و نصفاً.
ولاية مروان بن محمد بن مروان بن الحكم يقال له مروان الجعدي و يلقب بحمار الجزيرة و كانت بنو أمية يكرهون الإماء لأنه بلغهم أن ذهاب ملكهم على رأس أمة و مروان أمة كردية و قيل له الجعدي لأن جعد بن درهم الزنديق كان غلب عليه و فيه يقول الشاعر
أتاك قوم برجال جرد ... مخالفاً ينثر دين الجعد
مكذباً يجحد يوم الوعد
وبويع مروان سنة سبع و عشرين و صار الأمر إلى بني العباس سنة اثني و ثلاثين و مائة و قتل مروان في هذه السنة و كانت ولايته خمس سنين و خرج عليه الضحاك بن قيس الخارجي من شهرزور فقاتله و استعمل مروان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة و أقر نصر بن سيار على خراسان ثم أنتفض أمر بني أمية بظهور أبي مسلم الخرساني.
الفصلالفصل الثاني و العشرون
في صفة بني هاشم و عدة خلفاء بني العباس
من اثنتي و ثلاثين و مئة إلى سنة خمسين و ثلاثمائة
ابتداء أمرهم

روي في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم العباس استيلاء ولده على الخلافة و استأذنه العباس في أن يختص أو يجب مذاكيره فقال لا فإنه أمر كائن و الله أعلم بالحق و الصدق و مات العباس رضي الله عنه في خلافة عثمان بن عفان و دفن بالبقيع و جلس عثمان على قبره حتى دفن و مات عبد الله بن العباس بالطائف في فتنة بن الزبير سنة ثمان و ستين و من ولده علي بن عبد الله أبو الخلفاء و يقال له السجاد لأنه كان يصلي كل يوم و ليلة ألف ركعة و روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه افتقد يوماً عبد الله بن العباس في وقت صلاة الظهر فسأل عنه فقالوا ولد له مولود فقضى علي صلاته فقال امضوا بنا إليه فأتاه و هنأه وقال ما سميته فقال ما يجوز لي أن أسميه حتى تسميه فأخذه و حركه و دعا له ثم رده إليه و قال خذ إليك أبا الأملاك و يقال هاك أبا الخلفاء و قد سميته علياً و كنيته أبو محمد و كان يدعى السجاد ذات الثفنات لأنه له خمس مائة أصل زيتون و كان يصلي كل يوم إلى كل أصل ركعتين وضربه الوليد بن عبد الملك بالسياط مرتين إحداهما في تزويجه بنت عبد الله بن جعفر و كانت عند الملك بن مروان فطلقها لأنه عض على تفاحة ثم رمى بها إليها فأخذت سكيناً فقال ما تصنعين قالت أميط الأذى عنها فكان عبد الملك أبخر فطلقها فقال له الوليد لم تزوجت بها قال لأني ابن عمها و قد أرادت الخروج من هذا البلد فزوجتها لأكون لها محرماً فقال الوليد إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع منا لأن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية لتضع منه و الثانية في قوله إن هذا الأمر يكون في ولدي قال ابن الكلبي فضربه سبع مائة سوط وحمله على بعير و وجهه مما يلي ذنب البعير و صائح يصيح عليه هذا علي بن الله الكذاب فأتاه آت فقال ما هذا الذي نسبوه إليك فقال بلغهم قولي أن هذا الأمر سيكون في ولدي قال و الله ليكونن حتى يملكهم عبيدهم الصغار الأعين العراض الوجوه يعني الترك و قد روى الواقدي أن علي بن عبد الله ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه و كانت بنو أمية يمنعون بني هاشم من تزويج الحارثية للخبر المروي أن هذا الأمر يتم لابن الحارثية فلما قام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بالأمر أتاه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فقال إني أريد أن أتزوج ابنة خالي من بني الحارث بن كعب أفتأذن لي قال تزوج من شئت فتزوج ريطة بنت عبد الله بن عبد المدان فأولدها أبا العباس و كان بين محمد و أبيه علي أربعة عشر سنة قالوا و دخل علي بن عبد الله بن العباس على هشام بن عبد الملك و معه الخليفتان أبو العباس و أبو جعفر فقال هشام إن هذا الشيخ قد اختل و اختلط يقول أن هذا الأمر ينتقل إلى ولده فسمع علي فالتفت إليه فقال و الله ليكونن و يملكن هذان و أشار إليهما و كان محمد بن الحنفية أخبر محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أن الخلافة صائرة إلى ولده فقال له إذا مضت مائة سنة فوجه دعاتك و اعلم أن الأمر يتم لابن الحارثية من ولدك فابتدأ الإمام محمد بن علي في دعاء الناس سنة مائة فأول من استجاب له أربعة نفر من أهل الكوفة المنذر الهمداني و أبو رياح النبال و أبو عمر البزاز و مصقلة الطحان و أمرهم أن يدعو الناس إلى إمارته و لا يجوز الكوفة فاستجاب لهم نفر بكر بن ماهان المروزي و أبو سلمة الخلال و غيرهما فاستأذنوه في بث الدعوة فقال محمد الإمام الكوفة شيعة علي و البصرة شيعة عثمان و الشام لا يعرفون إلا آل أبي سفيان و مكة و المدينة قد غلب عليها أبو بكر و عمر لكن عليكم بخراسان فإني أتفاءل إلى مطلع الشمس سراج الدنيا و مصباح الخلق و كان هذا في سنة مائة من الهجرة في ولاية عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه و في سنة إحدى و مائة وجه أبو رياح النبال دعاته إلى خراسان يدعون إلى إمامة بني هاشم و ولاية أهل البيت فجعلوا يدعونهم سراً و استجاب لهم ناس فلما كان سنة أربع و مائة قدم أبو عكرمة من خراسان على محمد بن علي الإمام في جماعة من أصحابه و قد مهدوا الأمر له و في هذه السنة ولد أبو العباس فأخرجه إليهم محمد في خرقة و قال إن الأمر يتم لهذا و يقوم به حتى تدركوا آثاركم من عدوكم و كان في ولاية هشام بن عبد الملك بن مروان وجه أبو هاشم بكر بن ماهان المروزي أبا محمد الصادق في جماعة من الشيعة إلى خراسان دعاة

فنزلوا مرو الروذ فاستجاب لهم قوم فنقبوا عليهم اثني عشر نقيبا منهم سليمان بن كثير الخزاعي و قحطبة بن شبيب الطائي و لاهز بن قريظ التميمي فوشى بهم واشٍ إلى أسد بن عبد الله القسري أخي خالد بن عبد الله و كان خليفة على خراسان لهشام بن عبد الملك فقبض عليهم فقطع أيديهم و أرجلهم و صلبهم و عفا أثر القوم إلى سنة سبع عشرة و مائة ثم تحولوا و أفشوا الدعوة فأخذ أسد بن عبد الله لاهز بن قريظ فضربه ثلاثمائة سوط و ألجم موسى بلجام ثم جذبه فحطم أسنانه و ضرب من أصحابه و من تباعهم و خلى سبيلهم و في سنة ثمان عشرة و مائة مات أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس بالحميمة من أرض الشام و في هذه السنة وجه بكر بن ماهان عمار بن بديل واليا على الشيعة بخراسان فجاء حتى نزل مرو و غير اسمه و تسمى بخداش فسارع الناس إلى الاستجابة له ثم لم يلبث أن غير ما دعاهم إليه و مثل لهم الباطل في صورة الحق فرخص لبعضهم في نساء بعض و هو أول من أبدأ مذهب الباطنية في الأرض و زعم أنه أمر الإمام محمد بن علي و دينه و شريعته فأخذه أسد بن عبد الله القسري فقطع يديه و رجليه و لسانه و سمل عينيه و فعل من ظفر به من أصحابه كذلك ثم كتبت الشيعة من خراسان إلى الإمام محمد بن علي بأن يقدم عليهم و الإمام مشمئز منهم لاتباعهم رأي خداش فكتب إليهم كتاباً فلما فكوه لم يجدوا فيه غير بسم الله الرحمن الرحيم فهالهم ذلك و عرفوا أن ما جاءهم به خداش باطل ثم وجه الإمام بكر بن ماهان و كتب معه أن خداشاً حمل الشيعة على غير منهاجه فكذبه من بقي منهم على رأس خداش و استخفوا به فرجع و رده إليهم ثانياً و معه عصياً و أمره أن يدفع إلى كل رجل من الرؤساء و الدعاة و النقباء عصىً يكون علامة بينه و بينهم لأن أبا رياح النبال كان وعدهم ذلك من الإمام فلما أتاهم بها عرفوا أنه الحق تابوا و رجعوا و في سنة خمس و عشرين و مائة سار النقباء من خراسان إلى الكوفة فأتوا يونس بن عاصم العجلي و هو في حبس ابن هبيرة و أبو مسلم غلامه يخدمه و قد فهم الدعوة و سارع إليها فلما رأته النقباء و فيه العلامات تفرسوا فيه ارتفاع الأمر على يديه ثم سارت النقباء إلى مكة فلقوا الإمام إبرهيم بن محمد بن علي فأخبروه بخبر أبي مسلم و أعطوه مالاً كانوا حملوه من خراسان فقال لهم إبرهيم إن كان أبو مسلمٍ عبداً فاشتروه وإن كان حراً فخذوه معكم و في سنة ثمان و عشرين و مائة في ولاية مروان بن محمد وجه إبرهيم الإمام أبا مسلم إلى خراسان و كتب معه إلى الشيعة بتأميره عليهم فوقعت الفتنة بخراسان و ذلك أنه لما قتل يحيى بن زيد بن علي رضي الله عنهم اختلف الناس فحبس نصر بن سيار علي بن الكرماني في قهندز مرو و احتال بن الكرماني و انسل من مجرى الماء و جمع الناس و احتشد و زعم أنه يطلب الكتاب و السنة و الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يرضى بنصر و عماله ولاة على المسلمين.زلوا مرو الروذ فاستجاب لهم قوم فنقبوا عليهم اثني عشر نقيبا منهم سليمان بن كثير الخزاعي و قحطبة بن شبيب الطائي و لاهز بن قريظ التميمي فوشى بهم واشٍ إلى أسد بن عبد الله القسري أخي خالد بن عبد الله و كان خليفة على خراسان لهشام بن عبد الملك فقبض عليهم فقطع أيديهم و أرجلهم و صلبهم و عفا أثر القوم إلى سنة سبع عشرة و مائة ثم تحولوا و أفشوا الدعوة فأخذ أسد بن عبد الله لاهز بن قريظ فضربه ثلاثمائة سوط و ألجم موسى بلجام ثم جذبه فحطم أسنانه و ضرب من أصحابه و من تباعهم و خلى سبيلهم و في سنة ثمان عشرة و مائة مات أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس بالحميمة من أرض الشام و في هذه السنة وجه بكر بن ماهان عمار بن بديل واليا على الشيعة بخراسان فجاء حتى نزل مرو و غير اسمه و تسمى بخداش فسارع الناس إلى الاستجابة له ثم لم يلبث أن غير ما دعاهم إليه و مثل لهم الباطل في صورة الحق فرخص لبعضهم في نساء بعض و هو أول من أبدأ مذهب الباطنية في الأرض و زعم أنه أمر الإمام محمد بن علي و دينه و شريعته فأخذه أسد بن عبد الله القسري فقطع يديه و رجليه و لسانه و سمل عينيه و فعل من ظفر به من أصحابه كذلك ثم كتبت الشيعة من خراسان إلى الإمام محمد بن علي بأن يقدم عليهم و الإمام مشمئز منهم لاتباعهم رأي خداش فكتب إليهم كتاباً فلما فكوه لم يجدوا فيه غير بسم الله الرحمن الرحيم فهالهم ذلك و عرفوا أن ما جاءهم به خداش باطل ثم وجه الإمام بكر بن ماهان و كتب معه أن خداشاً حمل الشيعة على غير منهاجه فكذبه من بقي منهم على رأس خداش و استخفوا به فرجع و رده إليهم ثانياً و معه عصياً و أمره أن يدفع إلى كل رجل من الرؤساء و الدعاة و النقباء عصىً يكون علامة بينه و بينهم لأن أبا رياح النبال كان وعدهم ذلك من الإمام فلما أتاهم بها عرفوا أنه الحق تابوا و رجعوا و في سنة خمس و عشرين و مائة سار النقباء من خراسان إلى الكوفة فأتوا يونس بن عاصم العجلي و هو في حبس ابن هبيرة و أبو مسلم غلامه يخدمه و قد فهم الدعوة و سارع إليها فلما رأته النقباء و فيه العلامات تفرسوا فيه ارتفاع الأمر على يديه ثم سارت النقباء إلى مكة فلقوا الإمام إبرهيم بن محمد بن علي فأخبروه بخبر أبي مسلم و أعطوه مالاً كانوا حملوه من خراسان فقال لهم إبرهيم إن كان أبو مسلمٍ عبداً فاشتروه وإن كان حراً فخذوه معكم و في سنة ثمان و عشرين و مائة في ولاية مروان بن محمد وجه إبرهيم الإمام أبا مسلم إلى خراسان و كتب معه إلى الشيعة بتأميره عليهم فوقعت الفتنة بخراسان و ذلك أنه لما قتل يحيى بن زيد بن علي رضي الله عنهم اختلف الناس فحبس نصر بن سيار علي بن الكرماني في قهندز مرو و احتال بن الكرماني و انسل من مجرى الماء و جمع الناس و احتشد و زعم أنه يطلب الكتاب و السنة و الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يرضى بنصر و عماله ولاة على المسلمين.

