الأحد، 27 فبراير 2022

خطبة مفرغة لفضيلة الشيخ أيمن سامي - غفر الله له ولنا-

 قلت المدون راجع مدونة قانون الحق الالهي وموضوع ضوابط الحكم علي الناس بالإسلام أو الكفر

 

 

 مصدر الكتاب مكتبة مشكاة 

https://www.almeshkat.net/book/6532

 خطبة مفرغة لفضيلة الشيخ أيمن سامي


- غفر الله له ولنا-

المشرف العام على موقع الفقه

 

علمًا بأن التفريغ لم يُراجـع بعد من قِبل شيخنا الفاضل.



وإليــكم التفريـــغ.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.





وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [ سورة آل عمران]





{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [ سورة النساء ].





{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [ سورة : الأحزاب]



أما بعد أيها الناس:



جرت سنة الله - عز وجل - في الكون, أن يرفع أقوامًا ويضع آخرين { لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) }[ سورة المائدة].



{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[ سورة البقرة:197].



أيها المسلمون, الخالق الله, والرازق الله, والمدبر لأمر العالم .. الله.



وكما أنه وحده خلق ورزق ودبّر؛ فمن حقه وحده أن يشرع - سبحانه وبحمده -

تأملوا في قول الله تعالى { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[ سورة الأعراف: 54].



فله الخلق وحده, وله الأمر وحده, هو الخالق وهو الآمر - جلّ في علاه -

فمن خلق وحده, من حقه أن يأمر وينهى وحده, وليس من حق بشرٍ أيًّا كان أن يفتات على الله - عز وجل - في حقه.



الإيمان له ستة أراكان؛ وهي المعروفة في حديث جبريل المتفق على صحته " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره "(1)

فليس من حق بشرٍ أيًا كان؛ أن يزيد لها ركنًا سابعًا.



وإذا كان ذلكم هو الإيمان الذي به دخول الدين في الدنيا, وبه دخول الجنان في الآخرة.



فكذلك الكفر الذي هو خروج من الدين وانحراف عن الصراط المستقيم, لا يحق لبشرٍ أيًا كان أن يُخرج منه أحدًا من تلقاء نفسه.



الكفر؛ حكمٌ شرعيّ؛ الله - عز وجل - وحده هو الذي شرعه, والله - عز وجل - هو الذي يحكم به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والعلماء الراسخون في العلم, المبلغون لدين الله وشرعه.



فالمؤمن هو من حكم الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - له بالإيمان.



والكافر هو من حكم الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه من الإيمان.



وفي هذا العصر؛ نبتت نابتة بين المسلمين؛ يُكفرون أهل الإيمان, ويخرجوهم من الإيمان لهوىً في نفوسهم, أو شبهٍ في عقول بعضهم, أو جمعٍ بين هوىً وشبهٍ.



يجمع هؤلاء جميعًا؛ قلة العلم الشرعي, بل إن عامتهم غير متخصص !!



فهل يكون شرع الله هو الكلأ المباح لكل من أراد أن يُدخل في الدين ما ليس منه!!



أو يخرج من الدين ما هو منه !!!



انظروا - رحمكم الله - في الطب؛ لا يتكلم إلا الأطباء, ومن سولت له نفسه أن يبني ويهندس من غير أهل التخصص؛ فإن الدنيا كلها تعيبه وتذمه, وكذلك الدين, لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا العلماء الراسخون في العلم, الذين ينهلون من منهل الكتاب والسنة.



لقد طال بالناس الزمان.. لقد طال بالناس الزمان.



حتى رأينا خوض الزراعي والصناعي ومن لا حرفة له في دين الله - عز وجل -

وأثمر هذا؛ تطاولٌ من أولئكم, تكفيرًا لعامة المسلمين وأفرادهم, وحكامهم؛ بل امتدّ ليشمل تكفير مجتمعات بأسرها, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.



لقد جاءت آيات الكتاب العزيز, وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالتحذير من هذا المسلك, وبيان خطره وخطأه, والتشنيع بمرتكبه.



{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }[ الأعراف:33].



فالقول على الله - عز وجل - بغير علم؛ إثمٌ كبيرٌ, وجرم عظيم, وهو قرين الفواحش ( الإثم والبغي والشرك ).



والله - جل وعلا - هو القائل { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}[ النساء: 94].



وهو سبحانه وبحمد القائل { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }[الحجرات:11].



قال جماعة من أهل التفسير هو قول الرجل لأخيه المسلم [ يا فاسق, يا كافر ].



والله - سبحانه وبحمده, هو القائل { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[ النحل: 106].



قد شُرح صدره بالكفر وامتلأ به.



وشتان شتان؛ بين من يوحد الرحمن ثم يقع معصية أو إثم أو كبيرة من الكبائر, وبين من مُلئ صدره كفرًا - عياذًا بالله -



وتأملوا - رحمكم الله - في اللطيفة القرآنية { مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}.