ابتداء خروج أبي مسلم فتشوشت لذلك واضطربت فأصاب أبو مسلم الفرصة و جد في إقامة الدعوة و نصر بن سيار يناوش ابن الكرماني لا يتفرغ لأبي مسلم و قد بث الدعاة في الأقطار فدخل الناس أفواجاً أفواجاُ و فشت الدعوة ثم كتب الإمام إبرهيم إلى أبي مسلم أن يوافي الموسم و يحمل ما جبى من الأموال فخرج أبو مسلم و حمل ثلاثمائة و ستين ألف درهم سوى الأمتعة و الحمولات و خرج معه النقباء و عدة من الشيعة فلقيه كتاب الإمام في الطريق و لواء عقده له يأمره بالانصراف إلى خراسان و إظهار الدعوة فبعث قحطبة بن شبيب بالمال و عاد أبو مسلم حتى قدم مرو مستخفياً و واعداً الشيعة في الآفاق و النواحي أن يوافوه يوم الفطر فخرج و أمر قاسم بن مجاشع أن يصلي بهم و هي أول جماعة بني العباس ثم كتب أبو مسلم إلى الشيعة في الكوفة بإظهار الدعوة و مكاشفة أعمال أعوان بني أمية وأقبل أبو مسلم حتى نزل خندق نصر بن سيار و عند خندق علي بن الكرماني و كثرت جموعه و هو يظهر لكل واحد منهما و يعده النصر على صاحبه فلما قوي أمره و تكاشف بؤسه هابه الفريقان و كتب نصر بن سيار إلى مروان يخبره بذلك
أرى خلل الرماد وميض جمر ... و يوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تدكى ... وإن الشر ينتجه الكلام
أقول من التعجب ليت شعري ... أيقاظ أمية أم نيام
فكتب إليه مروان أما بعد فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحسم الثؤلول قبلك فقال نصر لأصحابه قد أعلمكم صاحبكم أنه لا قوة عنده فاحتالوا لأنفسكم ثم لم يلبث نصر إلا قليلاً حتى خرج هارباً إلى نيسابور و بعث أبو مسلم في إثره ففاته و بعث في الليل إلى منازل قواده و نقبائه فاستحضرهم و ضرب أعناقهم و نصب رؤوسهم في المسجد فلما أصبح الناس و نظروا إليها هالهم ذلك و دخلهم رعب عظيم و عظم أبو سلم في نفوسهم و انكسرت مضر و بعث قحطبة بن شبيب الطائي في أثر نصر بن سيار و خرج قحطبة على طريق جرجان و فيها ابن حنظلة عامل لمروان فخرج إليه فقاتله قحطبة فقتله و خرج نصر بن سيار إلى ساوة فمات بها و سار قحطبة إلى الري و وافى أبو مسلم نيسابور ليكون ردءاً لقحطبة و جعل يمده بالأموال و الرجال فبعث ابنه الحسن بن قحطبة إلى نهاوند فاستنزلهم و بذل لهم الأمان إلا من كان من أهل خراسان فإنه قتلهم كلهم لأنهم خرجوا من خراسان عند ظهور أبي مسلم و سار قحطبة إلى العراق و جاء يوسف بن عمر بن هبيرة خليفة مروان على العراق حتى نزل جلولاء وخندق بها و نزل قحطبة حلوان و قدم ابنه إلى خانقين و أبو مسلم يقدم ابن الكرماني في هذه الأحوال كلها و يسلم عليه بالإمارة و يريه أنه يتبعه و يعمل برأيه استظهاراً منه على ربيعة و مضر فلما أفنى ربيعة و مضر وثب على ابن الكرماني فقتله و صفت المملكة له و أمد قحطبة بالأموال و الرجال فلما ترادفت الامداد إليه سار إلى جلولاء وانصرف يوسف بن عمر بن هبيرة إلى العراق و استولى قحطبة على ما وراء دجلة و أبو سلمة السبيعي رأس النقباء بالكوفة في جمع كثير من العرب و الخراسانية و هي سنة إحدى وثلاثين و مائة و حج في هذه السنة الإمام إبرهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس و معه أخواه أبو العباس و أبو جعفر و ولده و مواليه على ثلاثين نجيباً عليهم الثياب الفاخرة و الرحال و الأثقال فشهره أهل الشام و أهل البوادي و الحرمين معما انتشر في الدنيا من ظهور أمرهم و بلغ مروان خبر حجهم فكتب إلى عامله بدمشق الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم يأمره بتوجيه خيل إليه و كان مروان بأرض الجزيرة يقاتل الشراة فوجه إليه الوليد خيلاً فهجموا على إبرهيم فأخذوه و حملوه إلى سجن حران و أثقلوه بالحديد و ضيقوا عليه الحلقة حتى مات فدفن بقيده و لما أحس إبرهيم بالطلب أوصى إلى أبي العباس و نعى نفسه إليه و أمره بالمسير إلى الكوفة بأهل بيته فسار أبو العباس و أخوه أبو جعفر و عماه داود بن علي و عبد الله بن عبد الله بن العباس و ابن عمه موسى بن داود بن علي ستة رجال شايعهم يحيى بن جعفر بن شمام بن العباس حتى قدموا الكوفة مستخفين و جاء الشيعة نعي إبرهيم الإمام فقال أبو هدبة
ناع نعى لي إبرهيم قلت له ... شلت يداك و عشت الدهر حيرانا

نعى الإمام و خير الناس كلهم ... أخنت عليه يد الجعدي مروانا
و أنزلهم أبو سلمة في دار و كتم أمرهم و قال ينبغي أن يتربصوا فإن الناس بايعوا إبرهيم و قد مات و لعل يحدث بعده أمر و أراد أن يصرف الأمر إلى علي بن أبي طالب لأن أول الأمر كان دعوا الناس إليهم فكانوا في حصنه نحواً من شهرين و عسكر أبو سلمة بحمام أيمن و فرق عماله في السهل و الجبل و كتب إلى جعفر بن محمد وإلى عبد الله بن الحسين و إلى عمر بن الحسين بن علي و دفعها إلى رجل و أمره أن يلقى جعفر بن محمد فإن قبل ما كتب به إليه مزق الكتابين و إن لم يقبل لقي عبد الله بن الحسين بن الحسن فإن قبل مزق الكتاب الثالث فإن لم يقبل لقي عمر بن علي بن الحسين بن علي فقدم الرسول المدينة و لقي جعفر بن محمد بالكتاب ليلاً فقرأ الكتاب وسكت فقال له الرسول ما تجيب فقدم الكتاب من السراج و أحرقه و قال هذا جوابه فلقي الرسول عبد الله بن الحسين بن الحسن و أوصل الكتاب إليه فقبل و أجاب إلى ذلك فأشار عليه جعفر بن محمد بالإعراض عنه فإن أبا سلمة مخدوع مقتول و إن هذا الأمر لا يتم لكم فإن أبا هاشم أخبرهم أنه يكون في ولد العباس و فات الوقت الذي كان قوم ينتظرونه بخروجهم فارتاب أهل خراسان فاجتمعوا إلى أبي سلمة و قالوا قد خرجنا من قعر خراسان إليك و قد مضى من الوقت ما ترى فإما أن تخرج إلينا الإمام الذي دعوتنا إليه و إما أن نعود إلى أوطاننا و كان الناس يسمونهم المسودة لسواد ثيابهم و كتب أبو مسلم إلى قحطبة أن صادم ابن هبيرة فالتقيا بفم الزاب و هو على عشرين فرسخاً من الكوفة فانهزم ابن هبيرة و مضى إلى واسط و تحصن فيها و فقد قحطبة فلم يدر أقتل أم غرق و ولى أمر المسودة حميد بن قحطبة فسار في إثر ابن هبيرة فحاصره و كان أبو مسلم واعد إبرهيم الخروج يوم كذا من شهر كذا و بعث معهم القواد و النقباء الذين كانوا استجابوا له و تابعوه إلى الكوفة لذلك اليوم و بعث معهم بالسواد و السيف و المراكب و ما يحتاج الإمام إليه من المال و الفرش و الأثاث و السلاح ففات الوقت و لم يروا من ذلك شيئاً لموت إبرهيم و غدر أبي سلمة و كان يقال لأبي سلمة وزير آل محمد فناظروا بأبي سلمة في ذلك و ألحوا عليه فقال أبو سلمة لا تعجلوا و جعل ينتظر ورود من كاتبهم من العلوية و كان أبو حميد السمرقندي أحد القواد أهدى غلاما خوارزمياً يقال له سابق إلى الإمام إبرهيم فلقيه في بعض الطريق فسأله عن الإمام فأخبره أنه في دار بني فلان و أن أبا سلمة ينهاه عن الظهور و الخروج فقال له أبو حميد خذني إليه لا أفعل إلا بإذنه قال فاستأذنه و أعلمني فذهب سابق إليهم فأخبرهم بخبر أبي حميد فخشوا و هابوا و قالوا لا نأمن إن أظهرنا حميداً على أمرنا أن يقتلنا أبو سلمة لأنه كان يحذرهم الخروج فقال أبو العباس إلى متى نحن في خفية و قد أوعدنا أبو هاشم أن الأمر صائر إلينا فهات أبا حميد فخرج سابق إلى أبي حميد فجاء به فلما بلغ الدار قال له سابق ألق عنك سلاحك و سوادك فإنهم يهابونك فألقى سلاحه ثم دخل فلما رأى شيعتهم سلم عليهم و وقف و قال من إبرهيم الإمام منكم قالوا ذاك قد مضى لسبيله فاسترجع و ترحم عليه و عزاهم عنه ثم قال من ابن الحارثية منكم فأشاروا إلى ابن العباس فسلم عليه بالخلافة و قبل الأرض بين يديه و قال هذا إمامكم و خليفتكم و خرج فأخبر القواد و النقباء فأسرعوا إليه و سروا به و سلموا عليه بالخلافة وبلغ الخبر أبا سلمة فانتفض عليه تدبيره و جاء فاعتذر و قال إنما أردت بما فعلت الخير فقال له أبو العباس قد عذرناك غير معتذر حقك لدينا معظم و سالفتك في دولتنا مشكورة و زلتك مغفورة فارجع إلى معسكرك لا يدخله خلل.

ابتداء خلافة بني العباس و خرج أبو العباس ليلة الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول في مثل مولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم هجرته سنة اثنتين وثلاثين و مائة و عليه دراعة سوداء و كساء أسود فصلى المغرب في مسجد بني أيوب فهي أول صلاة صلاها في الخلافة و دخل منزله فلما أصبح غدا القواد في التعبية و الهيبة و قد أعدوا له السواد و المركب و السيف فخرج أبو العباس في من معه إلى قصر الإمارة ثم خرج إلى المقصورة و صعد المنبر و جلس و صعد معه عمه داود بن علي و كان فصيحاً بليغاً و قد اجتمع القواد و أعيان الناس فقال و الله ما قام على منبركم هذا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق به من علي بن أبي طالب رضي الله عنه و أمير المؤمنين هذا أبسط يدك أبايعك فبسط يده فقال داود أنا داود بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب و قد بايعتك ثم نزل فصعد أبو جعفر أخوه فبايعه ثم بايعه أهل بيته و بنو هاشم ثم القواد ثم الرعايا و لم يزالوا يضربون على يده إلى أن أذن للصلاة قام أبو العباس فخطب و صلى ثم ركب حتى أتى معسكر أبي سلمة حفص بن سليمان فنزل و جاء أبو سلمة فبايعه و بايعه أهل عسكره فوجه أخاه أبا جعفر لمعاضدة ابن قحطبة و وجه عمه عبد الله بن علي إلى مروان و هو نازل بالزاب و ولى خالد بن برمك الخراج ابن أبي ليلى القضاء و سابق الخوارزمي الشراب و أكمن رجالاً ففتكوا بأبي سلمة و أرجفوا بأن الخوارج قتلته ثم ارتحل أبو العباس من الهاشمية إلى الحيرة فنزلها و بعث الوفود ببيعته في سلطانه و استأمن ابن هبيرة فآمنوه و قتلوه و واقع عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس مروان بن محمد فهزمه و انتهب معسكره فمر مروان على وجهه حتى أتى الموصل فلم يفتح له و مضى فعبر جسر الفرات فوق حران و أحرق السفن فنزل عبد الله بن علي على الفرات يصلح السفن ليعبر و فتح الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان الخزائن و فرض للناس و اجتمع إليه خمسون ألفاً من المقاتلة بدمشق و جمع مروان جمعاً عظيماً بنهر فطرس من أرض فلسطين و بعث أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم بخراسان يخبره بغدر أبي سلمة و يعتذر من قتله فبايعه أبو مسلم ببيعة أهل خراسان له و وصل أبا جعفر بمال له خطر و مقدار و حمل إلى أبي العباس خيلاً و رقيقاً و سلاحاً و هدايا جمة و عبر عبد الله بن علي الفرات و حاصر دمشق حتى افتتحها و قتل من بها من بني أمية و هدم سورها حجراً حجراً و نبش عن قبورهم فأحرقهم و أحرق عظامهم بالنار و لم يجد في قبر معاوية عليه اللعنة إلا خطاً أسود كأنه رماد و لا في قبر يزيد لعنه الله إلا فقارة ظهره فأحرقه و بعث بمن ظفر به من أولادهم و مواليهم إلى أبي العباس فقتلهم و صلبهم كلهم بالحيرة و ارتحل عبد الله بن علي نحو مروان فهزمه و استباح عسكره و نزل في مناخ الاستراحة و اجتمع رؤساء بني أمية اثنان و ثمانون رجلاً و جاؤوا يستأذنون على عبد الله معتذرين فأذن لهم و قد أكمن رجالاً من المسودة و معهم الكافر كوبات و قال إذا ضربت بقلنسوتي الأرض فابرزوا و دخل القوم فسلموا عليه بالخلافة فنادى يا حسن بن علي يا حسين بن علي يا زيد بن علي يا يحيى بن زيد ما لكم لا تجيبون و تجيب بنو أمية فأيقن القوم بالهلاك و أنشأ عبد الله يقول
حسبت أمية أن استرخي هاشم ... عنها و يذهب زيدها و حسينها
كلا و رب محمد و كتابه ... حتى يشار كفورها و خؤونها

ثم ضرب بقلنسوته الأرض و قال يا ثارات الحسين فخرجت المسودة و دقوهم بالكافر كوبات حتى شدخوهم عن آخرهم ثم دعا بالبسط و الأنطاع و فرشها عليهم و دعا بالطعام فأكل فوق هامهم و إن منهم لمن يأن أسى و قال ما أكلت طعاماً مذ سمعت بقتل الحسين أطيب من هذا قالوا ما أكلت طعاماً مذ سمعت بقتل الحسين أطيب من هذا قالوا و حلف ناس من أهل الشام أنهم ما علموا لرسول الله قرابة غير بني أمية و بعث عبد الله بن علي في أثر مروان فلحقوه ببوصير من حدود مصر فقتله و بعث برأسه إلى أبي العباس فبعثه أبو العباس إلى أبي مسلم و أمره أن يطيف به في خراسان و قالوا و لما أيقن مروان بالهلاك دفن قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم و مخصفته في رمل كي لا يعثر عليه أحد و لا ينال فدلهم عليه خصي من خصيانه فاستخرجا و بعثا بهما إلى أبي العباس ويقال أن الذي قتل مروان عامر بن إسماعيل من أهل مرو.
خروج السفياني على أبي العباس و في السنة الثانية من ولاية أبي العباس و هي سنة ثلاث و ثلاثين و مائة خرج زياد بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحلب و بيضوا ثيابهم و أعلامهم و ادعى الخلافة فبعث أبو العباس أخاه فأتاه من جانب الجزيرة و جاءه عبد الله بن علي من فوقه فواقعاه و هزماه و مزقوا جموعه كل ممزق و قتلوا ما لا يحصى ثم اذكوا العيون على الأمويين يقتلون رجالهم و نساءهم و ينبشون عن قبورهم فيحرقونهم فمن سمى عبد الله بن علي السفاح و فيه يقول الشاعر
و كانت أمية في ملكها ... تجول و تظهر طغيانها
فلما رأى الله أن قد طغت ... و لم تطق الأرض عدوانها
رماهم بسفاح آل الرسول ... فحز بكفيه أذقانها

و في السنة الثالثة من ولاية أبي العباس انتفض أمر بخارا بنجوم شريك بن شيخ الفهري في ثلاثين ألفاً من فلال العرب و سائر الناس و نقموا على أبي مسلم سفكه الدماء بغير حق و إسرافه في القتل فنهض إليهم أبو مسلم وعلى مقدمته زياد بن صالح و أبو داود خالد بن إبرهيم الذهلي فناجزهم و قتل شريك بن شيخ و افتتح بخارا و السغد ثانيا و أمر ببناء حائط سمرقند ليكون حصناً لهم إن دحمهم عدو و بعث زياد بن صالح فافتتح كور ما وراء النهر حتى بلغ طرازاً و اطلخ فتحرك أهل الصين و جاؤوا أكثر من مائة ألف و تحصن سعيد بن حميد في مدينة الطراز و أقام أبو مسلم في معسكره بسمرقند و استمد العمال و حشر المطوعة إلى سعيد بن حميد فواقعهم دفعات و قتل منهم خمسة و أربعين ألفاً و أسر خمسة و عشرين ألفاً و انهزم الباقون فاستولى المسلمون على عسكرهم و انصرف إلى بخارا و بسط يده على ملوك ما وراء النهر و دهاقينها فضرب أعناقهم و سبى ذراريهم و استصفى أموالهم و عبر النهر من السبى غير مرة بخمسين ألفاً خمسين ألفاً و هم أبو مسلم بغزو الصين و هيأ أهبة لذلك فشغله عنه إظهار زياد بن صالح كتاباً من أبي العباس بولايته على خراسان من غير أن كان لذلك أصل فعمل أبو مسلم في ذلك حتى قتل زياداً و بعث برأسه إلى أبي العباس و كتب إليه يستأذنه في الحج و اختار من جلة رجاله خمسة آلاف فقدمهم أمامه و خرج و استخلف على خراسان أبا داود فلما انتهى إلى الري تلقاه كتاب أبي العباس بتخليف من معه من الجنود بالري و أن تقدم في خمسمائة رجل فكتب إني قد وترت الناس و لا آمن على نفسي ألا أن أكون في كنف قوي فكتب إليه أن أقبل في ألف فلما بلغ أبو مسلم الحيرة تلقاه أبو العباس في بني هاشم و سائر القواد من العرب و الموالي و بالغ في إلطافه و تكرمته وشكر صنيعه و أشار أبو جعفر عليه بقتله فقال أبو العباس يا أخي قد عرفت بلاءه عندنا و قيامه بأمرنا و سابقته في دولتنا قال إن في رأسه و إنما بلغ ما بلغ بدولتنا و أيامنا فتغد به قبل أن يتعش بك قال و كيف الحيلة فيه قال إذا دخل عليك فاشغله بالكلام حتى آتيه من ورائه فأضربه عنقه قال دونك فاصنع ما أنت صانع و دخل أبو مسلم للسلام فأخذ أبو العباس يسأله عن وقائعه و حيله إذ أدركته حالة صرفته عما هم به فقال لبعض شاكريته قل لأبي جعفر لا يفعل ذلك ثم قال لأبي مسلم لولا أن أبا جعفر ولى ابن أخيه أميراً على الحاج لكنت أنت فخرج أبو جعفر و أبو مسلم بتقدمته حتى إذا بلغ صفينة موضعاً بين البستان و ذات عرق بلغه خبر وفاة أبي العباس فسار حتى حج بالناس و أقبل منصرفاً إلى الحيرة.
خروج عبد الله بن علي على أبي جعفر

و لما مات أبو العباس ادعى الخلافة عبد الله بن علي و بايعه أهل الشام و الجزيرة و ذلك أن أبا العباس لما ظهر أمره وضع سيفاً و قال من تقلد هذا السيف و سار إلى مروان فله الخلافة بعدي فتحاماه الناس و قام عبد الله بن علي فتقلده و سار فقاتل مروان فقتله فلما مات أبو العباس قام بالخلافة و بايعه الناس على ذلك و كان أجلدهم و أشجعهم فهال ذلك أبا جعفر و استشار أبا مسلم فقال الرأي إن تعاجله و لا تتأنى به فأنهض أبا مسلم و جعل له الشام و ما وراءه من الخراسانيات فسار أبو مسلم إلى نصيبين و قد وافاها عبد الله بن علي في مائة ألف مقاتل و مائة ألف من الفعلة و حفر الخندق من جبل نصيبين إلى نهرها و جعل فيه ما يحتاج إليه من العدة و الآلة و نصب المجانيق و العرادات و بث الحسك و سد الطريق على من يقصده من العراق و جعل الخصب و القرى وراءه فلما نظر أبو مسلم إلى ذلك و أنه قد بلغ الخصب و القرى و الميرة و العلوفات و أن لا مقام للعسكر بأذائه احتال في إخراجه فعدل عن عبد الله و أخذ في طريق الشام فخشي عبد الله أن يستولي أبو مسلم على الشام فوجه أخاه المنصور بن علي في جيش عظيم فهزمهم أبو مسلم و قتل منهم مقتلة عظيمة و مر على وجهه يظهر أنه يريد الشام فخرج عبد الله في أثره كلما ارتحل أبو مسلم من منزل نزل عبد الله فيه حتى علم أبو مسلم أنه خرج جميع عساكره عن الخندق و ضيعوا العورة عطف أبو مسلم على نصيبين ركضاً فغلب على الخندق و صار في يده جميع ما فيه و أقبل عبد الله حتى نزل على أربعة فراسخ من نصيبين في موضع ليس فيه ماء إلا ماء الآبار فبسط الأمان للناس و بذل الأموال ثم لم يمكن عبد الله المقام فهرب ليلاً و استولى أبو مسلم على خزائنه و أمواله و ما كان احتواه من نهب بني أمية و كنوز الشام ثم أسر عبد الله بن علي و حمل إلى أبي جعفر فخلده الحبس إلى أن مات و أقام أبو مسلم بنصيبين و استقامت له أمور الشام و سرح أبو جعفر أمناء على الأفياض و الخزائن و بعث يقطين بن موسى و أمره بإحصاء ما في العسكر فغضب أبو مسلم و شتم أبا جعفر و قال أمناء على الدماء خونة على الأموال و أقبل من الجزيرة مجمعاً على الخلاف معارضاً بخراسان و خرج أبو جعفر من الأنبار إلى المدائن و كتب إلى أبي مسلم بالمصير فكتب إليه أبو مسلم أما بعد فإنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو إلا أمكنه الله منه و قد كنا نروي عن ملوك ساسان أن أخوف ما تكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت حريون بالسمع و الطاعة غير أنهما من بعيد حيث يقارنهما السلامة فإن أرضاك ذلك فأنا أحسن عبيدك و إن أبيت ألا تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت ضناً بنفسي فكتب إليه المنصور قد فهمت كتابك و ليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة الذين اضطراب حبل الدولة إليهم لكثرة جرائمهم و إنما راحتهم في انتشار نظام الجماعة فلم سويت نفسك بهم و أنت في طاعتك و مناصحتك و اضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر بحيث أنت و قد حمل أمير المؤمنين رسالة لتسكن إليها إن أصغيت نحوها فاسأل الله تعالى أن يحول بين الشيطان و بين نزغاته منك و وجه بجرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي و كان أوحد زمانه في المكر و الخداع و الدهاء و التلبيس و اللسان فخدعه بكلامه و سحره بمواعيده و حلف له أبو جعفر بكل عين يحلف بها ذوو الأديان من الطلاق و العتاق و الأيمان و ضمن له بن موسى و جرير بن يزيد بن جرير الوفاء من أبي جعفر بالعهد و كتبوا له كتب الأمان و كان أبو مسلم يقول لأقتلن بأرض الروم و أقبل منصرفاً من الري إلى العراق.
مقتل أبي مسلم