فالشرح:من التوسيع؛ فلكأنما صدره رحبٌ يجمع كفرًا على كفر, قد امتلأ صدره بالكفر - عياذًا بالله من ذلك -



وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مُبيّنة لهذا وموضحة, بل ومُحذرة من خطورة هذا المسلك, ففي الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنه وعن أبيه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " أيما امرئ قال لأخيه يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما, إن كان كما قال, وإلا رجعت عليه"(2)



إنه مسلك صعب أيها الأحبة في الله...



ففي الصحيحين من قصة أسامة بن زيد- حب رسول الله وابن حبه - صلى الله عليه وسلم - , ورضي الله ععن أسامة وعن زيدٍ أبيه -



لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة في سرية إلى جهينة, وصبحوا القوم, كان من بين القوم رجلٌ حمل عليه أسامة, ورجلٌ من الأنصار, فلما رأى الرجل المشرك بريق السيف قال ( أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله )... تلفظ بالكلمة التي تدخله في الإيمان وتعصم دمه؛ فأما الأنصاري فكفّ- امتنع عن قتله لأنه أسلم وخل في الإسلام - وأما أسامة فحمل على الرجل فقتله, فلما عاد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له النبي ( أو قتلته بعد أن قالها !!! )



قال يا رسول الله: إنما قالها متعوذًا.



التعوذ: هو الفرار والاختباء والاحتماء, نعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ أي نحتمي بالله من الشيطان.



فأسامة رضي الله عنه- يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا الرجل احتمى من القتل في تلك الكلمة؛ لم يقلها بحقها.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أسامة؛ أقتلته بعد أن قال ( لا إله إلا الله ).

قال يا رسول الله: إنما قالها متعوذًا.

فلا زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرر ( أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ).



حتى قال أسامة - رضي الله عنه - : حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت يومئذ(3).

من شدة تعنيف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه لأنه قتل رجلاً قال ( لا إله إلا الله ).



وعن المقداد بن عمر الكندي رضي الله عنه- أن قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أريت لو لقيت رجلاً من الكفار, فاقتتلنا, فضرب إحدي يدي فقطعها, ثم لاذ مني بشجرة, فقال : أسلمت لله؛ أأقتله يا رسول الله, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تقتله.

قال يا رسول الله إنه قطع غحدى يدي, ثم قال ذلك بعد أن قطع إحدى يدي - فرارًا من القتل-

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :لا تقتله.. لا تقتله, فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله, وأنت بمنزلته قبل أن يقولها"(4)

إن قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله فهو بمنزلتك قبل أن تقتله.

قبل أن يقتله ماذا كان الصحابي الجليل؟

كان مسلمًا.. فهو مسلم.



وإن قتلته فانت بمنزلته قبل أن يقول الكلمة.



قبل أن يقول الكلمة التي تدخله في الإسلام ماذا كان ؟؟



كان كافرًا...



إنه وعيد شديد لمن كفّر مسلمًا بعد أن قال ( لا إله إلا الله ).



على هذا المسلك؛ تربى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.



فإنك ترى حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه وعن أبيه - لما رأى شيئًا من التساهل في الناس في أمر التكفير, وأنهم يريدون أن يستدلوا بقول الله - عز وجل - {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[ المائدة: 44].



صدع بالحق, وهو الصحابي الذي دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمه إلى صدره وقال " اللهم فقهه في الدين وعلمه التاويل"(5)



فكان - رضي الله عنه – حبرًا للأمة؛ يجلس يعلم العلم في فناء زمزم, فتمتلئ الساحة في الحرم بطلاب العلم الذين يتعلمون عند هذا العالم الرباني.



فلما رأى أن هناك استخفافًا بأمر التكفير وأنه يمكن أن يوجد في المسلمين من يحكم على المسلمين بالكفر ويقع في تلك الجريمة الشنيعة

قال - رضي الله عنه - ( ليس بالكفر إليه تذهبون إليه, إنما هو كفر دون كفر ).



سبحان الله !!!



هذا الصحابي الجليل؛ تربى على يديه عدد من التابعين, كلهم قال بمثل قوله ( ليس بالكفر إليه تذهبون إليه, إنما هو كفر دون كفر).



وعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الرابع لما سئل عن المخالفين له والخارجين عليه من الخوارج أكفار هم ؟؟



فقال : إنهم من الكفر فروا.

- كيف أكفرهم وقد فروا من الكفر -



مع أنهم خرجوا على أمير المؤمنين - رضي الله عنه -



قال: إنهم من الكفر فروا.

قيل: أوَ منافقون هم ؟؟؟

قال - رضي الله عنه - إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً؛ وهم يذكرون الله كثيرًا.



سبحـــــان الله !!!