قالوا و لما أخذ أبو مسلم على طريق الجبال من أرض الجزيرة اشتد رعب أبي جعفر و خشي إن هو سبقه إلى خراسان أن يقاتله بما لا قبل له به فاجتمع الرأي و عمل المكائد و هجر النوم و جعل يقعد و حده و يخاطب نفسه و أتاه أبو مسلم و هو بالرومية في مضاربه فأمر الناس بتلقيه و إنزاله و إكرامه غاية الكرامة أياماً ثم أخذ في التجني عليه فهابه أبو مسلم و كان استشار بانويه رجلاً من أصحابه بالري عند ورود الرسل عليه فأشار عليه بالامتداد إلى خراسان و ضرب أعناق الرسل فقال أبو مسلم هوذا أرى يرميني فما الرأي قال تركت الرأي بالري فذهبت مثلاً و لكن الحيلة أن تبدأ به فإنك مقتول فإذا دخلت عليه فأعله بسيفك و نحن على الباب ثم إن أمكنك أن تدافع عن نفسك إلى أن نصل إليك و أجمع أبو جعفر على قتله وأعد من أصحاب الحرس أربعة نفر فأكمنهم في البيوت منهم شبيب المروزي و أبو حنيفة حرب بن قيس و قال إذا أنا صفقت بيدي فشأنكم و بعث إلى أبي مسلم يدعوه في غير وقت فجاء إليه باستدعائه عيسى بن موسى وهو صاحب عهده و ذمته فقال له عيسى تقدم و أنا ورائك فقال له أبو مسلم أنا أخافه على نفسي فقال عيسى أنت في ذمتي و جواري و كيف تظن بأمير المؤمنين أن ينقض عهدك و أرسل أبو جعفر إلى عيسى أن تخلف عن المجيء و جاء أبو مسلم فقام إليه البواب و قال ليعطيني الأمير سيفه قال ما كان يفعل هذا قبل قال هذا لا بد منه فأعطاه و دخل فشكا إلى أبي جعفر ذلك و قال و من أمره ذلك قبحه الله ثم أقبل عليه يعاتبه و يذكر عثراته فمما عد عليه أن قال ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك و دخلت إلينا فقلت أين ابن الحارثية و جعلت تخطب آمنة بنت علي بن عبد الله بن العباس و تزعم أنك سليط بن عبد الله بن عباس ما دعاك إلى قتل سليمان بن كثير الخزاعي مع أثره في دعوتنا و سعيه في دولتنا قبل أن يدخلك في شيء من هذا الأمر فجعل أبو مسلم يعتذر إليه و يقبل الأرض بين يديه و يقول أراد الخلافة علي فقتلته فقال أبو جعفر يعصيك و حاله عندنا حاله فتقتله فتعصينا فلا نقتلك قتلني الله إن لم أقتله ثم ضربه بعمود في يده و صفق فخرج الحرس فضربوه بسيوفهم و هو يستصرخ و يستأمن و يقول أبو جعفر ما تزيد يا بن اللخنا إلا غيظاً المقتل قتلكم الله اقتلوه فقتلوه و لفوه في بساط و نحوه ناحية ثم استأذن إسماعيل بن علي الهاشمي فأذن له فلما قام قال إني رأيت في المنام كأنك ذبحت كبشاً و إني توطأته برجلي قال صدقت رؤياك قتل الله عز و جل الفاسق قم فتوطأه برجلك و أمر أبو جعفر أن لا يؤذن عليه و نام نومة ثم قام و قال ما تهيأت للخلافة إلى اليوم و بانويه في ثلاثة آلاف من الخراسانية و وقوف على الباب لا يدرون ما الخبر فقال أبو جعفر فرقوا هؤلاء العلوج عني أنشأ يقول
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقى بها ... أمر في الحلق من العلقم
و كتب أبو جعفر إلى أبي داود بعهده على خراسان.
خروج سنفاد المجوسي و لما قتل أبو مسلم خرج سنفاد المجوسي بنيسابور يزعم أنه ولى أبي مسلم و الطالب بثأره و سار حتى غلب على الري و ما وراء النهر من النواحي و قبض خزائن أبي مسلم و فرقها في الفروض و بلغت جموعه تسعين ألفاً فبعث المنصور جمهور العجلي في عشرة آلاف فالتقوا بين همذان والري فقتل منهم ستين ألفاً و سبي من نسائهم و أولادهم ما الله به عليم و قتل سنفاد فكان بين مقتله و مخرجه سبعون يوماً.
موت أبي داود خالد بن إبرهيم و هم أبو داود بالمسير إلى ما وراء النهر و قاد العساكر إلى مرو فبينا هو نازل للاستراحة في قصر بكشمهن إذ ثار الجند ليلاً تشويشاً فأشرف عليهم أبو داود ليلاً من القصر معتمداً على أجرة فزلت الأجرة فسقط أبو داود على رقبته فانكسر فولى المنصور ابنه المهدي و أمره أن ينزل الري و يستعمل على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن الحارثي.

خروج الروندية و خرج ناس من أهل خراسان بمدينة الهاشمية و قالوا قولاً عظيماً و هو أن أبا جعفر إلاهنا يحيينا و يميتنا و يطعمنا و يسقينا قالوا بتناسخ الأرواح و أن روح آدم تحولت في عثمان بن نهيك و أبو الهيثم بن معاوية هو جبريل و جاءوا إلى قصر أبي جعفر يطوفون به و يقولون هذا قصر ربنا فأنكر ذلك أبو جعفر و خرجوا إلى الناس يهرجونهم بالسيوف فخرج المنصور في مواليه فقتلهم أبرح قتل فأبلى معن بن زائدة ذلك اليوم بين يديه بلاء حسناً.
خروج محمد و إبرهيم من ولد الحسين بن علي على أبي جعفر قال و كان أبو العباس ملاطفاً لعبد الله بن الحسن باراً به فأخرج يوماً سفطاً من جوهر و قاسمه فأنشأ عبد الله يقول
ألم تر حوشباً أمسى يبني ... قصوراً نفعها لبني نفيله
يؤمل أن يعمر عمر نوح ... و أمر الله ينزل كل ليله
فغضب أبو العباس من قوله و نفاه إلى المدينة ثم لما ولي أبو جعفر ألح في طلب ابنيه محمد و إبرهيم فتوارى عن الطالبين و تغيبوا عنه و حج أبو جعفر و أمر بطلب أبيهما عبد الله بن الحسن و داود و إبرهيم فأتي بهم و هم بالربذة فسأله عبد الله بن الحسن و هو شيخ كبير أن يأذن له فلم يأذن و بسطوا عليهم العذاب حتى دلوا على من كان اختفى منهم بجبلى طيءٍ فبعث في طلبهم فأخذوا اثني عشر إنساناً و رحلهم كلهم إلى الكوفة و حبسهم في بيت ضيق لا يتمكن أحدهم من مقعده يبول بعضهم عل بعض و يتغوط لا يدخل عليهم روح الهواء و لا يخرج عنهم رائحة القذر حتى ماتوا عن آخرهم فخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة و جمع الجموع و فرض الفروض و تسمى بالمهدي فبعث إليه أبو جعفر عيسى بن موسى و حميد بن قحطبة بن شبيب في الخرسانية و حاصروا المدينة أياماً و واقعوهم مراراً ثم خرج محمد بن عبد الله و قال لأهله إن قطرت السماء قطرة فأحرقوا الديوان فأنى مقتول و واقف القوم و قال يا أهل فارس يعني الخرسانية اخترتم الدينار و الدرهم على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فانتفضت الخرسانية و خاف عيسى بن موسى الخلاف فنادى حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي إن كنت محمد بن عبد الله فأنا حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي سلمان كشند فحملوا عليه حملة واحدة فقتلوه و حزوا رأسه من أصل رقبته معلقاً به أحشاءه و ما يتصل به و حملوه إلى أبي جعفر قالوا و لما خرج محمد بن عبد الله هاجت سحابة فمطرت فأحرق الديوان.
ثم خروج أخيه إبراهيم بن عبد الله بالبصرة في ثلاثين ألفاً و يقال في سبعين ألفاً و اشتدت مخافة أبي جعفر وأعد الرواحل للهرب و نقل ديوانه و أهل بيته إلى دمشق و بعث عيسى للقاء إبرهيم ويئس أبو جعفر من الأمر و قال أترون أن هذا الذي بلغنا باطلاً إن الأمر لا يزال فينا حتى تلعب به صبياننا فقال له سهل لا بأس فإن الظفر لكم فلم يلبث أن جاء عيسى برأس إبرهيم فتمثل بقول الشاعر
فألقت عصاها و استقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
ومن ثم مر إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى المغرب فهم بها إلى اليوم.
خروج استادسيس قالوا و اجتمع من الغزية نحو ثلاثمائة ألف مقاتل من أهل هراة و باذغيس و كنج رستاق و سجستان و نواحيها و معهم المرور و المساحي و الفؤوس و رئيسهم استادسيس وغلبوا على عامة خراسان فوجه أبو جعفر خازم بن خزيمة فقاتلهم قتالاً شديداً و قتل منهم في المعركة تسعين ألفاً و هزمهم و فرق جمعهم وسبى ذراريهم.