انظر إلى انصافهم - رضي الله عنهم -

( إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً, وهؤلاء يذكرون الله كثيرًا )



من هم ؟؟

الخوارج .. الذين خرجوا عليه.



( إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً, وهؤلاء يذكرون الله كثيرًا ).

قيل له - رضي الله عنه - : فأي شئ هم ؟؟؟



قال: قومٌ أصابتهم الفتنة فعموا ثم صموا.



قومٌ أصابتهم الفتنة.. نعم ... التبس عليهم الحق, ولم يُخرجهم من الإسلام - رضي الله عنه وأرضاه -



والإمام أحمد بن حنبل - إمام أهل السنة والجماعة -أصابه ما أصابه من الجهمية, ومع هذا كان يصلي خلفهم, ويرى الائتمام بهم في الصلاة والخروج معهم للحج والغزو, والمنع من الخروج عليهم.

قال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى - : والذي ينبغي أن يميل المسلم إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلاً.



وقال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى -: في (إحكام الأحكام) : وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدًا من المسلمين, وليس كذلك.



وقال الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - في ( السير الجرار ) : اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر؛ لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار.



تلكم هي الحجة, وهذه هي المحجة.



أقول قولي هذا وأستغفر الله



الخطبة الثانية



الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربي ويرضى.



وأصلي وأسلم على من بعثه ربه رحمة للعالمين, ونورًا للدنيا أجمعين.



هاديًا ومبشرًا ونذيرًا, وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.



أما بعد أيها الأحبة في الله...



إن هذا المزلق - مزلق تكفير المسلمين -؛ مزلق صعبٌ.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حكم فيما صحّ عنه " كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه"(6)

فينبغي على المسلم أن يتقي الله - عز وجل - في إخوانه المسلمين.



إن الحكم على المسلمين في التكفير ينبني عليه أمور جسام من إخراجهم من الدين, وفقدهم لعصمة الدم والمال والعرض.



هذا العمر الله مزلق خطير؛ يقع فيه كثير ممن تربى بعيدًا عن هدي النبوة.



عن أنس رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" من صلى صلاتنا, واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا, فذلك هو المسلم الذي له ذمة الله, وذمة رسوله, فلا تخفروا الله في ذمته"(7) رواه البخاري وغيره.



فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا, واكل ذبيحتنا فذلك هو المسلم, له حرمته, وله ذمة الله, وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -

ولا ينبغي التطاول والتعدي. فإن التطاول والتعدي؛ تطاول في حق الله - عز وجل -

والله - عز وجل - {عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}.



أيها الأحبة في الله...



جمعية الشارقة الخيرية تقوم بمشروع رائد في هذه الأيام, وهو مشروع سلة الخير.

وهذا المشروع أيها الأحبة؛ مشروع عظيم النفع, عظيم الفائدة.



العمل الوقفي تجري حسناته ويصل ثوابه لمن قام بهذا العمل, طالما أن هذا العمل باقٍ.



انظرو -حفظكم الله - إلى مسجد ابن عباس الذي نصلي فيه الجمعة, لا زال من بناه لوجه الله؛ تصله الحسنات تلو الحسنات.



يمد الله - عز وجل - في عمره, فيحصل على الأجر والثواب, ثم بعد وفاته لازال المسجد موجودًا فتجري الحسنات كما هي.

هذا هو العمل الوقفي أيها الأحبة, حسناته تمتد للإنسان حتى بعد موته.



يموت؛ ويتوقف عن العمل, ومع ذلك الحسنات تصل إليه.



ولكــــن بحجم جامع ابن عباس - الذي نصلي فيه جمعتنا هذه - يحتاج إلى مالٍ كثير,



وكذلك أعمال خيرية أخرى من بناء مساجد وحفر آبار ونحو هذا؛ تحتاج إلى أموال كثيرة, وليس كل الناس عندهم هذا المال.



فجمعية الشارقة الخيرية؛ رأى المسئولون فيه - جزاهم الله خيرًا - أن يقوموا بهذا العمل الجليل, فيجمعوا ممن عنده درهم, درهمه..

وممن عنده عشرة دراهم؛ عشرة دراهم.. وممن عنده ألف زائدة يُخرجها في سبيل الله؛ يجمعوا الألف.



يجمعوا هذا مع ذاك, حتى يكتمل مالٌ كثير, يقوموا به عمل وقفي واحد.



إذن؛ فمجموعة من الناس يشتركون في وقفٍ, فتصبح أنت ولو بدرهم واحد مساهمًا في هذا الوقف, وتصلك حسنات مضاعفة.



أي أجر, وأي فضل, وأي كرم من الله - عز وجل - أن هيأ هذا العمل !!!



سبحان الله !!!

كان ذلك عندما جاءت امرأة تحمل ألفي درهم إلى جمعية الشارقة الخيرية,

وقالت: أريد أن أبني بها مسجدًا ...