قتل عمر بن حفص بن أبي صفرة بإفريقية كان أبو جعفر ولاها إياه فخرج عليه أبو عادي و أبو حاتم الأباضيان في أربع مائة ألف رجل من البربر و المغاربة منهم ثلثمائة و خمسة عشر ألفاً رجالاً و خمسة و ثمانون ألفاً فرساناً فغلبوه و قتلوه وغلبوا على المغرب فوجه أبو جعفر يزيد بن حاتم في خمسين ألفاً وأنفق على ذلك الجيش ثلاثة و ستين ألف ألفَ درهم يكون بالأوقار ألفي وقر و ثمانين و قراً و كل و قر ثلاثون ألفاً فقتل أبو عادي و أبو حاتم و حمل رؤوسهما إليه واستوت له بلاد المغرب و بنى أبو جعفر مدينة بغداد سنة خمس و أربعين و مائة و بنى قصر الخلد سنة سبع و خمسين و مائة و نقل الأسواق من مدينة السلام إلى باب الكرخ و باب المحول و خندق على الكوفة و سورها و كذلك البصرة و خندق عليها و خلع عيسى بن موسى و عقد البيعة لابنه محمد المهدي و لعيسى بن موسى من بعده و مات أبو جعفر في طريق مكة ببئر ميمون وفي أيامه صار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك سنة ستين إلى الأندلس فملكها ثم ابنه هشام بن عبد الرحمن عشرين سنة و كان وقوع عبد الرحمن إليها سنة ثمان و ثلاثين فهم ولاتها إلى اليوم.
خلفاء بني العباس أولهم أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بويع يوم الجمعة لاثني عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثين ومائة و هو أبو العباس أمير المؤمنين المرتضى بن محمد بن علي السجاد ذي الثفنات بن عبد الله الحبر بن العباس ذي الرأي بن عبد المطلب شيبة الحمد و أم أبي العباس ريطة بنت عبيد الله بن عبد المدان و هو الذي انتشرت الأخبار بإفضاء الخلافة إليه و كان أبو العباس رجلاً طوالاً أبيض اللون حسن الوجه ولد بالشراة في أيام هشام بن عبد الملك و لما قدم الكوفة نزل بحمام أعين في موضع عسكر أبي سلمة فسمى الهاشمية ثم تحول من الهاشمية إلى الحيرة ثم تحول من الحيرة إلى الأنبار و بنى بها مدينة و مات سنة ست و ثلاثين و ماية و كانت ولايته أربع سنين و ثمانية أشهر و كان سنة أربعاً و عشرين سنة و خلف أربعة أقمصة و خمس سراويلات وأربع طيالسة و ثلاث مطارف خز و رثاه أبو دلامة
من مجمل في الصبر عنك فلم يكن ... جزعي و لا صبري عليك جميلا
يجدون أبدالاً و إني عالم ... ما عشت دهري ما وجدت بديلا
إني سألت الناس بعدك كلهم ... فوجدت أجود من سألت بخيلا
فقالت له امرأة أبي العباس ما أصيب به غيري وغيرك فقال أبو دلامة و كان مزاحاً و لا سوء لك منه ولد و لا ولدي منه و كانت ولدت له محمد بن أبي العباس و دفن في قصره بالأنبار و في تأريخ خرزاد أنه بلغ من السن ثلاث و ثلاثين سنة و الله أعلم و كان يكره الدماء و يحابي على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان مختصاً بسليمان بن هشام ابن عبد الملك و عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و كان يقعد عبد الله بن الحسن عن يمينه و الأموي عن يساره فلما أنشده عبد الله ألم تر حوشباً نفاه إلى المدينة ثم لما أنشأ يقول سديف
لا يغرنك ما ترى من رجالٍ ... إن تحت الرجال داء دويا
فضع السيف و ارفع السوط عنهم ... لا ترى فوق ظهرها أمويا
ثم أمر بسليمان فقتل أبو جعفر المنصور بويع أخوه أبو جعفر المنصور و هو عبد الله بن محمد بن العباس سنة سبع وثلاثين و مائة و أمه بربرية يقال لها سلامة ولد بأرض الشراة في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان و كان أكبر من أبي العباس بثماني عشرة سنة و ذكروا أنه كان رجلاً أسمر نحيفاً طويل القامة قبيح الوجه و دميم الصورة ذميم الخلق أشح خلق الله و أشده حباً للدينار و الدراهم سفاكاً للدماء ختاراً بالعهود غداراً بالمواثيق كفوراً بالنعم قليل الرحمة و كان جال في الأرض و تعرض للناس و كتب الحديث و حدث في المساجد و تصرف في الأعمال الدنية و الحرف الشائنة و قاد القود لأهلها و ضربه سليمان ابن حبيب بالسياط في الجملة و التفصيل كان رجلاً دنياً خسيساً كريهاً شريراً فلما أفضى الأمر إليه أمر بتغيير الزي و تطويل القلانس فجعلوا يحتالون لها بالقصب من داخل فقال أبو دلامة في هجوه

و كنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى بالقلانس
تراها على هام الرجال كأنها ... ديار يهود جللت بالبرانس
و أمر بعدد أهل الكوفة و وظف خمسة دراهم على كل دار فلما عرف عددهم جباهم أربعين درهماً أربعين درهماً فقالوا
يا لقوم ما لقينا من أمير المؤمنينا ... قسم الخمسة فينا و جباها أربعينا
و حج غير مرة و زار القدس و بنى مدينة المصيصة و مدينة الرافقة بالرقة على قدر مدينة السلام و وسع طرق المدينة و أرباضها و أمر بهدم ما شخص عنها و وسع المسجد الحرام و جمع من المال ما لم يجمعه أحد قبله و لذلك قيل له أبو الدوانيق و خرج محرماً بالحج فعرض له وجع ببئر ميمون هاض له بطنه ثم انقض كوكب في إثره إلى طلوع الشمس و مات فحمل إلى مكة فدفن مكشوف الرأس و خلف من الصامت تسع مائة ألف ألف درهم و ستين ألف ألف درهم سوى سائر الأصناف و لم يروا منها بشيء و زعم زاعم أنه وقف عليه أعرابي في طريقه قبل موته بست أيام فأنشده
أبا جعفر حانت وفاتك و انقضت ... سنوك و أمر الله لا بد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم ... بحيلته عنك المنية دافع
و يقال بل هتف به في نومه و رثاه مروان بن أبي حفصة
أبا جعفر صلى عليك إلاهنا ... لموتك أمسى أعظم الحدثان
بكى الثقلان الإنس و الجن إذ ثوى ... و لم يبك ميتاً قبلك الثقلان
خبر أبي مسلم صاحب الدعوة اختلف الناس في اسمه و بلده فأكثرهم على أنه أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم ولد بأصبهان و نشأ عند إدريس بن عيسى جد أبي دلف فكان مع ولده في المكتب إلى أن حفظ القرآن و روى الأشعار و قال بعضهم هو أبو إسحق إبرهيم بن عثمان و أمه وشيلة بنت فلان و زعم قوم أنه كان من قرية من قرى مرو و يقال بل كان من العرب و قيل كان عبداً و أما أبو دلامة فإنه نسبه إلى الأكراد حيث هجاه و قالوا في حليته و هيأته أنه كان قصير القامة أسمر اللون دقيق البشرة حلو المنظر طويل الظهر قصير الساق لم ير ضاحكاً و لا ممازحاً يأتيه الفتوح العظام فلا يعرف بشره في وجهه و ينكب النكبة العظيمة فلا يرى مكتئباً لها قليل الرحمة قاسي القلب سوطه سيفه قتل من الأصناف كلها بدأ بمضر في خراسان فأفناهم ثم اليمن ثم الربيعة ثم القضاة ثم القراء ثم الملوك ثم الدهاقين و المرازبة و النصارى و الدماوندية و النهاوندية و اليهود و قتل ستمائة ألف ممن يعرف صبراً سوى من لا يعرف ومن قتل في الحروب و الهيجات و قتل و لم يترك داراً و لا عقاراً و لا عبداً و لا أمةً و لا ديناراً و لا درهماً و كانت عنده ثلاث نسوة و كان لا يطأ المرأة منهن في السنة إلا مرة واحدة و يقال يكفي الإنسان أن يختن نفسه في السنة مرة و كان من أغير الناس لا يدخل قصره أحد غيره و فيه كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه قالوا وليلة زفت إليه أمرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح و أحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها قال ابن شبرمة دخلت على أبي مسلم ليلاً فرأيت في حجره مصحفاً و في يده سيفاً فقال يا بن شبرمة إنما هما و أشار إليهما أترهب هذا أم السيف قلت أصلح الله الأمير من أشجع الناس فقال كل قوم في إقبال دولتهم و كان أقل الناس طمعاً و أكثرهم طعاماً يخبز في مطبخه كل يوم ثلاثة آلاف مآزف و يطبخ مائة شاة سوى البقر و الطير و كان له مائة طباخ و آلة المطبخ تحمل على ألف و مائتين من الدواب و لما حج نادى في الناس برئت الذمة ممن أوقد ناراً فكفى العسكر و من معه أمر طعامهم و شرابهم في ذهابهم و منصرفهم و هربت الأعراب فلم يبق في المناهل منهم أحد لما كانوا سمعوا به من ولوعه بسفك الدماء و تناشدوا له بيتاً قال نصر بن سيار
فمن يكن سائلاً عن دين قومهم ... فإن دينهم أن يقتل العربا

و كان مروان بن محمد كتب إلى أهل مكة يهجو أبا مسلم و أنه يحرق المصاحف و يهدم المساجد فلما سمعوا بقدومه خرجوا ينظرون إليه فلما بلغ الحرم نزل عن دابته و خلع نعليه و مشى حافياً على رجليه إعظاماً للبيت و قضى نسكاً قل ما قضاه أحد من الملوك غيره فقالوا ما رأينا سلطاناً أعظم الحرم إعظامه و ولد سنة مائة و اثنتين و قتل سنة سبع و ثلاثين و هو ابن خمس و ثلاثين سنة و خلف بنتاً يقال لها فاطمة بت أبي مسلم يتولاها الخرمية و يزعمون أنه يخرج من نسلها رجل يستولي على الأرض كلها و يسلب بني العباس ملكهم و فيه يقول
أبا مجرم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد
و في دولة المهدي حاولت غدرة ... إلا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم خوفتني الفتك فانتحي ... عليك بما خوفتني الأسد الورد
المهدي محمد بن أبي جعفر و بويع ابنه المهدي محمد بن أبي جعفر سنة تسع و خمسين و مائة و صار إليه خاتم الخلافة و قضيب النبي صلى الله عليه وسلم و بردته فكان كما سمي هادياً مهدياً رد المظالم و شهد الصلوات في جماعة و فرق خزائن المنصور في سبل الخير و رد ولاء آل أبي بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و رد ولاء آل زياد من نسبهم إلى أبي سفيان إلى عبيد من ثقيف و كتب بذلك إلى المدن و الأمصار و وسع المسجد الحرام و مسجد المدينة و فرق في حجه بمكة و المدينة ثلاثين ألف ألف درهم سوى ما حمل إليه من مال مصر و اليمن و حمل إليه محمد بن سليمان الثلج من أرض الموصل و لم يحمله أحد قبله و أمر بنزع المقاصير عن المسجد و تقصير المنابر إلى الحد الذي كان عليه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم و وضع دور المرضى و أجرى على العميان و المجذمين و الضعفى و أغزى الصائفة ابنة هارون بن المهدي في مائة ألف من المسترقة سوى المطوعة والأتباع و أهل الأسواق و الغزاة فقتلوا من الروم خمسة و أربعين ألفا وأصابوا من المال ما بيع البرذون بدرهم و الدرع بدرهم و عشرون سيفاً و ألزموهم الجزية كل سنة سبعين ألف دينار و فيه يقول ابن أبي حفصة
أطفت بقسطنطينية الروم مستنداً ... إليها القفاء حتى اكتسى الذل سورها
و ما رمتها حتى تفيك ملوكها ... بجزيتها و العرب تغلي قدورها
و كثير من الناس يرون ذلك الفتح الفتح الذي وعد الله به وفي أيامه خرج رجل يقال له يوسف البرم و استغوى خلقاً كثيراً و جمع بوشا و أدعى النبوة فبعث إليه جيشاً ففضوا جموعه فأسروه فأمر به المهدي فصلب و خرج حكيم المقنع و قال بتناسخ الأرواح و اتبعه ناس كثير و كان حكيم هذا رجلاً قصيراً أعور من قرية من قرى مرو يقال لها كاره و كان لا يسفر عن وجهه لأصحابه فلذلك قيل له المقنع و زعم أن روح الله التي كانت في آدم تحولت إلى شيث ثم إلى نوح ثم إلى إبرهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى ثم إلى محمد بن الحنفية ثم إليه و كان يحسن شيئاً من الشعبذة و النيرنجات فاستغوى أهل العقول الضعيفة فاستمالهم فبعث المهدي في طلبه فصار إلى ما وراء النهر و تحصن في قلعة كش و جمع فيها من الطعام و العلوفة و بث الدعاة في الناس و ادعى إحياء الموتى و علم الغيب و ألح المهدي في طلبه فحوصر فلما اشتد الحصار عليه سقى نساءه و غلمانه كلهم السم و شرب هو منه فماتوا عن آخرهم و حمل إلى المهدي و كان وعد أصحابه أن يتحول روحه إلى قالب رجل أشمط على برذون أشهب و أنه يعود إليهم بعد كذا سنة و يملكهم الأرض فهم ينتظرونه و يسمون المبيضة و في أيامه خرج المحمرة بخراسان و عليهم رجل يقال له عبد الوهاب فغلب على خرسان و ما يليها و قتل خلقاً كثيراً من الناس فانهض إليه المهدي عمرو بن العلاء فقتله و فض جموعه و في أيامه ظهرت الزنادقة فقتل المهدي بعضهم و استتاب بعضها و عقد البيعة لابنه موسى الهادي و بعده لأخيه هارون الرشيد و اعتل المهدي فحمل إلى ماسبذان يتروح إلى ذلك بالهواء فمات فحمل درابة إذ لم يجدوا جنازة فجزت حسنة عبيدها و لبست المسوح في وصائفها ولم تزل كذلك إلى أن فارقت الدنيا و كانت من أجمل النساء فقال أبو العتاهية
رحن في الوشي وأصبح ... نَ عليهن المسوح
كل نطاح وإن عا ... ش له يوم نطوح

نح على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح
لتموتن و لو عم ... رت ما عمر نوح
بين عيني كل حيٍ ... علم الموت يلوح
كلنا في غفلة و ... الموت يغدو و يروح
و توفي المهدي ست و ستين و مائة و كان ابن ثمان و أربعين سنة و ولايته عشر سنوات و شهر و قيل فيه
و أفضل قبر بعد قبر محمد ... نبي الهدى قبر بما سبذان
عجبت لأيد حثت الترب فوقه ... غداة فلم يرجع بغير بنان
الهادي و بويع الهادي و تولى له البيعة هارون و هو بجرجان فأقبل إلى بغداد على دواب البريد و خرج عليه الحسين بن علي بن الحسن بن أبي طالب بالمدينة في الطالبيين يحيى و إدريس و إسماعيل الذي يقال له طباطبا و علي و عمر الذي يقال له الأفطس و أخرجوا عامل المدينة و نهبوا بيت المال ثم قصد الحسين بن علي على مكة و بعث الهادي موسى بن عيسى فأدركه على فرسخ من مكة فقتله و حمل رأسه إلى المهدي و تفرق من كان معه من آل أبي طالب فوقع إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى الأندلس و غلب عليها و أخوه يحيى بن عبد الله إلى جبال الديلم فأما إدريس فولى إلى تلك الناحية و ولده إلى اليوم بها و أما يحيى فإنه آمنة هارون و أخرجه ثم غدر به و بنى على بطنه اسطوانة و غضب الهادي على موسى بن عيسى في قتل الحسين بن علي من غير موفقة و تركه أن يقدم به عليه فيرى فيه رأيه فقبض على أمواله و ضياعه و تتبع الهادي الزنادقة فقتلهم أبرح قتلٍ منهم ازديادار كاتب يقطين بن موسى نظر إلى الناس في الطواف يهرولون فقال ما أشبههم ببقر تدوس البيدر فقال الشاعر فيه
ماذا ترى فر رجل كافر ... يشبه الكعبة بالبيدر
و قال آخر
قد مات ماني منذ أعصارٍ ... و قد بدا إزدايادار
حج إلى البيت أبو خالد ... مخافة القتل أو العار
وود والله أبو خالد ... لو كان بيت الله في النار
لا يقتل الحيات في دينه ... كفراً ولا العصفور في الدار
و ليس يؤذي الفأر فيحجره ... يقول روح الله في الفأر
فقتله الهادي و صلبه فسقطت خشبته على رجل من الحاج فقتله و قتلت حماره و مات الهادي بعيسى آباذ سنة سبعين و مائة و كان بلغ من السن ثلاثاً و عشرين سنة و ولي سنة و شهراً.
هارون الرشيد و بويع هارون الرشيد يوم توفي الهادي و ولد له المأمون فمات خليفة و ولى خليفة و ولد خليفة و لما بويع الرشيد ولي الوزارة يحيى بن خالد بن برمك و ولى خرسان جعفر بن محمد بن الأشعث بن قيس و بذل الأمان للطالبيين و أخرج الخمس لبني هاشم و قسم للذكر ألفاً وللأنثى خمس مائة و ساوى بين صلبيتهم و مواليهم و فرض لأبناء المهاجرين و الأنصار و عمر طرسوس وأنزل فيها أبا سليمان الخادم في جماعة من الموالي و خرج عليه بن طريف الوليد بن طريف الشاري بأرض الجزيرة و استولى عليها و على و على أرمينية و آذربيجان و هزم عدة جيوش لهارون و فتك بهم و يقول
أنا الوليد بن الطريف الشاري ... أخرجني ظلمكم من داري
و دامت فتنته قريباً من عشر سنين ثم انتهز بعض الأعراب منه الفرصة فقتله غيلة و حمل رأسه إلى هارون فاعتمر شكراً لله عز و جل على ما أبلاه و كفاه و ذلك في سنة تسع و سبعين و مائة و رثته أخته الفارعة بنت الطريف
ألا يا لقوم للحيوف وللبلى ... و للدار لما أزمعت بخسوف
و للبدر من بين الكواكب إذ هوى ... و للشمس همت بعده بكسوف
و لليث فوق النعش إذ يحملونه ... إلى وهدة ملحودة و سقوف
بكت جشم لما استقلت على العلى ... و عن كل هولٍ بالرجال مطيف
أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن الطريف
فتى لا يعد الزاد إلا من التقى ... و لا الكال إلا من قنى و سيوف
و خرج عليه حمزة الشاري بخراسان فعاش بباذغيس فأفسد و وثب على عيسى بن علي بن عيسى ففض جموعه و قتل فيهم أبرح قتل و انتهت الهزيمة لعيسى إلى كابل و قندهار فقال أبو العذافر

كاد عيسى يكون ذا القرنين ... بلغ المشرقين و المغربين
لم يدع كابلاً و زابلستا ... ن وما حولها إلى الرخجين
ثم غرق حمزة في واد بكرمان و تسمى طائفته الحمزية و خرج أبو الخصيب بنسا و غلب عليها أبيورد و طوس و سرخس و نيسابور و خرب و أفسد و كثفت جموعه و قوي أمره فبعث إليه هارون عيسى بن علي فقتله و سبى أهله و ذراريه و حمل إليه رأسه و استقامت أحوال خراسان و تحركت الخرمية بأذربيجان فانتدب لهم عبد الله بن مالك فقتل منهم ثلاثين ألفاً و سبى نساءهم و صبيانهم و وافى بهم هارون بقرميسين فأمر بقتل الأسارى و بيع السبى و خطب الفضل بن يحيى إلى خاقان ابنته فحنق لذلك خاقان و خرجت الخزر من باب الأبواب و أوقعوا بالمسلمين و أهل الذمة و سبوا مائة ألف وأربعين ألف إنسان و قتلوا من الرجال و النساء و الولدان ما لا يعلم عددهم إلا الله عز و جل و أحرقوا المدن والقرى و انتهكوا من الإسلام ما لم يذكر مثله قبله و لا بعده.
قصة البرامكة قيل أنهم كانوا من أهل بيوتات بلخ ممن يتولون البهار و بيت النار فقيل لهم البرامكة على معنى أنهم سدنة البيت و حجابه فأول ما ولوا من الأعمال في أيام أبي العباس ولي الخراج خالد بن برمك ثم صار يدور فيهم إلى أيام الرشيد فولى الوزارة يحيى بن خالد بن برمك و ولي خراسان و ما دون باب بغداذ مما يليها ابنه الفضل بن يحيى و ولى ابنه الآخر جعفر بن يحيى الخاتم قال بعضهم الوزارة برمكية لا بقي منهم بقية ثم سخط عليهم هارون فأفناهم و اختلفوا في السبب الذي حمله على ذلك فقال قوم أنهم أرادوا إظهار الزندقة و إفساد الملك و نقله إلى عثمان بن نهيك الفاسق فقتلهم هارون على ذلك و قال آخرون إن هارون كان مختصاً بجعفر بن يحيى بن برمك حتى أمر فخيط له قميص ذو جيبين يلبسه هارون و جعفر لثقته به و اختصاصه به و كان باراً بأخته عباسة مولعاً بها لا يكاد يصبر عنها فزوجها من جعفر بن يحيى على أن لا يمسها و لا يلم بها ليكون لها محرماً إذا حضرت المجلس فقضى من القضاء إن حملت منه و ولدت توأمين فغضب هارون لذلك و أمر بضرب عنق جعفر بن يحيى وحبس أخاه الفضل و أباه بالرقة حتى ماتا في الحبس و أمر بجثة جعفر و رأسه إلى مدينة السلام فقطعت بنصفين و صلبت به ثم أحرقت بالنار و كتب إلى العمال في جميع النواحي و البلدان بالقبض على البرامكة و حاشيتهم و أولادهم و مواليهم فكل من هو منهم يسئل و الاستيثاق منهم و اجتياح أموالهم و استصفائها منهم و إذكاء العيون على من اختفى منهم و تغيب و الاحتيال في القبض عليه حتى إذا علم أنه قد أحاط بهم أو بأكثرهم كتب إلى كل عامل كتابا مدرجاً مختوماً بأمره أن ينظر فيه يوم كذا من سنة كذا فيمثل ما مثل له فيه فوافق قتلهم كلهم في يوم واحد ثم أمر بعباسة فحطت في صندوق و دفنت في بئر و هي حية و أمر بابنيها كأنهما لؤلؤتان فأحضرا فنظر إليهما ملياً و شاور نفسه و بكى ثم رمى بهما إلى البئر و طمها عليهم و قال الأصمعي في البرامكة
إذا ذكر الشرك في مجلسٍ ... أنارت وجوه بني برمك
و إن تليت عندهم سورة ... أتوا بالأحاديث من برمك
و حج هارون بابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون و كتب كتاباً بالعهد و البيعة للأمين و بعده للمأمون و أشهد عليه و علقه على الكعبة فقال إبرهيم الموصلي
خير الأمور مغبة ... و أحق أمر بالتمام
أمر قضى أحكامه ... في الكعبة البيت الحرام
و كان عقد العهد لمحمد و سماه الأمين و هو ابن خمس سنين و ذلك في سنة خمس و سبعين و مائة فقال سلم الخاسر
قد وفق الله الخليفة إذ بنى ... بيت الخلافة للهجان الأزهر
قد بايع الثقلان في مهد التقى ... لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
و قال أبان بن حميد اللاحقي
و ما قصرت سن به أن ينالها ... و قد خص عيسى بالنبوة في المهد

و في سنة ست و ثمانين و مائة أخذ البيعة للقاسم ابنه بولاية العهد بعد المأمون و سماه المؤتمن فصاروا بعهده ثلاثة الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن و خرج رافع بن ليث بن نصر بن سيار بسمرقند و غلب على ما وراء النهر فولى الرشيد هرثمة بن أعين خراسان و استكفاه أمر رافع و قدم المأمون إلى مرو و سار بنفسه فلما بلغ طوس توفي بها فدفن في سنة ثلاث و تسعين و مائة و قد بلغ من السن سبعاً و أربعين سنة و كانت ولايته ثلاثاً و عشرين سنة و شهرين و أياماً فرثاه أبو الشيص
غربت في المشرق الشم ... س فقل للعين تدمع
ما رأينا قط شمساً ... غربت من حيث تطلع
فلما مات هارون بايع الناس لولده الثلاثة على الوفاء بالعهد بعضهم لبعضٍ.
محمد الأمين