- وهل الألف درهم تبني مسجدًا ؟؟!! -

ما تكفي شيئًا, فحاولوا أن يقنعوها بان هذا المبلغ لا يكفي...

فأبت المرأة وأخبرتهم أن هذا كل ما تملك, وأنها تريد ان تعمل عملاً خالصًا لوجه الله.



فما استطاعوا أن يردوها, ففكروا في هذه الفكرة.



أن يجمعوا من مجموعة متبرعين ما يقيم عملاً وقفيًا واحدًا, وسموا هذا بسلة الخير.



سلة الخير.



سلة يجمع فيها درهم إلى خمس دراهم إلى عشرة إلى مائة إلى ألف, إلى آلاف.

تُجمع في سلة واحدة, من أجل مشروع خيري واحد.

يقوم المشروع الخيري, والحسنات تُوزع على هؤلاء.



فلا تتأخروا - بارك الله فيكم - عن المساهمة في هذا المشروع ولو بالمال القليل.



فإن فيه من الأجر ما الله به عليم.



والوقف؛ عمل جليل, دلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي الجليل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

لما اصاب أرضًا بخيبر, هي أنفس ماله, جاء يستشير النبي - صلى الله عليه وسلم - : عندي مال من أنفس المال؛ ماذا أعمل به؟؟

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"(8)



إن شئت حبّست: من التحبيس, والحبس هو المنع, فيصبح أصل الشئ ممنوع, بئر ماء ممنوع أن يملكه أحد؛ بل هو وقف لله.

برادة ماء على باب مسجد أو في طريق للناس, محبوسة (موقوفة لله) لا يملكها أحد, بل هي لكل من أراد أن ينتفع بها.



إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها, فهذه نصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - الغالية لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

لما جاء يستشير نعم المستشار؛ دلّه على هذا الخير العميم.



الصدقة الجارية...



وها هي الصدقة الجارية تقرع بابك, وبدرهم إن استطعت, وبدرهم إن شئت؛ يجعلك الله - عز وجل - شريكًا في هذه الصدقة الجارية.



أسأل الله - عز وجل - بأسمائه الحسنى, وصفاته العلا أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.



اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أنت أعلم به منا.



أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا انت.



اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل, ونعوذ بك الله من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.



ربِّ آتِ نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.



اللهم فرج همّ المهمومين من المسلمين, ونفس كرب المكروبين,



واقضِ الدين عن المدينين, وفك أسر المأسورين, واشفِ جميع مرضى المسلمين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.



اللهم آمنا في أوطاننا اللهم وأدم الأمن والاستقرار في ربوعنا.



اللهم إنا نسألك الأمن في الوطن, والصلاح في الولد.



اللهم أصلحنا وأصلح بنا, واجعلنا هداةً مهتدين, غير ضالين ولا مضلين.




(1) رواه الشيخان وغيرهما؛

صحيح البخاري/ كتاب الإيمان/ باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة./ رقم 50.

صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/ باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى./رقم 8.

مسند الإمام أحمد/ مسند عمر بن الخطاب/ جـ 1 / رقم 182.


(2) صحيح البخاري/ كتاب الأدب/ باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال./ رقم: 5753.

صحيح مسلم/ كتاب /: الإيمان/ باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر./ رقم 111.

موطأ الإمام مالك/ كتاب: الكلام/ باب: ما يكره من الكلام/ رقم 1777.

مسند الإمام أحمد / مسند عمر بن الخطاب/ رقم165.


(3) صحيح البخاري/ كتاب المغازي/ باب: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهنية./رقم 4021.

صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/ باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله / رقم 96.


(4) صحيح البخاري/ كتاب:المغازي / رقم3794.

صحيح مسلم/ كتاب الإيمان/باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله/ رقم 155.


(5) صحيح البخاري/ رقم 143.




(6) صحيح مسلم/ كتاب: البر والصلة والآداب/ باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله/ رقم 2564.

مسند الإمام احمد / احاديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

سنن الترمذي/ كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/ باب: ما جاء في شفقة المسلم على المسلم/ رقم 1992.


(7) صحيح البخاري/ كتاب أبواب القبلة/ باب: فضل استقبال القبلة./ رقم 384.


(8) صحيح البخاري/ كتاب: الشروط/ باب: الشروط في الوقف./ رقم 2586.

صحيح مسلم/ كتاب: الوصية/ باب: الوقف/ رقم:1632.

مسند الإمام أحمد/ مسند عمر بن الخطاب.

سنن أبي داوود/ كتاب: الوصايا/ باب: ما جاء في الرجل يوقف الوقف/ رقم: 2878.

سنن الترمذي/ أبواب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/ باب: ما جاء في الوقف./ رقم 1389.

============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس م توحيد

الرابط