و بويع محمد الأمين فنكث و غدر و ولى ابنه موسى العراق و هو طفل و لقبه الناطق بالحق و أمر بالدعاء له على المنابر و نهى عن الدعاء للمأمون و أمر بإبطال ما ضرب المأمون من الدراهم و الدنانير بخراسان و أغرى الفضل بن الربيع بينه و بين المأمون و زين له بكر بن المعتمر خلع المأمون فولى بن عيسى بن هامان الحرب و أخذ البيعة لابنه الناطق بالحق و صيره في حجره و ندبه للقاء المأمون و دفع إليه قيداً من ذهب و قال أوثق المأمون و لا تقتله حتى تقدم به علي و أعطاه من الصامت ألفي ألف دينار سوى الأثاث و الكراع و بلغ الخبر المأمون فتسمى بأمير المؤمنين و قطع الخراج عن الأمين و ألقى اسمه من الطراز و الدراهم و الدنانير و انهض طاهر بن الحسين و هرثمة بن أعين إلى علي بن عيسى فالتقوا بالري و قتلوا جيوشه و احتووا على أمواله و كتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون كتبت إليك و رأس علي بن عيسى في حجري و خاتمه في يدي و الحمد لله رب العالمين فنهض الفضل بن سهل و دخل على المأمون و سلم عليه بالخلافة فبعث المأمون إلى طاهر بالهدايا و الأموال و أمده بالرجال و القواد و سماه ذا اليمينين و صاحب خيل الدين و أمره أن يمضي إلى العراق فأخذ طاهر على طريق الأهواز و أخذ هرثمة على طريق حلوان و رفع المأمون قدر الفضل بن سهل و عقد له على المشرق من جبل همذان إلى جبل سقين و تبت طولاً و من بحر فارس و الهند إلى بحر جرجان و الديلم عرضاً و عقد له لواء على سنان ذي شعبتين و سماه ذا الرياستين رياسة الحرب و رياسة التدبير ولما صار طاهر إلى الأهواز و استولى عليها ثم امتد إلى واسط و تمكن هرثمة من حلوان شغب الجند على محمد الأمين فأعطاهم رزق أربعة و عشرين شهراً ثم و ثبوا عليه و هو في قصر الخلد فأخرجوه و خلعوه و حبسوه مع أمه و ولده في مدينة أبي جعفر فقال جاء الخبر من العجب لأحد عشر من رجب ثم أخرجوه و بايعوه و كان حبسه يومين ثم تشوشت الدنيا فخرج ابن طباطبا العلوي بالكوفة و بيض و معه أعرابي من بني شيبان يقال له أبو السرايا و غلبوا على الكوفة و السواد ثم مات ابن طباطبا وهو محمد بن إبرهيم بن اسمعيل بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين ونقش الخاتم و الدراهم إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص و في وسطه الفاطمي الأصغر و خرج بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فغلب و بيض و خرج بمكة ابن الأفطس الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فغلب و بيض و حج بالناس سنة مائتين و خرج بالمدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم فغلب و بيض و خرج باليمن إبرهيم بن موسى بن جعفر بن محمد و غلب و بيض و خرج بالشام على بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية يدعو إلى نفسه و حاصر طاهر و هرثمة محمداً الأمين و جعلا يحاربان أصحابه سنة ببغداد فقتل أصحابه و خفت يده من المال و ضعف أمره و كتب طاهر إلى المأمون يستأمره في قتل محمد فبعث إليه بقميص غير مقور فعلم أنه يأمره بقتله و خلص الجيش إلى قصر محمد و أحدقوا به فوجه إلى هرثمة يسأله الأمان فآمنه و ضمن له الوفاء من المسلمين فجاء طاهر مسرعاً و حمل على الحراقة بالنفط و الحجارة فانكفأت بمن فيها فأما هرثمة فإنه ركب زورقاً قريباً منه وأما محمد فسبح حتى خرج بشط البصرة فأخذه أصحاب طاهر و جاؤوا به فقتله من ليلته و بعث برأسه إلى خراسان و خلص الأمر للمأمون و بعث المأمون إلى علي بن موسى بن جعفر فأقدمه خراسان و عقد له العهد من بعده و سماه الرضا و زوجه ابنته أم حبيبة بنت المأمون و خضر الثياب و اللباس و الرايات و أمر بطرح السواد فشق ذلك على بني هاشم و غضب بنو العباس و قالوا يخرج الأمر منا إلى أعدائنا فخلعوا المأمون و بايعوا إبرهيم بن المهدي و سموه المبارك و توجه المأمون نحو العراق فلما بلغ سرخس قتل الفضل بن سهل في الحمام غيلة و مات علي بن موسى الرضا بطوس و دفن عند قبر هارون و اختلفوا في سبب موته فمن قائل أنه سم وآخر أنه أكل عنباً فمات و جاء المأمون حتى دخل بغداذ و عليه الخضرة فأمر بطرحها و أمر بإعادة السواد و خلع القاسم المؤتمن و قتل محمد الأمين سنة

ثمان و تسعين و مائة و كان سنة ثمان و عشرين سنة و أياماً ولايته أربع سنين و أربعة أشهر و أياماً و يقال خمس سنين و فيه يقولثمان و تسعين و مائة و كان سنة ثمان و عشرين سنة و أياماً ولايته أربع سنين و أربعة أشهر و أياماً و يقال خمس سنين و فيه يقول
أضاع الخلافة غش الوزير ... و فسق الأمير و جهل المشير
فبكر مشير و فضل وزير ... يزيدان ما فيه حذف الأمير
و بويع إبرهيم بن المهدي سنة اثنتين و مائتين فخرج إلى الحسن بن سهل فألحقه بواسط ثم بايع بغداذ المأمون و كانت أيام إبرهيم بن المهدي سنة وأحد عشر شهراً و دخل المأمون بغداذ سنة أربع و مائتين.
المأمون و بويع عبد الله المأمون سنة أربع و مائتين و كانوا بايعوه بمرو عندما خلعه أخوه فأحسن السيرة و تفقد أمور الناس و قعد للقضاء و الصلاة و الخطبة و خلع أخاه القاسم و أخذ البيعة لأخيه أبي إسحق المعتصم من بعده و كتب الناس من عبد الله المأمون أمير المؤمنين و أخيه الخليفة من بعده أبي إسحاق المعتصم و أمر بامتحان القضاة و المحدثين و نادى مناديه بربث الذمة ممن ذكر معاوية بخير و فضله على أحد من الصحابة و أحيا العلم القديم و نقل إلى لسان العرب و أظهر علم النجوم و الفلسفة و كان فاضلاً في نفسه فطيناً ذكياً أبيض البشرة تعلوه حمرة أعين طويل اللحية دقيقها في خده خال أسود و أمر أبو إسحق باتخاذ الأتراك للخدمة و كان يشتري الواحد منهم بمئة ألف ومئتي ألف و في أيامه تحركت الخرمية و ادعى بابك أن روح جاويذان دخلت فيه فبعث إليه المأمون محمد بن حميد فقتل محمد بن حميد و عامة أصحابه و أصاب الناس مجاعة حتى بلغ المد عشرين ديناراً و رؤي قبله الكوكب ذو الذنب ثم وقع بعده موت ذريع أفنى كثيراً من الناس و ظفر المأمون بإبرهيم بن المهدي في زي امرأة يمشي بين امرأتين فعفا عنه و آمنه و نادمه فقال إبرهيم
إن الذي قسم المكارم حازها ... من صلب آدم للإمام السابع
فعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو و لم يشفع إليك بشافع
و غزا الروم غير مرة فافتتح منها حصوناً و قلاع و مات بها فحمل إلى طرسوس و قال الشاعر
خلفوه بعرقوة طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس
هل رأيت النجوم أغنيت عن المأ ... مون أو عن وزير المألوس
و توفي سنة ثمان عشر و مئتين و كانت خلافته منذ قتل محمد عشرين سنة و عمره ثمانيا و أربعين سنة و كانت أم المأمون باذغيسية تسمى مراجل و كان المأمون ضربه أبوه في شيء فقال الرقاشي يهجوه
لم تلد أمة تع ... رف في السوق التجارا
لا ولا حد ولا خا ... ن ولا في الحكم جارا
أبو إسحق المعتصم بالله و بويع أبو إسحق المعتصم بالله و هو محمد بن هارون سنة ثمانٍ عشر و مئتين فتخرم كثير من أهل الجبال من مشاهير همذان و ماسبذان و مهرجان و تجمعوا فبعث إبرهيم بن إسحق بن مصعب و قتل منهم ستين ألفاً و سبى ستين ألفاً و هرب الباقون إلى بلاد الروم و خرج العباس بن المأمون و دعا إلى نفسه و بايعه كثير من القواد فحبسه وأمر بلعنه على المنابر و سماه اللعين فمات بالحبس و شغب عليه الأتراك فأمر برد المقاصير في مساجد الجماعة ثم مضى بإنزاله إلى سر من رأى فابتني فيها و اتخذها داراً و قتل بابك الخرمي سنة ثلاث و عشرين و مائتين.

قصة بابك الخرمي ذكروا أنه كان لغير رشده و أن أمه كانت امرأة عوراء فقيرة من قرى أذربيجان فشغف بها رجل من نبط السواد يقال له عبد الله فحملت منه و قتل الرجل و بابك حمل فوضعته أمه و جعلت تكتسب عليه إلى أن بلغ مبلغ السعي و صار غلاماً حذوراً و استأجره أهل قريته على سرحه بطعام بطنه و كسوة ظهره فزعموا أن أتته ذات يوم بطعامه و هو قائل في ظل حائط فرأت شعر بدنه قد اقشعر يقطر من رأس كل شعرة قطرة دم فقالت إن لابني هذا شأناً عظيماً و كان في تلك الجبال قوم من الخرمية و عليهم رئيسان يتكافحان و يخالف أحدهما الآخر يقال لأحدهما جاويذان و الآخر عمران فمر جاويذان في بعض حاجاته بقرية بابك فرآه فتفرس فيه الجلادة فاستأجره من أمه و حمله إلى ناحيته قالوا فمالت إليه امرأة جاويذان و أفشت إليه أسرار زوجها و أطلعته على دفائنه و كنوزه فلم يلبث إلا قليلاً حتى وقعت حرب بين جاويذان و عمران فأصابت جاويذان جراحة فمات منها فزعمت امرأة جاويذان أن بابك قد استخلف هذا على أمره و تحولت روحه إليه و إن الذي كان وعدكم من الظفر و النصرة كله صائر إليكم على يدي هذا و ذلك أن الخرمية لا يصبحون و لا يمسون إلا على توقع الحركة فأتبعوه قومه و صدقوا المرأة على شهادتها و أمر بابك أصحابه من النواحي و القرى و كان في قلة و ذلة و أعطاهم سيوفاً و خناجر و أمرهم أن يرجعوا إلى قراهم و منازلهم و ينتظروا ثلث الليل الأخير فإذا كان ذلك الوقت يخرجوا على الناس فلا يدعوا رجلاً و لا امرأة و لا صبياً و لا طفلاً من قريب و بعيد إلا قطعوه و قتلوه ففعل القوم ذلك فأصبح أهل تلك القرى قتلى بيد الخرمية و لا يدرون من أمرهم بذلك و لا ما السبب فيه و دخل الناس رعب شديد و هول عظيم ثم لم يمهل أن بعثهم إلى ما نأي عنه من النواحي فيقتلون من أصابوا من الناس من أي صنف كان صغيراً كان أو كبيراً أو مسلماً أو ذمياً حتى مرن القوم على القتل و انضوى عليه القطاع و الحراب و الذعار و أصحاب الفتن و أرباب النحل الزائغة و تكاثفت جموعه حتى بلغ فرسان رجاله عشرين ألف فارس سوى الرجالة و احتوى على مدن و قرى و أخذ بالتمثيل بالناس و التحريق بالنار و الانهماك في الفساد و قلة الرحمة و المبالاة و هزم جيوشا كثيرةً للسلطان و قتل عدة قواد له و ذكر في بعض الكتب أنه قتل فيما حفظ ألف ألفَ إنسان من بين رجل و امرأة و ذكر في التاريخ أن جميع من قتل بابك مائتا ألف إنسان و خمسة و خمسون ألف إنسان و خمس مائة إنسان و الله أعلم فندب المعتصم الإفشين للقاء بابك و عقد له على الجبال كلها و وظف له كل يوم يركب فيه عشرة ألف درهم صلة و يوم لا يركب خمسة آلاف درهم سوى الأرزاق و الأنزال و المعاون و ما يصل إليه من عمل الجبال و أجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الإفشين سنة و انهزم بابك من يديه غير مرة و عاوده بابك يلتجئ إلى البذ و هي مدينة حصينة فلما قرب أجله و ضاق أمره خرج هارباً بأهله و ولده إلى أرمينية في زي التجار فعرفه سهل بن سنباط النصراني أحد بطارقة أرمينية و كان في إساره فافتدى نفسه منه بمال عظيم فلم يقبل منه بعد ما ركب من أمه و أخته و امرأته الفاحشة بين يديه و كذا كان الملعون يفعل بالناس إذا أسرهم مع حرمهم فقبض عليه و بعثه إلى الإفشين و كان المعتصم جعل ألفي ألف لمن جاء برأسه و ألف ألفَ لمن جاء به حياً فحمل إلى سهل بن سنباط ألفي ألف و سوغ له عمال ناحيته و حمل الإفشين بابك إلى المعتصم و هو بسر من رأى فأمر به فقطعت يداه و رجلاه و صلب سنة ثلاث و عشرين و زعم قوم أن بابك الملعون لما قطعت يده لطخ وجهه بدمه و ضحك يري الناس أنه لم يؤلمه القطع و أن روحه ليست تحس بشيء من ذلك و كان ذلك من أعظم الفتوح في الإسلام و يوم قبض عليه كان عيداً للمسلمين و كان يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رمضان سنة ثلاث و عشرين و مائتين فرفع المعتصم قدر الإفشين و توجه و ألبسه وشاحين منطومين بالدر و الجواهر و سوره سوارين و وصله بعشرين ألف ألفَ درهم و أمر الشعراء بمدحه و جعل صلتهم عنده فمما قيل فيه
كل مجد غير ما أثله ... لبني كاووس أولاد العجم
إنما الإفشين سيف سله ... قدر الله بكف المعتصم
لم يدع في البذ من ساكنه ... غير أمثال كأمثال إرم

و في أيامه خرجت الروم فنزلت زبطرة فتوجه المعتصم إليهم و فتح عمورية و قتل ثلاثين ألفاً و أسر ثلاثين ألفاً و في ذلك الفتح يقول الطائي
السيف أصدق أنباء من الكتب
و قال غيره في ذلك
أقام الإمام منار الهدى ... و أخرس ناقوس عمورية
فقد أصبح الدين مستوثقاً ... و أضحت زناد الهدى مورية
و خرج عليه أبو حرب المبرقع بالشام فوجه إليه جيشاً فقتلوا من أصحابه عشرين ألفاً و حملوه إلى المعتصم و هو بسر من رأى و صلبوه و كان يقول بتناسخ الأرواح ثم غضب المعتصم على الإفشين و ذلك أنه كاتب مازيار اصفهبذ طبرستان وسأله الخلاف والمعصية وأراد أن ينقل الملك إلى العجم فقتله وصلبه بأذاء بابك و وجده بقلفته لم يختن و أخرجوا من منزله أصناماً فأحرقوها و مات المعتصم سنة ست و عشرين و مائتين و كانت خلافته ثمان سنين و ثمانية أشهر و خلف ثماني بنين و ثماني بنات و هو الذي امتحن أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه و ضربه بالسياط و في أيامه مات ابراهيم بن المهدي و كان عمر المعتصم ثمانياً و أربعين سنة.
هارون الواثق بالله و بويع هارون الواثق بالله و هو الذي يقول فيه الطائي هارون فيه كأنه هارون و مات و في أيامه انفرد البحتري بالرياسة في الشعر و في أيامه أقبلت نار من المشرق فيها دوي كدوي الريح فأحاطت ببيوتات فأحرقت ثم تبعها ريح عاصف فهدمت بيوتاً و مات خلق كثير من الفزع و مات الواثق سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و كانت خلافته خمس سنين و تسعة أشهر و سنه اثنين و ثلاثين سنة.
جعفر بن أبي إسحق المتوكل على الله و بويع جعفر بن أبي إسحق المتوكل على الله فأخذ البيعة لولده الثلاثة لمحمد بن جعفر المنتصر بالله و لإبرهيم بن جعفر المؤيد بالله و لأبي عبد الله بن جعفر المعتز بالله و جعل العهد للمنتصر و بعده للمعتز و بعده للمؤيد و عقد لكل واحد منهم لواء و ولى المنتصر العراق و الحجاز و اليمن و ولى المعتز خراسان و الري و الجبال و ولى المؤيد أجناد الشام و في أيامه امتنع إسحق بن اسمعيل بتفليس فبعث إليه بغا الكبير فقتل اسحق و أحرق المدينة و كانت كلها من خشب الصنوبر و أحرق أكثر من خمسين ألف إنسان و هاجت الزلزلة و تقطع الجبل الأقرع و سقط في البحر فمات أكثر أهل اللاذقية من تلك الهدة و تناثرت الكواكب و أخرج أحمد بن حنبل من الحبس و وصله و صرفه إلى بغداد و نفى أحمد بن دؤاد و قبض على أمواله فقال أبو العتاهية
لو كنت في الرأي منسوباً إلى رشد ... و كان عزمك عزماً فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به ... من أن يقال كتاب الله مخلوق
و كتب المتوكل إلى أهل بغداد كتاباً قرئ على المنبر بترك الجدل في القرآن و أن الذمة برئة ممن يقول بخلق أو غير خلق و ولى يحيى بن أكثم قضاء الشرقية حسان بن قيس و كان أعور و ولى قضاء الغربي سوار بن عبد الله و كان أعور فقال بعض الشعراء
رأيت من الكبائر قاضيين ... هما أحدوثة في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قسماً ... كما اقتسما قضاء الجانبين
وفي أيامه ظهر رجل بسر من رأى يقال له محمود بن الفرج النيسابوري وزعم ذو القرنين و معه مصحف قد ألف كلاماً و تبعه على ذلك سبعة عشر رجلاً فقيل له كيف ذهبت إلى ذي القرنين من بين الناس قال لأن رجلين ببغداذ يدعيان النبوة فكرهت أن أكون ثالثهما فصفع صفيعات و تاب هو و أصحابه و بنى المتوكل و تحول إليها و اتخذها وطناً فاغتيل ليلاً وهو ثمل فقتل فقيل فيه
حانت منيته و العين هاجعة ... هلا أتته المنايا و القنا قصد
هلا أتته أعاديه مهاجرة ... و الحرب تسعر و الأبطال تجتلد
و قتل سنة سبع و أربعين و مائتين و كانت ولايته أربع عشرة سنة و عشرة أشهر و أياماً و عمره أربعين سنة و يقال أن ابنه المنتصر دس لقتله فعاش بعده ستة أشهر و روى دعبل بن علي الخزاعي عن الحسن ليلة قتل فيها المتوكل و بويع المنتصر قائلاً يقول
خليفة مات لم يأسف له أحد ... و قام آخر لم يفرح به أحد
فمر ذاك ومر الشؤم يتبعه ... و قام هذا فقام النحس و النكد

و لما بويع المنتصر خلع المعتز و المؤيد و مات بعد ستة أشهر و كان بن أربع و عشرين سنة ثم بويع أحمد بن محمد ابن المعتصم فحبس المعتز و المؤيد و أطلق الحسن بن الأفشين و إخوته و مواليه من الحبس و خلع عليهم و عقد لمحمد بن طاهر بن عبد الله على خراسان فشغب الوالي و الشاكرية و كسروا باب السجن و أنزلوا المعتز و خلعوا المستعين و كانت أيامه سنتين و تسعة أشهر و في أيامه خرج الحسن بن زيد بطبرستان.
أبو عبد الله المعتز و بويع أبو عبد الله المعتز ثم اجتمعت الأتراك و الفراعنة فخلعوا المعتز و كانت أيامه أربع سنين و تسعة أشهر.
المهتدي بالله محمد بن هارون الواثق و بويع المهتدي بالله محمد بن هارون الواثق سنة خمس و خمسين و مائتين و قتل سنة ست و كانت أحد عشر شهراً من أيامه إلى أن توفي المعتز بالله و ظهر البرقعي بالبصرة و جمع الزنج الذين كانوا يكنسون السباخ و قوي أمره.
المعتمد على الله و بويع المعتمد على الله و هو أحمد بن جعفر المتوكل سنة ست و ستين و مائتين و بايعه ممن أبوه خليفة بنو الواثق و بنو المعتز و بنو المتوكل و بنو المنتصر و بنو المستعين و بنو المعتصم و بنو المعتمد و توفي سنة تسع و سبعين و مائتين و كانت ولايته ثلاثاً و عشرين سنة و في أيامه قوي أمر الزنج بالبصرة و غلب الحسن بن زيد على الري و جرجان و طبرستان و خرج يعقوب بن الليث بسجستان و غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على خراسان و خرج سرحب الجمال في إخوته منصور و نعمان فغلبوا مرو و سرخس و خرج علويان بالمدينة اسم أحدهما محمد واسم الآخر حسن و قتلا من أهل المدينة مقتلةً عظيمةً و طالبوهم بعشرة آلاف دينار و مات نسوانها و ولدانها و ضعفاؤها جوعاً ولم يصل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعات و وثب الأعراب على كسوة البيت فنهبوها و صاروا إلى الزنج بالبصرة و خرجت فزارة و قيس و طيء على الحاج فانتهبوهم و سبوا حرمهم و استاقوا إبلهم و قتلوا منهم خلقاً كثيراً و لم يفلت أحد إلا بقطع أو جراحة و خرج علوي بأذربيجان و تسمى الرافع بالله و تغلب عليها و جمع الأكراد و استغواهم و خرج أحمد بن طولون بمصر واستعصى على السلطان و عاث رافع بن أعين في أقاصي خراسان و أفسد و صار عبد الله بن الواثق إلى يعقوب بن الليث يستعينه على المعتمد فذلك الذي أطعمه في قصد بغداذ و كوتب نصر بن أحمد بن أسد شاهان خذاي بولاية ما وراء النهر و لكل واحد ممن ذكرنا قصة و خبر و أخذ المعتمد البيعة لابنه جعفر بن أحمد و سماه المفوض إلى الله و جعل ولي العهد بعده أخاه أبا أحمد الموفق بالله فلما توفي الموفق خلع المعتمد ابنه المفوض إلى الله و أثبت العهد لأبي العباس بن الموفق و سماه المعتضد بالله و توفي المعتمد سنة تسع و سبعين و مائتين.
المعتضد بالله و بويع المعتضد بالله في هذه السنة و مات سنة ست و ثمانين و مائتين فكانت ولايته ست سنين و ستة أشهر و عشرين يوماً و في أيامه خرج زكرويه بن مهرويه في كلب على الحاج فقتلهم و سباهم و قصد الكوفة فأنهض إليه السلطان جيشاً فمارسهم خمسة أشهر ثم ظفروا به فحملوه إلى بغداذ على طريق الشهرة و النكال و حبس فمات في الحبس ثم أخرج فصلب فسرقه القرامطة عن خشبته.
المكتفي بالله علي بن أحمد وبويع المكتفي بالله علي بن أحمد ولي خمس سنين و سبعة أشهر و أياماً و توفي سنة أربع و تسعين و مائتين و كنيته أبو محمد، وبويع المقتدر بالله أبو الفضل جعفر و لم يلي الخلافة أصغر منه و في أيامه فسدت أمور الخلافة و كانت أيامه خمساً و عشرين سنةً، القاهر بالله وسلمت عيناه بويع القاهر بالله و سلمت عيناه و كانت ولايته عاماً واحداً و ستة أشهر، و بويع الراضي محمد بن جعفر المقتدر و كانت ولايته سبع سنين، و بويع المتقي بالله إبرهيم بن جعفر المقتدر و كان صالحاً، و بويع المستكفي خلع وسلمت عيناه، و بويع المطيع لله لثمان بقين من جمادى الآخر سنة أربع و ثلاثين و خلع نفسه يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة فلج و نزع نفسه غير مكره.

هذا آخر كتاب البدء و التأريخ و الحمد لله و صلواته على سيدنا محمد النبي و آله و سلم،و كتبه العبد الضعيف الفقير الراجي رحمة ربه اللطيف خليل بن الحسين الكردي الولاشجرضي غفر الله له و لجميع المسلمين في شهور سنة ثلاث و ستين و ستمائة و الحمد لله و حده و الصلوة على محمد و آله.

===============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس م توحيد

الرابط